Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يؤثر ممر "الهند – أوروبا" الاقتصادي في قناة السويس؟

عقب إعلان قادة الـ20 عن مبادرة إنشائه ضجت مواقع التواصل في مصر بالحديث عن مؤامرة بينما تسعى الحكومة إلى طمأنتهم حيال وضعية القناة

المواقف الرسمية المصرية نفت تأثير الممر الاقتصادي الجديد في قناة السويس (اندبندنت عربية)

ملخص

هل ستظل قناة السويس محورية لحركة الملاحة والتجارة في منطقة الشرق الأوسط؟

عندما وقعت حادثة جنوح سفينة الحاويات "إيفرغيفن" في مارس (آذار) 2021 التي أسفرت عن توقف حركة الملاحة البحرية في قناة السويس لأيام عدة، كانت نظريات المؤامرة تحاك على بعد آلاف الأميال من مكان السفينة، وليس داخلياً فقط.

بطبيعة الحال، تصور كثيرون في مصر أن الأزمة مدبرة حتى يتم غلق قناة السويس في "إطار أحد مخططات استهداف مصر"، لكن ما كان مثيراً للانتباه هو ما يحدث في الولايات المتحدة، حيث ربط بعضهم بين اسم الشركة "إيفرغرين" ووزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون نظراً إلى أن جهاز الخدمة السرية الخاص بها كان يحمل الاسم نفسه، ومن ثم روج بعض منظري المؤامرة للحادثة على أنها غطاء لعمليات إتجار بالبشر والجنس تديرها الوزيرة السابقة وأعضاء آخرون من "الدولة العميقة".

في الغالب كانت جماعة "كيو أنون" المتطرفة التي تدعم الرئيس السابق دونالد ترمب تقف وراء ترويج هذا الزعم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وفسرت نداء الاستغاثة للسفينة (H3RC) بأنه الأحرف الأولى من هيلاري رودهام كلينتون.

كما اتخذت نظرية المؤامرة أبعاداً اقتصادية، فبينما يختصر السفر عبر قناة السويس نحو 3500 ميل بحري أي نحو تسعة أيام من زمن رحلة السفينة إذا اتخذت الطريق القديم عبر أفريقيا "رأس الرجاء الصالح"، فإن بعضهم اعتقد بأن الحادثة مدبرة من قبل منتجي الوقود وحاويات البضائع لتعزيز أسهمهم، وعززت هذه النظرية زيادة الأسعار المدفوعة بتعطل حركة القناة التي يمر أكثر من 12 في المئة من إجمالي التجارة العالمية عبرها والتي انخفضت مجدداً عقب تحرير "إيفرغرين" وعودة الحركة لطبيعتها في القناة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لم تختفِ قط نظريات المؤامرة عن العقل البشري، لا سيما في أوقات الأزمات، فمع إعلان قادة العالم في التاسع من سبتمبر (أيلول) الجاري عن خطط لإنشاء ممر للسكك الحديدية والشحن يمتد من الهند عبر شبه الجزيرة العربية إلى إسرائيل، أثير الجدل حول تأثير المشروع في قناة السويس، وذهب كثيرون على وسائل التواصل الاجتماعي في مصر إلى إبداء آرائهم في شأن المشروع وتفسيره في إطار نظرية مؤامرة جديدة لإطاحة قناة السويس وتأسيس بديل عنها يتمثل في ذلك "الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا"، وهي المبادرة التي تم الكشف عنها خلال قمة "مجموعة الـ20" في نيودلهي كوسيلة لتسهيل التجارة ونقل الطاقة فضلاً عن تحسين الاتصال الرقمي.

وفق أستاذ علم النفس لدى جامعة "ويك فورست" في الولايات المتحدة جون بيتروسيلي، فإن الأبحاث النفسية تشير إلى أن الناس تميل إلى التعامل مع الأحداث الاستثنائية من خلال تخيل بدائل للواقع وافتراض أن النتائج الاستثنائية ترتبط بأسباب استثنائية، ويتعلق ذلك باندفاع كثيرين في المنطقة العربية إلى تفسير الأخطار أو التهديدات المحتملة باعتبارها حدثاً استثنائياً يقف وراءه مخطط استثنائي، وهو ما لجأ إليه كثيرون في تعليقاتهم على مشروع الممر الاقتصادي الجديد الذي روجت له الإدارة الأميركية وتشترك فيه إسرائيل، مما غذى فكر المؤامرة.

بين أولئك القلقين من تأثير المشروع في مكانة قناة السويس ووارداتها أو أولئك "الشامتين من أعداء الوطن" بحسب وصف بعضهم لهم في الداخل، انتشرت التدوينات والمنشورات التي تسرد كيف ستتأثر قناة السويس وأخرى تدعو إلى حماية "المحروسة".

"اندبندنت عربية" استطلعت آراء المراقبين في واشنطن والقاهرة لتفسير أسباب اندفاع المصريين وغيرهم للإشارة إلى مشروع لم تتضح تفاصيله باعتباره مؤامرة أو تهديداً محتملاً وشيكاً، والتعرف إلى آفاق المشروع والغرض منه.

قلق مشروع

في حديثه قال الزميل لدى "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" هيثم حسنين إن ذلك الجدل أو اللجوء إلى نظرية المؤامرة يعكس الخوف الذي يتملك الشعب المصري على مكانة بلاده الإقليمية، لا سيما بعد التطورات التي شهدتها المنطقة خلال الأعوام الأخيرة والتي لم تكن القاهرة عنصراً رائداً فيها عكس ما كان يحدث سابقاً قبل عقدين، إذ أصبح "المواطن المصري ينظر بريبة إلى تداعيات ذلك على مكانة بلاده الاقتصادية والسياسية، ويفسر الأمور بطريقة تآمرية أحياناً، بخاصة إذا كانت إسرائيل طرفاً في المشروع"، مضيفاً "الأمر يعكس حال اللاوعي الجمعي لدى المصريين بعيداً من طبيعة العلاقات المصرية- الإسرائيلية التي وصلت إلى أعلى مستوياتها في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي مقارنة بالحكومات السابقة".

 

 

المواقف الرسمية المصرية نفت تأثير الممر الاقتصادي الجديد في قناة السويس، إذ إن وزير النقل المصري كامل الوزير قال ضمن تصريحات تلفزيونية الأربعاء الماضي إن "قناة السويس لن يكون لها بديل على الإطلاق"، مضيفاً "القناة هي الممر الملاحي الأول في العالم الذي ينقل من 10 إلى 12 في المئة، وتقديرات أخرى تشير إلى 15 - 18 في المئة من التجارة العالمية، وبالنظر إلى نمو حركة التجارة الدولية فإن أية طرق جديدة لن تؤثر كثيراً في حركتها".

وكان رئيس هيئة قناة السويس والهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية للقناة أسامة الربيع أكد أنه لا يمكن منافسة أو مقارنة الممر الاقتصادي بقناة السويس، وأضاف أن "هناك أولوية لقناة السويس من حيث الكلفة الاقتصادية والسرعة في نقل البضائع، فالممر البديل لنقل البضائع لن يأخذ من القناة إلا نسبة قليلة لا تتعدى 0.1 في المئة".

المعادلة ليست صفرية

ويقول حسنين إن "الموضوع ليس بالمعادلة الصفرية"، ليتفق معه نائب الرئيس التنفيذي الأول لشبكة "القيادة عبر الأطلسي" في واشنطن ساشا توبيريتش الذي رأى في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن قناة السويس ستبقى الخيار المفضل من الناحية الاقتصادية.

ويتفق المراقبون على الهدف الجيوسياسي للمبادرة أكثر منه الاقتصادي، فيعتقد توبيريتش بأن هناك سببين مهيمنين في اتخاذ القرار الخاص بهذا الممر وهما تحدي مبادرة "الحزام والطريق" الصينية وتعزيز الاستقرار والتعاون، وكذلك المساعدة في تنويع الاقتصادات في الشرق الأوسط.

وحققت قناة السويس إيرادات قياسية خلال السنة المالية 2022-2023 بلغت 9.4 مليار دولار مقارنة بـ7 مليارات في السنة المالية السابقة، وأقل من 5 مليارات دولار قبل مشروع توسعة القناة الذي مضت عليه ثمانية أعوام، على رغم أن العائدات لم تبلغ بعد الحجم المأمول من مشروع التوسعة الذي كان يستهدف إيرادات سنوية تتجاوز 11 في المئة زيادة وتمثل القناة أحد مصادر الدخل الخمسة الرئيسة للعملات الأجنبية في مصر.

واقع جديد

مبادرة الطريق الاقتصادي الجديد ليست الوحيدة التي تثير قلق المصريين في شأن مصير قناة السويس، فهناك طرق عدة قديمة وحديثة تنافس القناة المصرية، و"عدد من المتغيرات والتطورات على الساحتين السياسية والاقتصادية العالمية باتت تفرض نفسها كواقع جديد يتطلب الاستجابة الفاعلة، والتنافس الدولي حتم على جميع الدول الاستعداد والاستجابة لتلك المتغيرات من أجل البقاء والاستمرار، وأصبحت المخططات السياسية للدول تسعى في جوهرها إلى خدمة الأهداف والمصالح الاقتصادية بالطرق والأساليب شتى"، بحسب أستاذ الاقتصاد لدى الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري أيمن النحراوي.

وسرد النحراوي ضمن مقالة حديثة في جريدة "الشروق" المصرية، القنوات والطرق التي تنافس قناة السويس شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، فهناك طريق رأس الرجاء الصالح بالدوران حول أفريقيا وقناة بنما والمشاريع المختلفة للنقل الدولي المتعدد الوسائط على مستوى العالم التي هي في معظمها مشاريع منافسة لقناة السويس مثل "الخط العملاق للنقل بالسكك الحديدية السيبيرية من فلاديفوستوك إلى موسكو ومنها إلى شرق أوروبا ووسطها وتفرعاته من وإلى الصين ووسط آسيا وصولاً إلى إيران وتركيا اللتين تخططان أيضاً للاستفادة منه. والمشروع العملاق لإحياء طريق الحرير الصيني يتضمن جانبين، أحدهما إيجابي من الممكن أن تستفيد منه قناة السويس والموانئ البحرية المصرية، والآخر سلبي يمكن أن يؤثر في قناة السويس مع امتداد المشروع عبر إيران وتركيا والعراق وسوريا إلى البحر المتوسط. وبعيداً في أقصى الشمال مشروع الطريق البحري للسفن عبر القطب الشمالي الذي يعمل بالفعل وتستخدمه السفن الروسية والصينية والنرويجية وغيرها في نقل البضائع بمختلف أنواعها، وهو طريق منافس بدرجة ما لقناة السويس حتى إن لم يتضح تأثيره الكامل في الوقت الراهن".

وفقاً لبعض التقديرات التي نشرتها الصحافة الهندية، يمكن أن تصل البضائع إلى أوروبا من مومباي باستخدام الطريق الاقتصادي الجديد أسرع بنسبة 40 في المئة من قناة السويس مع خفض الكلفة بنسبة 30 في المئة، مع ذلك يتحدث المراقبون عن التحديات، فيرى معهد "تشاثام هاوس" في لندن أن هذه الأرقام مبالغ فيها للغاية، نظراً إلى كلف التحميل والتفريغ المتضمنة والوقت في كل ميناء على طول الطريق، إضافة إلى رسوم العبور المستقبلية.

المزيد من تقارير