ملخص
السؤال المطروح في مصر هو عن مدى تأثير هذه المشاريع في دور قناة السويس.
عام 1993 كتب آرون فريلدبيرغ أن "آسيا تبدو أكثر من أوروبا كمسرح لصراع القوى الكبرى، وماضي أوروبا هو مستقبل آسيا". كان يفكر طبعاً بالصراع المقبل بين أميركا والصين. ولم يكن يتوقع أمرين، أولهما أن تبدأ روسيا في أوكرانيا وقبلها حرب الانتقام لروسيا القيصرية والاتحاد السوفياتي من الغرب. وثانيهما أن تتمكن 10 دول في شرق آسيا من تأسيس منظمة "آسيان" ويصبح دخلها ثلاثة تريليونات دولار، وتفرض على الكبار احترامها وهي ضعيفة عسكرياً.
اليوم تبدو دول آسيا المشغولة بحدة الصراع الأميركي- الصيني قادرة في الوقت نفسه على الاشتغال بمهام التنمية البشرية المستدامة، بحيث تنطلق منها ثلاثة مشاريع عملاقة في مرحلة جديدة متطورة من العولمة. فالعولمة ليست بلا تاريخ. والقارات كانت مرتبطة بوسائل نقل، ولو بطيئة، في إطار تبادل الحضارات والبضائع وما تسمى اليوم "سلاسل التوريد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الصين تذكرت "طريق الحرير" القديم، وهي تطلق مشروع "حزام وطريق". والهند تذكرت "طريق البهار" القديم قبل التوصل في قمة "الـ20" في نيودلهي إلى مذكرة تفاهم على مشروع "الممرات الخضر". والعراق كان في ذاكرته رحلتان تجاريتان قبل الإسلام "رحلة الشتاء ورحلة الصيف" لنقل البضائع بين الجزيرة العربية وسوريا وما بعدها، وسكة حديد الحجاز من دمشق إلى الحجاز مروراً بالعقبة أيام السلطة العثمانية، قبل أن يطرح مشروع "طريق التنمية" من شط العرب إلى الحدود العراقية - التركية ثم أوروبا.
"حزام وطريق" مشروع صيني كامل بدأ قبل 10 سنين برأسمال قدره تريليون دولار، وشمل بلداناً عدة في آسيا وأوروبا وأفريقيا تحتاج إلى إعادة بناء البنية التحتية: مرافىء وسكك حديد وطرق. "الممرات الخضر" مشروع متعدد الجنسيات كلفته 500 مليار دولار كما قال الرئيس الأميركي جو بايدن. والبلدان التي وقعت "مذكرة التفاهم" عليه هي الهند، وأميركا، والسعودية، والإمارات العربية، وفرنسا، وألمانيا، واليونان، وقبرص، فضلاً عن الاتحاد الأوروبي وله، على الخريطة، ممران: شرقي يربط الهند بالخليج، وشمالي يربط الخليج بأوروبا. أما البلدان التي لن يمر فيها فهي لبنان ومصر وتركيا، حيث مرفأ حيفا محل مرفأ بيروت، وميناء بيريوس اليوناني مكان بورسعيد أو الإسكندرية، ومكان الموانئ التركية.
بيروت أساساً خسرت دورها القديم، لكن التحول عن تركيا ومصر يعبر عن هدف جيوسياسي. والهم الكبير لأميركا هو "دمج إسرائيل في المنطقة"، بحيث يقول مستشار الأمن القومي جايك سوليفان "إن الممر سيعمل بشكل أفضل إذا كانت إسرائيل داخله لا خارجه". ولا إجماع حتى الآن على دور إسرائيل.
أما "طريق التنمية" الذي تقترحه بغداد، فإنه لا يزال فكرة تحتاج إلى خريطة طريق وتمويل، وسنوات من العمل على طرق وسكك حديد، وخلاص الدور الإيراني من العقوبات الأميركية والأوروبية، لكنه مشروع حيوي ومهم بحيث يصبح للخليج أكثر من ممر إلى أوروبا ومنها.
والسؤال المطروح في مصر هو عن مدى تأثير هذه المشاريع في دور قناة السويس. ورد الفعل التركي جاء كالعادة غاضباً حين عاد الرئيس رجب طيب أردوغان إلى التهديد بالاستغناء عن أوروبا، لكن الصراع الجيوسياسي ليس الوجه الوحيد وراء هذه المشاريع. فالوجه الآخر والأهم هو التنافس المفيد للتنمية ولكل البلدان التي على الطريق. أليس ما يخفف من أهوال العسكرة والصراعات الجيوسياسية في العالم هو الالتفات إلى تطوير المجتمعات وتحسين البنية التحتية ونشر التكنولوجيا وممارسة حوار الحضارات؟ أليس هذا، وقبله الحرية، ما شغل كل أبحاث المفكر الهندي آمارتياسن الذي رأى أن "المجاعات الإمبريالية ناتجة من خيارات سياسية في التوزيع، لا من نقص الغذاء".
سئل كمال نات الذي عمل وزيراً للتجارة والصناعة في الهند عن السباق مع الصين، فأجاب بالقول "الصين يمكن أن تربح سباقاً قصيراً، لكن الهند ستربح الماراثون". والماراثون طويل.