ملخص
ترك أكثر من ستة ملايين سوداني منازلهم هرباً من القتال المستمر بين الجيش و"الدعم السريع" منذ 15 أبريل الماضي
تواصلت المواجهات العنيفة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" لليوم الثاني، إذ خاض الطرفان معارك ضارية، أمس الأحد، في منطقة جبل أولياء، أقصى جنوب الخرطوم. وأعلنت قوات "الدعم السريع" سيطرتها على قاعدة جوية تابعة للجيش الذي نفى هذا الادعاء.
وفيما بثت قوات "الدعم السريع" على صفحتها بمنصة "إكس" مقاطع فيديو قالت إنها لعدد من أفرادها بجانب مجموعة من الطائرات المقاتلة داخل قاعدة "النجومي" الجوية بمدينة جبل أولياء التابعة للجيش، وهم يتحدثون عن استيلائهم عليها بالكامل، سارعت القوات المسلحة السودانية أيضاً إلى نشر مقاطع مصورة على صفحتها في "فيسبوك" لجنود يتجولون بمنطقة جبل أولياء العسكرية "بعد دحر القوات المتمردة وتكبيدها خسائر كبيرة"، بحسب زعمهم.
وأوضح المتحدث باسم الجيش السوداني العميد ركن نبيل عبدالله في تصريح حول الموقف العملياتي أن "قوات (الدعم السريع) حاولت الهجوم على قوات الجيش في منطقة جبل أولياء وتم دحرها تماماً". وأضاف عبدالله "نؤكد أنه لا صحة لما روجت له الميليشيات من احتلال قاعدة النجومي بجبل أولياء أو حتى مجرد الاقتراب منها، فقواتنا تمكنت من التصدي للعدو ودحره، وتراجع متكبداً خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد".
وواصل المتحدث باسم الجيش "أما في ما يتعلق بسير العمل في بقية المناطق داخل العاصمة وخارجها، فهو يسير وفق ما هو مخطط له، وقواتنا في أتم الجاهزية للتصدي لأية مغامرات من جانب العدو حتى يتم النصر قريباً".
وبحسب شهود عيان، فإن معارك ضارية دارت منذ الصباح الباكر أمس الأحد داخل أحياء جبل أولياء الجنوبية، إذ تعرضت لضربات مدفعية مكثفة قبل اندلاع الاشتباكات.
وفي أم درمان أشار مواطنون إلى وقوع اشتباكات بين الجيش و"الدعم السريع" في أحياء المسالمة، والبوستة، وأبو روف، والعمدة وسط المدينة، فضلاً عن حدوث مواجهات في محيط السوق الشعبية غرب أم درمان، كما شهد سلاح المهندسين جنوب أم درمان مواجهات هي الأعنف منذ أيام.
ووفقاً لهؤلاء المواطنين، فإن قصفاً مدفعياً مكثفاً استهدف ضاحية الثورة بمحلية كرري بشمال أم درمان، حيث ينتشر الجيش.
كارت ضغط
في الأثناء، قال الباحث السياسي السوداني الحاج حمد إن "(الدعم السريع) تحاول أن تستخدم تعزيز وجودها على الأرض ككارت ضغط في المفاوضات الجارية بينها والجيش في منبر جدة، لكن هذه المسألة لا تغير في ميزان القوة بين الطرفين من خلال توسع (الدعم السريع) على الأرض في دارفور باستيلائها على عدد من مقار الجيش في هذا الإقليم، لأن الأخير كان يسحب قواته من دارفور إلى الخرطوم، إضافة إلى أنه يعتمد في سيطرته على الطيران والمدفعية الثقيلة". واعتبر حمد أن "مرحلة المواجهة البرية بين القوتين المتحاربتين لن تحدث باعتبار أن دارفور منطقة موبؤة بالعمليات، بالتالي ستستمر عملية الكر والفر، لأن الوضع لا زال غير مفهوم وغير معلوم إلى أين سيستقر، بخاصة أن قوات (الدعم السريع) ترتكب جرائم تطهير عرقي وغيرها من الأفعال المشينة، مما يجعل وجودها على الأرض غير مفيد عملياتياً". وأردف "بالتأكيد أن قائد الجيش عبدالفتاح البرهان تعرض خلال زيارته إلى الرياض أخيراً للمشاركة في القمة السعودية - الأفريقية، والقمة العربية - الإسلامية المشتركة، لضغوط لتسهيل الانتقال للمرحلة الثانية من المفاوضات للوصول إلى وقف مستدام لاطلاق النار أو في الأقل طويل المدى، ووقف العدائيات، وإخلاء قوات (الدعم السريع) الأعيان المدنية على الأقل في الخرطوم. وفي اعتقادي أن قوات (الدعم السريع) ستشترط مقابل خروجها من منازل المواطنين ابتعاد الإسلاميين من المشاركة في العمليات العسكرية".
وبين الباحث السوداني أن "الشيء الإيجابي في منبر جدة هذه المرة أنه ضم كل أصحاب المبادرات كميسرين، إضافة إلى وجود وفدي طرفي النزاع طول فترة التفاوض خلال المرحلة الأولى، فضلاً عن تناول المفاوضات الجوانب التي كان مسكوتاً عنها مثل العدائيات وفتح المسارات الإنسانية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إبادة جماعية
إلى ذلك، أبدى الاتحاد الأوروبي تخوفه من تصاعد أعمال العنف في إقليم دارفور، محذراً من خطر وقوع إبادة جماعية جديدة، بعد أن أدى الصراع في هذا الإقليم بين عامي 2003 و2008 إلى مقتل نحو 300 ألف شخص وتشريد ما يربو على مليونين.
ونوه مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في بيان بتقارير نقلت عن شهود إفادتهم بمقتل ما يزيد على ألف شخص من قبيلة المساليت في أردمتا بولاية غرب دارفور، خلال أكثر من يومين فقط إثر هجمات شنتها قوات "الدعم السريع" وميليشيات تابعة لها.
ومضى بوريل قائلاً "تبدو هذه الأعمال الوحشية الأحدث جزءاً من حملة تطهير عرقي أوسع نطاقاً تنفذها قوات (الدعم السريع) بهدف القضاء على مجتمع المساليت غير العربي غرب دارفور، وتأتي على رأس الموجة الأولى من أعمال عنف واسعة التي اندلعت في يونيو (حزيران)". وزاد "لا يمكن للمجتمع الدولي أن يغض الطرف عما يحدث في دارفور، ويسمح بحدوث إبادة جماعية أخرى في هذه المنطقة".
تخوف ونزوح
من جانبه، أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، ترك أكثر من ستة ملايين فرد منازلهم هرباً من القتال المستمر بين الجيش و"الدعم السريع" منذ 15 أبريل (نيسان) الماضي.
وأشار مكتب "أوتشا" في تقرير له إلى إن "الحرب تسببت في نزوح 4.9 مليون شخص، لجأوا إلى 5191 موقعاً في جميع ولايات السودان الـ18"، مشيراً إلى أن 68 في المئة من النازحين فروا من الخرطوم، بما يعادل 3.3 مليون شخص.
وبين التقرير فرار 85 ألف سوداني إلى البلدان المجاورة بحثاً عن الأمان والحماية خلال الشهر الماضي، ليصل إجمالي عدد من عبر الحدود إلى 1.2 مليون شخص لجأوا إلى أفريقيا الوسطى وتشاد ومصر وإثيوبيا وجنوب السودان.
تداعيات التدمير
في غضون ذلك، ما زال تدمير جسر شمبات الذي يربط بين مدينتي أم درمان وبحري مسيطراً على نقاشات السودانيين في مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرين أن ما تعرض له الجسر يعد خسارة كبيرة للبنية التحتية في البلاد، الأمر الذي يزيد من الأعباء الاقتصادية والمالية المترتبة عن الحرب، والتي قدرت خسائرها بأكثر من 100 مليار دولار حتى الآن.
واعتبر القيادي في تحالف قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) ياسر عرمان "تدمير المرافق الحيوية والمدنية مثل ما حدث في كبري شمبات جريمة حرب يتحملها الطرف الذي ارتكبها".
وبين عرمان أن "جريمة نسف كوبري شمبات تطور نوعي في تدمير المرافق الحيوية وتدمير العاصمة التي كلفت شعبنا 200 عام من العمل الشاق".
ولفت القيادي في "قوى الحرية والتغيير" إلى أن "قتل المدنيين وتدمير المرافق الحيوية المدنية يجب أن يكون عنوان حملة شاملة إقليمية ودولية، وقيام لجنة تحقيق إقليمية ودولية مستقلة ستصل إلى المجرم الحقيقي طال الزمن أم قصر".