Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"تخريب" للتضامن مع غزة واللبناني يدفع الثمن

الدولة تتحمل جزءاً كبيراً من مسؤولية الاعتداء على المطاعم والمقاهي أخيراً

اتخذت الوقفات التضامنية مع غزة في مختلف أنحاء العالم شكلاً مغايراً عما كانت عليه في لبنان (رويترز)

ملخص

مجموعات لبنانية هاجمت سلسلة مطاعم، ومقاهي تحمل علامات تجارية عالمية دعمت إسرائيل بعد أحداث غزة فمن يتحمل مسؤولية التعويض؟

في ظل القصف المستمر على غزة والمجازر التي حصدت حتى اليوم آلاف الأرواح، عبرت مجموعات لبنانية عن غضبها مما يحصل بأعمال تخريبية استهدفت عدداً من المؤسسات التجارية كمطعم "ماكدونالدز" في مدينة صيدا جنوب البلاد، إذ طاول الهجوم أولاً هذا الفرع من الشركة العالمية بعد تداول دعمها للجيش الإسرائيلي عبر تقديم مطاعمها عشرات الآلاف من الوجبات المجانية للجنود.

الاعتداءات وعمليات التكسير طاولت أيضاً مقهى "ستاربكس" في منطقة المنارة ببيروت، في ظل حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو إلى مقاطعة سلسلة المطاعم والعلامات التجارية الداعمة لإسرائيل أو التي أبدت تعاطفاً معها، ولو من خارج الأراضي اللبنانية، ثم واقعة ثالثة استهدفت حرم الجامعة الأميركية في بيروت عبر تكسير الإنارة ورشق بالحجارة، في ليل القصف الإسرائيلي لمستشفى المعمداني في غزة استنكاراً للحادثة.

وأثارت أعمال الشغب هذه ردود فعل غاضبة في المجتمع اللبناني على المجموعات المتظاهرة، لاعتبارها تطاولاً على مؤسسات ومطاعم يملكها لبنانيون بإدارة مستقلة ومن يعملون فيها هم من اللبنانيين الذين لا ذنب لهم ويدفعون الثمن وحدهم، فعمليات التخريب هذه لا تضر في الواقع، إلا أبناء البلد وأرزاقهم حصراً، دون أن تمس إسرائيل ولا أي جهة داعمة لها، كما أنها لم تقدم أي مساعدة لأهالي غزة، وما بين هذا وذاك يبقى السؤال، من يعوض خسائر هؤلاء؟

هجوم لا مبرر له

على أثر هجوم صيدا، سارعت إدارة الشركة في لبنان إلى إصدار بيان توضيحي قالت فيه إنها محلية 100 في المئة، وتمتلكها شركة وطنية ذات إدارة مستقلة، كما تعود إيراداتها لها فقط، فيما ينحصر دور الشركة العالمية بالسماح باستخدام العلامة التجارية والاستفادة من خبرتها وقدراتها.

كما جاء في البيان، "نرغب بالتأكيد أن مواقف الوكلاء الآخرين لا تمثلنا، ولا علاقة لنا بما يقومون به ونحن نحرص على احترام شعبنا ووطننا والوقوف إلى جانبه"، وذلك بموازاة حملة المقاطعة والاعتداءات التي طاولت المطاعم والمقاهي التي اعتبرتها هذه المجموعات داعمة لإسرائيل، إلا أن هذا البيان التوضيحي لم يقنع من أرادوا التعبير عن تضامنهم مع غزة بهذه الطريقة، فاستمرت الأعمال التخريبية لاحقاً كرد فعل على استهداف مستشفى المعمداني في القطاع.

في المقابل، اعتبر اللبنانيون أن الوقفات التضامنية مع أهالي غزة في العالم كله لم تتخذ هذا الشكل الذي حدث في بلادهم، بل كانت سلمية بشكل عام، كما اعتبرت الطريقة التي عبر فيها هؤلاء الشبان عن غضبهم حيال ما يحصل في القطاع، لا يمت إلى المنطق بصلة، كون الاعتداءات طاولت مؤسسات في الأراضي اللبنانية تعتاش منها عائلات محلية، إضافة إلى أن هذه الأعمال لم تعد بأي فائدة على الفلسطينيين.

مما لا شك فيه أن الغارة التي أودت بحياة المئات في مستشفى المعمداني كانت مفجعة بوحشيتها، وأثارت موجة استنكار واسعة في لبنان وعلى مستوى العالم. وفي العواصم العربية، أقيمت وقفات تضامنية عبر فيها المتظاهرون عن إدانتهم للمجزرة ودعوا إلى تحرك رسمي على صعيد الدول الكبرى، إلا أن هذه التظاهرات أو الوقفات التضامنية اتخذت شكلاً مغايراً في لبنان، وبدلاً من أن تتصف بالسلمية كما حصل في دول العالم، صب متظاهرون من بعض الفصائل الفلسطينية وبعض أحزاب الممانعة غضبهم في المكان الخطأ، ونزلوا إلى الشارع بطريقة فوضوية لتنفيذ أعمال تخريبية ضد مؤسسات اعتبروها تابعة لجهات داعمة لإسرائيل، وبشكل خاص للولايات المتحدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفيما كانت إحدى هذه المجموعات في طريقها نحو السفارة الأميركية بمنطقة عوكر، تصدت الجهات الأمنية لها على بعد مسافة تقارب كيلومتر واحد لمنعها من التقدم، فأشعلت حرائق في مبنى يضم صالات عرض مفروشات فاحترق بالكامل، فكان صاحبه من دفع وحده ثمن الفوضى العارمة في البلاد من دون أن يقترف ذنباً.

أيضاً، في أعمال التخريب التي طاولت فروع المطاعم والمقاهي، دفع اللبنانيون المالكون لها الثمن، وإن لم تكن لهم أي علاقة، فيما لم تتكبد إسرائيل أي خسارة جراء هذه التعديات.

الدولة هي المسؤولة

توضح المحامية اللبنانية جورجيت بستاني في حديثها لـ"اندبندنت عربية" أن التظاهرات السلمية حق من حقوق المواطنين يكفله الدستور والمواثيق الدولية، لكن عندما تتحول هذه التظاهرات إلى أعمال شغب وتكسير وتؤدي إلى إلحاق الضرر بالأملاك العامة أو الخاصة، فينظر إليها القانون من منظار مختلف، مضيفة "من الطبيعي أن تحصل عندها توقيفات وتفرض على المعنيين عقوبات في أي بلد في العالم، مع الإشارة إلى أن هذه المطاعم التي تهجم عليها المتظاهرون عبارة عن وكالات حصل عليها لبنانيون ويديرونها، بالتالي تعرض المتظاهرون هنا لأهل بلادهم وللعائلات التي تعتاش من هذه المطاعم، فخسرت مصدر الرزق".

وتابعت، "لا يمكن أن تمر هذه التعديات دون محاسبة في القانون"، مشيرة إلى أن هذه الوكالات تكون تحت غطاء الدولة في أي بلد بالعالم، كما تتشدد المحكمة العسكرية في التدقيق بكل ما له علاقة بإسرائيل، وذلك من ضمن مسؤولياتها.

ومضت في حديثها، "في لبنان، يمنع التعاطي مع إسرائيل ولو بطريقة غير مباشرة وتكون المحكمة العسكرية في غاية الحرص في هذا المجال، وليس على المتظاهرين التدخل، ولو كان لأي من المطاعم المعنية علاقة بالصهيونية لما كان من الممكن التعامل معها، ولما حصلت على الوكالة، أما اليهود، فهم كثر في الولايات المتحدة ويملكون نسبة كبرى من المؤسسات فيها، ولا يحظر التعامل معهم بطريقة متشددة".

وبحسب بستاني، فإن الدول تعد مسؤولة عن التعويضات لأصحاب هذه الأملاك التي تعدى عليها المتظاهرون، وتقع عليها أصلاً مسؤولية حمايتها من أعمال الشغب أو اعتداءات أخرى، ومن المفترض أن تعوض شركة التأمين، في حال توافر التغطية على أصحاب الأملاك التي تتضرر في مثل هذه الظروف.

وقالت، "هذا ينطبق حكماً أيضاً على صاحب صالة عرض المفروشات التي أحرقها المتظاهرون قرب السفارة الأميركية، لكن من الممكن ألا تشمل تغطية شركة التأمين أعمال الشغب، ويمكن للمتضرر الادعاء على الدولة ممثلة بوزارة الداخلية المسؤولة عن الأمن، وعلى من ألحقوا الضرر بممتلكاته ادعاء شخصياً، بما أن أسماءهم تكون معروفة من الدولة، وعندها يتقدم بتقرير يتضمن توصيفاً واضحاً للأملاك المتضررة بكل ما فيها من محتويات مع تخمين للخسائر، أمام مجلس شورى الدولة بما أنه كان من المفترض بالدولة أن تتولى حماية هذه الممتلكات، فيطالب بالتعويضات المالية".

عندما يولد العنف عنفاً

قوبلت هذه الأعمال العنيفة التي ألحقت الضرر بأملاك خاصة باللبنانيين، باستنكار واسع على رغم تضامنهم الواسع مع أهالي غزة والتعاطف معهم، إذ ولدت الاعتداءات نقمة في المجتمع على المجموعات التي أقدمت على هذه الأفعال، وفق ما توضحه الاختصاصية في المعالجة النفسية ريما بجاني.

واعتبرت أنه لا يمكن للكل أن يعبر عن غضبه بطريقة سلمية، وأنه لا يمكن فصل ما يحصل في غزة عن ردود الفعل هذه في لبنان، وعلى رغم أن ردود الفعل تختلف بين شخص وآخر وتؤثر عوامل عديدة ذهنية وعلمية في طرق التعاطي مع الأمور.

وقالت، "لمن يقدمون على أعمال من هذا النوع، شخصية معينة لا تحسن التعامل مع العنف، وتبادل العنف بالعنف بطبيعة الحال، وهم يعجزون عن السيطرة على انفعالاتهم، وعلى القهر الذي يعانونه، ويعتبرون أن ردود فعلهم هذه على ما يحصل طبيعية".

وأضافت، "صحيح أن هذه المؤسسات التي تعرضت لأعمال التخريب لا علاقة لها بما يحصل في غزة، ومن غير المنطقي التعرض لها، إنما ردود الفعل هذه لها علاقة بمعدل النمو الذهني للشبان الذين أقدموا على هذه الأفعال، وبعيداً من التحصيل العلمي، قد يكون البعض محدودين في طريقة التعاطي مع ظروف معينة قاسية محيطة بهم، فلذلك علاقة بمعدل الانفتاح الذهني في التعاطي مع الأمور".

في القضية الفلسطينية بشكل خاص، هناك كم هائل من القهر يتعرض له أهل غزة، كما أن طريقة تعاطي إسرائيل مع الموضوع كقوة يعجز أي كان عن الوقوف بوجهها وبوجه الوحشية التي تتعامل فيها بالقتال، مسألة مستفزة لأهل غزة وللداعمين لها، وفق بجاني، وهذا ما يولد قهراً وردود فعل كتلك التي شهدناها في لبنان، وإن لم تكن لمن تضرروا أي علاقة لهم بكل ما يحصل.

ورأت أن المجموعات التي احتجت بعنف هم مجموعة من أفراد لا يعرفون كيفية التعامل مع انفعالاتهم، ويعجزون عن السيطرة على أنفسهم ويتجهون إلى أفعال عنيفة لإظهار كمية القهر الهائلة التي يعانونها، وإن بدت هذه السلوكيات غير منطقية ولا مبرر لها للآخرين. وعلى رغم ذلك، من يقومون بهذه الأعمال العنيفة لا يشكلون أبداً مثالاً يجب أن يحتذي به الآخرون، ويجب ألا تكون هذه هي الطريقة التي تدعم فيها القضية الفلسطينية أو أي قضية أخرى، إذ لا يمكن تحميل أشخاص آخرين المسؤولية وجعلهم يدفعون ثمن ما لا ذنب لهم فيه.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير