Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قوائم الإرهاب... معايير منطقية أم حسابات سياسية؟

تحاصرها اتهامات الانحراف عن هدفها الأمني ودعوات لفرض أسس موحدة وتحديد تعريف دقيق

بريطانيا صنفت شركة فاغنر الروسية منظمة إرهابية (رويترز)

ملخص

هناك محددان وراء تصنيف منظمة أو جمعية أو حركة مجتمعية ما بأنها إرهابية: القانون الدولي والقانون الخاص بالدول الوطنية الحديثة.

قبل أيام قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن حركة "حماس" ليست تنظيماً إرهابياً بل منظمة تحررية تكافح من أجل الدفاع عن شعبها وأرضها، في حين تضع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الحركة ذاتها على قوائم الإرهاب، وهو ما يفرض تساؤلات حول معايير الدول في تصنيف الحركات والمنظمات، والآليات التي تعتمدها في توصيف الكيانات التي تنخرط في استخدام العنف.

بحسب أستاذ العلوم السياسية المساعد بكلية الدراسات الأفريقية العليا بجامعة القاهرة أحمد أمل فإن التصنيفات التي تضعها الدول باتت عرضة للنقد، نظراً إلى أنها تحولت إلى أداة في يد السلطة التنفيذية، في ظل عملية تسييس أحاطت بهذه القوائم، في ظل انحرافها في بعض الأحيان عن هدفها الأمني وتحولها إلى أداة سياسية.

وأشار أمل في دراسة أنجزها بعنوان "قوائم التنظيمات الإرهابية: المقاربات والإشكاليات" إلى احتمال تأثر عملية تصنيف المنظمات الإرهابية بدرجات متفاوتة بالتوجه السياسي السائد لدى الجهة التنفيذية المسؤولة عن إعداد تلك القوائم، مما يقلل من صدقية القائمة وقيمتها بصورة تامة.

واستند الباحث السياسي في بناء رؤيته إلى مصادر أميركية ترى أن التحيزات السياسية لوزارة الخارجية تنعكس بصورة واضحة على أسماء التنظيمات الواردة في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، لكنه لم ينكر أن التجارب الأميركية والأوروبية في إصدار قوائم التنظيمات الإرهابية توفر آلية أكثر فاعلية نظراً إلى تعقيد الإجراءات الإدارية، وخضوع قوائمها للتدقيق بواسطة عديد من المؤسسات، وكذلك فتح الباب أمام حذف تنظيمات كانت مدرجة في وقت سابق.

آلية شطب المنظمات

وفي مايو (أيار) 2022 أعلنت وزارة الخارجية الأميركية شطب خمس منظمات من قائمة الإرهاب بدعوى أنها لم تعد تشكل تهديداً إرهابياً، ومن المعتاد أن تجري الولايات المتحدة الأميركية مراجعة كل خمس سنوات، لتحديد ما إذا كانت الظروف التي أدت إلى التصنيف قد تغيرت بما يبرر الإلغاء.

ويتولى وزيرا الخارجية والخزانة الأميركية بالتعاون مع وزير العدل، تقديم الأدلة والبيانات إلى الكونغرس الذي بدوره يوافق أو يعترض على تصنيف المنظمة أو الجماعة في لائحة الإرهاب وفقاً للمادة (219) من قانون الهجرة والجنسية الأميركي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يشير الباحث في شؤون الحركات المتطرفة هارون زيلين في مقالة له بعنوان "لماذا من الصعب للغاية الشطب من قائمة الإرهاب؟" إلى أن عملية شطب منظمة ما من قوائم التنظيمات الإرهابية في أميركا تستغرق وقتاً طويلاً، وهناك جماعات لا تزال مدرجة في القائمة على رغم أنها لم تعد موجودة في واقع الأمر لأنها إما توقفت عن عملياتها أو اندمجت في جماعة أخرى، منوهاً بأنه في العادة لا تشطب أي جماعة إلا بعد مرور وقت على حلها أو إذا كانت هناك مصلحة أميركية إيجابية ليس لها جوانب سلبية سياسية كبيرة.

وعلى رغم اعتماد آليات وضوابط تستند إليها الدول في تصنيفها المنظمات المتورطة في العنف إلا أن اختلاف المواقف في هذا الشأن بات واضحاً، في غياب معايير موحدة لتصنيف المنظمات والحركات على قوائم الإرهاب.

ويرى خبراء في شؤون الحركات المتطرفة أن هذا الانقسام والتباين بين الدول أدى إلى استمرار نشاطات هذه المنظمات من دون أن ينفذ ضدها إجراءات حاسمة.

لا معايير موحدة

ووفق الباحث في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي منير أديب فإنه لا يوجد معايير دولية حقيقية تحكم عملية تصنيف الجماعات والتنظيمات المتطرفة على قوائم الإرهاب، ونتيجة عدم التوافق على هذه المعايير فإنها تستمر في نشاطاتها الإرهابية من دون أن تواجه عقوبات فعالة، مرجعاً أصل المشكلة إلى تفضيل الدول المصالح السياسية على وضع معايير موحدة لمكافحة الإرهاب.

وفي حديثه إلى "اندبندنت عربية" أشار أديب إلى أن المجتمع الدولي ليس لديه وسائل فعالة لمعاقبة الدول التي تقدم الدعم لمثل تلك التنظيمات سياسياً وعسكرياً، مما يستدعي وضع أسس ومعايير دولية صارمة لتصنيف الجماعات تنظيمات "إرهابية" بموضوعية وعدالة، وتحديد ما إذا كانت تشكل تهديداً إرهابياً أم لا.

ونبه إلى ضرورة تحديد تعريف دقيق للإرهاب وتطبيق معايير واضحة من قبل المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة تستند إلى القوانين والاتفاقات الدولية تجرم استغلال الدين في السياسة أو التحريض على القتل، وكذلك تحترم القواعد الإنسانية.

واستمر أديب في الدق على وتر التقصير الدولي في التعامل مع المنظمات المتطرفة قائلاً إن "المجتمع الدولي فشل في مواجهة هذه التنظيمات لأنه غير جاد في التعامل مع هذا الملف، إذ تفرض الأداة السياسية سطوتها على القواعد والمعايير".

ومن ضمن الأمثلة التي استخدمها أديب لتوضيح وجهة نظره قوله إن "الولايات المتحدة استخدمت الإخوان باعتبارها جماعة سياسية متمردة في الضغط على الشعوب العربية التي يوجد فيها التنظيم، ورفضت تسميتها جماعة إرهابية، مما يعد استخداماً سياسياً للإخوان على رغم أنها جماعة شاركت في العنف".

بداية التصنيفات

وتعود بداية وضع تصنيفات للمنظمات والحركات لعام 1976 بإعداد الولايات المتحدة "قائمة مراقبة التنظيمات الإرهابية" التي مهدت الطريق أمام وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لإصدار وثيقة حملت اسم "أنماط الإرهاب العالمي"، وفي عام 1997 أصدرت الخارجية الأميركية قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية كأول قوائمها التي تحمل إطاراً قانونياً.

ويرى مراقبون أن البداية الحقيقية للتصنيفات الرسمية للكيانات الإرهابية وظهور قوائم لها حول العالم تعود لـ 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

وفي العام نفسه أصدر الاتحاد الأوروبي أولى قوائمه للمجموعات والأفراد والمجموعات والكيانات المصنفة أنها إرهابية من داخل دول الاتحاد الأوروبي وخارجها، وكان عام 2016 بداية إقرار الاتحاد آليته للعقوبات المباشرة التي تستهدف الأفراد والتنظيمات الإرهابية المدرجة على قوائمه.

واهتمت المملكة المتحدة بوضع تصنيفات للمنظمات حيث منح قانون الإرهاب عام 2000 وزير الداخلية سلطة حظر أي منظمة حال وجد أنها معنية بالإرهاب، وما إذا كانت النشاطات التي تقوم بها المنظمة تشكل تهديداً للأمن القومي أو السلم العام.

ويمكن القانون وزارة الداخلية من التوسع في إدراج أسماء التنظيمات والأفراد على قائمة الإرهاب بحيث تشمل القائمة كل من ينتمي لعضوية تنظيم إرهابي داخل المملكة المتحدة أو خارجها، وكل من قدم الدعم لأي تنظيم مدرج على قوائم الإرهاب.

وعلى المستوى العربي اعتمد مجلس وزراء العرب عام 1996 مدونة قواعد سلوك بموجبها تلتزم الدول الأعضاء بعدم دعم الأعمال الإرهابية والحيلولة دون استخدام أراضيها للتخطيط لأعمال الإرهاب، وعدم توفير الملاذ للعناصر الإرهابية، كما تتعهد بتضييق الخناق على العناصر الإرهابية ومنع تسللهم عبر الحدود.

وفي عام 1997 اعتمد المجلس الاستراتيجية العربية لمكافحة الإرهاب، وتنص الفقرة (أ) في الاتفاق العربي لمكافحة الإرهاب على أنه لا تعد جريمة حالات الكفاح بمختلف الوسائل، بما في ذلك الكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبي والعدوان من أجل التحرر وتقرير المصير، وفقاً لمبادئ القانون الدولي.

كما تنبه قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ فترة مبكرة لخطورة ظاهرة الإرهاب، وفي الدورة الثامنة للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون التي انعقدت في مدينة الرياض بالسعودية عام 1987 تم إقرار الاستراتيجية الأمنية الشاملة.

ما فائدة التصنيفات؟

ويقول الباحث بمركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث بالرباط منتصر حمادة إنه حتى إذا اتفقت الدول على معايير تصنيف المنظمات الإرهابية سنجد استثناءات في التعامل معها، وأضاف في حديثه إلينا أن "مثل هذه التصنيفات لها تبعات ومقتضيات قانونية لا تهم فقط التنظيم المعني بالأمر، لكنه يمتد ليصل إلى كل من يتعامل معه".

ومضى في حديثه "على سبيل المثال فإن مصر بمجرد تصنيفها الإخوان جماعة إرهابية تغير التعامل القانوني معها بصورة كلية، مقارنة بمراحل ماضية مثل الفترة التي تلت أحداث 2011 عندما وصلت الجماعة إلى مجلس النواب بل وامتلكت السلطة".

وأوضح حمادة أن تصنيف المنظمات على كونها إرهابية من شأنه أن يجرم الانتماء إلى الجماعة أو دعمها وتجميد أصولها وعدم السماح لأي مواطن أو شركة بالتبرع لها.

وأضاف، "هناك محددان وراء تصنيف منظمة أو جمعية أو حركة مجتمعية ما بأنها إرهابية: القانون الدولي والقانون الخاص بالدول الوطنية الحديثة".

وأوضح أنه في المحدد الأول عقب أحداث 11 سبتمبر وصل الأمر إلى درجة تداول مصطلح "الإرهاب الإسلامي"، وبسبب القلاقل النظرية التي أصبحت لصيقة بهذا المصطلح، تم تعويضه بقرار أممي ابتداء من عام 2016، واستبداله بـ "ظاهرة التطرف العنيف"، أياً كانت مرجعية هذا التطرف دينية أو غير دينية.

وأوضح الباحث المغربي أن "هناك تبايناً في التعامل مع بعض الجماعات المتشددة التي قد تكون مصنفة في خانة الجماعات الإرهابية لدى بعض الدول بينما ليست كذلك لدى دول أخرى".

وأشار حمادة إلى أنه في حال أصدرت المنظمة الأممية قراراً للدول المنضوية تحت لوائها للتصديق على المعايير التي تخول لدولة ما تصنيف حركة أو منظمة ما على كونها إرهابية، فإنه لا توجد ضمانات سياسية بالدرجة الأولى لتنفيذه، ويمكن للدول التي تصادق عليه عدم احترامه إذا كانت هناك حسابات سياسية أو استراتيجية تخول لها عدم احترام الميثاق.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير