Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الذكاء الاصطناعي شبح يهدد الحملات الانتخابية في إندونيسيا

يسمح "التزييف العميق" بتمرير رسائل ومعلومات مغلوطة مستغلاً الدقة التي وصل إليها أخيراً

تشير توقعات إلى إمكانية استخدام السياسيين الذكاء الاصطناعي التوليدي للاستجابة الفورية لتطورات الحملات المتسارعة (أ ف ب)

ملخص

تترقب إندونيسيا العام المقبل الانتخابات الرئاسية لاختيار رئيسها الجديد في وقت تتزايد تحذيرات مسؤولين من تقنيات الذكاء الاصطناعي ودورها في العملية

أضحى الذكاء الاصطناعي والتزييف العميق معضلة كبيرة ومصدر قلق لدى أرباب السياسة في الفترة الأخيرة، بخاصة في ما يتعلق بالحملات الانتخابية والتأثير المباشر في ترشيح الناخبين في دول متقدمة تقنياً، ومع وجود قوانين يعدها بعض المتابعين فضفاضة في ما يتعلق بالتقنية وممارساتها.

وقبيل الانتخابات العامة الماليزية، حذر بعض الدارسين من استخدام هذه التقنيات في حملات المرشحين، أما إندونيسيا فيهددها انتشار كثير من مقاطع فيديو التزييف العميق التي تروج لمعلومات مضللة على الساحة السياسية.

وتترقب إندونيسيا العام المقبل الانتخابات الرئاسية لاختيار رئيسها الجديد، في وقت تتزايد تحذيرات مسؤولين من تقنيات الذكاء الاصطناعي ودورها في الانتخابات المقبلة، ومدى إمكانية أن تتفوق الرسائل السياسية المولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي على توصيات مستشاري الحملات الانتخابية، فهل سيتمكن الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة من قيادة خيارات الناخبين أم يسبقها الناخبون بخطوة ويدركون ما قد يروجه الذكاء الاصطناعي من معلومات وصور مغلوطة؟

الذكاء الاصطناعي والسياسة

وفر التقدم التكنولوجي الرقمي أدوات جديدة تسرع من الرسائل السياسية وسبل الإقناع للناخبين خصوصاً في ما يتعلق بالتأثير في رؤية الناخبين والسياسيين وتابعي المرشحين والحملة برمتها. وقد يسمح الذكاء الاصطناعي والتزييف العميق بتمرير عدد من الرسائل والمعلومات المغلوطة مستغلاً الدقة التي وصل إليها خلال السنوات الأخيرة.

ويشير معهد "ماساتشوستس" الأميركي للتكنولوجيا إلى بعض الأخطار التي يمكن أن تحدث نتيجة لتوغل الذكاء الاصطناعي في أروقة السياسة. ويقترح المعهد الأميركي إمكانية أن يقوم الذكاء الاصطناعي بإنشاء حزب سياسي له برنامجه الخاص، ويجذب المرشحين البشر الذين يفوزون في الانتخابات. ومن الممكن بحسب توقعات المعهد أن يعمل الذكاء الاصطناعي على إنشاء منصة سياسية مصممة لجذب اهتمام شريحة معينة من الجمهور، من خلال العمل بشكل مستقل، أو من خلال وسيط بشري والتسجيل رسمياً كحزب سياسي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

خطر آخر وضعه المعهد في الاعتبار، وهو إمكانية أن تتفوق الرسائل السياسية المولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي على توصيات مستشاري الحملة في اختبار الاستطلاع. وبدأ القائمون على الحملات السياسية ومنظمي الانتخابات باللجوء إليه لمساعدتهم في أداء وظائفهم، في حين نشهد محاكاة نتائج الانتخابات باستخدام المستجيبين لها من خلال توليد الذكاء الاصطناعي، الذي من المتوقع أن يحقق أرباحاً هائلة من خلال تقديم توصيات ومساهمات في الحملات السياسية.

من ناحية أخرى، تشير توقعات لإمكانية استخدام السياسيين الذكاء الاصطناعي التوليدي للاستجابة الفورية لتطورات الحملات المتسارعة. وهو يتيح استهدافاً دقيقاً للغاية للجمهور وأهدافهم وانتماءاتهم وطرق إقناعهم، الأمر الذي يعد بالغ الأهمية في الحملات السياسية، إذ لا يريد المرشحون إهدار المال على أولئك الذين يدعمون حملتهم أو يعارضونها بالفعل.

الولايات المتحدة شهدت العام الجاري انتشار صور مزيفة لاعتقال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، على وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن يواجه لائحة اتهام في شأن دفع أموال مقابل الصمت لامرأة تزعم أنه كان على علاقة بها.

وأصدرت لجنة العمل السياسي العليا في الولايات المتحدة الصيف الماضي، إعلاناً يروج لحملة الحاكم رون ديسانتيس التي استخدمت أداة ذكاء اصطناعي توليدية جعلت الأمر يبدو كما لو كان الرئيس السابق دونالد ترمب يقرأ بصوته منشورات وسائل التواصل الاجتماعي من منصة التواصل الخاصة به، ولم يقدم الإعلان أية إخلاء مسؤولية في شأن الصوت الاصطناعي.

وقد حذرت بعض شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل Open AI، الشركة الأم لمشروع "تشات جي بي تي"، الكونغرس الأميركي من أخطار تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في عالم السياسة. وقال سام ألتمان الرئيس التنفيذي السابق للشركة والمؤسس المشارك، أمام اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ في مايو الماضي، "إن أسوأ مخاوفي هي أننا بصناعة تلك التكنولوجيا قد نتسبب في ضرر كبير للعالم. وأعتقد أنه إذا سارت هذه التكنولوجيا على نحو خاطئ فإنها يمكن أن تسوء تماماً".

قانون في ماليزيا

في مايو الماضي قبل إجراء الانتخابات العامة في ماليزيا، حذر محللون ماليزيون من أنه يتعين على السلطات أن تنظر بجدية في إمكانية إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء مواد كاذبة و"واقعية" خلال الحملات الانتخابية. وحتى الآن يرجح المراقبون أن الكلفة العالية والإطار الزمني المطلوب لإنشاء حسابات روبوتية قادرة على القيام بحملات سردية كاذبة هي الرادع الحالي الذي منع انتشار استخدام الذكاء الاصطناعي في الانتخابات العامة خلال هذا العام.

وتتزايد المخاوف في شأن الصور ومقاطع الفيديو والتسجيلات الصوتية التي يتم التلاعب بها بواسطة الذكاء الاصطناعي بخاصة لما تتسم به بيئة الانتخابات، وهي بيئة للمعلومات الفوضوية يتأثر بها الناخبون، في حين أوضح باحث كبير مشارك في معهد أبحاث الخزانة الماليزية جون أي تان، أن استخدام الذكاء الاصطناعي في الحملات الانتخابية يمكن أن يصبح معقداً حيث يمكن استخدامه لإنشاء مقاطع مزيفة عميقة تتطرق إلى مواضيع حساسة، مشيراً إلى أن خوارزميات التوصية لمنصات التواصل الاجتماعي تميل إلى تنظيم وتضخيم المحتوى المثير الذي يولد أكبر قدر من تفاعل المستخدمين، وهو ما يمكن للنشطاء وضع استراتيجية للقيام به.

ويقلق ماليزيا هذا الأمر بشكل خاص نظراً إلى أن مجتمعها المتعدد الأعراق يشهد بين حين وآخر شيوعاً لخطابات الكراهية أو رفض الآخر، بما يزيد من خطر الذكاء الاصطناعي والتزييف العميق في حال استخدامه لتغذية هذه الأفكار المدمرة للنسيج الاجتماعي.

وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أعلنت وزارة العلوم والتكنولوجيا والابتكار الماليزية بالتعاون مع عدد من الوكالات الحكومية ومؤسسات التعليم العالي والجهات الفاعلة في الصناعة، تطوير مدونة أخلاقيات وحوكمة للذكاء الاصطناعي. وأشار وزير العلوم والتكنولوجيا والابتكار تشانغ ليه كانغ، إلى أن مدونة الأخلاقيات والحوكمة ستشكل الأساس لتنظيم الذكاء الاصطناعي في البلاد، ومن المتوقع أن تكون جاهزة بحلول العام المقبل. مضيفاً أن الوزارة تدرس أيضاً الحاجة إلى إنشاء إطار قانوني للذكاء الاصطناعي.

ومن المفترض أن تحتوي خريطة الطريق الوطنية في هذا الشأن على المبادئ السبعة للذكاء الاصطناعي المسؤول، وهي مبادئ توجيهية لتطوير ذكاء اصطناعي موثوق ومسؤول يمكنه حماية حقوق الأفراد وخصوصياتهم بشكل أكبر.

الانتخابات وتهديد التقنية

يتخوف عدد من الباحثين والمراقبين للمشهد السياسي الإندونيسي من إمكانية استغلال الذكاء الاصطناعي في الحملات الرئاسية والانتخابية المقبلة، بما يلقي بظلاله على الناخبين واختياراتهم التي ستحسم اسم رأس الدولة في العام المقبل. وحذر وزير الاتصالات والمعلوماتية الإندونيسي بودي آري سيتيادي، في أكتوبر الماضي من إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء محتوى سلبي مثل التزييف العميق في الفضاء الرقمي خلال الانتخابات العامة لعام 2024.

وأعرب الوزير عن قلقه من إمكانية أن يتقاتل الناس بسبب إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء صوت وصورة زائفين، مشيراً إلى أن الذكاء الاصطناعي، الذي يمكن استخدامه لإنشاء معلومات مضللة قد يؤدي إلى صراعات في المجتمع وتأثير في العملية الانتخابية.

وألمح المسؤول الإندونيسي للحاجة الملحة إلى وضع لائحة تتعلق باستخدام الذكاء الاصطناعي، وتتطلب دراسة متعمقة لفهم التأثير والحفاظ على أخلاقيات استخدامه، مؤكداً أن الحكومة تعكف حالياً على دراسة وضع لوائح خاصة بالذكاء الاصطناعي.

وتأتي تحذيرات الوزير الإندونيسي بعد أن لاقت مواد مرئية وصوتية رواجاً خلال الفترات الأخيرة على منصات التواصل الاجتماعي في إندونيسيا. فأخيراً انتشر مقطع فيديو تم إنتاجه بواسطة الذكاء الاصطناعي لوزير الصحة الإندونيسي السابق تيراوان أجوس بوترانو، زعم خلاله أن هناك نقلة كبرى في علاج مرض السكري، وحظي هذا الفيديو باهتمام كبير على "فيسبوك" قبل أن يتم فضحه من قبل إحدى المنصات المحلية لتدقيق وفحص الحقائق.

وأشارت صحف آسيوية لانتشار مقطع فيديو بسرعة كبرى على منصة "إكس" يظهر الرئيس جوكو ويدودو وهو يغني إحدى الأغنيات الرائجة.

وفي الأسبوع الماضي، انتشر على "تيك توك" مقطع فيديو آخر من إنتاج الذكاء الاصطناعي يصور المرشح الرئاسي برابوو سوبيانتو بينما يتحدث العربية بطلاقة.

من ناحية أخرى، أعلن في يوليو (تموز) الماضي عن تأسيس منصة للحملات الانتخابية معتمدة على الذكاء الاصطناعي في إندونيسيا باسم PEMILU.AI لمساعدة المتنافسين السياسيين في الانتخابات العامة لعام 2024 في استراتيجيات حملاتهم.

واستخدمت المنصة تقنية الذكاء الاصطناعي التوليدية لإعطاء انطباع عن المناطق المستهدفة، والأصوات، والتوصيات الاستراتيجية، والنشاط المستهدف، المجتمع في كل منطقة بناء على القضية الحاسمة الشائعة فيها، وتوصيات الأخبار عبر الإنترنت في الدوائر الانتخابية.

تشير هذه الدلائل إلى إمكانية أن يستخدم الذكاء الاصطناعي في الحملات الانتخابية المقبلة في إندونيسيا وفي مناطق مختلفة بالعالم، ويبقى السؤال المطروح، هل سيتمكن الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة من قيادة خيارات الناخبين أم سيدركون ما قد تروجه تلك التقنيات من معلومات ومقاطع مغلوطة؟

المزيد من تقارير