Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تدير أميركا سيناريوهات الصراع بين إسرائيل و"حماس"؟

توجيه ضربات انتقامية في غزة وردع "حزب الله" ومنع انتفاضة ثالثة

إدارة بايدن لا تريد على ما يبدو انفلات الرد الإسرائيلي على هجوم الفصائل الفلسطينية ليتحول إلى حرب إقليمية واسعة (رويترز)

ملخص

أطلقت الولايات المتحدة سفنها الحربية إلى شرق المتوسط لإيصال رسالة مفادها بأن واشنطن مستعدة للتدخل عسكرياً إذا لزم الأمر

على رغم استعراض القوة الذي أظهرته الولايات المتحدة عبر تحريك "جيرالد فورد" أحدث وأكبر وأفضل حاملات طائراتها ومعها أربع مدمرات وطراد وقطع بحرية أخرى لمساندة إسرائيل، إلا أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لا تريد على ما يبدو انفلات الرد الإسرائيلي على هجوم الفصائل المسلحة الفلسطينية ليتحول إلى حرب إقليمية واسعة، فكيف تدير أميركا سيناريوهات الصراع المحتملة بين إسرائيل و"حماس"، وما الذي يتوقعه المحللون والخبراء في واشنطن لما يمكن أن ينتهي إليه القتال؟

ردع "حزب الله"

في الوقت الذي أعلنت فيه حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحرب رسمياً على الفصائل المسلحة الفلسطينية في غزة وعلى رأسها "حماس" بعد هجومها المفاجئ على جنوب إسرائيل، وإعلان الولايات المتحدة عن إرسال القوة الضاربة لحاملة طائراتها "جيرالد فورد" إلى شرق البحر المتوسط لدعم إسرائيل، إلا أن الولايات المتحدة استهدفت حصر القتال المتوقع خلال الأيام والأسابيع المقبلة بين إسرائيل والفصائل المسلحة الفلسطينية في غزة وضمان عدم امتداده إلى مناطق أخرى، ولهذا كانت مظاهر الاستعراض العسكرية الأميركية للقوة بمثابة أداة ردع لـ "حزب الله" الذي بدأ في قصف مزارع شبعا كنوع من التهديد باستعداده الدخول في الصراع ومساندة حركة "حماس"، بينما يمتلك 150 ألف صاروخ يمكنه إطلاقها على المدن الرئيسة في إسرائيل، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى حرب شاملة ليس فقط في غزة، بل في لبنان أيضاً حيث يتم جرّ الجميع إلى هذه الحرب.

ولأن "حزب الله" وراعيته إيران هما اللذان يشكلان التهديد المباشر الأكبر المتمثل في تحويل الحرب بين إسرائيل و"حماس" إلى حريق إقليمي أوسع وأكثر ضرراً بما يمثل النتيجة المثالية لـ "حماس"، أطلقت الولايات المتحدة سفنها الحربية إلى شرق المتوسط، ليس فقط لتحسين قدرات المراقبة والتنصت واعتراض الاتصالات أو منع "حماس" من التزود بمزيد من السلاح، وإنما أيضاً لإيصال رسالة مفادها بأن واشنطن مستعدة للتدخل عسكرياً إذا لزم الأمر، ذلك أن أي حرب بين إسرائيل و"حزب الله" سوف تتصاعد بسرعة وتسفر عن وقوع خسائر كبيرة في الأرواح على الجانبين.

مشكلتان في غزو القطاع

وبينما فسّر عدد من المراقبين ووسائل الإعلام الأميركية إعلان إسرائيل الحرب في غزة (لم يحدث خلال جولات الصراع الخمس السابقة مع حماس) على أنه يستهدف السيطرة الكاملة على قطاع غزة وإسقاط حكم حركة "حماس" فيها، إلا أن إدارة الرئيس بايدن لا يبدو أنها مطمئنة لعواقب هذه المهمة الصعبة، نظراً لوجود مشكلتين قد تعرقلان تحقيق الهدف، بحسب الدبلوماسي المخضرم مارتين إنديك سفير الولايات المتحدة السابق لدى إسرائيل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتتمثل المشكلة الأولى في أن إسرائيل سوف تقاتل في مناطق مكتظة بالسكان (2.1 مليون بمعدل 5500 نسمة في كل كيلومتر مربع)، وأن الاحتجاجات الدولية ضد الخسائر في صفوف المدنيين التي قد تلحقها إسرائيل بأسلحتها الأميركية المتطورة من شأنها أن تحول الإدانة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، ومن ثم تفرض الضغوط على إسرائيل لحملها على التوقف، لكن من غير المرجح أن توافق القدس على هذا الطلب إلا إذا رأت أنها حققت بعض أهدافها على الأقل وفق ما يقول جوناثان بانيكوف مدير مبادرة "سكوكروفت" للأمن بالمجلس الأطلسي.

وتتعلق المشكلة الثانية في أنه إذا نجحت إسرائيل في حرب واسعة النطاق، فإنها سوف تسيطر على قطاع غزة، وعليها الإجابة على أسئلة صعبة مثل كيف ستخرج هذه القوات من القطاع؟ ومتى تنسحب منه؟ ولصالح من سوف تنسحب؟ بخاصة أن الإسرائيليين لا يريدون العودة إلى غزة التي انسحبوا منها بالفعل عام 2005.

مهمة مستحيلة

ويرى الباحثان في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية دانييل بايمان وألكسندر بالمر أن مهمة السيطرة على قطاع غزة تكاد تكون مستحيلة نظراً للقاعدة الاقتصادية والدينية والاجتماعية العميقة التي تتمتع بها "حماس" هناك، لكن الباحثين اعتبرا، في مقال لهما في مجلة "فورين بوليسي"، أن أقل تقدير بالنسبة للقادة الإسرائيليين الذين يشعرون بالضغط لإظهار النجاحات، سيكون مقتل أو اعتقال كبار قادة "حماس"، فضلاً عن العلامات الواضحة والعميقة الأخرى التي تشير إلى أن إسرائيل ترد على الضربة، وهو ما يعني أن "حماس" سوف تتلقى ضربة قاسية في نهاية المطاف، ومن المؤكد أن سكان غزة العاديين سوف يدفعون ثمناً باهظاً.

وعلاوة على ذلك، تريد واشنطن من إسرائيل محاولة استعادة كرامتها المهدرة بعد العمليات الفلسطينية الأخيرة، ولكن مع قدر من ضبط النفس حتى يمكن لإدارة بايدن الحفاظ على المحادثات الحساسة لتشجيع دول عربية على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهو ما تنصح به أيضاً المديرة السابقة لمنطقة الخليج في مجلس الأمن القومي الأميركي كيرستن فونتينروز التي تقول إنه ينبغي على إسرائيل أن تكون حريصة على عدم تسليم إيران و"حماس" الفوز المفسد لمثل هذه الصفقات من خلال الرد عسكرياً بطرق تؤدي إلى مقتل أعداد كبيرة من الفلسطينيين غير المشاركين في الهجمات، وتجعل من المستحيل على الدول العربية الأخرى الراغبة في تطبيع العلاقات التوصل إلى اتفاق.

خطأ استراتيجي لـ "حماس"

لكن في الوقت نفسه، بحث بايدن ورئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الوسائل الكفيلة بحرمان ما وصفاه "أعداء إسرائيل" من الفوز بميزة استراتيجية من وراء هجومهم المباغت على البلدات الإسرائيلية والمستوطنات في غلاف قطاع غزة واحتجاز عشرات الرهائن لديهم، وهو أمر يختلف عن جولات الصراع الروتينية السابقة التي كان يعقبها أعمال انتقامية إسرائيلية متوقعة تنتهي بتدخل الوسطاء الخارجيين الذين يساعدون في التفاوض على وقف مؤقت لإطلاق النار، لكن هذا الروتين لم يعد موجوداً، فقد أثبتت "حماس" أنها أكثر طموحاً وكفاءة من الناحية العملياتية والقدرات التكتيكية مما كان متوقعاً، بينما شكلت الخسائر التي تكبدتها إسرائيل ضربة أكبر من تلك التي تعرضت لها الولايات المتحدة في 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، ولذلك سوف تتوقع إدارة بايدن أن يعكس الرد العسكري الإسرائيلي هذا الواقع، إذ تصاحب العمليات البرية الضربات الجوية بحيث تكون النتيجة المحتملة تدهوراً كبيراً في "حماس" داخل غزة مع بعض الخسائر الإسرائيلية، وفقاً لنائب مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق للعمليات الخاصة ومكافحة الإرهاب ويليام ويشسلر.

وكما ثبت أن أحداث 11 سبتمبر كانت بمثابة خطأ استراتيجي طويل الأمد بالنسبة لتنظيم "القاعدة"، يريد الأميركيون والإسرائيليون إثبات أن أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) كانت خطأ استراتيجياً مماثلاً بالنسبة للحركة.

الحيلولة دون انتفاضة ثالثة

وحيث أن الوسيلة الوحيدة التي قد تتمكن بها "حماس" من تحقيق النصر في الحرب المقبلة تتلخص هي أن تتخذ الجماعات والتنظيمات الفلسطينية الأخرى في الضفة الغربية قرارات من شأنها أن تعزز أهداف الحركة الاستراتيجية، تسعى الخارجية الأميركية من خلال اتصالاتها المكثفة بأطراف عربية ودولية للتأثير في قيادة السلطة الفلسطينية لمعرفة ما إذا كانت قادرة على السير على خط رفيع، كما فعلت من قبل، من خلال تقديم الدعم الخطابي لشعب غزة، ولكن مع منع اندلاع أعمال عنف موازية في الضفة الغربية، لكن إذا فشلت الجهود الأميركية، أو إذا اختارت قيادات السلطة الفلسطينية مساراً مختلفاً هذه المرة، فسوف تواجه إسرائيل حرباً على جبهتين حيث سيكون الفلسطينيون هناك مصدر إلهام لشن هجمات أقل، بخاصة أن شروط الانتفاضة الثالثة موجودة بالفعل بحسب تقدير الدبلوماسي الأميركي السابق ريتشارد ليبارون. 

وفي هذه الحالة، سوف تقطع "حماس" شوطاً طويلاً نحو تحقيق هدفها الأساسي وهو استكمال معركتها في غزة، عام 2007، لتصبح هي البديل المناسب وربما الوحيد حال وفاة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي يبلغ من العمر الآن 87 سنة، وبالإضافة إلى ذلك، تخشى الإدارة الأميركية أن تعمل "حماس" على تشجيع العرب الإسرائيليين على الانتفاض، على غرار أعمال العنف التي وقعت، عام 2021، التي فاجأت العديد من المراقبين، لأنه إذا حدث ذلك، فإن الضرر الذي سيلحق بقدرة المجتمع الإسرائيلي على البقاء على المدى الطويل سيكون شديداً، ومن الطبيعي لمنع هذه النتيجة هو السعي إلى تحسين سبل عيش عرب إسرائيل وجعله من بين الأولويات الاستراتيجية العليا لأي حكومة إسرائيلية.

تشجيع التدخل

وتأمل الولايات المتحدة أنه حينما يهدأ الغبار قليلاً سوف يمكنها معاودة طلب تدخل دول عربية مثل السعودية ومصر والأردن والدول التي وقعت على اتفاقيات "أبراهام" مع إسرائيل مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين لتهدئة الأمور والتوصل إلى وقف لإطلاق النار، لأنه كلما طال أمد ذلك في المستقبل، سيكون من الصعب عليها الحفاظ على علاقاتها مع إسرائيل.

وحسبما يشير مارتن إنديك مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق ومبعوث الرئيس الأسبق باراك أوباما للشرق الأوسط، فإن على الإسرائيليين أيضاً أن يتصالحوا مع الواقع الجديد، فقد كانت الغطرسة هي التي دفعت الإسرائيليين إلى الاعتقاد، عام 1973، بأنهم لا يهزمون، وأنهم القوة العظمى في الشرق الأوسط، وتجلت الغطرسة نفسها، مرة أخرى في السنوات الأخيرة، حتى عندما أخبر العديد من الناس الإسرائيليين أن الوضع مع الفلسطينيين غير قابل للاستمرار، لكنهم ظنوا أن المشكلة كانت تحت السيطرة، والآن تم نسف كل افتراضاتهم، تماماً كما حدث في عام 1973، ولهذا تستهدف إدارة بايدن في نهاية المطاف أن تكون قادرة على إقناع  الإسرائيليين بأنه يتعيّن عليهم أن يشرعوا في نهج سلمي جاد مع الفلسطينيين وتعلم الدرس القاسي.

المزيد من تحلیل