Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

توقعات أميركية بأزمة لحوم في مصر العام المقبل

تقرير حديث يرجح تراجع واردات الماشية الحية بنحو النصف وهبوط الإنتاج المحلي بفعل نقص الدولار

النمو السكاني وتدفق اللاجئين يشكلان ضغوطاً على الاستهلاك وسط تراجع في القدرة الشرائية (أ ف ب)

ملخص

يتوقع التقرير انخفاض استهلاك لحوم البقر في مصر عام 2024 بنسبة 6 في المئة ليصل إلى 600 ألف لتراجع القوة الشرائية للمصريين

أوقع التضخم الناجم عن الحرب الروسية – الأوكرانية وشح النقد الأجنبي في البلاد، بالغ الضرر في قطاع الثروة الحيوانية المصرية، وفي حين كان يتوقع ارتفاع استهلاك المصريين من لحوم الأبقار في 2024، فإن انخفاض واردات بلادهم من الماشية الحية إلى النصف كما في العام الحالي، يلقي بتبعات غير محمودة على السوق.

لا ينبئ أحدث تقرير أميركي سنوي عن الثروة الحيوانية في مصر، عن مسرات من قبيل تطور الإنتاج المحلي من رؤوس الماشية أو ارتفاع ملموس في إنتاج الأعلاف وتقليص فاتورة استيرادهما، وبدلاً من ذلك يبدي تشاؤماً حيال صراع مستمر في الجار الجنوبي، السودان، يلقي بآثاره على الاستهلاك في مصر، عبر استقبالها مزيداً من الهاربين من الحرب، إضافة إلى تقويض الصراع لقدرة الخرطوم – المورد الأكبر للماشية الحية ومنتجات الألبان – على مواصلة توريد الماشية بنفس الكفاءة إلى القاهرة.

ويرى متخصصون وتجار أن تراجع القوة الشرائية دفعت السوق إلى حالة من زيادة المعروض أدت إلى جعل أسعار اللحوم في تفاوت، وأن الدولة سعت لتوفير البروتين الحيواني في مجمعاتها الاستهلاكية بأسعار مخفضة، تتراوح ما بين 220 جنيه (7.12 دولار) للكيلوغرام الواحد من اللحوم السودانية إلى 270 جنيه (8.74 دولار)، وسط إقرار عام بإنتاج محلي متواضع، يدفع نحو توسيع الاعتماد على الاستيراد كآلية لسد الفجوة بين الاستهلاك والإنتاج، ووضع شائك يصعب معه التنبؤ بما ستكون عليه السوق، في ظل عديد من العوامل، مثل كلف الإنتاج ومصير الدولار.

وتنتج مصر، بحسب تقرير وزارة الزراعة الأميركية، 35 في المئة من حاجاتها الاستهلاكية للأعلاف، وأدت الزيادات في أسعارها العالمية إلى ارتفاع معدل الذبح وانخفاض حجم القطيع المصري، ومن المتوقع أن تنخفض واردات الماشية الحية إلى النصف في كامل عام 2023، مع تراجع لحوم الأبقار المحلية، في ظل اتساع وتيرة أزمة البلاد مع النقد الأجنبي.

ضغوط تضخمية متفاقمة

يعاني الاقتصاد المصري ضغوطاً تضخمية كبيرة، إذ أظهرت بيانات البنك المركزي المصري، تسجيل التضخم السنوي في المدن المصرية في سبتمبر (أيلول) الماضي 38 في المئة على أساس، من 37.4 في المئة في أغسطس (آب) السابق له، وزادت وتيرته على أساس شهري نامياً اثنين في المئة من 1.6 في المئة في أغسطس 2023، ليسجل بذلك ارتفاعاً مطرداً منذ يونيو (حزيران) الماضي، حين وصل مستوى قياسي بلغ 35.7 في المئة.

وإثر أزمة النقد الأجنبي وتعويم الجنيه المصري ثلاث مرات منذ مارس (آذار) من العام الماضي، نشطت السوق السوداء، ليسجل السعر الرسمي في البنوك المحلية 30.85 جنيه للدولار في نوفمبر (تشرين الثاني) من 15.75 جنيه للدولار في نهاية الربع الأول من العام الماضي، ويرتفع في السوق الموازية إلى مستوى يقل قليلاً عن 50 جنيه للدولار، بحسب متعاملين، في حين يترقب المصريون، قراراً في شأن تعويم رابع أمام الدولار، وسط مساعٍ للقاهرة للوفاء باشتراطات صندوق النقد الدولي المتعلقة بمرونة سعر الصرف، والحصول على شرائح جديدة من قرض الثلاثة مليارات دولار، المتفق في شأنه في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ضمن برنامج لـ46 شهراً يشمل ثماني مراجعات.

ويتناول التقرير، صعوبة حصول القاهرة على ما يلزم من الدولار بشكل متزايد، بما يعزز من تعقيدات المشهد الراهن، ويلقي بتداعيات جسيمة على المستوردين الزراعيين، وانعكاس ذلك على عديد المنتجات مثل الحبوب واللحوم والدواجن والأسماك والفواكه والأعلاف، والتي شهدت أكبر زيادات في الأسعار.

ومع ارتفاع معدل الذبح في مصر، يتوقع لمخزون القطيع المحلي التراجع بحلول نهاية العام بنسبة أربعة في المئة، بإجمالي 7.8 مليون رأس، وتراجع واردات الماشية الحية إلى النصف.

تراجع القوة الشرائية

نائب رئيس شعبة القصابين بغرفة القاهرة التجارية، هيثم عبدالباسط، قال إن الأسعار تراجعت في السوق بمبادرة من التجار، لطرح الماشية بأسعار مخفضة، تزامناً مع وفرة المعروض حالياً مع تراجع القوة الشرائية، وهو ما يخلق تبايناً في أسعار اللحوم من منطقة إلى أخرى، إضافة إلى ما تبذله الدولة ومؤسساتها من بيع مخفض في الأسعار عبر منافذ البيع والمجمعات الاستهلاكية، مشيراً إلى تراوح السعر ما بين 220 جنيه (7.12 دولار) للكيلوغرام الواحد من اللحوم السودانية إلى 270 جنيه (8.74 دولار).

وبينما تعاني البلاد نقصاً في الثروة الحيوانية، ببلوغ عدد رؤوس الماشية 7.5 مليون رأس بنهاية 2022، تقدر وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي المصرية سعة استهلاك المصريين بنحو 1.3 مليون طن لحوم حمراء، يجري استيراد 40 في المئة منها تقريباً كل عام.

وفي حين أن إنتاج لحوم البقر المحلي آخذ في الارتفاع، بسبب تصاعد معدلات الذبح، فمن المتوقع أن تنخفض الواردات بشكل كبير بسبب نقص الدولار الأميركي، من 270 ألف طن في عام 2022 إلى 245 ألف طن العام الحالي، وصولاً إلى 160 ألف طن في عام 2024، وفق تقديرات التقرير الذي يرجح أيضاً اتساع شهية الاستهلاك مع النمو السكاني وتدفق اللاجئين وانخفاض القوة الشرائية وارتفاع معدلات التضخم، متوقعاً تراجع استهلاك لحوم البقر بنسبة ستة في المئة.

على الأرجح، سيتراجع إنتاج الماشية المصرية (العجول) في العام التسويقي 2024 إلى 1.875 مليون رأس، بانخفاض قدره ثلاثة في المئة من العام الحالي، فأمام ارتفاع تكاليف الإنتاج، لا سيما بالنسبة للأعلاف، فإن المزارعين الصغار مضطرين إلى تقليص حجم إنتاجهم.

وتعيق صعوبة الحصول على واردات الذرة المصرية على الأسعار بشكل كبير، إذ تنتج مصر 35 في المئة فقط من حاجاتها، وتعتمد في الغالب على الاستيراد لتلبية حاجاتها، قطاع الثروة الحيوانية المصرية، وتجعله أكثر عرضة لتقلبات الأسعار الدولية، إذ ارتفع سعر طن الذرة ثمانية آلاف جنيه (259 دولاراً) العام الماضي إلى 19 ألف جنيه (615 دولاراً)، بينما ارتفع سعر أعلاف الدواجن من 11300 جنيه (365 دولاراً) إلى 26 ألف جنيه (615 دولاراً) العام الماضي.

إنتاج محلي ضعيف

أضاف هيثم عبدالباسط أن إنتاج البلاد من اللحوم البلدية "ضعيف" ويكفي نحو 40 في المئة فقط من إجمالي الاستهلاك، وهو ما يفسر لجوء الدولة للاستيراد باستمرار، ويلفت إلى أن الوضع الشائك يعوق إمكانية استشراف المستقبل وتوقع حالة السوق، بخاصة مع وجود عديد من العوامل المؤثرة مثل أسعار الأعلاف ومستويات الدخول والقوة الشرائية، وما إذا كانت هذه المؤثرات ستتحرك صعوداً أو هبوطاً الفترة المقبلة.

وأدى التحدي المتمثل في الوصول إلى العملات الأجنبية إلى تباطؤ كبير في إصدار شحنات الذرة وفول الصويا من الموانئ المصرية خلال الربع الأخير من عام 2022 وتراكم واردات الذرة وفول الصويا.

وتتوقع وزارة الزراعة الأميركية، أن يصل مخزون الماشية في مصر عام 2024 إلى 7.8 مليون رأس، أي أقل بنسبة أربعة في المئة من توقعاتها السابقة للعام المقبل، وتعزو هذا الانخفاض إلى ارتفاع معدل الذبح بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف وضعف عدد الماشية المستوردة بسبب الأزمة المستمرة في السودان وتضخم العملة وتأزم الوضع الاقتصادي في البلاد.

وتكافح الحكومة المصرية لكبح جماح التضخم منذ مارس 2022، إذ اعتمد البنك المركزي المصري عدة إجراءات للاستجابة للأزمة وتخفيف حدة الضغوط التضخمية، شملت زيادة أسعار الفائدة ورفع الرقابة على الصرف، مما أدى إلى انخفاض قيمة الجنيه المصري.

وخفضت الوزارة، توقعاتها لواردات الماشية الحية في عام 2023 إلى 180 ألف رأس بسبب الأزمة السودانية المستمرة، ومن المتوقع أن تكون آثار هذه الأزمة أكثر وضوحاً في عام 2024، بعد عام من انطلاق شرارة الصراع في أبريل (نيسان) الماضي، ومن المتوقع أن تنخفض واردات مصر من الماشية الحية في عام 2024 بنسبة 44 في المئة إلى 100 ألف رأس.

في السنوات الأخيرة، كانت السودان هي المورد الرئيس للماشية الحية لمصر، لكن الصراع جعل من عملية التوريد صعبة على نحو متزايد، في وقت تواجه جميع واردات القاهرة تحديات جِسام بسبب نقص العملات الأجنبية وارتفاع التضخم، وعلى رغم هذا، سيظل هناك بعض واردات الماشية الحية، إذ إن معظم واردات مصر من الماشية الحية تتم إدارتها من قبل الحكومة نفسها، ومن المتوقع أن يتم الحصول على هذه الواردات من أوروبا مثل إسبانيا وألمانيا والمجر وغيرها وأميركا اللاتينية من كولومبيا وأوروغواي والبرازيل وغيرها ومنتجات أخرى من جيبوتي والصومال وتشاد.

البرازيل هي الأخرى، أحد الموردين الرئيسين للماشية الحية لمصر، إلا أن الإمدادات وصلت إلى 63.5 ألف رأس من الماشية في 2020، من 94.6 ألف رأس في العام السابق له، وفي النصف الأول من العام الحالي، شحنت 18 ألف رأس فقط، بسبب ارتفاع الطلب الصيني على لحوم البقر البرازيلية المجمدة.

"المليون رأس ماشية"

وفي مسعاها لزيادة المعروض من اللحوم، دشنت مصر مشروع "المليون رأس ماشية" منذ عام 2016، بهدف زيادة الإنتاجية من خلال زيادة القطيع المحلي، بمقدار مليون رأس خلال عامين، ودعمت مساعيها تلك باستصدار قرار من وزارة الزراعة المصرية، في فبراير (شباط) 2017 يقضي بحظر ذبح الأبقار التي لا يزيد وزنها على 400 كيلوغرام والثيران التي لم يتم عمرها سنتين، إذ كان قبل صدور المرسوم، متوسط وزن الذبيحة 275 كيلوغراماً، بينما يبلغ متوسط أوزان الذبيحة اليوم 500 كيلوغرام، من دون أن يسري القرار على رؤوس الماشية المستوردة للذبح الفوري، وهو ما استفاد منه صغار المزارعين، وارتفعت بذلك أوزان ما قبل الذبح لـ550 ألف رأس من المذبوح سنوياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يذكر التقرير انخفاض استهلاك لحوم البقر المحلي في مصر في عام 2024 بنسبة ستة في المئة ليصل إلى 600 ألف لتراجع القوة الشرائية للمصريين بسبب ارتفاع الأسعار، إذ ارتفعت أسعار لحوم البقر بأكثر من 100 في المئة العام الماضي، مما أدى إلى تثبيط زيادة الاستهلاك، وسط توقعات بارتفاع آخر استجابة لاستمرار انخفاض قيمة الجنيه المصري والاستيراد معقد الإجراءات، مما يضع ضغطاً إضافياً على الاستهلاك.

تحظى لحوم البقر ذات الأسعار المعقولة بشعبية واسعة في مصر، تدفع معها الاستهلاك المحلي من قبل السكان البالغ عددهم 112 مليون نسمة جلهم من المستهلكين ذوي الدخول المنخفضة، ويفضل المصريون لحم البقر المذبوح حديثاً على لحوم البقر المجمدة.

ويلفت نائب رئيس شعبة المستوردين بغرفة القاهرة التجارية، سيد النواوي، إلى مواصلة ارتفاع أسعار اللحوم المستوردة الهندية والبرازيلية، إذ سجل الكيلوغرام الواحد ارتفاعاً يتراوح ما بين 10 جنيهات (0.32 دولار) و15 جنيهاً (0.49 دولار)، نتيجة ارتفاع كلف الاستيراد وزيادة الأسعار العالمية، مشيراً إلى أن سعر الكيلوغرام الواحد من اللحوم الهندية المستوردة يبدأ من 178 جنيهاً (5.76 دولار).

وارتفعت أسعار كبد البقر المحلي بأكثر من 135 في المئة منذ بداية عام 2022، كما ارتفعت أسعار الكبد المستورد بشكل كبير، إذ وصل سعره الآن إلى 140 جنيهاً (4.52 دولار) للكيلوغرام من 100 جنيه (3.23 دولار)، وتؤثر أسعار الماشية الحية على طقوس الذبح والاستهلاك المرتبط بها، وعلى قدرة المصريين على ذبح الأضاحي خلال عيد الأضحى، إذ سجلت الأسعار في العيد الماضي، للماشية الحية متوسط مبلغ 60 ألفاً - 82 ألف جنيه (1940 - 2655 دولاراً) من 26 إلى 36 ألف جنيه (840 - 1165 دولاراً) في عام 2022، في حين بلغ متوسط سعر الخروف 7800 جنيه (252 دولاراً).

وتدعم الدولة مبيعات اللحوم منخفضة السعر، عبر شبكة مجمعاتها الاستهلاكية والتجارية، وأدى التدخل الحكومي إلى استقرار الأسعار، مما جعل لحوم البقر المستوردة أقل تكلفة من المنتج المحلي.

وأدت تأخيرات الإفراج عن الشحنات المستوردة من الموانئ وما تصاحبها من غرامات تأخير كبيرة ونفقات تخزين مرتفعة، إلى تمرير هذه الكلف إلى المستهلك النهائي، وكثيراً ما تتأخر المدفوعات للموردين الأجانب، الأمر الذي يثنيهم عن التجارة مع مصر.

واليوم، لم يعد مستبعداً في مصر، أن تتأثر عديد من القطاعات المختلفة بمواصلة أزمة شح العملة الصعبة في البلاد التي تمتلك فاتورة استيرادية تصل إلى 90 مليار دولار سنوياً، وتشهد تقلصاً في عوائد قطاعاتها المُدرة للنقد الأجنبي، واللازم للوفاء بالحاجات المحلية وسداد الالتزامات الخارجية في الفترة المقبلة.