Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بوتين الخامس: "قيصر" مخيف خائف

يقول مثل روسي "مهما قفزت عالياً لا يمكنك القفز بعيداً من نفسك"

بوتين ينافس أميركا في القفز عالياً وتوسيع الخطى ويتصرف مثل "قيصر" جديد (أ ف ب/ غيتي)

ملخص

ستالين كان يتحدث عن حقيقة ملموسة حين قال "الروس شعب قيصري يبحث دائماً عن قيصر ليعبده ويخدمه"، أما النخبة حول بوتين، فإنها تعتقد أن الفشل في مواجهة الغرب "يهدد الهوية الروسية"، وهذه معركة بوتين الذي يلعب دور القيصر المخيف الخائف.

الرئيس فلاديمير بوتين بدأ ولاية خامسة تنتهي نظرياً عام 2030، وقابلة للاستمرار إلى ما لا نهاية، عبر تعديل الدستور الذي يبدو مثل قطعة من مطاط، وليس ذلك غريباً في روسيا السلطوية تحت عنوان "الديمقراطية المدارة"، ولا بالطبع في بلدان كثيرة. فكل رئيس يتمنى أن يحكم مدى الحياة فلا يخرج من القصر إلا إلى القبر. والعائق في الأنظمة الديمقراطية الفعلية هو الدستور الذي يحدد للرئيس ولايتين فقط، أما في معظم الأنظمة في بلدان ما صار يسمى "الجنوب العالمي" فإن تعديل الدستور مسألة سهلة جداً، وأما في الأنظمة الشمولية أو السلطوية الكاملة، فلا عوائق إلا إذا حدث "انقلاب" داخل الحزب الحاكم.

دونالد ترمب المستقتل للعودة إلى البيت الأبيض، على الرغم من محاكماته، أعلن أنه سيكون ديكتاتوراً في اليوم الأول، وقال غير مرة إنه يريد أن يحكم مثل بوتين. أندجي دودا شبه أبدي في رئاسة بولندا. ألكسندر لوكاشينكو الذي انتقل من إدارة مزرعة خنازير إلى رئاسة روسيا البيضاء لا يزال منذ سقوط الاتحاد السوفياتي في القصر بالقمع والتزوير وحماية بوتين، إذ زوّر الانتخابات الرئاسية الأخيرة وأجبر مرشحة المعارضة الفائزة سفياتلانا تسيخانوسكايا على الهرب من البلاد. رجب طيب أردوغان لا يستطيع تصور نفسه خارج السلطة منذ 2002، ولعبة الدستور جاهزة، مرة للانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، بحيث جرى "تصفير" رئاساته السابقة، واليوم للانتقال من دستور الجنرالات عام 1980 إلى دستور مدني. دانييل أورتيغا في نيكاراغوا يصرّ، لا فقط على ولايات رئاسية بلا نهاية بل أيضاً على أن تتولى زوجته نيابة الرئاسة.

وفي العالم العربي، فإن من يصل إلى القصر مرة لا يغادره، بحيث يكون الفائز دائماً في الانتخابات. وقلة هي النماذج التي رفضت الحكم الدائم. نيلسون مانديلا، شارل ديغول، فاتسلاف هافل الذي قال "الرئاسة جعلتني أشعر أنني فارغ"، ودينغ شياو بينغ الذي أصرّ على التخلي عن مسؤولياته المهمة في الصين "قبل أن يصاب عقلي بالتشوش" كما قال لمسؤول صيني.

بوتين الخامس حليف شي جينبينغ الثالث أقسم اليمين الدستورية وقام مباشرة بثلاث خطوات لها أبعاد، الأولى هي التخلي عن تقليد سوفياتي صار قاعدة في الأنظمة الشمولية أو السلطوية في العالم العربي هي إسناد وزارة الدفاع إلى ضابط كبير موثوق به، والثانية هي استغلال قلة الأسلحة في أوكرانيا وإصدار أمر بهجوم واسع على منطقة خاركيف التي أجبر الأوكرانيون الروس على الانسحاب منها في بدايات الغزو، والثالثة هي زيارة الصين وتمتين "شراكة بلا حدود" معها في مواجهة أميركا والغرب و"التغييرات المتسارعة" في العالم. الرجل الذي اختاره بوتين لوزارة الدفاع خلفاً لصديقه القديم والدائم سيرغي شويغو هو الخبير الاقتصادي ونائب رئيس الوزراء أندريه بيلوسوف صاحب استراتيجية: "السيادة التكنولوجية"، والسبب في الخيار هو التركيز على "الابتكار" كما على تشغيل القطاعات الصناعية والاقتصادية في إطار "اقتصاد الحرب" بحيث تكون كل قدرات البلاد في خدمة الميدان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحتى إشعار آخر، فإن الجيش الروسي يحتل مساحات جديدة في منطقة خاركيف يسميها "قرى محررة" من أجل إقامة "منطقة عازلة" قرب الحدود الروسية. وبوتين مصر على رواية أيديولوجية للتاريخ، ففي عيد النصر على النازية اتهم الغرب بتشويه حقيقة الحرب العالمية الثانية و"تغيير الحقائق لتصغير دور الاتحاد السوفياتي فيها"، قائلاً إن موسكو "قاتلت النازية بمفردها في السنوات الثلاث الأولى من الحرب فيما عملت أوروبا على دعم هتلر". ولا مجال بالطبع لتصغير دور الاتحاد السوفياتي، فهو كبير جداً، لكن من المهام المستحيلة تصغير دور بريطانيا بقيادة ونستون تشرشل في الحرب، وتجاهل اتفاق "ريبنتروب-مولوتوف" (اتفاق ألماني - سوفياتي) حول عدم الاعتداء بين هتلر وستالين الذي خرقه الزعيم النازي بالهجوم على الاتحاد السوفياتي الذي دافع عن نفسه بقوة.

وحين يعلن بوتين وشي "التمسك بالنظام الدولي المتمركز حول الأمم المتحدة، وهو نظام قائم على القانون الدولي"، فإنهما يعرفان أكثر من الجميع أن غطرسة القوة وحدها تسمح بالسخرية من العالم والادعاء أن غزو روسيا لأوكرانيا هو ضمن القانون الدولي، كذلك الأمر حين تدعي إسرائيل أن حرب الإبادة في غزة هي ضمن احترام القانون الدولي. والتناقض كبير في بيان واحد بعد اجتماع الزعيمين الروسي والصيني في بكين، فمن جهة يعلنان أنهما حريصان على "ألا تكون العلاقات الثنائية موجهة ضد دول أخرى"، ومن جهة ثانية يقولان إن "مواصلة الجهود لتحقيق التكامل بين الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومبادرة حزام واحد، طريق واحد"، ويتجاهلان أن كل هذا ضد تحالف "أوكوس" بين أميركا وبريطانيا وأستراليا واستراتيجية "إندو-باسيفيك" الأميركية ونشر الصواريخ الأميركية في منطقة آسيا وأوروبا، ولا براءة في الصراعات الجيوسياسية، لا ملائكة في مواجهة شياطين وبالعكس، الكل صاحب طموح إمبريالي، ولا فرق في صدام الإمبرياليات بين أميركا وروسيا والصين.

يقول مثل روسي "مهما قفزت عالياً لا يمكنك القفز بعيداً من نفسك"، ويقول مثل روسي آخر "إذا وسعت خطاك فقد تمزق بنطالك". وبوتين ينافس أميركا في القفز عالياً وتوسيع الخطى ويتصرف مثل "قيصر" جديد، لكن عليه أن يتذكر أن "القيصر الحقيقي أيام آل رومانوف" لم يكن قلقاً حيال أزمة خلافة في المستقبل، ولا حول ما يفعله للإمساك بالسلطة في الحاضر، في حين أن بوتين قلق حيال الأمرين كما يقول ستيفن كوتكين من معهد "هوفر" في جامعة "ستانفورد" ومؤلف كتاب "ستالين: قوة عظمى توتاليتارية" في مقال نشرته "فورين أفيرز". لا بل إن كوتكين يوحي أن روسيا تحتاج إلى "ديغول روسي" لكي يقوي "نظاماً ليبرالياً من فوق". وبوتين ليس ديغول الروسي، وروسيا ليست فرنسا، وستالين كان يتحدث عن حقيقة ملموسة حين قال "الروس شعب قيصري يبحث دائماً عن قيصر ليعبده ويخدمه"، أما النخبة حول بوتين، فإنها تعتقد أن الفشل في مواجهة الغرب "يهدد الهوية الروسية"، وهذه معركة بوتين الذي يلعب دور القيصر المخيف الخائف.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل