Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تؤكد حرب غزة مجددا أن زمن الحروب الخاطفة قد انتهى؟

يعود العالم للصراعات الممتدة والطويلة التي تستهدف إسقاط الدول مثلما تسعى المقاومة الفلسطينية

ملخص

الصراعات لم تنته بل تستمر وتعبر عن وجودها في توقيتات مختلفة

ثمة وقائع سياسية وتاريخية تشير إلى أن هناك تصنيفاً مرناً في المواجهات والصراعات التي تنشب بين الدول من جانب، والفواعل من غير الدول من جانب آخر، وهو ما يتطلب مراجعة سياسية واستراتيجية لطبيعة ما يجري من نزاعات في العالم في الوقت الراهن ويفسر لماذا تمتد المواجهات، وتتجدد دورياً بسبب بقاء المعطيات على حالها وعدم وجود حلول حقيقية أو نهائية، وهو ما يفسر لماذا تمتد الصراعات طويلاً وتنشب، وتستمر من أن لآخر ارتباطاً بعوامل ثنائية على مستوى الداخل، وبسبب تنامي دور الأطراف الإقليمية والدولية التي تتغذى من حدة الصراع، وقد تشارك في التعامل معه، وهو ما بدا واضحاً في جملة ما يحدث من صراعات إقليمية ودولية في الوقت الراهن .

تفسيرات مباشرة

يمكن تفسير استمرار الحروب والصراعات والنزاعات في العالم إلى عوامل عدة، أهمها عدم وجود سيناريوهات للحل واستمرار كل طرف في محاولة لتحسين شروط التفاوض والحصول على أفضل النتائج، والعمل دائماً وفقاً لمعادلة "رابح - خاسر" لا "رابح - رابح"، وهذا يفسر أسباب تنامي الصراعات واستمرارها في الوقت الراهن، مع سعي كل طرف إلى فرض استراتيجية الأمر الواقع وبصورة دورية، إضافة إلى أن استخدام القوة من قبل أطراف الصراع قد يكون هو الحل الحقيقي والمتاح في التعامل لا الحل الدبلوماسي أو السياسي نتيجة أسباب كثيرة، مما يمكن تفسيره أن القوة تعود لتحكم النظام الدولي في الفترة الراهنة والمنتظرة، إذ لا توجد وسائل بديلة أو خيارات أخرى تلجأ إليها الدول في التعامل، بخاصة بعدما بات التنظيم الدولي ممثلاً في الأمم المتحدة ضعيفاً وغير قادر على التعامل مع الصراعات الأكثر تعقيداً، مثلما يجري في مسارات التعامل الدولي مع الصراع العربي - الإسرائيلي باعتباره أعقد صراعات العالم لأسباب متعلقة بطرفي الصراع من جانب، وتداخل الأسباب الأيديولوجية والسياسية والأمنية، وغياب أي مقاربة جادة في التعامل، إضافة إلى وجود أطراف إقليمية ودولية قد يكون دورها مؤثراً في التعامل، وفي تبني طرفي الصراع بعض التوجهات التي تؤدي دورياً إلى اشتعال الصراع واستمراره في ظل عدم أو غياب الحل النهائي، لأنه سيعني انتقاء دور أي طرفي الصراع وهو ما يحدث في الصراع الجاري في أوكرانيا.

لا يتوقف الصراع العسكري على الصراعات النظامية، أي بين الدول - الدول، بل قد يمتد إلى حركات مسلحة أو تنظيمات دولية عابرة للحدود، والهدف الاستمرار في العمل والوجود والتداخل في المواجهات، إذ يمكن تصنيف الصراعات إلى صراعات مفتوحة لا تقتصر على الدول فقط، بل التنظيمات مثل "القاعدة" ونسخه المختلفة في بقاع العالم، وتنظيم "داعش" وأيضاً فروعه الإقليمية المنتشرة، وهذا الصراع مفتوح ولا يقتصر على منطقة أو موقع أو مسرح عمليات محدد، بل موجود في مواقع عدة، مما يجعل الصراع ممتداً ودائماً ومستمراً، ولا ينتهي أبداً في ظل وجود التنظيمات في موقعها وتمسكها بنفي الآخر، وعدم وجود أي فرص للتهدئة، أو تسكين الصراعات، مما يجعل الخيار العسكري هو القائم، وهناك صراعات الدول التي تعمل بمنهج القوة والمواجهة، وهو ما يجري بالفعل في مناطق متعددة، وإن سكن بعض الوقت مثل الحروب في منطقة جنوب شرقي آسيا وعديد من الصراعات التي نشبت بعد الحرب العالمية الثانية، ويتكرر في الوقت الراهن بالتعايش مع الصراعات والنزاعات لأطول مدى معين، وعدم وجود حل حقيقي يمكن الارتكان إليه، وهو ما يجري في عديد من دول العالم.

مرجعيات الصراعات

وفي إشارة إلى أن الصراعات لم تنته بل تستمر تعبر عن وجودها في توقيتات مختلفة، وعندما يرى أي من طرفي الصراع أنه يريد تغيير استراتيجية الأمر الواقع إلى محاولة فرض واقع استراتيجي، أو عسكري جديد مع البقاء في مساحة المواجهة نفسها مما يؤكد عدم وجود نمط واحد في المواجهة بل أنماط عدة يمكن العمل بها. ويؤكد وجود حسابات مفتوحة على مشاهد عدة يمكن العمل بها ومن خلال مقاربات عدة يمكن تفسيرها وفق كل صراع على حدة.

خطورة بعض الصراعات والنزاعات في العالم ترتبط بعدم وجود صراع نظامي، أي بين الدول - الدول، ويمكن أن يتم من دون صراع عسكري بل صراع متعدد ومفتوح إلى مجالات وأطر أخرى تركز على الصراع الأمني والاستخباراتي مثلما الجاري بين إيران وإسرائيل، وهو صراع اعتمد على حرب الظل أو العمل عن بعد بديلاً عن الصراع العسكري المفتوح لاعتبارات عدة أهمها التركيز على الحل غير المكلف، ولوجود إشكاليات عدة في المواجهة المفتوحة، وهو أسلوب قد تلجأ إليه الدول الكبرى والصغرى معاً، ويفسر كثيراً مما يجري في إطار حروب الاستخبارات الكبرى، وهو صراع من نوع آخر مرتبط بالفعل بالمواجهات الممتدة التي لا يمكن أن تتوقف عند حد معين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والواقع أن إطالة أمد الحرب، كما يجري في قطاع غزة، مرتبط بعوامل عدة، أهمها المصالح الكبرى، التي تتمثل في تباين مواقف الأطراف المختلفة ومسعى إسرائيل إلى إدارة الصراع، كما كان في السنوات السابقة، ومنذ إنشاء الدولة العبرية إلى اليوم في الوقت الراهن، ونتيجة انتشار التنظيمات الفلسطينية وتشعب وتعقد القضية الفلسطينية، إضافة إلى اتباع سياسة اللاحسم واللاحل دخل الطرفان في مواجهات من المفاوضات والاتصالات والخيارات والسيناريوهات من دون توصل إلى حل.

صراعات مفتوحة

وعندما دخلت إسرائيل أخيراً في مرحلة جديدة، وغلب الطابع الأيديولوجي على الطابع السياسي، وكانت محاولات نفي الآخر والانتقال إلى حسم الصراع في الملفات الرئيسة للصراع، تجدد الصراع وسيستمر، وهو ما يشير إلى أننا أصبحنا أمام مستجدات حقيقية لاحتمال أن تمتد المواجهات، وتدخل المنطقة بأسرها في مواجهات قد تؤدي إلى حرب عالمية حقيقية في ظل ترقب القوى الرئيسة مثل الصين وروسيا ما يجري، وبعد أن حشدت الولايات المتحدة قوتها دفاعاً عن مصالحها ومحاولة إعادة هيبتها لا هيبة إسرائيل.

ومن ثم، فإن حسم المواجهات لن يتم في فترة وجيزة، وسيستمر الصراع والحروب في المنطقة انطلاقاً من الصراع العربي - الإسرائيلي وربما لصراعات أخرى، ومثلما جرى في عدم الحسم في المواجهات، كما يجري في ليبيا وسوريا واليمن وغيرها من الصراعات المعقدة، ستستمر المواجهات أيضاً في اتجاهات أخرى متعددة، كما ستستمر الحروب لأطول مدى معين من دون حل أو حسم مثلما يجري في حروب منسية طويلة الأجل، ولن تنتهي بسهولة بسبب نقد الصراعات والنزاعات، التي تحتاج إلى حلول حقيقية مثلما جرى في حالة جنوب أفريقيا عندما تمت تسوية قضية "الأبارتايد" بعد صراع إثني ممتد، وكما جرى في حروب أهلية وإثنية عدة في العالم، مما يتطلب مراجعة من نوع خاص وحسماً على طريقة حل وتحليل الصراعات.

 

وقد لعبت الأمم المتحدة دوراً في هذا الأمر ولا تزال، ولكن الصراع الأوكراني - الروسي سينتهي في الأجل الطويل نتيجة تصميم روسيا على الحل بالقوة العسكرية، وهو أمر مهم ومطلوب بالنسبة إلى تأمين الفضاء الروسي، وفقاً لنظرية الأمن القومي الروسي التي أعلنها الرئيس فلاديمير بوتين وتمسك بها، مما سيطيل الأزمة والحرب لحين تحقق ذلك، كما أن المقاومة الأوكرانية تبقى مرتبطة بالقدرة على الدعم الغربي واستمراره لأطول مدة ممكنة، ولكن لن تحسم المواجهات بسهولة بل من خلال وسائل عدة ومتنوعة.

تعقيدات حقيقية

وفي الحرب الراهنة في غزة ما يؤكد أن الحروب الممتدة والتاريخية لن تحل، وإن ظلت ساكنة بعض الوقت، ولكن تبقى قائمة، وقد تندلع في أي وقت باعتبارها نزاعاً قابلاً للاشتعال مع كل لحظة في حال تغير قواعد الاشتباك بين الطرفين، واتجاه كل طرف لجس نبض الآخر مع تعظيم خيار القوة بكل درجاتها، وهو ما يؤكد أن الحل لن يكون متاحاً في الأقل في المدى المتوسط لارتباطه بخيارات صعبة وسيناريوهات قد تبدو صفرية في بعض الأحيان، مما يتطلب مراجعة وتقييمات سياسية واستراتيجية بل واستخباراتية، وإن تغيرت قواعد الاشتباك بين الأطراف.

ومن ثم فإن الحرب الدائرة مستمرة وإن هدأت بعض الوقت، والتي يمكن وصفها بأنها حرب ممتدة وستطول، ولن تنتهي كما يتوقع البعض وفق معادلة منضبطة، فالجانب الإسرائيلي مصمم على نفي الآخر وطرده من أرضه، فيما تسعى المقاومة الفلسطينية إلى سن قواعد جديدة للمواجهة ونقل المعارك لأرض إسرائيل، وهو ما يعني أن الصدام سيستمر، ولن تحسم المواجهات لصالح أي من الجانبين، كما سيلعب الوسطاء دوراً في تهدئة الصراع، وإن استمر مع وجود رابحين وخاسرين مما يجري في ظل استراتيجية جديدة يعمل بها الطرفان، وارتكاناً إلى حسابات كل طرف، وهو ما يعني أن الحرب ستستمر إلى أطول مدى.

الخلاصات الأخيرة

الواضح جلياً أن حرب غزة - إسرائيل ترجمة لافتة للحروب الممتدة، التي لن تحل من خلال حلول تقليدية، ولكن حرب روسيا - أوكرانيا الدائرة على نطاقات عدة يتداخل فيها الطرفان الرئيسان ودول كبرى وإقليمية وأحلاف عسكرية وتحالفات سياسية وعسكرية وأطراف مراقبة ومتابعة، مما يؤكد أن هناك مصالح تدفع إلى الاستمرار في المشهد، بل وتغذية ما يجري بالسلاح والدعم الاستراتيجي واللوجيستي، وهو ما يعني إطالة أمد الحرب، ولن تحسم على رغم أن العالم يتجه إلى حسم الصراعات بأشكال وأنماط أخرى من المواجهات السياسية والعسكرية، وهو ما يجب وضعه في الاعتبار بخاصة أن الحسابات المتداخلة لبعض أطراف الصراعات تدفع إلى عدم الحل، أو تغييب الفرص الحقيقية للتوصل إلى حل جذري وحقيقي للحروب.

في كل الأحوال يعود العالم للصراعات الممتدة والطويلة التي تستهدف إسقاط الدول مثلما تسعى المقاومة الفلسطينية، كما تسعى المقاومة الأوكرانية إلى تأكيد وجودها دفاعاً عن حدود الدولة التي تم قضمها تباعاً، مما يؤكد أن الأمر سيستمر، إذ تغيب الرشادة في تأكيد الحل أو الحسم، مما يطيل أمد المواجهات والحروب في العالم، مثل غزة وروسيا - أوكرانيا، ولكن هناك عشرات الصراعات في العالم، ومن بينها صراعات وحروب منسية في عديد من بقاع العالم ممتدة، ولم ولن تنتهي.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل