ملخص
شروط التحاق الطيار المقاتل كثيرة أهمها التفوق العلمي والخضوع لفحوصات طبية صارمة وشهادات تثبت حسن سيرته وسلوكه
على ضوء ما يحدث في قطاع غزة أخيراً، وما حدث في ساحات قتال أخرى مشابهة سابقاً، من إفراط في استعمال القصف الجوي عبر طائرات حديثة مجهزة بأسلحة متطورة، تساءل كثير من الناس عن دور الطيّار الحربي الذي يتحكم بهذه الوحوش الضاربة. فهل تحوّل الطيار الحربي في هذا الزمن إلى وحش بشري يفتك من دون رحمة بالعزل والمدنيين تنفيذاً لأوامر سياسية لا يتدخل في إقرارها وصناعتها؟ أم أن دور هذا المقاتل الذي تظل هويته مجهولة أثناء المعركة وبعدها، والذي يترك بصمته الواضحة في أرض المعركة، لا يتعدى كونه ضيفاً- غير مرغوب به أحياناً - في قمرة قيادة تلك الآلة المرعبة، الملقنة مسبقاً بأكثر خوارزميات الفتك والتدمير تعقيداً، بهدف تنفيذ مهمة حرجة لا يقوى على أدائها الإنسان وحده.
فتك وتدمير
إذ تبلغ درجة الفتك والتدمير أحياناً مستويات لا يستوعبها العقل البشري، لدرجة أنه يخيل لكثير منّا أن الطيار الحربي غير موجود في الطائرة، أو أنه يجلس في قمرة القيادة عاجزاً من دون أن يؤدي أي دور رئيسي في كبح أو منع الحدث المرعب، خصوصاً بعد تحوّل الطائرة المقاتلة في هذا الزمن، إلى كتلة عملاقة من الأنظمة الإلكترونية المتطورة. مع ذلك يتحمل الطيّار المحارب أحياناً أوزار فعلته، خصوصاً إذا تمكن من رصد نظرات الكراهية في عيون الناس. فحكاية الطيران بدأت لأغراض مدنية، والطائرات أدخلت إلى مضمار الحروب عبر أشهر الأنظمة الدكتاتورية في العالم، وفي هذا الزمن هناك الطيار الآلي الذي لا تظهر الحاجة إليه حتى الآن في مثل هذه المعارك الكبيرة!
مهنة الطيّار المقاتل
ليست مهنة الطيار الحربي مشابهة لأية مهنة أخرى، فالمحارب الذي يدير عجلة الموت تلك عليه أن يتحلى بالقوة لاتخاذ قرارات صائبة، لأنه يصبح بعد عمله هذا بطلاً شعبياً ولو تسبب بمقتل آلاف البشر دفعة واحدة. فبعد أن ألقى (بول تيبتس) حمولته المسماة (الولد الصغير) كناية عن القنبلة الذرية، وذلك يوم السادس من أغسطس (آب) 1945 فوق هيروشيما اليابانية، عاد بعد أيام بالطائرة ذاتها وهي من طراز "بي 29" إلى "مسرح جريمته"، لكنه كان هذه المرة يقل أطباء ومدنيين ومسعفين. فإسقاط هذه الحمولة الخاصة ذات الكتلة الصغيرة لم يسبب له أي نوع من الجنون أو العزلة في حياته اللاحقة التي استمرت حتى 2007 وختمها بين أفراد عائلته بنجاح مهني وسعادة بالغتين. مع أن "ولده الصغير" أي القنبلة الذرية، الذي حمله في تلك الطائرة المقاتلة البدائية التي أطلق عليها اسم "إينولا" تيمناً باسم والدته، أوقعت يومها أكثر من 200 ألف شخص على نطاق 1.6 كلم مربع بين قتيل وجريح ومحترق تماماً. إضافة إلى تدمير 90 في المئة من مباني المدينة التي كان يقطنها حينها 350 ألف نسمة.
طيارون من نوع آخر
بدوره لم يضطر بول إلى التضحية بنفسه مثل الكاميكازي الياباني الذي كانت عقيدته القتالية تفرض عليه أن يحوّل طائرته المقاتلة إلى صاروخ حي، ولم يمارس بول حتى مناورة الموت مثل الطيّار الحربي المصري أحمد كمال المنصوري، الذي وصفه قائد الجيش الإسرائيلي في حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 بالطيار المجنون. وقبل هؤلاء جميعاً، كان القتال بين المحاربين جواً يسمى "دوغ فايت"، ويعني اقتتال بطريقة تكون فيها الطائرات قريبة من بعضها وتكون المسافة الفاصلة بين الطائرتين ضئيلة جداً، فالطائرات قبل 1945 كانت من الخشب ومغطاة بالقماش وتحمل رشاشات خفيفة لا أكثر. وكانت مهمة الطيار الحربي حينها أن يوجه النيران بعيداً من طائرته أولاً ونحو الطيارين الآخرين، لتنتهي المعركة بسقوط الطائرات أو قتل الطيّار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الطيار المحارب حديثاً
تتميز المقاتلات الحديثة بكونها مجهزة بشكل دقيق لضمان حياة الطيار الذي يقودها قبل كل شيء. فأول مرة قام فيها طيار مقاتل بارتداء أدوات السلامة كانت عام 1911 وكانت مؤلفة من خوذة كرة قدم جلدية ونظارات واقية استخدمت في قيادة السيارات، وسترة نجاة فوقية مصنوعة من الكاوتشوك الداخلي لدراجة هوائية. فيما يتألف زي الطيار المقاتل حديثاً من مجموعة متكاملة من المعدات والتقنيات التي تستخدم في حالات الطوارئ، وتشمل راديو مشفراً، وجهاز تحديد المواقع وأجهزة إشارات أشعة تحت الحمراء، وقناع أوكسجين، ومعدات للنجاة، وحزام الجذع، وسلاح ناري خفيف، وساعة يد، وزي مضاد للجاذبية. وتشمل تلك المعدات قفازات مضادة للاحتراق وملابس داخلية وخارجية مقاومة للحرارة العالية وتغير درجة الضغط الجوي. فيما تكلفة تدريب الطيار المقاتل الواحد في يومنا هذا تتراوح بين 7 و13 مليون دولار. يذكر أن شروط التحاق الطيار المقاتل بهذا التخصص كثيرة، وأهمها، التفوق العلمي والخضوع لفحوصات طبية صارمة، وشهادات تثبت حسن سيرته وسلوكه. كما يشترط في هذا التخصص النظر السليم والسمع الحاد والقدرة على التركيز.
أثر وتأثير
بعد انجلاء غبار المعارك يمكن رؤية الأثر البالغ الذي يحدثه الطيار المقاتل في ساحة المعركة. وذلك بفضل العلم الذي سهل للإنسان الحديث مهمة الانقضاض الجوي عبر تقنيات التسديد الجيروسكوبي والإلكتروني. وعلى رغم نجاح الإنسان في تسخير التقنيات لزيادة كفاءة التسديد بأعلى دقة ممكنة، إلا أن مهمة الطيار المقاتل ما زالت تتلخص في تدمير الأماكن التي يحتمي بها العدو تمهيداً لهجوم بري. إذ يتطلب ذلك إلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر لأهداف تكتيكية. وتتولى الطائرات المقاتلة من ارتفاعات منخفضة ومتوسطة، رصد وتدمير تجمعات قوات العدو من آليات وعتاد، ومقرات قيادة ومحطات رادار ومطارات، وقطع الأسطول البحري إن وجد. أما الأهداف الاستراتيجية فتقصف من ارتفاعات عالية بأنواع مختلفة من القنابل بحسب طبيعة الهدف. وتعتمد أجهزة التسديد الإلكترونية المعقدة على أشعة الليزر والأشعة تحت الحمراء بمساعدة الأقمار الاصطناعية، التي ترصد مكان الهدف وتحدد إحداثياته. أما التأثير الأكبر في ساحة المعركة فهو يحدث من خلال التطور الكبير في صناعة القنابل وأدوات التفجير. فيما يتوقع خبراء أن يحمل المستقبل طرقاً ووسائل أكثر حداثة من التطور العلمي الهائل في استخدام الأقمار الاصطناعية في رصد الأهداف وتطوير القنابل في أجيال جديدة من الحروب.
وقد سُجّل أول طيران حربي للمملكة المتحدة وإيطاليا وألمانيا بين 1911 و1925، ومن أشهر المقاتلات "بوينغ" الأميركية و"بريستول" البريطانية و"كابروني" الإيطالية، ودخلت الصين هذا المجال بالتعاون مع باكستان عام 2003 من خلال "ثاندر". وحتى يومنا هذا، لم تتمكن الطائرات من دون طيار (المسيرات) من تأدية هذه المهمة الحرجة نيابة عن البشر بسبب صغر حجمها واحتياج هذه المهمات للعامل البشري، الذي لا يمكن للمرشد الآلي أن يحتل مكانه حالياً.