Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قوانين في بريطانيا تمنع أقارب الأفريقيات الأصل من زيارتهن

إنّ رفض وزارة الداخلية البريطانية منح تأشيرات الزيارة للأقرباء الأفارقة المسنّين بسبب مستوى دخلهم قرارٌ غير قانوني على الأرجح ويشكّل تمييزاً عنصريّاً بحسب المحامين المختصين بشؤون الهجرة

قالت سبوي جاجي إنها شعرت "بالخيانة" بعد أن رفضت وزارة الداخلية تأشيرة زيارة والدتها رغم أنها عملت ممرضة في المملكة المتحدة لأكثر من عقد من الزمان (الصورة لـ سبيوي جاجي)

على السّرير داخل غرفة الزوّار في منزل سيسيليا تيبا اللندني، فرشاةُ أسنان جديدة ومنشفة وكومة من الكنزات الرجالية الخفيفة المطويّة بعناية وضعتها بكل حبّ خلال الشهر الماضي تحضيراً لزيارة والدها إلى المملكة المتحدة. وإلى جانب هذه الأغراض خفّان وقبعة من القشّ، وضعتهما من أجل إعداد المسنّ الآتي من زيمبابوي والبالغ من العمر 85 سنة لتحمّل تقلّبات الطقس البريطاني. ولم تكن سيسيليا لتفطن أنّ أحداً لن يستخدم هذه الأشياء بعد مرور شهرٍ على تهيئتها. 

وانتظرت العاملة في دار العناية بالمسنين التي تبلغ 60 سنة من العمر زيارة والدها لها في بريطانيا طوال أشهر، وكانت انتقلت إلى هذا البلد عام 1999. ولم يتسنّ للعامل الزراعي بول تيبا مغادرة أراضي زيمبابوي الداخلية المحاطة باليابسة قطّ ولذلك أرادت انتهاز فرصة زيارته ليس لكي تريه لندن فقط بل لتأخذه إلى شاطئ البحر للمرة الأولى في حياته. كما ستسنح له فرصة التعرف إلى آرييلا، ابنة حفيدته ذات السنوات الثلاث التي وُلدت في بريطانيا.  

لكن وزارة الداخلية لم تسمح بحدوث أيٍّ من هذه الأمور، ورفضت منحه تأشيرة الزيارة، مبرّرةً ذلك بقولها إنه على الرغم من اقتناعها بقدرة سيسيليا على تمويل زيارته فهي لا تعتقد أنّه يملك ما يكفي من المال لتغطية أية نفقات "قد تطرأ عليه". كما أشارت رسالة الرفض إلى إن سبب عزمه على الزيارة للمرة الأولى "غير واضح"، ولذلك لم يقتنعوا بصفاء نيّته بزيارة المملكة المتحدة.

وتعلّق سيسيليا على الموضوع بقولها "أشعر بالظلم. أحسست بالانتماء إلى البلد والثقافة لكن هذا الحدث أثبت لي العكس. وأشعر الآن بأنني غريبة. لقد عملتُ بجدٍّ وساهمت في المجتمع. وأنا ألتزم بالقانون وأحترمه. وجلّ ما أريده هو أن يزورني لمرّة واحدة. وكل ما أفكر به الآن حين أتوجّه إلى العمل هو "لماذا أقوم بهذا العمل؟".

"هو أبي. وهو من أعطاني الفرصة كي أكون في هذا المكان وكي أقوم بهذا العمل. لذا يجب أن يحقّ له زيارتي. لا سبب لديه كي يطيل زيارته ويتخطّى الوقت المسموح به، لا سيّما خلال موسم البرد فهو لا يستسيغ البرد".

"أهتم كل يوم بالمرضى المسنّين ومنهم الآباء المسنّين فيما أُحرم من حق رؤية والدي".

ليست سيسيليا سوى واحدة من مواطنين أفارقة كثيرين ممن عاشوا وعملوا في المملكة المتحدة طوال عقود وحُرموا من حق زيارة أقربائهم المسنّين لهم، على أساس أن أفراد عائلتهم هؤلاء لا يملكون دخلاً كافياً في بلدهم.  

ويقول المحامون إنّ هذا الرفض يمثّل "سوء تطبيق" لقوانين الهجرة، وقد يُعتبر غير قانوني لأنّ الوضع المالي للمتقدم بالطلب "خارج نطاق البحث كلياً" عندما يثبت طرف ثالث، مثل أولاده المقيمين داخل المملكة المتحدة، بأنه يستطيع تمويل الزيارة. وكما يضيفون أنّ ذكر الدخل والخلفية التي يتحدر منها بهذه الطريقة هما شكلٌ من أشكال التمييز العنصري.

تبرز هذه الحالات على خلفية ظهور المخاوف بوجود تمييز عنصري داخل نظام منح التأشيرات، بعد أن كشف تقريرٌ ظهر الشهر الماضي بأنّ طلبات الزيارة التي يقدّمها المواطنون الأفارقة معرّضة للرفض بما نسبته الضعف أو أكثر مقارنة بغيرها من الطلبات التي يقدمها مواطنو مناطق أخرى من العالم. 

ومن بين الحالات أيضاً حالة سبيوي جاجي المواطنة المتحدرة من زيمبابوي والبالغة من العمر 49 سنة التي قدمت إلى المملكة المتحدة عام 2002 وحصلت على حق اللجوء وتعمل الآن ممرّضة. وتقول جاجي إنها شعرت "بخيانة" المملكة المتحدة لها بعد رفض وزارة الداخلية منح أمها تأشيرة زيارةٍ لسبب شبيه بالحالة السابقة.

ما زال كافة أفراد عائلتها يعيشون في بلدها الأم ومع أنها زارتهم عدداً من المرات لكن زياراتها تقتصر على أسبوعين أو ثلاثة بسبب وقت عطلتها السنوية المحدود. وبعد وفاة والدها منذ ثلاث سنوات، أملت في أن تمضي والدتها ريتيا جاجي وهي مزارعة تبلغ 74 سنة من العمر، بعض الوقت معها في إنجلترا. 

وتقول سبيوي "عندما أذهب إلى بلدي أمضي الوقت في التنقل المحموم لزيارة الأقارب. ولا يعود لديّ متّسع من الوقت كي أجلس مع أمي كما يجب. وعندما توفّي والدي لم يكن لدي ما يكفي من الوقت كي أتصالح مع الموضوع".

"لن ترغب أمي حتى في البقاء طوال المدّة الكاملة للتأشيرة البالغة ستة أشهر فما بالك بالبقاء فترة أطول من ذلك بعد؟ لديها رؤوس ماشية في تلك القرية التي عاشت فيها أكثر من خمسين عاماً. كيف لها أن تتخلّى عنها؟ كل يومٍ تزور قبر زوجها".

"أنا أعتني بالمسنّين في هذا البلد بالكثير من الرحمة والحبّ. وكل يومٍ أرى مسنّات مثل أمي وأعتني بهنّ جيداً. ولكنّهم يحرمون أمي من زيارتي والبقاء بقربي لمدة شهر أو شهرين فحسب".

"أشعر أنهم يمارسون التمييز العنصري ضد المواطنين الأفارقة. ولا أعتقد بأنهم يقيّمون طلباتنا حتى بل يرفضونها تلقائياً".

وتعود الحالة الثالثة للمواطنة النيجرية الأصل إليزابيث إيزيرونيي المقيمة في لندن، وقد مضى أكثر من عقدٍ على إقامتها وعملها داخل المملكة المتحدة، كما أنّها تحمل الجنسية البريطانية. وتقول إيزيرونيي إنها أحست "بخذلان" الحكومة البريطانية لها بعد رفض طلب زيارة قدّمته والدتها ريجينا تشوكوو البالغة من العمر 64 سنة.

تشير السيدة البالغة 34 سنة من العمر، التي تترأس فريقاً من العاملين في أحد دور الرعاية في حين يعمل زوجها أوكيزي مساعداً للبالغين الذين يعانون من صعوبات، إلى أنها رغبت في أن تتعرف والدتها إلى طفلها تشارلز ذو الأشهر الثمانية وأن تساعدها في العناية به خلال المدة المتبقية من إجازة الأمومة.

وتقول إذ تصف لحظة وقعت عيناها على رسالة الرفض "بكيت. بعثنا برسالة وشرحنا أن شقتنا فيها غرفتا نوم وأنها ستبقى معنا. ووفرنا كل كشوف الحسابات البنكية وإثباتات الدخل اللازمة. لكني أشعر بأنهم لم يلقوا أية نظرة على هذه الوثائق حتى".

وتضيف "أعمل مع أشخاص مستضعفين وجلّ ما نطلبه هو أن تزورنا أمي على نفقتنا الخاصة. هل الداعي إلى الرفض أنها أفريقية؟ أم أنها مواطنة نيجيرية؟ لا أعرف. أشعر بأنّ الأمر عنصري وظالم".

 "أعالج أشخاصاً يعانون من صعوبات كل يوم وهذا هو شغفي. وأنا أسهم في النظام وأردّ العرفان. ولطالما كنت وفية لهذا البلد واحترمت القانون. لكن عندما طلبت أن تزورني أمي ردّوا طلبي".

وتعبّر إليزابيث عن رغبتها بالطعن في القرار، لكنّها تضيف أنها لم تستطع دفع نفقات المحامي. وتقول "بعد أن أنجبت ابني، مصدر فرحي، يعاملونني بهذه الطريقة".

من جهته، لفت المحامي المختص بحقوق الإنسان، جون دورفيل، إلى أن هذه الحالات "ليست استثنائية". واتّهم وزارة الداخلية "بسوء تطبيق القوانين الممنهج وتحويلها إلى قوانين أكثر تشدّداً"، وهو ما يقوّض حكم القانون ويشكّل تمييزاً عنصرياً برأيه. ويضيف قائلاً "عند توفر سببٍ للزيارة والتمويل اللازم لها، يجب أن تُمنح تأشيرة الدخول. ولكن ما يقولونه هو أنّ الفقر سيثني الزوار عن العودة إلى بلادهم. وهذا تمييز عنصري لأنه قائم على أساس الدخل المادي بشكل مباشر وعلى أساس دولة المنشأ أو الأصل بشكل غير مباشر، وهو ما يرقى إلى تعريف التمييز العنصري".

"يجب ألّا يدخل المدخول المادي في النقاش أساساً عندما يتكفّل أحد الأطراف بدفع كامل النفقات المترتبة على الرحلة. لا تنص قوانين الهجرة على رفض التأشيرة إذا ما كان دخل الشخص أدنى من مبلغ معيّن".

"تنبع هذه السياسة من سياسة البيئة المعادية. سمّيناها في الماضي "ثقافة الشكّ" ولكنني أعتقد بأنها ثقافة الرفض، لأنّ السبب وراء الرفض ليس شكّهم بالمعطيات".

 من جانبه، قال متحدّث باسم وزارة الداخلية البريطانية "إن كافة الحالات تُدرس بشكل منفصل بحسب معطياتها الخاصة وعلى أساس الإثباتات المتوافرة تماشياً مع قوانين الهجرة".

"نحن نطلب بوضوح أن يتمتّع مقدمو الطلبات بالقدرة على التكفل بنفقاتهم الخاصة ونفقات إقامتهم خلال زيارتهم من دون الحاجة إلى العمل، وأن يثبتوا نيّتهم الحقيقية بمغادرة المملكة المتحدة".

© The Independent

المزيد من الأخبار