Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران بين توجيه الوكلاء لحرب غزة والبعد عن إسرائيل

تستخدم لهجة قوية ضد تل أبيب منذ بداية هجوم "حماس" لكنها تمتنع عن التدخل العسكري المباشر

إيران أمام معضلة بينما تحاول إدارة الأزمة المتفاقمة في غزة (أ ف ب)

ملخص

معضلة إيران... كيف تبقى بعيدة من حرب إسرائيل على "حماس"؟

أصدرت إيران في الـ15 من أكتوبر (تشرين الأول) تحذيراً علنياً وحاداً لعدوها اللدود إسرائيل، عندما قال وزير خارجيتها أمير عبداللهيان "أوقفوا هجومكم على غزة وإلا سنضطر إلى اتخاذ إجراء".

وبعد ساعات فقط خففت بعثة الجمهورية الإسلامية لدى الأمم المتحدة لهجتها المتشددة، وطمأنت العالم بأن قواتها المسلحة لن تتدخل في الصراع ما لم تهاجم إسرائيل مصالح إيران أو مواطنيها.

ووفقاً لتسعة مسؤولين إيرانيين على اطلاع مباشر على طريقة التفكير داخل المؤسسة الدينية الحاكمة، فإن إيران الداعمة منذ فترة طويلة لحركة "حماس" التي تدير قطاع غزة تجد نفسها أمام معضلة بينما تحاول إدارة الأزمة المتفاقمة.

وأوضح المسؤولون، الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم بسبب حساسية المناقشات في طهران، أن الوقوف موقف المتفرج وقت أي اجتياح بري إسرائيلي واسع لقطاع غزة من شأنه أن يقوض بشكل كبير الاستراتيجية التي تتبعها إيران منذ أكثر من أربعة عقود، والمتعلقة ببسط نفوذها وتعزيزه إقليمياً.

لكن أيضاً من الممكن أن يكبد أي هجوم كبير ضد إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة إيران خسائر فادحة ويثير غضباً شعبياً ضد المؤسسة الدينية الحاكمة في دولة تعاني بالفعل أزمة اقتصادية، بحسب ما قال المسؤولون الذين استعرضوا مختلف الأولويات العسكرية والدبلوماسية والداخلية التي تعمل المؤسسة على الموازنة بينها.

وقال ثلاثة مسؤولين أمنيين إنه تم التوصل إلى توافق في الآراء بين كبار صناع القرار في إيران في الوقت الحالي على إعطاء مباركتهم للضربات المحدودة التي يشنها "حزب الله" اللبناني عبر الحدود ضد أهداف عسكرية إسرائيلية، على بعد أكثر من 200 كيلومتر من غزة، فضلاً عن هجمات ضيقة النطاق تشنها جماعات أخرى حليفة في المنطقة على أهداف أميركية، مع تفادي أي تصعيد كبير من شأنه أن يجر إيران نفسها إلى الصراع.

ونقلت وسائل إعلام رسمية إيرانية عن وحيد جلال زادة رئيس لجنة الأمن القومي بالبرلمان قوله الأربعاء "إننا على اتصال مع أصدقائنا (حماس) و(الجهاد) و(حزب الله) وموقفهم هو أنهم لا يتوقعون منا تنفيذ عمليات عسكرية".

ولم ترد وزارة الخارجية الإيرانية على طلب للتعليق على طريقة تعامل البلاد مع الأزمة، كما رفضت السلطات العسكرية الإسرائيلية التعليق.

ويبدو الأمر لإيران أشبه بالسير على خيط رفيع، فقد أوضحت المصادر أن خسارة قاعدة قوة أسستها إيران في القطاع الفلسطيني عبر "حماس" وجماعة "الجهاد" على مدى ثلاثة عقود من شأنها أن تحدث صدعاً في خطط إيران التي قامت ببناء شبكة جماعات مسلحة تعمل بالوكالة في أنحاء الشرق الأوسط، من "حزب الله" في لبنان إلى الحوثيين في اليمن.

وقال ثلاثة من المصادر إنه يمكن أن ينظر إلى التقاعس الإيراني على الأرض على أنه علامة ضعف من جانب تلك الجماعات الحليفة، التي تمثل سلاح نفوذ طهران الرئيس في المنطقة منذ عقود. وتابعوا أن هذا قد يؤثر أيضاً في مكانة إيران التي كثيراً ما دافعت عن القضية الفلسطينية وترفض الاعتراف بإسرائيل وتعتبرها محتلاً خسيساً.

وقال المسؤول السابق في الاستخبارات الإسرائيلية والمفاوض خلال الانتفاضتين الأولى والثانية آفي ميلاميد "يواجه الإيرانيون معضلة ما إذا كانوا سيرسلون (حزب الله) إلى القتال من أجل محاولة إنقاذ ذراعهم في قطاع غزة أو ربما سيتركون هذه الذراع ويتخلون عنها"، متابعاً "الإيرانيون في هذه النقطة يتحركون وفق حساب المخاطر".

البقاء أولوية قصوى

تواجه الأهداف الاستراتيجية الإيرانية اعتبارات عسكرية آنية، إذ تقوم إسرائيل منذ الهجوم الذي شنته "حماس" في السابع من أكتوبر الجاري وأسفر عن مقتل 1400 في إسرائيل بشن ضربات جوية غير مسبوقة على قطاع غزة أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 4300 حتى الآن.

ويعتقد على نطاق واسع أن إسرائيل صاحبة القوة العسكرية الكبرى لديها ترسانة نووية، على رغم أنها لا تؤكد هذا أو تنفيه، كما أنها تتمتع بدعم من الولايات المتحدة التي نشرت حاملتي طائرات في شرق البحر المتوسط لأسباب من بينها توجيه تحذير لإيران.

وقال دبلوماسي إيراني كبير "بالنسبة إلى كبار القادة في إيران، بخاصة الزعيم الأعلى (آية الله علي خامنئي)، فإن الأولوية القصوى هي بقاء الجمهورية الإسلامية".

وأضاف "ولهذا السبب تستخدم السلطات الإيرانية لهجة قوية ضد إسرائيل منذ بداية الهجوم، لكنها تمتنع عن التدخل العسكري المباشر، في الأقل حتى الآن".

ومنذ السابع من أكتوبر الجاري تبادل "حزب الله" إطلاق النار مع القوات الإسرائيلية على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية في اشتباكات أسفرت عن مقتل 14 من مقاتلي الحزب.

وقال مصدران مطلعان على تفكير "حزب الله" إن هذه الدرجة المنخفضة من العنف تهدف إلى إبقاء القوات الإسرائيلية منشغلة من دون فتح جبهة جديدة كبيرة. ووصف أحدهما هذا التكتيك بأنه كشن "حروب صغيرة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولم يلق زعيم حزب الله حسن نصر الله، الذي عادة ما يطلق تهديدات ضد إسرائيل في خطاباته، أي كلمة علنية منذ اندلاع الأزمة.

وقالت ثلاثة مصادر أمنية إسرائيلية رفيعة المستوى ومصدر أمني غربي لوكالة "رويترز" إن إسرائيل لا تريد مواجهة مباشرة مع طهران، وإنه على رغم قيام الإيرانيين بتدريب "حماس" وتسليحها فإنه لا يوجد مؤشر إلى أن طهران كانت على علم مسبق بهجوم السابع من أكتوبر.

ونفى الزعيم الإيراني الأعلى خامنئي تورط إيران في الهجوم، لكنه أشاد بما تسبب فيه من أضرار لإسرائيل.

وقالت المصادر الأمنية الإسرائيلية والغربية إن إسرائيل لن تهاجم إيران إلا إذا تعرضت لهجوم مباشر من قبل قوات إيرانية، لكنها حذرت من أن الوضع قابل للاشتعال وأن أي هجوم على تل أبيب يتسبب في خسائر فادحة من جانب "حزب الله" أو وكلاء لإيران في سوريا أو العراق يمكن أن يقلب هذه المعادلة.

وأضاف أحد المصادر الإسرائيلية أن أي سوء تقدير من جانب إيران أو أي من الجماعات المتحالفة معها لنطاق أي هجوم بالوكالة سيكون كفيلاً بتغيير نهج إسرائيل.

قوات أميركية

أوضح مسؤولون أميركيون أن هدفهم هو منع تفاقم الصراع وردع الآخرين عن مهاجمة مصالح بلادهم مع إبقاء الخيارات متاحة أمام واشنطن.

وفي طريق عودته من زيارة إلى إسرائيل الأربعاء الماضي، نفى الرئيس الأميركي جو بايدن بشكل قاطع تقريراً إعلامياً إسرائيلياً ذكر أن مساعديه أوضحوا لإسرائيل أنه إذا بدأت جماعة "حزب الله" حرباً فإن الجيش الأميركي سينضم إلى نظيره الإسرائيلي في قتال الجماعة اللبنانية.

وقال بايدن للصحافيين في أثناء توقفه للتزود بالوقود في قاعدة رامشتاين الجوية الألمانية بخصوص التقرير الإسرائيلي "هذا غير صحيح، لم يصرح هو أو مساعدوه بذلك قط".

وأكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي مجدداً أن واشنطن تريد احتواء الصراع، إذ أكد للصحافيين في أثناء التزود بالوقود "لا توجد نية لنشر قوات أميركية على الأرض في القتال".

وقال المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأميركية الذي يترأس الآن برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، جون ألترمان، إن القادة الإيرانيين سيشعرون بالضغط لإظهار دعم ملموس لحركة "حماس" وليس مجرد إطلاق خطابات رنانة، لكنه حذر من احتمال تطور الأحداث وخروجها عن السيطرة.

وأضاف ألترمان "بمجرد دخولك هذه البيئة، تحدث أشياء وتكون هناك عواقب لم يكن أحد يريدها، الجميع في حالة تحفز".

وزادت الأزمة أيضاً من حالة عدم اليقين في الأسواق المالية في الولايات المتحدة وخارجها، مما عزز الطلب على أصول "الملاذ الآمن" مثل الذهب والسندات الحكومية الأميركية والفرنك السويسري، ولا يزال رد فعل السوق ضعيفاً حتى الآن، لكن بعض المستثمرين يحذرون من أن ذلك قد يتغير تغيراً جذرياً إذا تصاعدت حرب غزة وتحولت إلى صراع أوسع في المنطقة.

لا غزة ولا لبنان

أدى اتفاق المصالحة الذي توسطت فيه الصين بين إيران والسعودية إلى تعقيد الأمور بالنسبة إلى القادة في طهران الذين يريدون تجنب تعريض هذا "التقدم الهش" للخطر، وفقاً لمسؤول كبير سابق مقرب من كبار صناع القرار في إيران.

وفي الوقت نفسه يمكن للشعب الإيراني أن يلعب دوراً في الأحداث التي تتكشف في أنحاء المنطقة.

وقال مسؤولان في تصريحات منفصلة إن حكام إيران لا يستطيعون تحمل تبعات التدخل المباشر في الصراع، بينما يواجهون صعوبة في تهدئة وكبح معارضة متصاعدة في الداخل بسبب المشكلات الاقتصادية والقيود الاجتماعية.

وشهدت البلاد اضطرابات لأشهر عدة، في أعقاب وفاة شابة إيرانية في أثناء احتجاز شرطة الأخلاق لها العام الماضي وبسبب حملة القمع المستمرة التي تشنها الدولة على المعارضة.

وقد دفعت المشكلات الاقتصادية الناجمة بشكل رئيس عن العقوبات الأميركية وسوء الإدارة عدداً كبيراً من الإيرانيين إلى انتقاد السياسة المستمرة منذ عقود والمتمثلة في إرسال أموال إلى وكلاء طهران لتوسيع نفوذ إيران في الشرق الأوسط.

ولسنوات أصبح شعار "لا غزة ولا لبنان أضحي بحياتي من أجل إيران" شعاراً رائجاً في الاحتجاجات المناهضة للحكومة الإيرانية، مما يسلط الضوء على شعور الناس بالإحباط من نهج المؤسسة الدينية الحاكمة في تخصيص موارد البلاد.

وقال المسؤول الإيراني الكبير السابق "يؤكد موقف إيران المعقد التوازن الدقيق الذي يجب أن تحافظ عليه بين المصالح في المنطقة والاستقرار الداخلي".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير