Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وثائق مصر... أدراج الحكومة تأبى البوح بأسرارها

ملايين الأوراق الرسمية مبعثرة بين الجهات والوصول إليها محظور على الإعلاميين والباحثين

لا يزال الحصول على معلومات عن الوثائق القومية في مصر معضلة كبيرة (وسائل التواصل)

ملخص

في 2009 قال رئيس دار الكتب والوثائق القومية، إن الدار لديها نحو 100 مليون وثيقة ولا تشكل سوى 15 في المئة فقط من المخطوطات المحفوظة.

على رغم تاريخها الطويل المبني على التوثيق والكتابة منذ عهد الفراعنة، إلا أن مصر لا تزال تعاني عقدة "السرية"، فملايين الوثائق المهمة التي ترصد بجلاء أحداثاً سياسية واقتصادية واجتماعية غيرت وجه البلاد، لا يزال الوصول إليها عصياً على الباحثين والمتخصصين.

حتى وثائق الحروب الكبرى باتت هي الأخرى قيد السرية، فلا يمكن للجمهور الاطلاع على الوثائق الوطنية على رغم مرور عشرات السنوات عليها، ولا بديل للباحثين سوى أوراق ووثائق ومخطوطات الغرب.

الحكومة المصرية ذاتها تعمل كجزر منعزلة كل جهة تحتفظ بوثائقها لنفسها لا مجال هنا للتعاون، حتى وإن حدد القانون جهة واحدة منوطاً بها حفظ تلك الوثائق وصيانتها، فمبدأ السرية هو الأساس حتى في دولاب الدولة الرسمي وإن كان ذلك مخالفاً للقانون.

موانع استراتيجية

يقول المتخصص في التاريخ محمد عفيفي، إن مصر من أقدم دول منطقة الشرق الأوسط في مجال حفظ الوثائق الرسمية والتاريخية ولديها مؤسسات عدة لهذه المهمة، منها دار المحفوظات العمومية التي أقيمت في عهد محمد علي باشا، بجانب دار الوثائق القومية التي أسست في خمسينيات القرن الماضي لتكون الأرشيف الوطني للدولة.

وأشار عفيفي إلى أن الدول ذات التاريخ القديم تحرص على حفظ الوثائق والاهتمام بها، وأن هناك إشكالية في العالم العربي تجعل الإفراج عنها أو إتاحتها للجمهور أمراً بالغ الصعوبة، مرجعاً ذلك لأسباب أبرزها الفترة الاستعمارية الطويلة التي عانت منها الدول العربية والتي تلتها فترات الاستقلال ومعها تولد خوف لدى الأنظمة العربية من أن الكشف عن تلك الوثائق قد يكون في صالح المستعمر القديم.

كذلك كثرة الحروب التي خاضتها مصر على سبيل المثال يجعلها تتراجع عن الإفراج عن تلك الوثائق التي قد تكون فيها معلومات استراتيجية تضر بمصر أو تفيد العدو، وهو ما يجعلها تتخوف من إطلاع الباحثين أو الجمهور عليها، بحسب متخصص التاريخ.

ويضيف عفيفي، أن إتاحة الوثائق على رغم المخاوف العربية قد تكون مفيدة في توضيح وجهة النظر الوطنية أو المحلية في فترة ما، ففي الثورة الجزائرية كانت الوثائق مفيدة في توضيح الموقف الثوري من الاستعمار، وأيضاً الوثائق الليبية التي جمعت في مركز "جهاد الشعب الليبي" وضحت موقف المجاهدين الليبيين ضد إيطاليا.

المتخصص في التاريخ، أكد أن الأزمة الأكبر تكمن في إهمال التاريخ والتعامل معه باعتباره أحداثاً مضت لن تفيد بخاصة في الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، في الوقت الذي تقوم فيه إسرائيل بالبحث عن وثائق لتحسين صورتها في محاولة منها لصنع تاريخ لنفسها أمام العالم.

وأشار عفيفي إلى غياب المراكز البحثية المتخصصة في توثيق التاريخ وتحليله في مصر والمنطقة العربية عامة، مؤكداً أن هناك أقساماً للتاريخ والتوثيق والمكتبات في الجامعات، لكنها لأغراض تعليمية فقط وليست بحثية.

ومنح القانون رقم 356 لسنة 1954، والخاص بإنشاء دار الوثائق القومية، وزير الثقافة سلطة إصدار قرار الاستيلاء على الوثائق التي بحوزة الأفراد أو الهيئات، لكنه سمح في الوقت ذاته للوزارات والهيئات السيادية بالاحتفاظ بوثائقها في أرشيفها الخاص، وهو ما يعني غياب وثائق مهمة كمحادثات ومخاطبات رئيس الدولة أو وزارة الخارجية.

ضوابط الاطلاع

يرى مدير عام دار المحفوظات السابق إبراهيم إسماعيل، أن هناك كثيراً من الوثائق يمكن الاطلاع عليها وفق ضوابط تختلف باختلاف نوع الوثيقة المطلوبة وتاريخها، مشيراً إلى أن الباحثين يتوجب عليهم إحضار خطاب من الجهة التي يجرى البحث لصالحها، تحدد فيه نوع الوثائق المطلوب الاطلاع عليها والغرض من ذلك، مع تقديم طلب للحصول على تصريح محدد المدة والموظف المسؤول عن معاونة الباحث.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووقعت وزارة المالية المصرية ممثلة في دار المحفوظات العمومية، بروتوكول تعاون مع مكتبة الإسكندرية للاستفادة من خبرات المكتبة في أرشفة وصيانة الموروث الوثائقي الذي تمتلكه الدار والذي يمثل جزءاً مهماً من تاريخ مصر الإنساني.

ويحظر القانون المصري على الأفراد حائزي الوثائق التاريخية، إخراجها من مصر أو التصرف فيها إلا بترخيص من الوزير المختص، وعند التصرف فيها عليه إبلاغ المتصرف إليه كتابة أن الوثيقة ذات قيمة تاريخية أو قومية.

 سجن الوثائق

من جانبه، أكد الباحث التاريخي حسن حافظ، أن هناك مخاوف حقيقية لدى الأنظمة العربية من عملية التوثيق والأرشفة للأحداث التاريخية المهمة، مشيراً إلى أن الوثائق ترصد حقيقة ما حدث بالفعل دون تحسين لصورة أحد أطراف الحدث، وقبل أن تطال تلك الوثائق هوى التحريف أو تبييض سمعة أحد أطرافها، وهو ما يكسب الوثائق أهمية ومصداقية كبرى.

وأشار حافظ إلى أن هذه المخاوف هي السبب الرئيس في عدم الإعلان أو الإفراج عن أية وثائق مهما مرت السنوات على العكس من الدول الغربية، لافتاً إلى أن العالم العربي يحتكرها ويرفض الإفراج عنها بشكل منتظم، وهو ما تتحول معه غالبية دور حفظ الوثائق بخاصة في مصر إلى لعب أدوار أخرى ليس من بينها الدور الأهم وهو إتاحتها أمام الجمهور أو على الأقل الباحثين.

ويضيف حافظ، أن الوثائق في المنطقة العربية وفي مصر باتت في سجن كبير، لافتاً إلى أنه كان يجب أن تكون تحت مظلة دار الوثائق القومية كونها المعنية بهذا الأمر، لكن لغياب قانون ملزم ينظم تلك النقطة، أصبحت للقاهرة جهات عدة لديها وثائق مختلفة ومهمة بعيداً من الدار التي تعاني من مشكلات كبيرة في مجال إتاحة المعلومات.

وتابع الباحث التاريخي "دار المحفوظات معنية بحفظ الوثائق الأكثر حداثة وسجلات موظفي الدولة، وكذلك وزارة الخارجية تملك أرشيفاً ضخماً، بجانب المؤسسات العسكرية التي لا تسمح لأحد بالاطلاع على ما لديها من وثائق، وأيضاً أرشيف مكتبة مجلس النواب المحظور على الباحثين الاطلاع على ما لديه من وثائق تاريخية ونصوص مهمة بخاصة ما يتعلق بموازنات الدولة والحساب الختامي وعديد من القرارات وجميعها معلومات لا يتم الإفراج عنها بشكل منتظم".

ولفت حافظ إلى ما يقتنيه الأفراد من أوراق رسمية، ومنهم الصحافي الراحل محمد حسنين هيكل الذي يملك في مكتبته عديداً من الوثائق التي حصل عليها بحكم قربه من نظام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وعلاقاته الداخلية والخارجية، التي لا توجد ضوابط تتيح الاطلاع عليها، مرجعاً حالة الفوضى في إدارة الملف إلى غياب القانون الذي ينظم تداول الوثائق والكشف عنها.

في عام 2009 أعلن محمد صابر عرب رئيس دار الكتب والوثائق القومية آنذاك، أن عدد الوثائق المحفوظة في الدار يقترب من نحو 100 مليون وثيقة، وأن هذا الرقم لا يشكل سوى 15 في المئة فقط من المخطوطات والوثائق، بينما تتوزع بقية التركة في مخازن الوزارات والمؤسسات الحكومية المختلفة ما يستحيل معه الحفاظ عليها، مشيراً إلى أن الدار لم تتسلم وثائق رسمية من الجهات الحكومية المختلفة خلال الفترة من 1968 حتى 2009.

وجهات نظر

يتفق حسن حافظ، مع مقولة أن الأرقام في الثقافة العامة هي وجهة نظر، معللاً ذلك بتعمد الحكومة إخفاء المعلومة الحقيقية والرسمية المبنية على بيانات دقيقة بحجب الوثائق الرسمية وفتح الباب للتكهنات والاجتهادات الشخصية، ففي مصر غير مسموح للكتاب أو الباحثين الاطلاع على الوثائق ونقل ما فيها من معلومات دقيقة، وكل ما يتداول هو استنباط، مضيفاً "عندما ينشر باحث أرقاماً أو معلومات تخرج الحكومة لتؤكد عدم دقتها، وفي الوقت ذاته لا تعلن الأرقام الدقيقة".

حافظ، أكد أنه في ذكرى حرب السادس من أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام يتجدد الحديث عن ضرورة الإفراج عن الوثائق الرسمية الخاصة بهذه الحرب التي مر عليها 50 عاماً، إلا أن المؤسسة العسكرية ترفض ذلك ليس فقط في ما يخص الحرب، ولكن في ما سبقها من حروب وتحديداً من حرب عام 1948.

الأمر يصعب مهمة الباحثين في تاريخ حروب مصر من العرب والمصريين، فليس أمامهم بديل سوى الاعتماد على الوثائق البريطانية والفرنسية والأميركية والإسرائيلية التي تلزمهم قوانينهم الإفراج عنها إما بمرور 30 عاماً أو 50 عاماً، وإتاحتها أمام الباحثين والإعلاميين بشكل سنوي، ولكن ما يعيبها أنها وثائق تحمل وجهة نظر تلك الدول وتعكس مصالحها وليس وجهة نظر أو مصالح مصر، وهو ما يضع الباحث تحت خطر التأثر بالمعلومات الواردة في تلك الوثائق.

وتحتفظ هدى نجلة الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، بجزء كبير من وثائق الدولة المهمة، وفي عام 2003 بمناسبة الذكرى الـ 50 لثورة 23 يوليو، قامت بإهداء دار الوثائق بعضاً من تلك الوثائق النادرة الخاصة بوالدها وبالثورة، ومازالت تحتفظ بالبقية منها.

وقبل أيام، مع انتهاء فترة التقادم (50 عاماً) التي حددها القانون بشأن الاطلاع على هذه المواد، أفرجت هيئة الأرشيف الإسرائيلي عن مجموعات شاملة من آلاف الوثائق والصور والتسجيلات الصوتية ومقاطع الفيديو التي تكشف الطريقة التي أدارت بها الحرب وأيضاً أبرز أخطائها الاستخباراتية في حرب أكتوبر 1973.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير