Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف يمكن التعامل نفسيا مع الكوارث الطبيعية؟

متخصصة: تكرارها بات مصدر قلق لمن يعانون الهلع وقليل من يفكر بالمنطق لمواجهة هواجسها

الكوارث الطبيعية تلقي بتداعيات ثقيلة على روح العالم (أ ف ب)

ملخص

أصاب تكرار الكوارث الطبيعية مرضى القلق بمزيد من الهلع وقليلون فقط من يستطيعون السيطرة على هواجسهم

تتكرر الكوارث الطبيعية في مختلف دول العالم خلال الأشهر الأخيرة بشكل غير مسبوق حتى أصبحت هاجس كثيرين. وعلى رغم أن حدوثها طبيعي، أثار تكرارها المخاوف، سواء في البلد المعني بها أو في بلاد أخرى لم تمر بالتجربة القاسية.

فيضانات وزلازل وأعاصير وغيرها من الكوارث خلفت أضراراً مادية وبشرية كارثية، إضافة إلى ما كان لها من تداعيات نفسية على نطاق واسع، نظراً لهول المشاهد التي نقلتها وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي إلى العالم كله.

سلسلة طويلة من الكوارث الطبيعية

في العام الحالي، كانت البداية مع زلزال تركيا المدمر الذي تسبب في أكثر من 50 ألف قتيل في أنقرة ودمشق و120 ألف مصاب، إضافة إلى الأضرار المادية الجسيمة. أثار الزلزال حالة هلع بين الناس لا في البلدين المتضررين فحسب بل في دول عديدة أخرى بعد ذعر أهلها من أن يعيشوا مثلها في أي وقت من الأوقات من دون سابق إنذار.

جاء زلزال المغرب الأخير ليكرر المشاهد المؤلمة. ومن بعده ضرب إعصار "دانيال" ليبيا مخلفاً آلاف الضحايا. مثل هذه التجارب تتسبب في صدمة لمن يعيشها بالطبع، ومن الطبيعي أن يحتاج الناجون إلى رعاية ومتابعة نفسية لهول ما تعرضوا له ونظراً إلى المشاهد التي رأوها.

في ظل هذه الظروف تتفاوت الأعراض والتداعيات النفسية بين الأفراد لكن مع هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي أصبح الكل معنياً بأي كارثة طبيعية تحدث، فيكون أثرها أكبر في العالم بمن لم يعش التجربة في البلد المنكوب.

التوتر والقلق

بعد وقوع كوارث طبيعية أياً كان نوعها تنتاب حالات من التوتر والقلق النفسي كثيراً من البشر، وتتحول هذه الكوارث إلى هاجس بسبب المخاوف من تكرارها.

ويرى متخصصون أن حالة صدمة ما بعد الكارثة من الحالات التي يتعرض لها كثيرون. وقد يتمكن البعض من تخطيها من دون مساعدة، فيما يحتاج آخرون إلى متابعة نفسية متخصصة ليتجاوزوها.

في حال زلزال مثلاً، تظهر أعراض الصدمة من خلال دوار وصعوبة في التركيز، وتحل بعدها مرحلة الإنكار أو شعور بأن ما وقع وهم. يمكن الدخول بعدها في حالة اكتئاب، خصوصاً في حال فقدان المأوى وأشخاص مقربين، إلى أن يتم التعافي ويتقبل الشخص المعني الظروف ويتمكن من متابعة حياته.

بالنسبة لمن اقتصرت التجربة لهم على رؤية المشاهد الكارثية الصعبة، تكون التداعيات النفسية أقل حدة بطبيعة الحال. على رغم ذلك، ثمة حاجة إلى المتابعة النفسية في كثير من الحالات لمعالجة اضطراب ما بعد الصدمة.

وقد تكررت مثل هذه الحالات بشكل خاص بعد زلزال تركيا وسوريا، إذ تراود الشخص أفكار وهواجس بسبب المشاهد التي رآها أمام عينيه أو أثناء نومه. وكأن التجربة تتكرر بالنسبة له بشكل متواصل، مما يسبب حالة توتر وقلق مستمرة. فيكون العلاج بحسب حدة الحالة وعوامل عديدة أخرى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

توضح المتخصصة النفسية سيسيليا ضومط، أن الأشخاص الأكثر تأثراً بالكوارث هم أولئك الذين يتأثرون بأي حدث. هم تحديداً من يتمتعون ببنية نفسية ضعيفة ويقلقون باستمرار ويخافون من كل شيء. من يتأثرون أكثر بالكوارث الطبيعية وأخبارها ومشاهدها، هم أولئك الذي يعانون اضطراب القلق العام. هم يعانون القلق النفسي بطبيعتهم، خصوصاً بعد وقوع تغيير أو حدث جديد في حياتهم، وتضيف أن من الطبيعي أن يكون الأشخاص الذين تعرضوا سابقاً إلى صدمة نفسية مرتبطة بكوارث طبيعية، أو من خسروا شخصاً مقرباً فيها، أكثر تأثراً بها، وتوضح أن من الطبيعي أن تكون الكوارث الطبيعية مصدر قلق للناس نظراً إلى الخطر المرافق لها، لكن المشكلة الأساسية في أن من يعانون قلقاً نفسياً مستمراً وخوفاً لا يفكرون بالمنطق ويعجزون عن اتخاذ الإجراءات الاحتياطية اللازمة ليحموا أنفسهم ومن حولهم، وتتابع "أما من يتمتعون بالنضج النفسي والعاطفي فيفكرون بالحلول والمنطق في مواجهة مثل هذا الخطر. ففي كل الحالات، على رغم وجود خطر في الكوارث الطبيعية، يجب إبعاد القلق حتى لا يتحكم بنا".

النضج العاطفي والنفسي

لا يحدث النضج العاطفي والنفسي في لحظة، فهي مسألة يجب التدرب عليها خلال الحياة لبلوغ المستويات المطلوبة منها. على رغم الشعور بالخوف، يجب عدم تنحية العقل والمنطق للقيام بالخطوات المطلوبة حفاظاً على السلامة، فلا يتعرض الفرد ولا من حوله للخطر، في حال حدوث كوارث مماثلة. فالقلق أمر طبيعي بالفعل، لكن ثمة مستويات منه. وبدلاً من السقوط في فخ الانفعال، والاندفاع، والقلق، والخوف، التي تقيد الإنسان في مواجهة الخطر، يجب التسلح بالعقل والمنطق للقيام بالقرارات الصائبة، حفاظاً على سلامة الكل. بهذه الطريقة يحمي الإنسان نفسه ومن حوله. توضح ضومط أن المطلوب في مثل هذه الحالات، هو تنحية العواطف جانباً لبرمجة الذات على أساس المنطق والعقل، بما أنه لا فائدة من القلق والخوف في لحظات مماثلة.

ومن المفترض أن يكون قد تلقى تعليمات حول كيفية التصرف والخطوات المطلوبة حفاظاً على السلامة العامة في أوقات الكوارث الطبيعية، وعندها يجب التصرف سريعاً. علماً أن البعض يشعر بارتباك ويجهلون كيفية التصرف ويصابون بالجمود التام.

المعرفة سلاح في مواجهة الخطر

تساعد الحكمة والمنطق على اتخاذ القرارات المناسبة سريعاً والقيام بالخطوات المطلوبة، لكن يجب التدريب على ذلك من الآن بدلاً من انتظار حدوث الكارثة. ووحدهم الأشخاص الناضجون عاطفياً يقدرون على التأقلم بلحظة مع الأمر الواقع، فلا يسيطر عليهم الهلع والاندفاع غير المدروس. هم قادرون على التصرف بمزيد من الهدوء، سواء كانوا يتمتعون بهذا النضج أو تدربون على ذلك. فيقومون بالإجراءات اللازمة في الوقت المناسب بحسب حملات التوعية الكثيرة التي تقام حول هذه المواضيع.

تتبع هذه الحملات هو في غاية الأهمية، لأن العقل يسجل المعلومات ويحفظها، إلى أن يحين الوقت ليستخدمها تلقائياً في حال حصول كارثة. أما الجهل بكيفية التصرف المتزامن مع الخوف والاكتئاب والصدمة. كلها عناصر تسبب خطراً على الفرد ومن حوله أيضاً فيسبب مشكلة للآخرين في ذلك.

تشدد ضومط على أهمية عدم الهرب من المعلومات المتعلقة بالكوارث الطبيعية بسبب الخوف لأن المعرفة سلاح يمكن الاستفادة منه في أوقات الخطر، مع أهمية نقل المعلومة إلى الآخرين أيضاً للتحلي بالثبات في أوقات الخطر.

بعد زلزال تركيا وسوريا، زاد بشكل ملحوظ عدد الأشخاص الذين عانوا اضطراب ما بعد الصدمة، وواجهوا أعراضاً كالأرق والخوف من فكرة النوم وأن يتكرر الزلزال ليلاً كما حصل في المرة الأولى.

في لحظات الهلع غير المبرر هذه، من المهم أن يخاطب الفرد نفسه مستنداً إلى المنطق وإلى فكرة أنه ليس من الضروري أن تتكرر الكارثة وليست هناك حاجة إلى إنذار من الجهاز النفسي. يجب التفاعل مع الذات لتخطي حالة الخوف، خصوصاً أن احتمال تكرار التجربة بالظروف ذاتها قليل جداً.

وللخروج من هذه الحالة أيضاً يجب الحرص على عدم ترك الحياة وتجاهل مثل هذه الأفكار التشاؤمية. فالحياة تستمر ويجب عيشها بعيداً من هذه الأفكار السلبية التي ترافقنا باستمرار إذا لم نعمل على التخلص منها بدلاً من تخصيص الوقت لمتابعة الأخبار المتعلقة بالكوارث الطبيعية طوال الوقت، كما يفعل كثيرون أخيراً.

يكفي الاطلاع على معلومات متعلقة بهذا الموضوع من دون أن تتحول هذه الأمور إلى هاجس، لأن ذلك يسبب حال قلق وخوف ونوبات هلع تؤثر في نمط الحياة بشكل عام.

ويبقى اللجوء إلى المتابعة النفسية حلاً لمن لم يتمكنوا من تخطي هذه الحالة لأنهم يتمتعون بالنضج النفسي الكافي حتى يتابعوا حياتهم بشكل طبيعي غير متأثرين بما حصل. وبشكل خاص، من عاشوا تجربة مماثلة في حاجة أكثر بعد إلى المتابعة النفسية ليتمكنوا من تخطي هذه التجربة الصعبة.

اقرأ المزيد

المزيد من صحة