ملخص
حوار مع أشخاص يواجهون اليوم شعوراً بالألم والحزن العميق لخسارة أحبتهم في قرية هروزا
استفاق كثر في حالة صدمة الجمعة في هزورا، بعد أن خسرت القرية الواقعة في شمال شرقي أوكرانيا سدس سكانها في هجوم صاروخي روسي مدمر كان قد استهدفها في اليوم السابق.
وكشف وزير الداخلية الأوكراني إيهور كليمينكو أن عدد سكان هذه القرية لم يكن يتعدى 330 نسمة، وقد مات ما لا يقل عن 52 منهم في الهجوم، مضيفاً أن كل عائلة خسرت ولو شخصاً واحداً تعرفه في مراسم تأبين الجندي الأوكراني أندري كوزير داخل مقهى (ومتجر بقالة) دمره الصاروخ. وقد جرى تنظيم مراسم التأبين هذه في أعقاب جنازة كانت تهدف إلى إعادة دفن ذلك الأب الذي قتل العام الماضي في المنطقة التي كانت تحتلها روسيا. واليوم، تضاء شموع في الموقع الذي لاقى فيه هؤلاء المشيعون حتفهم.
وروى سكان أن مقهى "هروزيفسكي" كان مقفلاً معظم الوقت منذ انطلاق الغزو الروسي في فبراير (شباط) من العام الماضي، وأن التأبين كان من بين المناسبات المهمة الأولى التي جرى تنظيمها في إطار إعادة افتتاحه، وقد أكدوا أن الهجوم الذي تلا [التأبين] كان من بين الأكثر فتكاً وشراسة منذ بدء الحرب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي سياق متصل، روت ألينا، 23 سنة، التي فضلت الاكتفاء بذكر اسمها الأول، كيف انتقلت للعيش في القرية بعد أن تزوجت بأحد سكانها قبل ثلاث سنوات. وقالت إنه كان من المفترض أن تحضر التأبين مع زوجها، لكن عطلاً طرأ على محرك السيارة وتعذر عليهما الوصول في الوقت المناسب، قبل أن تضيف: "كان من المفترض أن نكون هناك. كان من المفترض أن نكون في عداد الأموات".
في الوقت الحالي، كل ما تشعر به [ألينا] هو الغضب تجاه الهجوم الصاروخي. وقالت بالكلام عن الذين فارقوا الحياة: "كانوا أشخاصاً عاديين يعيشون حياة عادية"، قبل أن تضيف: "معظمهم كانوا مزارعين، يعملون في زراعة القمح والشعير".
لقد أسست القرية الواقعة في منطقة خاركيف في عام 1922، ويترجم اسمها إلى "العاصفة الرعدية". وقد احتلتها القوات الروسية بداية في فبراير 2022، قبل أن تحررها القوات الأوكرانية في سبتمبر (أيلول) من ذلك العام. وروت ألينا أن معظم المسنين بقوا في القرية عندما احتلتها قوات موسكو، في حين فضل السكان الأصغر سناً الرحيل والهرب. وعندما كان من المفترض أن تحتفل القرية بالعيد المئة لتأسيسها السنة الماضية، قالت إن السكان أمضوا أوقاتهم مختبئين في السراديب تحت منازلهم.
"لقد شعرنا بفرح عظيم عندما رحلت القوات الروسية"، وفق ما أفادت. "وكان من الرائع أن نعتبر من جديد [جزءاً من] أوكرانيا. [أما الآن] فليس لديَّ كلمات لوصف ما حدث".
وفق تصريحات الصحافية المحلية إيرينا أنتونيوك، التي تعمل كمراسلة مع القناة التلفزيونية "مي أوكراينا" (نحن أوكرانيا)، بلغ عدد سكان قرية هروزا 501 نسمة قبل الغزو. وأكدت أن نصف السكان الذين بقوا في القرية، ويناهز عددهم 300، كانوا حاضرين في التأبين.
وفي زيارة صباحية إلى القرية أقل من 24 ساعة بعد الهجوم، قالت أنتونيوك: "رائحة الدماء لا تزال حاضرة" وسط الأنقاض، قبل أن تضيف: "إن القرية صغيرة جداً. والمبنى المستهدف كان يقف في الوسط تماماً، ومن ثم، أمكنت ملاحظته على الفور. والآن، بدأ الناس يجلبون الزهور تكريماً [للموتى]".
في المقبرة المحلية، يقطع العمال الأشجار ويجزون الأعشاب، استعداداً لحفر قبور للقتلى. وسيدفن هؤلاء على مسافة قريبة من [قبر] الجندي كوزير الذي نظم التأبين على شرفه. وكذلك، احتشدت مجموعات من السكان حداداً على الموتى في وسط القرية المهجور بمعظمه، لولا بعض الناس الذين جاؤوا لتسلم مساعدات إنسانية، بما في ذلك مواد ضرورية لترميم منازلهم المتضررة.
وفي هذا الصدد، قال الدكتور روبرت ديل، كبير المحاضرين حول تاريخ روسيا في جامعة "نيوكاسل" Newcastle University: "هروزا... شهدت كثيراً من القصف خلال الهجوم [والغزو] الروسي".
"كثيراً ما كان هذا المكان منطقة حدودية شهدت نزاعات مستمرة، ودائماً ما كانت في الخطوط الأمامية للحروب. وقد تعرضت منطقة خاركيف لأضرار جسيمة خلال الحرب الأهلية ’الروسية‘ ومأساة ’هولودومور‘ [وتعني حرب الإبادة بالتجويع]، وقد تبدلت هوية الأطراف المسيطرة عليها بشكل متكرر خلال الحرب العالمية الثانية... ولعل أحد أسباب عدم مسك سجلات تاريخية كبيرة عن قرية هروزا هو أن هذه المناطق الريفية تعرضت للدمار على امتداد القرن الـ20".
وأضاف "إن قرب منطقة خاركيف من الحدود الروسية يعني أنها تحمل العبء الأكبر لهذا الصراع".
لقد شكل ضحايا هروزا القسم الأكبر من المدنيين الـ54 الذين قتلوا في البلاد خلال الساعات الـ24 الماضية، بحسب ما أعلن مكتب الرئاسة الأوكراني الجمعة. وبالكلام عما حصل، قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك إنه يشعر "بالصدمة والحزن العميق" جراء الهجوم.
وصباح الجمعة، قال مسؤولون أوكرانيون إن صاروخين روسيين آخرين أوديا بحياة فتى في سن العاشرة وجدته في مدينة خاركيف.
وقد سحبت فرق الطوارئ جثمان الفتى من تحت ركام أحد المباني، وكان يلبس بيجاما عليها رسم "سبايدرمان"، كما وأدى الهجوم أيضاً إلى مقتل جدة الفتى وإلى جرح طفل عمره 11 شهراً، وفق ما أكد وزير الداخلية كليمينكو. ومن جهته كشف الحاكم الإقليمي [للمدينة] أوليه سينيهوبوف أن حصيلة الجرحى الإجمالية بلغت 30 شخصاً، مضيفاً أن عمليات الإنقاذ لا تزال مستمرة.
وبحسب تصريحات المسؤولين، تشير المعلومات الأولية إلى أن قوات الكرملين استعملت في الهجوم صاروخين من طراز "إسكندر"، وهو طراز الصواريخ نفسه المستخدم في هجوم هروزا.
ومع أن الهجوم ربما استمر لثوان قليلة، لكن ألينا تقول إنها ستشعر بالألم لوقت طويل. "كنت أعرف كل شخص ممن خسروا حياتهم، فقد كانوا رفاقاً، وأصدقاء، وأفراداً من العائلة، وجيراننا"، وفق ما أفادت.
© The Independent