Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا أوقف السادات "المنتصر" الحرب ضد إسرائيل؟ (3)

يشير تقرير دبلوماسي بريطاني إلى أن الأسباب الاستراتيجية التي دفعت سوريا لدخول الحرب هي استعادة أراضيها المحتلة وإيجاد حل للقضية الفلسطينية

رتل عسكري إسرائيلي يمر بجانب دبابة سورية مدمرة في مرتفعات الجولان، في 8 أكتوبر 1973 (أ ف ب)

ملخص

يتحدث التقرير عن الاستعدادات السورية قبيل الحرب حيث ازدادت حركة الآليات العسكرية في 3 و4 أكتوبر وامتلأت الصحافة والإذاعة السورية بحكايات عن التجمعات العسكرية الإسرائيلية

استعرضنا في الحلقتين الماضيتين استناداً إلى وثائق وزارة الخارجية البريطانية الدور المصري في حرب السادس من أكتوبر (تشرين الأول) 1973 والإنجازات السياسية والعسكرية التي حققها الجيش المصري والذي كان بدأ الهجوم بالتنسيق مع قيادة الجيش السوري بدعم وإسناد من بعض الجيوش العربية الأخرى ضد القوات الإسرائيلية. الهجوم الذي حقق في أيامه الأولى انتصارات باهرة للجيوش العربية ولكن اختلاف الرؤى والأهداف بين القيادتين في القاهرة ودمشق دفع القيادة المصرية إلى قبول قرار مجلس الأمن رقم (338) ووقف إطلاق النار من دون التنسيق والتفاهم مع باقي الأطراف العربية. وفي 24 أكتوبر وعلى رغم وجود العديد من الملاحظات والشكوك لدى سوريا حول القرار، وقعت القيادة السورية مجبرة على قرار وقف إطلاق النار.

يشير التقرير الدبلوماسي السري المعد من قبل السفارة البريطانية في دمشق والذي يحمل رقم 73/473 والمرسل في نهاية شهر أكتوبر إلى وزارة الخارجية والكومنولث في لندن إلى أن الأسباب الاستراتيجية التي دفعت سوريا لدخول الحرب هي استعادة أراضيها المحتلة وإيجاد حل للقضية الفلسطينية، كما شجعت الاستعدادات المصرية والتشجيع السوفياتي السوريين على خوض المقامرة، ولعبت وحدات عربية مختلفة أدواراً مختلفة في الحرب. ويؤكد التقرير أن الجيش السوري قاتل بشكل جيد أفضل من أي وقت مضى، وهو الأمر الذي زاد من ثقة السوريين بقدراتهم وعزز علاقاتهم الخارجية.

(FOREIGN AND COMMONWEALTH OFFICE, DIPLOMATIC REPORT No. 473/73, FCO (Secret) Distribution, SYRIA, October 1973)


الأسباب والدوافع السورية لخوض الحرب ضد إسرائيل

وجاء في التقرير البريطاني، "ليست هناك حاجة للنظر إلى الوراء في التاريخ ولا ربح في إصدار أحكام أخلاقية أو الانحياز لجهة من دون أخرى. وكما قلتم، سيدي، لم يكن من الممكن مادياً للعرب أن يستمروا في التحديق إلى أجل غير مسمى عبر خطوط وقف إطلاق النار في أراضيهم من دون اندلاع الحرب. كان هذا سبباً كافيا للسوريين. وهناك دائماً قرحة متقيحة للفلسطينيين، الذين لا يحبونهم كشعب ولكن يجب أن يحبوهم علناً كعرب والذين يجب عليهم إعادتهم إلى ديارهم حتى لو تخلصوا منهم. ولكن ما هي الأسباب الفورية والفعالة؟ لماذا اختارت سوريا الذهاب إلى الحرب عندما فعلت ذلك؟ وبدت السياسات العربية الأكثر اعتدالاً هي المرجحة. كانت سوريا على وشك اتخاذ خطوة كبيرة إلى الأمام في التنمية الاقتصادية. نحن نعلم بشكل مباشر أنه قبل الحرب مباشرة لم يكن السوريون سعداء تماماً بالتسليح العسكري. لم تكن هناك مشاكل داخلية حتى تلجأ (سوريا) لتحويل الأنظار عنها عن طريق المغامرة العسكرية".

ويضيف التقرير الدبلوماسي في الفقرة الثالثة الأسباب التي دفعت سوريا إلى خوض الحرب، "أولاً أنا متأكد من أن سوريا ذهبت إلى الحرب عندما قررت مصر لأسباب خارجة عن اختصاصي للمناقشة، (مصر) كانت مستعدة وطلبت من سوريا مساعدتها في هجوم مشترك مخطط له بعناية. اتبعت سوريا بإخلاص قيادة مصر في جميع تصريحاتها الرسمية بما في ذلك الامتناع عن أي تلميح إلى أي انتقاد سلبي لقبول مصر بوقف إطلاق النار، وفي دعايتها، وفي تصرف قواتها.

ثانياً لعب الروس دورهم. كان لديهم بالتأكيد معرفة مسبقة بالخطط السورية وشجعوا السوريين على الاعتقاد بأنهم يستطيعون الاعتماد على إمدادات لا نهاية لها. وبطبيعة الحال قاموا بتدريب القوات السورية وتقديم المشورة الفنية. يخبرني الخبراء أن التكتيكات السورية تحمل طابع العقيدة الروسية وربما من تخطيط الخبراء. ومن الصعب تحديد الخط الفاصل بين التشجيع والتحريض، وعلى رغم إنكارهم، فقد يكونون قطعوا أكثر من نصف الطريق. وربما يكون سفيرهم نور الدين مخيتدينوف قد ذهب إلى أبعد من تعليماته وأبعد مما هو مسموح له في القاهرة. هناك شكوك هنا حول هذا الموضوع".


إغراءات الدعم السوفياتي والمصري لسوريا

وتابع التقرير، "أعتقد أن السوريين استسلموا للإغراء لأنهم مقامرون متأصلون وغير قابلين للإصلاح. لقد كانوا دائماً مستعدين من حيث المبدأ لخوض الحرب للأسباب الأساسية المذكورة أعلاه، لكنني أعتقد بشكل عام أنهم اختاروا الذهاب إلى الحرب في هذه اللحظة عندما استخدم المصريون والروس تأثيراتهم المتنوعة، لأنهم توقعواً عائداً سريعاً على مقامرتهم. يجب أن يكونوا قد حسبوا أنهم على الأقل سيستعيدون ما يكفي من الأراضي في هجوم مفاجئ قبل أن تتدخل الأمم المتحدة ليكون لها موقف قوي في المفاوضات اللاحقة. في لحظاتهم الأكثر جموحاً ربما اعتقدوا أن السياسات العربية الجديدة كانت ناجحة للغاية وأن الرأي كان يسير لمصلحتهم كثيراً، بخاصة في الأمم المتحدة، وفي العالم الثالث، وبين اليسار الجديد في الغرب، لدرجة أن دفعة حازمة وغير متوقعة، مع المصريين في المقدمة والاتحاد السوفياتي وراءهم قد تطيح تماماً ببيت إسرائيل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


الاستعدادات السورية قبل الحرب

ويتحدث التقرير عن الاستعدادات السورية قبيل الحرب حيث ازدادت حركة الآليات العسكرية في 3 و4 أكتوبر وامتلأت الصحافة والإذاعة السورية بحكايات عن التجمعات العسكرية الإسرائيلية، مضيفاً "غالباً ما يكون هذا مقدمة لبعض الإجراءات الحمقاء هنا لدرجة أن الجميع تكهنوا بسهولة من دون التأكد مما قد يفعله السوريون هذه المرة. منذ أن غادر الروس وزوجاتهم وأطفالهم دمشق جواً كان من الواضح بحلول 5 أكتوبر أن شيئاً ما قد يحدث. كانت هناك شائعة مضللة منتشرة مفادها أن سوريا ستعيد الخبراء الروس إلى موطنهم. بعد منتصف نهار 6 أكتوبر بقليل كانت هناك تقارير عن اندلاع القتال وبعد ذلك بقليل من بعد الظهر، أجابني تاجر في سوق الحميدية سألته عن الأخبار رد عليه بكلمة واحدة وهي "الحرب".

في تلك الليلة ألقى الرئيس (حافظ) الأسد خطاباً هادئاً بشكل ملحوظ حدد فيه أهداف الحرب السورية وتحدث عن "سلام عادل ودائم" وعن "سلام لجميع شعوب العالم" بدلاً من النطق بالخطاب المعتاد المتعطش للدماء، هذه المرة كان رئيس الأركان الإسرائيلي هو الذي قيل إنه تحدث عن "كسر عظامهم".


طيران الجيش الإسرائيلي يقتل 200 مدنياً

"كانت الأيام الأولى من الحرب مليئة بالأخبار الجيدة. بدأ السوريون بإسقاط الطائرات الإسرائيلية بصواريخهم الروسية واستمروا في القيام بذلك أكثر فأكثر طوال المعركة، واتخذوا مراكز مراقبة على جبل حرمون ليلة 6-7 أكتوبر وتقدموا إلى مرتفعات الجولان في قطاع القنيطرة، وسرعان ما علمنا من مراقبي الأمم المتحدة العسكريين أنه من بين مئات الدبابات والمركبات المساندة التي مرت في أربعة طوابير كما لو كانت في عرض عسكري عبر الخطوط الضيقة التي كانت تسيطر عليها قوات إسرائيلية، لم يُشاهد أي منها يعود. ومع ذلك لم يعرف الشعب شيئاً عن ذلك، وحتى الهجوم الجوي الواسع والمفاجئ في وضح النهار على مقر الجيش والقوات الجوية (السورية) في التاسع من أكتوبر، والذي لم يقصف الأهداف بشكل جيد ودقيق وحسب، بل أدى الهجوم أيضاً إلى مقتل أكثر من 200 مدني في الحي. وعلى رغم هذا لم يستطع أن يضعف الروح المعنوية العالية المنتشرة والتي كانت غريبة على أولئك الذين يعرفون سوريا جيداً، والتي بدأت وكأنها قد نزلت فجأة على أهل دمشق. تسببت هذه الغارة الجوية والعديد من الغارات الأخرى التي تلتها في مغادرة معظم الجاليات الأجنبية في الفترة ما بين 9 و11 أكتوبر. وبدأت التقارير الأولى تتحدث عن تقدم الجيش الإسرائيلي".


وتشير التقارير لتحرك اللواء المدرع 12 لمهاجمة الجيش الإسرائيلي في ظهيرة يوم 12 أكتوبر قرب تل شمس وكفر ناسج، وكانت القوات العربية قد احتشدت في منطقة الشيخ مسكين على الطريق المؤدي إلى القنيطرة. وباشرت القوات العراقية عملياتها بهجمات مضادة على القوات الإسرائيلية كما أرسلت السعودية في 14 أكتوبر جسراً جوياً للواء مشاة يضم 2000 جندي وشاركت بجانب قوات أردنية مع القوات السورية بهجمات مضادة ساعدت في ثبات الجبهة وصمودها. وكانت وحدات مغربية قد حضرت قبل اندلاع الحرب في الجولان عُرفت بـ "التجريدة المغربية". وعلى رغم وجود قوات عربية كافية ومتحمسة لخوض المعارك وتحرير الجولان تتحدث الوثيقة البريطانية عن تراجع القوات العربية وإحراز تقدم من قبل القوات الإسرائيلية.

"استمر تقدم القوات الإسرائيلية حتى 14 و15 أكتوبر، عندما وصلوا إلى جيب سعسع، وهو معقل مهم على أرض القيادة على طريق دمشق، من هذه النقطة بدأوا بالتراجع جزئياً بلا شك من خلال الإرهاق وخطوط الإمداد المتوترة التي يمكن للسوريين مضايقتها، وجزئياً نتيجة للهجمات المضادة السورية. تلاشت الغارات الجوية، وتوقف صوت إطلاق النار أو خفت، وقال الجنرال (موشيه) ديان إن الجيش السوري يلعق جراحه وأن الإسرائيليين ينقلون قواتهم الرئيسة إلى سيناء. وبحلول ليلة 16 أكتوبر كان الإسرائيليون قد وصلوا إلى نقطة على الطريق تبعد أكثر من 10 كيلومترات عن سعسع حيث بقوا حتى نهاية الحرب. ومع ذلك استعاد الإسرائيليون جبل الشيخ في الأيام القليلة الماضية، ولا شك في أن ذلك من أجل إغلاقه كونه طريقاً للفدائيين الذين يبدو أن أداءهم خلال الحرب كان أقل من رائع. على ما يبدو تم القضاء تقريباً على مجموعة أو فرقة من لواء عراقي تقريباً في 16 أكتوبر وعلى ما يبدو بسبب عدم الكفاءة والمهارة وليس لعدم الشجاعة. لقد قاتل المغاربة بشكل جيد في الشمال، وظهر الأردنيون بشكل هادئ في الجنوب، وبدا أن الكتيبة السعودية قد بدأت بالتراجع".

المزيد من وثائق