Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف أثر الصراع بين إسرائيل و"حماس" في الحرب الأوكرانية؟

هاري ترومان كشف عن أسرار شراء ذمم كثير من موفدي الدول المؤيدة لقرار الأمم المتحدة 181 حول التقسيم

فلاديمير بوتين يترأس اجتماعاً مع أعضاء مجلس الأمن والحكومة الروسية ووكالات إنفاذ القانون (أ ف ب)

ملخص

وسائل إعلام موسكو دانت استهداف المدنيين وازدواجية المعايير والانحياز الفاضح الذي كثيراً ما اتسمت به التغطية الإعلامية الغربية للأحداث، وتباينها على صعيد الحرب" في كل من أوكرانيا وغزة

جاءت أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، واشتعال المواجهة بين حركة "حماس" وإسرائيل لتعيد الأمور في الساحة السياسية والإعلامية الروسية إلى سابق عهدها من "الانضباط" وإعلان التمسك بـ"ثوابت الحق والعدالة والشرعية". وها هي "الماكينة" الإعلامية الروسية الرسمية تتحول إلى ما عهدنا عنها من مسار ومفردات، وتعالت الأصوات تؤكد صراحة ودون مواربة بأن الفلسطينيين يعيشون على أرضهم التاريخية، وبأن إسرائيل تواصل انتهاك الشرعية الدولية وترفض الالتزام بقرارات الأمم المتحدة، وذلك إلى جانب إعلانها ضرورة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وإن أكدت رفضها العنف والممارسات التي وصفتها بـ"الإرهابية" واحتجاز الرهائن.

وها هو العالم يتحول من الإغراق ليل نهار في مفردات الأزمة الأوكرانية إلى متابعة وقائع المواجهة الجارية بين حركة "حماس" وإسرائيل، في وقت راحت فيه وسائل الإعلام الروسية تدين استهداف المدنيين وازدواجية المعايير والانحياز الفاضح، الذي كثيراً ما اتسمت به التغطية الإعلامية الغربية وتباينها على صعيد الحرب، في كل من أوكرانيا وقطاع غزة.

مجاعة القذائف في أوكرانيا

ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، حيث يلمس العالم تحولاً في علاقات روسيا مع إسرائيل، وهما اللتان كثيراً ما كانت علاقاتهما قد استقرت منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي التي شهدت استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد انقطاع طال منذ العاشر من يونيو (حزيران) 1967. وهو التاريخ الذي أعلن فيه الاتحاد السوفياتي قطع علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل احتجاجاً على عدوانها ضد البلدان العربية في الخامس من يونيو من العام نفسه.

وها هي الأوضاع التي كثيراً ما اتسمت بقدر من الاستقرار بين روسيا وإسرائيل منذ بداية العملية الروسية الخاصة في سوريا اعتباراً من عام 2015، يشوبها التوتر على وقع إعلان روسيا احتجاجها على تهديدات القيادة الإسرائيلية التي سرعان ما وضعتها حيز التنفيذ، ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، غير عابئة بشرعية دولية أو اعتبارات إنسانية، ودون أدني التفات إلى ضحاياها من الأطفال والنساء والشيوخ خلال عملياتها الانتقامية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار ألكسندر غابويف من مركز كارنيغي إلى أن "هذا الصراع يعد بمثابة نعمة لروسيا، لأنه يصرف كثيراً من الاهتمام الموجه من الولايات المتحدة والغرب"، مشدداً على أن "الإدارة الأميركية تعتزم تخصيص كثير من الوقت للأزمة الحالية في الشرق الأوسط، حتى الانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 على أقل تقدير".

وثمة شواهد تقول إن تحول التركيز الإعلامي إلى الاهتمام بمجريات الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين أسهم بدرجة كبيرة في تراجع أخبار الأزمة الأوكرانية، وزاد من مخاوف الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي الذي أعرب عن رغبة في زيارة إسرائيل "كبادرة تضامن"، لكن تل أبيب رأت أن هذه المبادرة في غير وقتها، ولم توافق على الزيارة، في وقت استقبلت فيه موسكو وفد حركة "حماس" ما زاد من غضب واحتجاج السلطات الإسرائيلية.

غير أن مصادر أخرى أكدت ما يساور زيلينسكي من مخاوف تجاه احتمالات توقف أو تراجع الدعم العسكري والمالي بسبب اقتسامه مع إسرائيل، في وقت أعلنت فيه بلدان شرق أوروبا ومنها بولندا والمجر وسلوفاكيا أنها تتوقف عن إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا، وهو ما سبق وكشفت عنه "اندبندنت عربية" في تقارير لها من موسكو.

وكانت أوكرانيا كشفت أخيراً عما يمكن تسميته "مجاعة القذائف" التي تعانيها قواتها المسلحة، وذلك ما كتبت عنه صحيفة "أرجومينتي أي فاكتي" (وقائع وبراهين) الأسبوعية في عددها الأخير، في وقت انخفض فيه توريد القذائف إلى أوكرانيا بسبب الحاجة إلى دعم إسرائيل التي أصبحت الآن "أولوية قصوى". وأشارت الصحيفة إلى أن زيلينسكي علم بخفض إمدادات الذخيرة في اجتماعه مع القادة العسكريين الأوكرانيين، مما دعا كييف إلى مخاطبة جيشها للحفاظ على القذائف والاقتصاد في استخدامها. ومن هنا فإن احتمالات قيام الجيش الأوكراني بعمليات قتالية تبدو قاتمة للغاية.

برامج سولوفيوف و"جنرال "الموساد"

على أن التغيرات التي طرأت على التغطية الإعلامية لما يدور في صعيد المواجهة بين إسرائيل وحركة "حماس"، ولا سيما برامج فلاديمير سولوفيوف الإذاعية والتلفزيونية، وما يتعلق منها بالممارسات الإسرائيلية، كشفت عن تحول واضح من جانب الكرملين يعود في معظمه إلى رفض سياسات واشنطن وممارساتها في الفضاء السوفياتي السابق، ورفض احتكار الولايات المتحدة محاولات التوصل إلى تسوية النزاع العربي - الإسرائيلي على النحو الذي يناسب إسرائيل.

وبينما كنا نتابع بكثير من السخط والاستياء ما يقوله عديد من ضيوف كل البرامج التي تحمل اسم "سولوفيوف"، لافتقادهم الموضوعية وانحيازهم الواضح لإسرائيل، نجدهم اليوم وقد استبدلوا "البوصلة" بما يتفق مع التوجهات الرسمية للدولة. ونخص بالإشارة، المسؤولين، ومنهم الجنرال أندريه جوروليوف عضو مجلس الدوما عن الحزب الحاكم "الوحدة الروسية"، الذي كثيراً ما راح يدعو إلى ضرورة تبني القوات الروسية خلال "العملية العسكرية الروسية الخاصة" في أوكرانيا، لأساليب القوات الإسرائيلية في تعاملها مع خصومها من العرب، نشهد اليوم ما هو أقرب إلى "المبارزة الكلامية" (الشكلية) بين سولوفيوف وجنرال "الموساد" ياكوف كازاكوف (كيدمي) التي سرعان ما عادت إلى سابق عهدها من تحولها إلى "منصة لتبرير السياسات الإسرائيلية"، في ظل التمسك باستضافة الجنرال الإسرائيلي، على النقيض من السياسة الرسمية للدولة.

وها هو الرئيس فلاديمير بوتين يعود إلى إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة سبيلاً إلى التوصل إلى تسوية سلمية لأزمة الشرق الأوسط، وهو ما استجابت له كل البرامج الإعلامية لتعلن كل منها عن تأييدها للخط العام لسياسات موسكو، في وقت يظل فيه "جنرال الموساد" باقياً في موقعه "بوقاً ناطقاً باسم إسرائيل وسياساتها التي لم تتغير"، على رغم ما بدا من تبني سولوفيوف لمواقف وسياسات الدولة الروسية، واتخاذه لقرار إقالة يفغيني ساتانوفسكي مدير معهد إسرائيل والشرق الأوسط، والرئيس الأسبق للمؤتمر اليهودي الروسي، وكان يعمل معه في واحد من برامجه الإعلامية، وذلك "كعقاب" عن تجاوزاته "غير الأخلاقية" في حق ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسية، المبعوث الشخصي للرئيس بوتين، وماريا زاخاروفا الناطقة الرسمية باسم الخارجية الروسية، إلى جانب ما قاله في حق الرئيس السابق دميتري ميدفيديف النائب الحالي لرئيس مجلس الأمن القومي الروسي.

قرار تقسيم فلسطين

قال الرئيس بوتين إن مواقف بلاده تجاه الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي لم تتغير. وكان سبق أن قال إن "موقف روسيا من تسوية الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي لم يتطور اليوم، ولا يتعلق بهذه الأحداث المأسوية. لقد تطور منذ عقود، وهذا الموقف معروف جيداً لكل من الجانب الإسرائيلي وأصدقائنا في فلسطين"، فضلاً عما قاله حول أن "بلاده دافعت دائماً عن تنفيذ قرارات مجلس الأمن، مما يعني به، أولاً وقبل كل شيء، إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة، وذلك هو أصل كل المشكلات".

وأضاف أن "كثيرين في الولايات المتحدة يعتقدون أنه من الممكن حل الصراع في الشرق الأوسط من خلال إنشاء (فلسطين ذات سيادة)، لكن مؤيدي أساليب الاعتماد على القوة لهم اليد العليا". وأكد بوتين أن السبيل الوحيدة لتسوية الأزمة القائمة يكمن في إقامة الدولة الفلسطينية بموجب قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. ونذكر أن ذلك سبق وطرحه أندريه جروميكو المندوب الدائم للاتحاد السوفياتي في الأمم المتحدة بتاريخ 26 نوفمبر (تشرين الثاني) 1947، وكان أساساً للقرار رقم 181 الصادر عن الأمم المتحدة بغالبية 33 صوتاً، واعتراض 13 صوتاً، وامتناع 10 أعضاء، كانت منهم إنجلترا على رغم من كونها صاحبة وعد بلفور، بتاريخ 29 نوفمبر 1947.

ومن أضابير التاريخ نشير إلى أن القرار يقع في "المقدمة وأربعة أجزاء"، على النحو التالي: الجزء الأول يضم دستور دولة فلسطين وحكومتها المستقلة، ويتضمن نصوصاً حول إنهاء الانتداب البريطاني والتقسيم والاستقلال والخطوات التمهيدية لهذا الاستقلال. أما الجزء الثاني فيتضمن وصفاً لحدود الدولتين العربية واليهودية، ورسمت هذه الحدود على خريطة اعتبرت ملحقاً للقرار. ويأتي الجزء الثالث للوضع الاستثنائي لمدينة القدس وعلاقاتها بالدولتين واللغات الرسمية فيها وربطها بالاتحاد الاقتصادي الفلسطيني ووضع الأماكن المقدسة فيها. أما الجزء الرابع فيتعلق بإنهاء الامتيازات التي يمكن أن تكون الدول الأجنبية قد تمتعت بها أثناء الحكم العثماني.

شراء البيت الأبيض قرار التقسيم

وعلى رغم ما قد يبدو من "مشروعية" هذا القرار، فإنه جاء متعارضاً مع أحكام القانون الدولي بميثاق الأمم المتحدة، حيث إنه صدر بالمخالفة لواحد من أهم أهداف المنظمة الدولية، وهو حق الشعوب في تقرير مصيرها، كما أنه يفتقر إلى أي سند قانوني، نظراً إلى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة لا تملك سلطة التصرف من دون ضابط في شؤون الأقاليم الموضوعة تحت الانتداب، وفلسطين منها، كما أن ميثاق الأمم المتحدة لا يتضمن ما يخول الجمعية العامة أو أي هيئة أخرى بتقسيم إقليم محدد خلافاً لرغبة السكان، وذلك فضلاً عن أن قرار التقسيم يجافي العدالة من حيث توزيع الأراضي بين الدولتين وإمكانية حياة كل منهما، حيث منح الدولة اليهودية أجود الأراضي الفلسطينية وأعطاها السلطة السياسية على مساحة أكبر من المساحة التي خصصت للدولة العربية، فضلاً عن أن نصف سكان الدولة اليهودية تقريباً كانوا من العرب الذين يمتلكون ما يزيد على ثلثي ما في تلك الدولة من عقارات وأراضٍ.

وإضافة إلى كل ذلك، فإن قرار التقسيم في الفقه الدولي بخاصة السائد حين صدوره، يعد توصية غير ملزمة صدرت وفقاً للمادة العاشرة من الميثاق، كما أن هذه التوصية لا يمكنها بأية حال من الأحوال أن تمس الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني.

ومن اللافت في هذا الصدد أن الولايات المتحدة بذلت كل ما في وسعها لشراء الذمم والضمائر بهدف تمرير مشروع التقسيم، كما استخدم رجل الأعمال الأميركي روبرت موريس نفوذه لشراء صوت جواتيمالا على سبيل المثال، كما حدث مثل ذلك أيضاً مع ليبيريا التي جرى الضغط عليها من شركة "فايرستون"، وكذلك مع الفيليبين الذي تعرض رئيس وفدها لضغوط حملته على ترك مقر الأمم المتحدة، والسحب المفاجئ لأوراق اعتماد ممثل سيام بعد أن أعلن أنه سيصوت ضد التقسيم، وغير ذلك من ألاعيب التصويت، وذلك ما اعترف به هاري ترومان رئيس الولايات المتحدة الأميركية في مذكراته التي كشف فيها عن دور بلاده في شراء أصوات مؤيدي التقسيم. وهو ما أكدته الوثائق، التي أشرنا إليها في كتابنا الصادر في القاهرة تحت عنوان "موسكو – تل أبيب وثائق وأسرار".

المزيد من تقارير