Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اغتصاب "فتاة صبرا" يدل إلى أخطار الابتزاز الإلكتروني في لبنان

 القفزات الهائلة في تقنية المعلومات ووسائل التواصل فتحت المجال واسعاً أمام العقل الإجرامي

يشهد العالم تزايداً لجرائم الابتزاز الجنسي عبر الشبكة (بكسلز)

ملخص

900 شكوى المعدل السنوي بلبنان بسبب الابتزاز الجنسي

فتحت مواقع التواصل الاجتماعي الباب واسعاً أمام ضروب شتى من التحرش والابتزاز الجنسي. ويشهد لبنان تزايداً ملحوظاً في تلك الجرائم، حيث يقوم الفاعل في معظم الأحيان إلى استدراج الضحية للقيام بسلوك ما، ومن ثم استغلال تلك العثرة من أجل الحصول على خدمات جنسية، أو المال، أو لمآرب أخرى.

خلال الأسبوعين الماضيين، تمكنت القوى الأمنية اللبنانية من ضبط جرائم عدة ذات طابع جنسي، واستخدمت خلالها مواقع التواصل الاجتماعي إما للتشهير بالضحية، أو استدراجهم لابتزازهم والحصول على منافع مختلفة. وتشكل تلك الجرائم حالات نموذجية يمكن الانطلاق منها للتدليل على تزايد تلك الجرائم في المجتمع اللبنانية، واستغلال الوسائط الجديدة كأدوات للجريمة، واختلاف أشكالها. في الحالة الأولى، وقعت جريمة الاغتصاب بحق قاصر، واستخدمت مواقع التواصل الاجتماعي للتشهير بها والحط من كرامتها. فقد تعرضت لها فتاة قاصر (13 سنة) في مخيم صبرا- بيروت، وبحسب الرواية الأمنية، قامت فتاة أخرى باستدراجها إلى إحدى الشقق، حيث قام هـ.ك (ثلاثيني) باغتصاب الفتاة القاصر، فيما تولى الشريك الثالث مهمة تصوير عمليات التعنيف، والاعتداء الجنسي، ونشرها على صفحة الضحية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

أما الجريمة الثانية، أخذت منحى آخر، وينطبق عليها حرفياً وصف الابتزاز الجنسي الإلكتروني، حيث قام الفاعل بإنشاء حساب وهمي على "إنستغرام"، قام من خلاله باستدراج شبان وشابات من خلال المحادثة، والطلب منهم إرسال صور فاضحة، ومن ثم ابتزازهم بها. حيث كان الضحايا بين خيارين إما مجاراته في لعبته خوفاً من الفضيحة، وإرسال المزيد من الصور، ودفع مبالغ مالية له، أو التبليغ عنه. وأدى الخيار الأخير إلى توقيفه، وإحالته إلى القضاء المختص من قبل القوى الأمنية.

تكشف أوساط أمنية متابعة للملفات تزايداً في هذه الجرائم، مشيرةً إلى أن "900 حالة سنوياً هو العدد الوسطي للبلاغات والشكاوى عن جرائم الابتزاز الجنسي"، بحيث "يصطاد الفاعل ضحاياه عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي". ونفت الأوساط ما نقله بعض وسائل الإعلام المحلية عن وجود عصابة تستدرج الأطفال في صبرا، وتلتقط لهم صوراً وتستخدمهم لتقديم خدمات جنسية، مؤكدةً أن "الأمر غير صحيح، وقد طالبت وسيلة الإعلام بتصحيح المعلومة".

تعاطٍ من نوع خاص

طور لبنان خلال السنوات الأخيرة أدواته وإجراءاته في مجال ملاحقة الجرائم التي تمس الآداب العامة، والأحداث. تعتقد أميرة سكر رئيسة اتحاد حماية الأحداث أن "ما يظهر إلى الإعلام هو جزء بسيط جداً من الجرائم المرتكبة"، موضحةً أن "مكتب الجرائم المعلوماتية هو مكتب متخصص في متابعة الابتزاز الإلكتروني، أياً يكن نوع هذا الابتزاز"، فيما يتولى مكتب مكافحة الإتجار بالبشر وحماية الآداب متابعة كافة التحقيقات.

تلفت سكر إلى "أن قضية "فتاة صبرا" بعهدة "محكمة الأحداث"، لأن هناك ملف حماية للقاصر، وتُتابع باتخاذ الإجراءات والتدابير العلاجية والقانونية".

القانون الرادع

يرى أهل القانون أن جريمة الابتزاز الإلكتروني هي انعكاس للثورة الرقمية والمعلوماتية. وبحسب المحامي رفيق هاشم، المتخصص في قوانين الملكية الفكرية والإنترنت والشركات، فهي تندرج ضمن جرائم انتهاك الحق في الخصوصية، المكرس في المادة 8 من الدستور اللبناني، التي نصت على أن "الحرية الشخصية مصونة وفي حمى القانون..."، وكذلك المادة 14 منه، التي تقول على أن "للمنزل حرمة ولا يسوغ لأحد الدخول إليه إلا في الأحوال والطرق المبينة في القانون". ناهيك عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حيث نقرأ في المادة 13، أن "لكل فرد الحق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه"، وكذلك المادة 12، التي أكدت "لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمس شرفه وسمعته. ولكل شخص حق في أن يحميه القانون من مثل ذلك التدخل أو تلك الحملات".

أما على المستوى الواقعي، فقد اعتبر المحامي هاشم أن الثورة الإلكترونية والمعلوماتية فتحت المجال واسعاً أمام العقل الإجرامي، بحيث بات الابتزاز الإلكتروني من أهم المظاهر الخطرة للإجرام في العصر الحالي. وأضاف المحامي هاشم أن ضحايا الابتزاز الإلكتروني لا تقتصر على شريحة النساء فحسب، بل تتعرض للأطفال والمراهقين والرجال أيضاً.

جريمة واحدة وأفعال شتى

تأخذ الجريمة أشكال مختلفة، إما من خلال اختراق هاتف الضحية المحمول، أو جهاز الحاسوب الشخصي (الكمبيوتر)، أو عبر استعمال المناورات الاحتيالية أو الخداعية، للاستيلاء على بيانات الضحية الشخصية، وأموالها، وصورها، وأفلام الفيديو الخاصة بها. وغالباً ما تكون مواقع ووسائل التواصل الاجتماعي هي الوسيلة لهذه الانتهاكات.

يقول المحامي رفيق هاشم "يقوم العنصر المادي لجريمة لابتزاز الإلكتروني من خلال استخدام المبتز البيانات ذات الطابع الشخصي للضحية، التي استولى عليها بصورة غير مشروعة ليستعملها للابتزاز أو التهديد أو التهويل أو التخويف، بغية إلحاق الضرر بشخص أو بمجموعة أشخاص. ويترافق ذلك، مع السعي لتحقيق مكاسب مادية أو معنوية أو منفعية أو جنسية".

فراغ تشريعي لبناني

يؤكد المحامي هاشم أنه "لم يرد في القانون اللبناني نص مباشر، وخاص يتعلق بالابتزاز الإلكتروني بجوانبه وأشكاله، وهذه إحدى الثغرات التي يعاني منها قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي الصادر عام 2018، والتي ينبغي التدخل تشريعياً لسدها بنص عقابي، خاص، مباشر، شامل وواضح".

من جهة أخرى، يضع هاشم على عاتق رجال القانون مهمة "العودة إلى النصوص القانونية العامة، وتطبيق بعض نصوص قانون العقوبات اللبناني وسواها من النصوص القانونية المتناثرة، المرعية الإجراء".

في المقابل، لا يمكن أن يقف رجال القانون موقف المتفرج أمام غياب النص القانوني الصريح والواضح، ولكن مهمتهم تصبح عسيرة، وتدعوهم للتفتيش بين نصوص متناثرة. حيث يعاقب قانون العقوبات اللبناني على جريمة الابتزاز، بصورةٍ عامة. وبحسب المادة 650، فإن "كل من هدد شخصاً بفضح أمره أو إفشائه أو الإخبار عنه، وكان من شأنه أن ينال من قدر هذا الشخص أو شرفه، أو من قدر أحد أقاربه، لكي يحمله على جلب منفعة غير مشروعة له أو لغيره، يُعاقب بالحبس من شهر إلى سنتين وبالغرامة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي هذا الصدد، يرى المحامي هاشم، أن ثمة تكاملاً بين المادة 650 عقوبات التي تتحدث عن الابتزاز، والأحكام القانونية الحديثة التي تجرم التحرش الجنسي، بموجب القانون 205 الصادر في 2020، وكذلك الضغط الشديد النفسي أو الـمعنوي أو الـمادي للحصول على منفعة ذات طبيعة جنسية. إضافة إلى المواد القانونية التي "تعاقب على التعرض للآداب العامة، والمادة 533 عقوبات، التي تعاقب "من أقدم على صنع، أو تصدير، أو توريد، أو اقتناء كتابات، أو رسوم، أو صور يدوية، أو شمسية، أو أفلام، أو إشارات، أو غير ذلك من الأشياء المخلة بالحياء، بقصد الاتجار بها، أو توزيعها، أو أعلن أو أعلم عن طريقة الحصول عليها".

علاوة على ما تقدم، يشير المحامي هاشم إلى أن هناك وجهاً إضافياً للمخالفات القانونية عند استعمال بيانات ذات طابع شخصي، بما في ذلك الصور ومقاطع الفيديو، بغير موافقة صاحبها، إذ نصت المادة 106 من قانون المعاملات الشخصية والبيانات ذات الطابع الشخصي تغريم مالي والحبس من ثلاثة أشهر حتى ثلاث سنوات، أو بإحدى هاتين العقوبتين".

يخلص المحامي هاشم إلى أن "الحماية القانونية، مهما بلغت حدودها وجديتها، لا تكفي بحد ذاتها لحماية الأفراد والأشخاص"، مشدداً على أن "الوقاية خير من علاج، وتوخي الحذر في عالم الإنترنت الذي يتسم بأنه عالم بلا حدود، لتفادي التعرض للابتزاز"، و"الحرص على غربلة ما يتم مشاركته مع الآخرين، والامتناع عن نشر، أو إرسال صور خاصة، أو مقاطع فيديو شخصية وحساسة، وتجنب محادثة الغرباء عبر تطبيقات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي".

المزيد من تقارير