Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصراع العربي- الإسرائيلي... 75 عاما من الحرب النفسية

اختلفت وسائلها بمرور الزمن من الأكثر بدائية إلى الجيل الرابع والخامس

أطفال فلسطينيون يركبون دراجة مع رجل، يحدقون في الدمار الذي وقع  في قطاع غزة، 10 نوفمبر 2023 (أ ف ب)

ملخص

شهد الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي حلقات من الحروب النفسية بدأت بالمنشورات ونشر الإشاعات وانتهت بالذكاء الاصطناعي والتزييف العميق.

على مدار الزمن كانت الحرب النفسية جزءاً لا يتجزأ من الحرب، وإن اختلف شكلها باختلاف العصر ووسائله المتاحة بدءاً بأكثرها بدائية مثل اعتماد الجيوش على قرع الطبول واستخدام الأبواق عند احتلالهم لمدينة ما لإرهاب أهلها مروراً بنشر الإشاعات والأخبار المغلوطة عن طريق أفراد يتم دسهم وسط الأهالي للحديث عن الفظائع والأهوال التي يرتكبها الجيش القادم، وصولاً إلى ما يطلق عليه حروب الجيل الرابع والخامس التي أصبحت فيها الحرب النفسية تستخدم كل وسائل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وصارت جزءاً رئيساً من الحرب.

لم تعد المعارك العسكرية فقط هي ما يعتمد عليه لحسم الحرب، لكن المعارك الإعلامية والحرب النفسية التي يشنها كل طرف على الآخر صارت لا تقل ضراوة عن الاشتباكات المسلحة ولا تقل عنها في التأثير.

في كتابها "الدعاية واستخدام الراديو في الحرب النفسية" عرفت أستاذة الإعلام الراحلة جيهان رشتي الحرب النفسية بأنها اصطلاح جديد لنشاط قديم يهدف لإضعاف الروح المعنوية للعدو وتقوية الروح المعنوية في الجبهة الداخلية، وجذب المحايدين وتحييد أصدقاء العدو، مشيرة إلى أن الحرب النفسية تهدف إلى تخفيض كلفة الحرب وتحقيق النصر بأقل تضحية في المعدات والأفراد وبكونها نشاطاً يتسق مع أوجه النشاط الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والعسكرية.

 

 

ربما كانت فترة الحرب العالمية هي واحدة من الفترات التي شهدت ذروة استخدام الحرب النفسية بمفهومها الحديث، فإلى جانب المعارك المستعرة التي طاولت أجزاء متفرقة من العالم كانت الحرب النفسية الدائرة بين فريقي المحور والحلفاء لا تقل ضراوة، وربما كانت الدعاية النازية التي قام بها جوزيف غوبلز وزير الدعاية الشهير لهتلر واحدة من أبرز الأمثلة على الحرب النفسية وتأثيراتها، وعلى رغم انقضاء الحرب وهزيمة ألمانيا منذ عشرات السنوات فلا تزال مقولة غوبلز الشهيرة "اكذب حتى يصدقك الناس" قائمة وحاضرة ومستخدمة بقوة على رغم اختلاف الوسائل وتطورها.

في قضية فلسطين

على مدار الصراع العربي- الإسرائيلي الذي يمتد أكثر من سبعة عقود كانت الحرب النفسية حاضرة بقوة بصور مختلفة، وبالتواكب مع الأحداث الأخيرة في غزة تشن إسرائيل حرباً نفسية غير مسبوقة على الفلسطينيين باستخدام آلة إعلامية قوية تدعمها كثير من وسائل الإعلام الغربية باستخدام كل الوسائل وأكثرها تقدماً.

في المقابل يظهر الملثم المكنى بأبو عبيدة، الذي أطلق عليه قائد الحرب النفسية على جيش الاحتلال في مقاطع الفيديو التي تبثها المقاومة كرد على الآلة الإعلامية الإسرائيلية حتى إن رئيس الوزراء الإسرائيلي في واحد من خطاباته الأخيرة صرح بشكل مباشر بأن مقاطع الفيديو التي تبثها "حماس" تمثل حرباً نفسية على الإسرائيليين.

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس أيمن الرقب يقول لـ"اندبندنت عربية" إنه "منذ أحداث النكبة عام 1948 والحرب النفسية قائمة وتتطور بتطور أدوات عصرها، فمع بداية احتلال إسرائيل لفلسطين كان الاعتماد على المنشورات المكتوبة التي ينشرها جيش الاحتلال ومحطات الراديو، الذي لم يكن له وجود كبير في البيوت حينها، إضافة إلى الروايات الشفوية لأحداث يتم تداولها بين الناس عن أهوال قام بها الجيش الإسرائيلي عند دخوله لقرية معينة مثل قتل الأطفال واغتصاب النساء وهكذا، مثلما حدث في مذبحة دير ياسين على سبيل المثال، فينتج منها رحيل الأهالي من منطقة معينة بعد تعرضهم لمثل هذه التأثير الناتج من الحرب النفسية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف الرقب "مع مرور الزمن وتطور الأدوات شهد الصراع العربي- الإسرائيلي شكلاً آخر من أشكال الحرب النفسية معتمداً على محطات الراديو بلغ ذروته في فترة الستينيات مع أحداث النكسة وحتى حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 وكان الاعتماد هنا على بث الرسائل من خلال المحطات المحلية التي كانت سائدة خلال هذه الحقبة وكان لها تأثير هائل في الناس، وبحلول فترة التسعينيات وبداية الألفية اختلف المشهد وانتقلت الحرب النفسية إلى شاشات التلفزيون مع ظهور القنوات الفضائية وانتشارها بكثافة خلال هذه الفترة".

ويشير أستاذ العلوم السياسية إلى أن "الحرب النفسية اليوم تعتمد بشكل رئيس على منصات وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت أحد أهم أدوات الحرب وفي ما يتعلق بالصراع العربي- الإسرائيلي فإنه يمكن القول إن بداية الاعتماد عليها كان مع أحداث مايو (أيار) 2021 التي وقعت في غزة حيث انتشرت بشكل كبير في الداخل والخارج، لكن الأحداث الحالية هي النموذج الأبرز لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي، فهي على رغم التضييق وكم المعلومات المغلوطة كان لها تأثير في جانب آخر وهي كسب تعاطف بعض من عامة الشعب في الدول الداعمة لإسرائيل بشكل مباشر نتيجة تداول الفظائع التي يقومون بها والتي تتنافي ليس فقط مع الحرب، لكن مع أبسط قواعد الإنسانية".

حروب الجيل الرابع والخامس

الشكل الحديث للحرب النفسية يأتي متمثلاً في حروب الجيل الرابع والخامس، التي لا تعتمد فقط على الاحتلال العسكري، لكن على احتلال العقول بآليات غير عسكرية من بينها الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، إضافة إلى الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، وجميع وسائل التكنولوجيا لشن حرب نفسية لإضعاف المقاومة وإحداث تأثير نفسي على الجماهير ربما يجعل القيام بالعمليات العسكرية أكثر سهولة.

نشوة عقل أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة تقول "لم تعد الحرب النفسية تعتمد على الشكل التقليدي المتعارف عليه فقط، لكن بدخول عصر الذكاء الاصطناعي ظهر مفهوم التزييف العميق Deep fake لمحتوي قد يحقق انتشاراً كبيراً ويكون له تأثير هائل، وهو في النهاية مزيف مثل كثير من الصور المغلوطة التي تم تداولها أخيراً بالتواكب مع الأحداث في غزة والتي في كثير من الأحيان لا يستطيع الشخص العادي التحقق من كونها حقيقية أو مزيفة، وهذا يضيف بعداً جديداً وشكلاً مستحدثاً من أشكال الحرب النفسية باستغلال أدوات العصر الرقمي".

 

 

وترى عقل أن "المعلومات المضللة كأحد أسلحة الحرب النفسية والدعائية وسيلة مهمة يعول عليها في القضاء على معنويات العدو والتغلب عليه، كما تؤثر في تشكيل الوعي ومنظومة القيم بداخلها عبر التلاعب بالعقول وصناعة الكذب بخاصة أنها تنمو وتتطور في بيئة تنعدم أو تضعف أو تتأخر فيها المعلومات الكافية بشفافية ووضوح مما ينتج منه حالة من بث الخوف وهو ما تم توظيفه في كثير من الحروب والصراعات السياسية".

فرز الحقيقي من المضلل

كمٌ غير مسبوق من المعلومات يتعرض له الناس حالياً مقارنة بعصور سابقة يمثل نقطة قوة لمن يشن حرباً نفسية على شعب بعينه، لكنه في الجانب الآخر يتيح التعرض لكثير من المعلومات من مصادر مختلفة، لكن تبقى مسؤولية التفرقة بين الحقيقي والمضلل عصية على كثير من الناس في ظل التطور التكنولوجي الكبير الذي يجعل الأمر شديد الصعوبة.

وتقول عقل إن "الاختيارات حالياً أصبحت كثيرة أمام المشاهد، سواء في الإعلام التقليدي أو الرقمي بجميع أشكاله، ويتعرض الناس للمعلومات الحقيقية والمغلوطة، بالتالي فمسؤولية الفرز أصبحت تتطلب مستوى كبيراً من الوعي لمحاولة التعرف إلى المحتوى الصادق من المضلل. ومن مميزات المجتمعات العربية أنها بها نسبة كبيرة من الشباب وهم بطبيعتهم أكثر قدرة على التعامل مع التكنولوجيا، وهذا يمثل نقطة قوة كبيرة في مصلحتنا يمكن استغلالها، وتدريس مناهج الذكاء الاصطناعي وتحليل خوارزميات السوشيال ميديا ونشر الثقافة الرقمية وتطبيق برامج التحقق من البيانات Fact Checking، والتي تطورها كبرى شركات التكنولوجيا باعتبارها واحدة من أهم متطلبات العصر التي يجب أن يتعلمها الشباب".

وتضيف أستاذة الإعلام أن "المحتوى الصادر من العالم العربي كثير، لكنه بدرجة كبيرة غير مؤثر ويحتاج إلى تطوير واستغلال لجميع إمكانات الوسائل حتى يؤتي هدفه، وفي الوقت ذاته مخاطبة الآخر بلغته واللغة هنا لا تعنى فقط الكلمة بمعناها ولكنها تعني ثقافة الآخر والطريقة التي يمكن أن يقتنع عن طريقها، سواء من حيث انتقاء المفردات أو طبيعة المحتوى ذاته. فالمواطن الغربي العادي يمكن أن يتضامن مع القضايا إذا تطرقت للجانب الإنساني بشكل أكبر، لأنه غالباً لا يفهم الخلفيات السياسية للصراع العربي- الإسرائيلي باعتبار أن قوتهم الإعلامية كانت أكبر على مدار عشرات السنوات بالتالي سرديتهم هي السائدة".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير