Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مصادر قوة المرشد والنظام في إيران (3)

الاحتجاجات التي كانت تتفجر في وجهه لم تكن تحمل في داخلها الإمكانية أو القدرة على إحداث التغيير الذي تطمح له

عمل المرشد الأعلى على تعزيز دور وموقع مؤسسة حرس الثورة داخل القرار السياسي والأمني والإداري (أ ف ب)

ملخص

الثمن الذي دفعه النظام الإيراني للتخلص من نفوذ ودور وشراكة القوى الدينية الليبرالية لم يكن كبيراً

على مدى العقود الثلاثة من قيادته للنظام، عمل المرشد الأعلى على تعزيز دور وموقع مؤسسة حرس الثورة داخل القرار السياسي والأمني والإداري، وتحولت هذه المؤسسة إلى قوة موازية لقوات الجيش والنظام، وتجاوزتها من حيث القدرات المالية واللوجيستية وحتى في الإمساك بالقرار الاستراتيجي، مما جعلها الذراع الأمنية والعسكرية التي يستخدمها المرشد في مواجهة كل الأخطار والتحركات التي قد تستهدف موقع المرشد أو النظام، بخاصة أنه استطاع في هذه المرحلة من الدمج الكامل بين استمرار النظام والدفاع عنه، وبقائه في موقعه والاحتفاظ بكامل سلطاته المطلقة. وهذه المعادلة جعلت من حرس الثورة الأداة أو الجهاز الضارب في يد المرشد، وقد استخدمه في كثير من المفاصل والتحديات والمخاطر التي هددت السلطة ومنظومتها من خصوم الداخل وأعداء الخارج، وحتى في توسيع وتعزيز الدور الإقليمي وتكريس النفوذ في المنطقة، مما أسس لشراكة بينهما قائمة على تعزيز المرشد صلاحيات ودور الحرس، مقابل الولاء المطلق له في مواجهة كل الأطراف الأخرى.

هذا المسار يساعد على فهم إشكالية قدرة النظام على استيعاب الصدمات والأزمات التي تعرض لها وحركات الاحتجاج التي اندلعت بوجهه، أسبابها مركبة من عوامل دينية وسياسية وفكرية وثقافية عدة، بعضها ذاتي مرتبط بطبيعة وتركيبة المجتمع أو الاجتماع الإيراني، ومنها خارجي على ارتباط بطبيعة الصراعات التي يخوضها أو يواجهها سواء مع قوى المعارضة أو الدول التي أعلنت موقفاً سلبياً من النظام الإسلامي وطموحاته. وهذه العوامل مجتمعة أسهمت في صناعة وإنتاج هذه الإمكانية ووفرت الأرضية لاستمرار النظام ومكنته من السيطرة على كل مصادر الخطر حتى من دون أن تكون قادرة على التوصل إلى حلول جذرية لها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والمعادلة التي أرساها مبكراً المرشد وقائد النظام القائمة على الشراكة بين مؤسسة المرشد والجهاز الحارس للثورة والنظام والمدافع عن موقع ولاية الفقيه وصلاحياته في مؤسسة حرس الثورة، لعبت هذه المعادلة دوراً أساسياً ومحورياً ومفصلياً في صد ومواجهة غالبية التحديات والأخطار التي تعرضت لها منظومة الحكم، مستعينة بذلك بالغطاء الديني والأيديولوجي في تسويغ ما تذهب له من أدوات قمع وترهيب ومصادر حريات.

وبغض النظر عن التحدي الذي واجهته الثورة ونظامها في البدايات، عندما انتقل الخلاف مع جماعة "مجاهدي خلق" إلى صراع مسلح في شوارع المدن الرئيسة، ومستوى الحسم والدموية التي استخدمها النظام في التصدي لهذه الجماعة، وانتهت بحملة إعدامات واسعة عام 1987 لأكثر من 3500 معتقل سياسي في سجون النظام، فإن الثمن الذي دفعه النظام للتخلص من نفوذ ودور وشراكة القوى الدينية الليبرالية كحركة تحرير إيران، أو الأحزاب الدينية القومية بزعامة يدالله سحابي، لم يكن كبيراً، لأن المد الثوري والتصديق بكل ما يصدر عن المؤسسة الدينية لعب دوراً حاسماً في هذا الصراع واستطاع إقصاء هذه الجماعات من الساحة السياسية وإخراجها من الشراكة في بناء النظام الجديد، بخاصة أن الدور السلبي الذي لعبه أبو الحسن بني صدر أول رئيس للجمهورية في إضعاف التيار المدني نتيجة تصاعد الخلاف بينه وبين المؤسسة الدينية، وانتهى بهربه من إيران، مما أسهم في تسهيل المهمة على القوى الثورية والمؤسسة الدينية في تكريس وفرض مشروعها في بناء نظامها الديني الأيديولوجي.

هذا التحول كرس سيطرة المؤسسة الدينية على النظام والدولة وسهل عليها التقدم بمشروعها في إقامة نظام ديني تتقاذفه الأهواء بين الإبقاء على البعد الجمهوري أو الانتقال به نحو إقامة حكومة دينية "إمارة"، وتنامى لديه شعور القوة والثبات وقدرته على مواجهة كل التحركات والحركات التي قد تستهدف سلطته واستقراره وبقاءه.

وما ساعد هذا النظام على استمرار قوته والإمساك بزمام الأمور، أن الحركات والاحتجاجات التي كانت تتفجر في وجهه، لم تكن تحمل في داخلها إمكانية أو القدرة على إحداث التغيير الذي تطمح له وتنتهي بالانقلاب أو الإطاحة بالنظام وسلطته، فالحركة الإصلاحية وكل التحركات التي قامت بها، لم تصل في مستوى عملها إلى التهديد الحقيقي والوجودي للنظام، على رغم الإرباك الذي أحدثته وخلقته للمنظومة نتيجة الخطاب الانفتاحي والمدني الذي كانت تقدمه والمتعارض مع الخطاب الرسمي للنظام ورؤيته ومشروعه، فضلاً عن أن التيار الإصلاحي أو اليسار الديني لم يرفع شعار الخروج على الدستور والنظام الإسلامي، إنما وقف خلف المطالب بإعادة إحياء المبادئ التي أهملت أو أقصيت، والتي تعتبر الترجمة الحقيقية للبعد الجمهوري في النظام، ولعل الحركة الخضراء والاحتجاجات التي خرجت، على ما قالته من حصول تلاعب في نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2009، كانت النقطة الأكثر تحدياً للمنظومة والدولة العميقة وثنائية "المرشد - الحرس"

الحراك الإصلاحي أسهم في تسهيل عملية الفرز الاجتماعي على النظام ومؤسساته، فعلى رغم تراجع قواعده الشعبية، فإنه استطاع بناء جماعته وقاعدته الصلبة نتيجة قناعاتها الأيديولوجية والعقائدية مع جعلها على استعداد للذهاب معه إلى أقصى وأقسى الخيارات ضد الآخر المختلف، إضافة إلى ربط شريحة اجتماعية بنظام مصالح هو الأقدر على توفيرها وتأمينها، بحيث يدفع هذه الشريحة لموالاته والوقوف معه دفاعاً عن نظام مصالحها الذي قد يضرب، إذا ما انتقلت السلطة إلى طرف آخر، حتى وإن كان من داخل التركيبة.

وهذه القاعدة هي التي استخدمها النظام والتيار المحافظ لعرقلة أو محاسبة الحكومات والسلطات التنفيذية التي جاءت إلى السلطة من خارج وعلى حساب التيار المحافظ ومرشحيه، كما حصل في رئاسة حسن روحاني الذي جاء على قاعدة صفقة سياسية تسمح له بالتفاوض والتوصل إلى اتفاق يرفع الحصار الاقتصادي، لكنه منع من استثمار عائدات هذا الاتفاق والانفراجة الاقتصادية لتعزيز مشروعه السياسي، بخاصة عندما فجر التيار المحافظ بوجهه أزمات اقتصادية عام 2017 على خلفية انهيار عدد من المؤسسات المالية والسماح بالتظاهر ضد الحكومة بتحريض من الدائرة المقربة من الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي عندما كان مسؤولاً عن الحرم الرضوي في مشهد، وهي التحركات التي توسعت وانتقلت إلى عديد من المدن الإيرانية، ثم انتفاضة اقتصادية أخرى نتيجة رفع أسعار المشتقات النفطية ومادة البنزين، والتي رميت مسؤولية القرار على روحاني الذي لم يكن موافقاً أو في أجواء تنفيذ هذا القرار، مما أدى إلى اشتعال الشارع وأعمال الشغب، الأمر الذي دفع الأجهزة الأمنية إلى ممارسة أعلى درجات القمع والقتل، إذ إن وزير الداخلية حينها عبدالرضا رحماني فضلي اعترف بقتل أكثر من 350 إيرانياً على يد الشرطة في هذه الأحداث، إلا أن النظام ذهب إلى اتهام هذا الحراك بتنفيذ أجندات خارجية معادية للنظام في تسويغ للقمع الدموي الذي مارسه.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل