ملخص
كشف زلزال المغرب عن فوارق تنموية بين المدن والقرى البعيدة، لا سيما القابعة في جبال الأطلس
كشف الزلزال الذي ضرب قبل أيام مضت قرى جبلية ونائية في المغرب وأفضى إلى مقتل وتشريد آلاف الأشخاص عن هوة الفوارق التنموية بين المدن والقرى البعيدة، لا سيما القابعة في جبال الأطلس المغربية.
وأعادت هذه الكارثة الطبيعية إلى الواجهة موضوع الهشاشة الاجتماعية والتنموية التي تكابدها المناطق القروية في جبال الأطلس، إذ وجد الزلزال في البيوت الطينية المحرومة من مقومات الحياة الكريمة أرضاً خصبة ليوقع عدداً أكبر من القتلى والمنكوبين.
هشاشة وبيوت طينية
أفاق المغاربة قبل أيام على هول زلزال لم يبقِ ولم يذر في مناطق متعددة بجبال الأطلس، واستهدف قرى جبلية نائية قلب رأسها على عقبها، لكن اللافت أن الأكثر تضرراً كانوا هم السكان الذين يقطنون بيوتاً طينية بسيطة وسط الجبال.
وتتسم مناطق عدة في جبال الأطلس والجنوب المغربي أيضاً ببناء بيوت طينية تقليدية، إذ تشيد بالطين الخام، ويضاف إليه التبن والخشب، مما يمنح شكلاً تقليدياً وبسيطاً لهذه البيوت، لكنها على رغم بساطتها قاومت عديداً من تقلبات الزمن حتى جاء زلزال الثامن من سبتمبر (أيلول) ليدكها دكاً.
وظهرت للعيان ملامح الهشاشة الاجتماعية والتنمية للمناطق المنكوبة جراء الزلزال المدمر، إذ تبين أن عدداً من تلك المناطق ما زالت محرومة من خدمات حياتية ضرورية مثل المستشفيات والعلاج والطرق والنقل، وغيرها من الخدمات الاجتماعية.
وشكلت وعورة الطرق وعدم تعبيدها وصعوبة المسالك الجغرافية التي توصل إلى هذه المناطق أحد أبرز الإكراهات أمام وصول المساعدات للمنكوبين والمتضررين، كما أن هشاشة البيوت الطينية والحجرية من دون خرسانات أسمنتية كانت وراء تفاقم الأضرار، إذ تهدم ما يزيد على 50 ألف مسكن إما بشكل كامل، وإما جزئياً.
وعلى رغم الهشاشة التي تتسم بها هذه المساكن الطينية التقليدية في جبال الأطلس الكبير، فإنها في المقابل تعد "كنوزاً تراثية" تشتهر بها هذه المناطق الأمازيغية، وكانت معلماً تاريخياً يجذب السياح إليها في بعض أوقات السنة.
المغرب العميق
يقول المتخصص في مجال حقوق الإنسان والعلوم السياسية بجامعة وجدة محمد سعدي إن الزلزال الذي ضرب إقليم الحوز كشف عن حقيقة "المغرب العميق" الهش، خصوصاً في المناطق الجبلية النائية التي تعرف مستوى كبيراً من الفقر والهشاشة، وكذلك ضعفاً مهولاً في البنى التحتية، والولوج للخدمات الاجتماعية والاقتصادية الأساسية، خصوصاً الصحة والتعليم.
واستطرد سعدي بالقول إن "عديداً من التقارير والهيئات والمؤسسات الرسمية المغربية سبق أن قدمت أرقاماً ومعطيات بخصوص اتساع رقعة مستوى الفقر متعدد الأبعاد وسط فئات عريضة من المجتمع المغربي، لا سيما في العالم القروي، وتزايد أوجه عدم المساواة والفوارق الاجتماعية والجغرافية، وهو ما يعيد كل مرة طرح السؤال المؤرق حول تعثر مسار التنمية وتحدي تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية".
وأكمل الباحث ذاته "واقع الهشاشة التنموية موجود منذ سنوات في هذه المناطق، لكن صور الدمار الكبير الذي أحدثه الزلزال ومشاهد وجوه الناس البسطاء الذين يكابدون شظف العيش في ظروف قاسية وسط الجبال النائية أعاد إلى دائرة الضوء من جديد السؤال في شأن الإنجاز وأثر السياسات العمومية للدولة في الحياة اليومية للمواطنين".
استثمار الرأسمال الاجتماعي
الحديث عن هشاشة المناطق المنكوبة بسبب الزلزال تؤكده أرقام المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة حكومية تعنى بالإحصائيات) التي تشير إلى أن 83 في المئة من سكان إقليم الحوز الذي ضربه الزلزال يعيشون في البوادي، كما أن جهة "مراكش ـ الحوز"، التي استهدفها الزلزال تحديداً تتصدر قائمة جهات المملكة التي تضم أكبر عدد من الفقراء بالبلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار سعدي إلى أن "قاطرة التنمية مختلة وتسير بوتيرة بطيئة، وأحياناً في الاتجاه الخاطئ، والدولة لم تنجح في ابتكار مقاربة جديدة تدشن القطيعة مع نهج التنمية المتبع منذ استقلال البلاد إلى اليوم على رغم الوصفات المهمة المقدمة من قبيل "تقرير الخمسينية"، و"النموذج التنموي الجديد".
ووفق المحلل السياسي فإن هذا الأمر يطرح من جديد وبشدة سؤالاً حول إعادة تصميم النموذج التنموي البديل في علاقته بالعدالة والحقوق الاجتماعية والاقتصادية.
وسجل سعدي أن التضامن التلقائي والتعبئة الواسعة لدى جميع فئات المجتمع المغربي من أجل تقديم الدعم لضحايا الزلزال وذويهم، أظهر قوة التماسك المجتمعي والقيمي، وهو أمر صحي وإيجابي من شأنه تعزيز الثقة العامة ورأس المال الاجتماعي، مما يشكل فرصة لاستخلاص العبرة ولحظة على الدولة انتهازها للدفع نحو خلـق ديناميـة جديـدة مـن أجل تنميـة دامجـة وعادلة ومنصفة لكل الفئات والمناطق.
ودعا المتحدث الدولة إلى أن تنتقل من وظيفتها الضبطية التوزيعية إلى الوظيفة التنموية الاجتماعية بهدف تأمين استجابة هيكلية سوسيو - سياسية"، لافتاً إلى أن "الهشاشة الاجتماعية والفروق أضحت عميقة وبنيوية، خصوصاً في المناطق القروية والجبلية الشاسعة في المغرب".
ظروف مناخية وجيولوجية
بدوره، قال مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان عبدالإله الخضري إن المناطق الجبلية التي ضربها الزلزال تتسم بارتفاع نسبة الفقر والأمية، إذ إنها لم تستفد من السياسات التنموية التي قامت بها الحكومات المغربية المتعاقبة". وتابع "الظروف المناخية والجيولوجية، خصوصاً نقص الأمطار ووعورة التضاريس، إضافة إلى تدني مسارات الطرق وخطورة بعضها وتشتت التكتلات السكانية القروية (الدواوير المتناثرة)، حالت دون تحقيق فرص التنمية المنشودة".
ووفق المتحدث لم تفكر الحكومات المغربية المتعاقبة في إيجاد حلول بنيوية لواقع سكان هذه المناطق، حيث كان من اللازم وقبل كل شيء إعادة توطين سكان "الدواوير" المشتتة والمتناثرة بين الجبال في تكتلات سكنية ملائمة للبنيات التحتية اللازمة، مع "توفير مسالك وطرق مناسبة تربط بعضها بعضاً، وتربطها بحواضرها، ولذلك ظل سكان تلك المناطق النائية بعيدين عن فرص التنمية والنهوض بظروف معيشتهم الصعبة". وأضاف "بعد هذه الفاجعة الأليمة، يبدو من الأجدر ترك تلك الدواوير على حالها، والعمل على تشييد قرى نموذجية بعد تهيئتها على نحو يراعي شروط الحياة المجتمعية، كما هو الشأن بالنسبة لبرنامج إعادة هيكلة دور الصفيح في المدن".
وذهب الخضري إلى أنه "حان الوقت لاستدعاء الكفاءات المغربية والمتخصصين في مجالات الهندسة والإعمار والبيئة والجغرافيا والاقتصاد، وغيرها، من أجل تضافر الجهود وابتكار نموذج سكني ملائم، قادر على مقاومة الزلازل والظروف المناخية الصعبة، وكذلك تحقيق تنمية مستدامة تحسن من ظروف معيشة هذه الفئة من المواطنين".
جهود حكومية
في المقابل، ترى الحكومة المغربية أنها بذلت جهوداً كبيرة في سبيل تقليص الفوارق الاجتماعية، ووفق وزارة الفلاحة، فإن برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية امتد من عام 2017 إلى 2023، وغطى الجهات الـ12 للمغرب باستثمارات مالية تناهز 50 مليار درهم (4.88 مليار دولار).
ويهدف هذا البرنامج إلى "تلبية احتاجيات السكان القرويين وتحسين ظروف معيشتهم، ويتطلب ذلك في المقام الأول فك العزلة عن الجماعات القروية في كل المناطق الهشة، وعلى الخصوص المناطق الجبلية عبر شق الطرق والمسالك وبناء منشآت سكنية وخدمية.
وتضمن البرنامج تشييد 114 مؤسسة تعليمية و3296 قاعة درس و57 مكتبة قروية، فضلاً عن تشييد ما لا يقل عن 182 مركزاً صحياً و167 داراً للولادة و81 داراً للأمومة مع اقتناء 396 سيارة إسعاف و447 وحدة طبية متنقلة إلى جانب إمداد 123 قرية بالكهرباء وإنشاء 103 روابط كهربائية عمومية و632 ربطاً كهربائياً فردياً.