Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تساند جنوب أفريقيا الحق الفلسطيني في غزة؟

تحاول جوهانسبرغ السعي في الاتجاه نحو بلورة موقف مستفيد من التحولات الدولية إلى نظام متعدد الأقطاب

رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا ملقياً كلمة أمام القمة الدولية للسلام التي عقدتها مصر (أ ف ب)

ملخص

ربما يكون الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا الأكثر وضوحاً في نادي القادة الأفارقة الذي جاهر بموقفه ضد إسرائيل، مرتدياً الكوفية الفلسطينية بعد أحداث ضرب مستشفى المعمداني

يبدو موقف جنوب أفريقيا المتفاعل إيجاباً مع أحداث غزة لافتاً في السياق الأفريقي، وذلك على عدة مستويات منها ما هو محلي وما هو إقليمي. على الصعيد الأول، برزت الاحتجاجات الشعبية في شوارع جوهانسبرغ ضد الأداء الإسرائيلي في غزة كأول احتجاجات من نوعها في القارة، إذ سبقت هذه التحركات الشعبية قصف مستشفى المعمداني الذي حرك كل ضمير إنساني حول العالم، ودفع الجميع إلى إدانة إسرائيل.

جالية يهودية نشطة

وربما يكون من المثير للدهشة أن الموقف الجنوب الأفريقي الصلب في مناصرة الفلسطينيين يجيء تحت مظلة وجود جالية يهودية نشطة في جنوب أفريقيا، بدأ وجودها منذ القرن الـ16، وذلك مع اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح، إذ لعب اليهود الهولنديون دوراً نشطاً في تكوين شركة الهند الشرقية، كما لعبت هذه الجالية المقدرة بنحو ربع مليون نسمة حالياً دوراً كبيراً في عمليات التهجير نحو إسرائيل في منتصف القرن الـ20، ولها حالياً استثمارات ضخمة في بريتوريا، فعائلات يهودية مثل سولومون والإخوة موزنتال نشطون في مجالات التعدين وتجارة الأسلحة وتصدير الألماس.

ومن المدهش أن يكون عامل الوجود اليهودي في جنوب أفريقيا وتجلياته الاقتصادية المؤثرة غير فاعل في بلورة الضمير الشعبي إزاء قضايا الشرق الأوسط عموماً وفلسطين خصوصاً، فهو الضمير المتأثر بالمعطيات الذهنية الجنوب أفريقية التي عانت الاحتلال والفصل العنصري تاريخياً، وعلى مدى عقود، وتعتبر أن معاناة الفلسطينيين الراهنة مثيلة لمعاناة المواطنين الأفارقة السود تحت حكم نظم الأبارتهايد، وذلك إضافة إلى ما مثله مقتل رعايا جنوب أفريقيين في غزة نتيجة القصف الإسرائيلي من محركات للشارع العفوي في جنوب أفريقيا، فضلاً عن تجاهل سفير إسرائيل لدى جنوب أفريقيا طلبات من جانب مئات المواطنين تسعى إلى الحصول على معلومات في شأن ذويهم في غزة، وكلها أمور شكلت إجمالاً أسباباً لتحرك التظاهرات في جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في مبادرة أفريقية لم يسبق إليها أحد، كما كانت بعد أربعة أيام فقط من انفجار أحداث غزة وقبل أحداث المعمداني، في مؤشر إلى أن الموقف الجنوب أفريقي قد تبلور بدوافع سياسية، قبل أن تكون دوافع إنسانية.

موقف رسمي

وقد يكون الرئيس سيريل رامافوزا الأكثر وضوحاً في نادي القادة الأفارقة الذي جاهر بموقفه ضد إسرائيل، مرتدياً الكوفية الفلسطينية بعد أحداث ضرب مستشفى المعمداني، مستنكراً مطالبتها بترحيل ما يزيد على مليون فلسطيني من غزة، مشيراً إلى أن إسرائيل دولة فصل عنصري محتلة، وناصره في ذلك حزب المؤتمر الوطني الحاكم الذي ارتدى أعضاؤه ملابس سوداء وأوشحة فلسطينية، لإظهار الدعم للنضال الفلسطيني، كما أصدرت الأحزاب السياسية في جنوب أفريقيا بيانات سياسية دانت الغارات الإسرائيلية الوحشية ضد المدنيين العزل، وذلك فضلاً عن بيانات صادرة عن المجتمع المدني الجنوب أفريقي، مثل تحالف التضامن مع فلسطين، ومنظمة أفريقيا من أجل فلسطين.

وفي سياق مواز مارست وزيرة خارجية جنوب أفريقيا ناليدي باندور على المستوى الدبلوماسي أعلى مواقف الرفض الأفريقي للسياسيات الإسرائيلية، إذ دعت الحركات النقابية في بلادها إلى مقاطعة المنتجات الإسرائيلية. لافتة إلى أن الشعب الفلسطيني يحتاج إلى كل أنواع الدعم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما على الصعيد الإقليمي، فإن جنوب أفريقيا تحاول أن تمارس حالياً دوراً أفريقياً قائداً في القارة، لمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها ضد الإنسانية في غزة، وتجاهلها قواعد القانون الدولي في الأعمال الحربية، وذلك بدعوتها لـ33 دولة أفريقية عضواً في المحكمة الجنائية الدولية لرفع دعاوى مشتركة ضد إسرائيل في شأن ما يمكن وصفه بممارسة إبادة جماعية في غزة وانتهاكات ضد الإنسانية، حيث قدم هذه الدعوة للدول الأفريقية مركز العدالة بجوهانسبورغ، كما تقود جنوب أفريقيا أيضاً حالة تفاعل دبلوماسي مع دول شمال أفريقيا في شأن غزة، إذ هاتف، أخيراً، سيريل رامافوزا رئيس جنوب أفريقيا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في شأن الوضع الإقليمي والتصعيد العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة، وذلك بعد رفض مصر تهجير الفلسطينيين إلى سيناء طبقاً للمخططات العسكرية الإسرائيلية، حيث توافق الرئيسان على خطورة التفاعلات الراهنة في غزة وتهديدها الاستقرار الإقليمي وتأثر النطاق الأفريقي الشامل بها.

وإذا كان الموقف الجنوب أفريقي تجري بلورته على الصعيد الأخلاقي بإدانة إسرائيل كدولة احتلال تمارس حالة الاستعمار الأخير لأراضي الغير على مستوى العالم. فإن جوهانسبورغ تنحاز على الصعيد السياسي لحل الدولتين المتوافق عليه عربياً ودولياً، وفي هذا السياق فإنها ترفض استيراد منتجات المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، بينما تسمح باستثمارات إسرائيلية على أراضيها، خصوصاً في مجال التعدين.

وبطبيعة الحال يجري النظر إلى موقف جنوب أفريقيا موقفاً متمايزاً عن باقي دول جنوب الصحراء في أفريقيا، فدولة مثل نيجيريا مثلاً لم تظهر فيها احتجاجات شعبية حتى الآن، واكتفت بحديث على لسان وزير خارجيتها يوسف توغار بالدعوة إلى وقف الانتهاكات الإسرائيلية، والركون سياسياً إلى حل الدولتين، بينما جاء رد دولة جزر القمر محدوداً في نطاق الاحتجاجات الشعبية بعد ما يزيد على 10 أيام من انفجار الأحداث في غزة.

تحولات النظام الدولي

في هذا السياق لا يمكن اختزال الموقف الجنوب أفريقي في مسألة المعاناة المشتركة مع الفلسطينيين في مواجهة نظم الفصل العنصري والاحتلال، لكن ينظر إليه أيضاً في سياق اتجاه جنوب أفريقيا نحو بلورة موقف مستفيد من تحولات النظام الدولي الراهنة، التي بات من الواضح أنها تقود إلى نظام متعدد الأقطاب يخلف وراءه الهيمنة الأميركية، وكذلك محاولة بناء وزن إقليمي مؤثر في القارة الأفريقية كدولة مفتاحية في جنوبها، وربما هذا ما يفسر الانضمام المبكر إلى جنوب أفريقيا إلى تحالف "بريكس"، ربما عطفاً على علاقات متميزة أيضاً بالهند التي يعيش منها جالية كبيرة في جنوب أفريقيا، التي وفرت لجوهانسبورغ هذا الانتباه المبكر للانضمام إلى بريكس.

وربما تحت مظلة هذه المعطيات كان لجنوب أفريقيا موقف مختلف مع الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً في ما يتعلق بالحرب الروسية - الأوكرانية، حيث صوتت جنوب أفريقيا ضد قرار الأمم المتحدة المناهض روسيا خلال الأشهر الأولى من الحرب، وقادت موقفاً أفريقياً مناهضاً للتوجه الأميركي في إدانة روسيا، وذلك إلى حد تصنيف التصويت الأفريقي وقتذاك تصويتاً متمرداً على الإرادة الغربية، وهو ما استدعى اتصالاً  هاتفياً من الرئيس الأميركي بايدن إلى الرئيس سيريل رامافوزا، مستنكراً فيه موقف جنوب أفريقيا.

تعاون عربي- أفريقي 

الشاهد، أن هناك عوامل ترشح الدور الجنوب أفريقي للنجاح في المرحلة المقبلة في تحقيق تعاون عربي- أفريقي مؤثر في مجريات أزمة غزة، منها تحسب واشنطن لتكتل أفريقي ضد توجهاتها في القارة، تستفيد منه الصين، ويمثل قيمة مضافة لنفوذ بكين المؤثر فعلاً في القارة، الذي يشكل تهديداً لمصالح أميركية حرجة، خصوصاً في مجال الطاقة بخليج غينيا، إذ من شأن مثل هذا التكتل أن يقوض المجهودات الأميركية المبلورة في استراتيجيات أميركية في دول جنوب صحراء أفريقيا جرى الإعلان عنها في أغسطس (آب) 2022، وذلك في ضوء الخطاب والمواقف الأميركية المنحازة إلى إسرائيل، التي بلورها بايدن قبل وبعد زيارته إسرائيل لدرجة شجعت إسرائيل على ممارسة إبادة لأهالي غزة، وأسهمت في إلغاء قمة الأردن التي كان من المفترض أن يلتقي فيها القادة العرب.

أما العامل الثاني، في نجاحات متوقعة لجوهانسبورغ فهو حالة الغضب الأفريقي، خصوصاً في القطاع الشبابي من السياسات الغربية في القارة عموماً، وهي التي أفقرت الأفارقة، ونهبت مواردهم تحت شعارات إعادة الهيكلة الاقتصادية والتحول الديمقراطي، ومارست دعماً لنخب حاكمة فاسدة جرى السماح لها بنظم سلطوية ممتدة طالما هي موالية للمصالح الغربية.

ثالثاً إن توجهات جنوب أفريقيا لجرجرة إسرائيل لمحكمة الجنايات الدولية قد يصادف هوى أفريقياً، خصوصاً في دول الساحل الأفريقي التي جرت فيها انقلابات عسكرية خلال السنوات الثلاث الماضية، وتحتاج نخبها السياسية إلى تثبيت أركان حكمها عبر منصة تفاعل أخلاقي وسياسي مع قضايا القارة المرتبطة عضوياً وتاريخياً بالعرب وبقضاياهم، خصوصاً أن سكان هذه الدول بها نسب غالبة من المسلمين المتأثرين بما يجري من تغول يهودي على المسجد الأقصى يجرح عقائدهم ومشاعرهم كمسلمين.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل