Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"حرب الأسماء" العبرية تجهز على البلدات والقرى الفلسطينية

حتى عام 1948 غيرت لجنة الأسماء الصهيونية تسمية 216 موقعاً لاختراق ذاكرة الفلسطينيين ومحو ثقافتهم

أمرت وزارة المواصلات الإسرائيلية عام 2009 بشطب أسماء البلدات والمدن العربية عن الإشارات واللافتات المنصوبة على الشوارع والطرقات الرئيسة (اندبندنت عربية)

ملخص

شملت عملية شطب الأسماء العربية بعض مدن الضفة الغربية فسميت الخليل "حيفرون" ونابلس "شخيم"

يصعب على المارة قرب جامعة تل أبيب، لا سيما الطلبة العرب ألا تنجذب أنظارهم نحو قصر المختار، المعروف بالبيت الأخضر، الذي يستخدم من قبل الطاقم الأكاديمي في الجامعة كمقهى ومكان للمناسبات يحمل اسم "مارسيل غوردون"، فأعمدته البيضاء ونوافذه الطويلة من الخشب والزجاج، والرسوم على سقوفه وبوابته الكبيرة، هي كل ما ظل صامداً حتى اليوم من قرية "الشيخ مؤنس" المهجرة التي أزيلت عن وجه الأرض أثناء نكبة عام 1948 كواحدة من بين 418 قرية مثيلة، فمع هجرة الفلسطينيين، سارع أعضاء الحركة الصهيونية آنذاك إلى الاستيلاء على الأبنية المركزية، وأقاموا فيها قاعدتهم الرئيسة وأطلقوا عليها اسم "رمات يائير". وعلى رغم أن حي "رمات أفيف" الشهير بما فيه جامعة "تل أبيب" التي أقيمت على أنقاض القرية عام 1965، ترفض الاعتراف بالهوية العربية الفلسطينية للمكان، فإن عدداً كبيراً من الخرائط والوثائق والشهادات، أكدت أن قصر المختار، الذي ما زال يستخدم إلى اليوم وبني بجواره أربعة متاحف للذاكرة اليهودية، شيد في أواخر القرن الـ19 ليكون منزلاً للشيخ إبراهيم أبو كحيل.

 

وحدث أن فوجئ ركاب رحلة شركة "سويس" السويسرية عام 2018، بظهور اسم "قرية الشيخ مؤنس" على الخريطة المعروضة على شاشات المقاعد في طائرة "بوينغ 777" لدى وصولهم في الرحلة من زيوريخ إلى تل أبيب.

خريطة جديدة

بحسب مؤرخين، حاولت الحركة الصهيونية، منذ بداية الانتداب البريطاني على فلسطين، إعادة تسمية الأماكن والمواقع الفلسطينية التاريخية بأسماء عبرية لمحو الذاكرة الفلسطينية العربية، وتمكنت من إنشاء خريطة عبرية شاملة للأماكن كافة تجاهلت الأسماء العامية المستخدمة من قبل السكان الفلسطينيين، وكانت أكثر التسميات إثارة للسجال في حينه إطلاق اسم "يروشلايم" على القدس، و"إيرتس يسرائيل" التي تعني "أرض إسرائيل" على فلسطين، التي اعتمدت، عام 1920، على طوابع حكومة الانتداب البريطاني الرسمية.

 

ووفقاً لدراسات بحثية، قامت الوكالة اليهودية غداة قيام دولة إسرائيل بتشكيل لجنة أسماء تساعد على اختيار أسماء المستعمرات، وغيرت، حتى عام 1948، تسمية 216 موقعاً، وبادر رئيس الوزراء الأول لإسرائيل ديفيد بن غوريون بعد ذلك بضم هذه اللجنة رسمياً، وإلزامها وضع تسميات عبرية للقرى والمدن الفلسطينية المهجرة، وتمكنت، خلال سنوات، من عبرنة أكثر من سبعة آلاف اسم لمواقع فلسطينية، منها أكثر من خمسة آلاف موقع جغرافي ومئات عدة من الأسماء التاريخية، وأكثر من ألف اسم للمستوطنات.

وفي عام 1951، سعت لجنة "التسميات" التابعة للحكومة الإسرائيلية، إلى ضم أعضاء كنيست، وممثلين عن وزارة الداخلية، ومؤرخين، وعلماء آثار، ومتخصصين في اللغة العبرية، لربط مشروع التسميات بالمشروع السياسي اليهودي، عبر إحياء الأسماء العبرية القديمة للمواقع الفلسطينية، للإشارة تاريخياً بين اليهود وفلسطين، أو من خلال استحضار أسماء توراتية لتعميق الرابطة الدينية لليهود من المهاجرين الجدد، وإقناعهم بأن فلسطين هي "أرض إسرائيل" التاريخية.

وبحسب الأبحاث، تمكنت "لجنة التسميات" من وضع أسماء تاريخية قديمة من فترة التوراة على 350 بلدة (أي نحو 40 في المئة من مجموع البلدات الفلسطينية المهجرة)، إضافة إلى تسمية 167 بأسماء مستوحاة من الطبيعة والبنية الجغرافية، وأخذت 146 بلدة فلسطينية أسماء ذات طابع قومي يهودي، في حين سمي 17 موقعاً فلسطينياً بأسماء معارك تاريخية يهودية وشخصيات يهودية وأجنبية، وامتد عمل اللجنة إلى ما بعد عام 1967 حتى وصلت إلى الضفة الغربية وقطاع غزة وشرقي القدس، وهضبة الجولان، وبدأت تسمية الأماكن في هذه المناطق بوجود ممثل عن مجلس المستعمرات بالتنسيق مع المجالس المحلية للمستوطنين.

يقول الباحث الفلسطيني ياسر سليمان، في كتابه حرب اللغات، "بإزالة معظم أسماء الأماكن باللغة العربية من الخريطة، لم تخلق إسرائيل فقط خريطة جديدة، وإنما رسـمت واقعاً جديداً ربحت به العبرية عـلى العربية. لقـد كان احتلال الخريطة أسهل كثيراً مـن احتلال الأرض".

شطب العربية

عام 2004، تمكنت لجنة الأسماء الإسرائيلية من إصدار "أطلس إسرائيل" الذي احتوى أسماء المستوطنات والمواقع الجغرافية والتاريخية والمتنزهات والأماكن المقدسة والمجمعات الصناعية وغيرها التابعة للمدن الكبرى والرئيسة في إسرائيل، إلا أن عملية عبرنة الأسماء اتخذت شكلاً أكثر صرامة ورسمية، عام 2009، عندما أمرت وزارة المواصلات الإسرائيلية آنذاك بشطب أسماء البلدات والمدن العربية عن الإشارات واللافتات المنصوبة على الشوارع والطرقات الرئيسة، وأن يحتفظ بأسمائها العبرية. وبناء على التعليمات، استبدل اسم القدس باسم "يروشلايم"، وأصبحت مدينة الناصرة "نتسيرت"، ويافا "يافو"، وتحول اسم مدينة عكا في اللافتات إلى "عكو"، وصفد إلى "تسفاد"، وأم الرشراش إلى "إيلات"، وبئر السبع إلى "بير شيبع"، وعسقلان أصبحت "أشكلون"، وبيسان "بيت شان"، ورأس النقب تغيرت كلياً لتصبح "معاليه عقربيم"، وأم دومانة تحولت إلى "ديمونة".

وشملت عملية شطب الأسماء العربية بعض مدن الضفة الغربية كذلك، فسميت الخليل "حيفرون"، ونابلس "شخيم". وأكدت دراسات عدة للمؤرخ الفلسطيني شكري عراف أن حملة إبادة الذاكرة العربية توسعت منذ أكثر من 120 سنة لتشمل تهويد الأماكن المقدسة وقبور المسلمين، وركز المسؤولون الإسرائيليون في وسائل الدعاية المختلفة على مدار عقود، على استخدام الأسماء العبرية للمواقع والأماكن في الضفة وقطاع غزة وتجنبوا استخدام الأسماء العربية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واستكمالاً لمخطط التهويد، قررت الشرطة العسكرية وإدارة المعابر الإسرائيلية، عام 2011، "عبرنة" أسماء الحواجز في الضفة الغربية واستخدام الأسماء العبرية بدلاً من العربية، بحيث أصبح حاجز "لاخيش" بدلاً من ترقوميا، و"بيكوريم" بدلاً من حزما، و"كريات سيفر" بدلاً من نعلين، و"بتحات مكابيم" بدلاً من بيت سيرا، و"بيتار" بدلاً من حوسان، و"غلبواع" بدلاً من الجلمة، و"بيت أرييه" بدلاً من رنتيس، و"يوآف" بدلاً من عزون، و"تيئنيم" بدلاً من جبارة. وقالت مصادر عسكرية إسرائيلية، إن "عبرنة" الأسماء العربية للحواجز "سينقل رسالة للفلسطينيين، من جهة، بأن الحديث يدور عن معبر يخضع لسيطرة إسرائيلية، ومن جهة أخرى، سينقل للجنود ولرجال المعابر رسالة مفادها بأنهم لا يدافعون عن منطقة فلسطينية وإنما عن منطقة إسرائيلية.

أزقة وشوارع

وركزت السلطات الإسرائيلية طوال العقدين الماضيين، على استعمال المصطلحات والتسميات التي تخدم المشروع التهويدي في مدينة القدس أكثر من غيرها، ومررت أسماء توراتية، خصوصاً تلك المتعلقة بالمسجد الأقصى، وحائط البراق وباب المغاربة، وأطلقت مصطلح "هار هبايت" بالعبرية ومصطلح " "The temple mountباللغة الإنجليزية، ومصطلح الحرم القدسي باللغة العربية، بينما استعمل اسم "هكوتيل همعربي" باللغة العبرية، وThe western wall باللغة الإنجليزية، واسم الجدار الغربي، على حائط البراق، وحذرت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث من أن نصب هذه اللافتات واعتماد هذه التسميات والمصطلحات اعتمد من أجل تمرير الروايات التوراتية والمخططات التهويدية.

 

ولم يسلم الشطر الشرقي من مخطط العبرنة والتهويد، حتى صادقت بلدية القدس، عام 2015، على تسمية الشوارع في البلدة القديمة والقدس الشرقية عموماً، بأسماء عبرية ذات دلالات توراتية، في خطوة رأى الفلسطينيون أنها مهدت لفرض الطابع اليهودي على المقدسيين عنوة على رغم الأكثرية العربية التي تسكن الشطر الشرقي. ومن بين الأسماء التي عمدت بلدية القدس على استبدالها اسم "جبل الزيتون" بـ"هار همشحاة"، وهو الاسم التوراتي للجبل الذي يعد أعلى جبال القدس، وبحسب الديانة المسيحية، صعد المسيح عيسى بن مريم منه إلى السماء، كما أطلقت البلدية اسم "شير همعلوت" على حي البستان بمدينة سلوان، وهو توراتي يدل إلى الطريق إلى "الهيكل"، ودلالته الدينية السياسية هي تغيير الطريق إلى المسجد الأقصى. ويعتبر خبير الاستيطان والخرائط ونظم المعلومات الجغرافية، خليل التفكجي أن "عبرنة" المواقع والشوارع والمدن الفلسطينية "جزء من سياسة إسرائيلية لاقتلاع الجذور العربية وإحلال أخرى عبرية مكانها لإقناع الزائر الأجنبي، بأن المكان يهودي منذ الأزل".

وكشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، عام 2020، أن بلدية القدس أطلقت على عدد من الشوارع في حي بطن الهوى في بلدة سلوان، الذي تقيم فيه 12 عائلة يهودية، أسماء حاخامات يهود مثل الحاخام مدموني، والحاخام أبراهام إيلنداف، والحاخام يحيى يتسحاق هليفي.

ويرى الباحث أحمد الدبش، في دراسته "عبرنة الخريطة الفلسطينية"، أن إعادة تسمية الأماكن والمواقع التاريخية بأسماء عبرية، بوصفها جزءاً لا يتجزأ من الصراع السياسي في فلسطين، تدل إلى طمس التاريخ وإسكاته وتلفيق تاريخ توراتي إسرائيلي جديد ومتخيل.

ويقول المؤرخ الفلسطيني جوني منصور، إن المكان والذاكرة الجماعية يشكلان قوام الهوية "فالمكان الجغرافي المادي يتحول إلى مخزون من الذاكرة والتاريخ، وبتركيبته يكوِّن ويصقل شخصية ساكنيه وأنماط حياتهم وتوجهاتهم المستقبلية".

المزيد من تقارير