Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يواصل بعضهم بيع مواد انتحارية للشبان عبر الإنترنت؟

في إطار "الأسبوع الوطني لمنع الانتحار" في المملكة المتحدة يتحدث ديفيد بارفيت عن وفاة ابنه طوم عام 2021 بسبب سم اشتراه من موقع إلكتروني كندي

 طوم بارفيت الذي انتحر عام 2021 بعد شراء مواد سامة عبر الإنترنت (ديفيد بارفيت)

ملخص

في إطار "الأسبوع الوطني لمنع الانتحار" في المملكة المتحدة يتحدث ديفيد بارفيت عن وفاة ابنه طوم عام 2021 بسبب سم اشتراه من موقع إلكتروني كندي: لماذا يواصل بعضهم بيع مواد انتحارية للشبان عبر الإنترنت؟

كان يفترض أن يحتفل ديفيد بارفيت اليوم بالذكرى الـ 24 لميلاد ابنه البكر، لكنه على عكس ذلك يقوم بزيارة لمحرقة جثث في بلدة أمرشام في إنجلترا حيث دفن طوم.

هذا التقليد الكئيب اتبعه الأب على مدى عامين منذ أن اشترى ابنه جرعة مميتة من السم عبر الإنترنت من موقع إلكتروني على الشبكة، له صلات مزعومة بكينيث لو، وهو طاه سابق في فندق من خمس نجوم في مدينة تورونتو الكندية، تحول إلى ممول مشتبه فيه للمواد السامة القاتلة، ويعتقد أن هذه المواد لعبت دوراً في القرار المأسوي الذي اتخذه طالب الفلسفة الواعد بوضع حد لحياته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتعد حال طوم من بين 88 حالة وفاة أبلغ عنها في المملكة المتحدة، وربطها تحقيق أجرته "الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة"   National Crime Agency (NCA) الشهر الماضي بالمدعو كينيث لو.

ويواجه لو المعتقل في الوقت الراهن في كندا 14 تهمة تتعلق بتقديم مشورة لأفراد ومساعدتهم في الانتحار، وأفادت الشرطة بأن ضحاياه المزعومين في كندا، مثل طوم، هم أفراد تتفاوت أعمارهم ما بين 16 و36 سنة، وهم شبان ضعفاء لجأوا إلى الإنترنت خلال لحظاتهم الأكثر يأساً. ومن المؤسف أنه بدلاً من العثور على الدعم الذي يحتاجونه تم تزويدهم بالوسائل اللازمة لاتخاذ قرار لا رجعة فيه، كما ذكرت الشرطة.

ويعبر ديفيد بارفيت عن حزنه العميق قائلاً "إنها خسارة مأسوية ومن غير المقبول أخلاقياً أن يتم جر الشبان في هذا العمر إلى الانخراط في مثل هذه البيئة المدمرة".

ويعتقد أن كينيث لو قام بتوزيع أكثر من 1200 عبوة من المواد السامة (نمتنع عن ذكر اسمها لاعتبارات أخلاقية) على أفراد في نحو 40 دولة مختلفة، بما في ذلك الولايات المتحدة ونيوزيلندا والنمسا وإيطاليا، وتجري جميع الدول تحقيقاتها الخاصة في هذا الشأن.

ويأتي قرار "الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة" إجراء تحقيق معه بعد التأكد من أن السلطات الكندية لن تدرج أية أدلة خارجية في محاكماتها، ويرى ديفيد بارفيت أن هذا يشكل تطوراً إيجابياً في بعض النواحي، قائلاً إن "من المشجع حقاً أننا سنحصل أخيراً على الموارد اللازمة للتحقيق في هذه القضية التي كنا نفتقر إليها خلال العامين الأخيرين، ومع ذلك نشعر أيضاً بكثير من الأسى، إذ كانت هناك بالتأكيد فرص ضائعة لإجراء تحقيقات سابقة في وقت باكر، ربما كانت قد حالت دون وقوع بعض تلك الوفيات".

الطباخ الكندي (57 سنة) والذي اتصلت "اندبندنت" بممثليه القانونيين، كان محور تحقيق أجرته صحيفة "ذا تايمز" في وقت سابق من هذا العام عندما زُعم أنه أخبر أحد الصحافيين المتخفين الذي تظاهر بأنه أحد المشترين الانتحاريين، بأنه كان يقوم "بعمل الرب".

وفي حين بدا أن دوافعه الأولية كانت تتمحور حول دعم حق الأفراد في اختيار القرارات المتعلقة بإنهاء حياتهم، مؤكداً لعملائه أن تلك الدوافع كانت مرتبطة بالتراجع البطيء لصحة والدته (التي لا يمكن التحقق من ظروفها)، فمن المعتقد الآن أن الجشع هو المحرك الرئيس لأفعاله، إلى جانب الاشتباه في أن كينيث يستغل الأشخاص خلال أصعب الأوقات التي يمرون بها كي يكسب لقمة عيشه.

وعندما تمت مواجهته خارج مكتب بريد تورونتو حين شوهد وهو يسلم طروداً عدة، أكد لو الذي أعلن إفلاسه في وقت لاحق، "أنا لا أقدم المساعدة لأحد، أنا فقط أبيع سلعة".

لكن ديفيد بارفيت لا يقبل بهذه الحجة ولديه وجهة نظر مختلفة، بحيث شبه مثل هذه المواقع بـ "سلاح خطر" موجه ضد أفراد مثل نجله طوم الذي يقول إن حياته المأسوية قُيمت على نحو مروع بما يعادل تقريباً جرعة قاتلة من السم كانت كلفتها مجرد "40 جنيهاً استرلينياً (50 دولاراً أميركياً)".

والمواد الكيماوية الخطرة متاحة بسهولة للشراء عبر الإنترنت مما يتسبب بمشكلة عالمية خطرة ومثيرة للقلق، ووفقاً لبارفيت، وهو مدير بيانات في أحد المسارح، فإن ذلك "يمثل مشكلة هائلة تشبه القتل الرحيم غير المنظم الذي يحدث على نحو عشوائي وعلني، ويقوم بتنظيمها أفراد يروجون بنشاط لإيذاء أنفس الناس من خلال تشجيعهم على الانتحار، ثم يزودونهم بمجموعة من الوسائل التي تساعدهم في ذلك".

كان طوم في مثل هذا الوقت قبل عامين قد بدأ للتو سنته الثانية في "جامعة سانت أندرو"، وهو ما اعتبرته أسرته خطوة تبعث على الأمل ومؤشراً إيجابياً على سلامته العقلية، وقد تكشفت معاناته في ذلك الحين تدريجاً كما يتذكر والده بعدما غادر طوم، الذي كان يعاني مرض التوحد، الجامعة طلباً للمساعدة من والديه (المطلقين)، وقسم وقته بين منزليهما في لندن وميدينهيد في مقاطعة ساري.

وصف له الأطباء مضادات الاكتئاب، التي إضافة إلى الوقت المستقطع من الجامعة وشغفه الحقيقي بدراسته، جعلته "يتطلع بصبر نافد إلى العودة".

في البداية بدا أنه ليست لديه أي مخاوف، لكن عندما عاد "تغيرت نظرته بسرعة لأنه وجد صعوبات بالغة في التركيز"، وخلال الأسابيع التي سبقت وفاته كان يناقش بصراحة سلامته العقلية مع عائلته وأبلغ الجامعة بأفكاره الانتحارية، لكن في عيد ميلاده الـ 22 في سبتمبر (أيلول) عام 2021، تم عزله لتلقي الرعاية النفسية "مما أثار في نفسه كثيراً من الخوف"، كما يتذكر ديفيد بارفيت (55 سنة).

بات الوالد الآن يدرك حقيقة ما حصل، وفي الواقع فمن خلال تتبع آثار طوم على شبكة الإنترنت في أعقاب وفاته أصبح بارفيت على دراية بعدد الأشخاص الذين يناقشون علناً مشاعرهم الدفينة باليأس والإحباط عبر الإنترنت، ويقدمون تعليمات حول طريقة التصرف حيالها مع غرباء، ويقول في هذا الإطار "لم تكن لدي أية فكرة عن وجود مثل تلك المنتديات، وكنت في الحقيقة ساذجاً للغاية، فقد افترضت أنه لن يكون ممكناً العثور على موارد عبر الإنترنت ترشد إلى طريقة وضع حد لحياتك، وأدركت أن تلك المنصات ليست موجودة وحسب، بل تدار من أشخاص يشجعون الآخرين بنشاط على الانتحار، ويبدو أنهم يجدون متعة في ذلك، ولن نتسامح أبداً مع حدوث شيء كهذا في شوارعنا الرئيسة، لكن بما أن ذلك يحدث على الإنترنت فيبدو أننا عاجزون عن القيام بشيء في الواقع ومعالجته بصورة فعالة".

ويشير في هذا الإطار إلى الشابة نيها راجو ابنة الـ 23 سنة التي يزعم أنها طلبت المواد السامة من كينيث لو عبر الإنترنت، وعثر عليها جثة هامدة في منزلها في غيلدفورد بمقاطعة ساري بعد أشهر قليلة من العثور على طوم، ومع ذلك يعتقد ديفيد بارفيت أن شرطة ساري لم تتمكن من ربط الأدلة والخيوط المشتركة بين هاتين القضيتين، والتحقق من وجود نمط لتلك الوفيات.

(وفي ما يتعلق بالأمر يقول نائب مدير "الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة" كريغ تورنر "إننا نشعر بالتعاطف العميق مع أحباء الذين فقدوا حياتهم ونقدم لهم الدعم من خلال فرق مدربة في وحدات الشرطة).

ويرى بارفيت أن الإخفاقات المؤسسية من هذا النوع كثيرة، ويعتقد أنه سيكون هناك حتماً مزيد من الوفيات الـ 120 المرتبطة في الوقت الراهن بالقانون، مضيفاً "إنني مندهش فقط من أننا كمجتمع نعرف أن هذا الأمر يحدث، لكننا لا نفعل شيئاً لوقفه".

يشار هنا إلى أن القانون يعاقب على جرم المساعدة في الانتحار بالسجن مدة تصل إلى 14 عاماً في كل من المملكة المتحدة وكندا، مما يعني بالنسبة إلى كينيث لو أنه إذا دين بتهم عدة فقد يقضي بقية حياته خلف القضبان.

وأعرب بارفيت عن سروره بمحاكمة لو آملاً في أن يُحكم عليه بالسجن، ومع ذلك فإن اهتمامه انصب على حض الشرطة على تخصيص الموارد اللازمة لحظر المواقع الخطرة والقبض على الأفراد الذين يعتبرون بيع المواد الكيماوية السامة مصدراً ثانوياً للدخل، وهو يعتقد أن مشروع قانون السلامة على الإنترنت الذي كثيراً ما يؤتى على ذكره (لكن لم يصبح تشريعاً بعد)، ليس هو الحل النهائي الذي يصر البرلمانيون على أنه كذلك، إذ إن نطاقه المحدود يسلط الضوء على نحو أكبر على أن "إطارنا التنظيمي هو غير مناسب للغرض المنشود، والمهمة التي أمامنا".

ولا يساعد هذا التراخي كثيراً الأسر المنكوبة بالفعل في التعافي من خسارتها شبانها، ولا يزال بارفيت يجد صعوبة في التعبير عن وضعه الآن، ويشير إلى أنه "إذا فقد أحد زوجته فإنه يعد أرملاً، لكن لا توجد طريقة لوصف معاناة شخص فقد ابنه".

ويقول إن هناك دائماً ما يذكره بالفراغ الذي تركه غياب طوم، خصوصاً مع استقبال ابنه الأصغر طفلاً رضيعاً في الأسرة قبل 11 شهراً كان طوم يود أن يصبح عماً له، إضافة إلى كلب جديد من نوع "سبانييل" Spaniel كان سيفرح به ابنه البكر الراحل، خصوصاً أنه كان لديه شغف كبير بالكلاب.

ويقول بارفيت إن افتقاده لمثل هذه اللحظات ولعيد ميلاده وفرصة إكمال دراسته وإثبات نفسه وإيجاد مكانة له في العالم يظل يشكل "حزناً عميقاً في نفسه، لأن حياته كانت كلها أمامه".

وإضافة إلى غضبه بسبب فشل القوانين التي كان من المفترض أن تحمي طوم، يقر بارفيت بأن محنته تحولت إلى إحباط داخلي، فهو لا يكف عن التفكير في ما إذا كان من الممكن أن يكون ابنه لا يزال على قيد الحياة لو استطاع التصرف على نحو مختلف، مضيفاً "إنه تفكير نحمله في داخلنا ويراودنا كل يوم، ولا يسعك إلا أن تجد نفسك تتساءل عما إذا كان هناك ثمة شيء كان يمكن القيام به على نحو مختلف أو طريقة لدعمه بصورة أفضل والحؤول دون وقوع هذه المأساة".

ويرى بارفيت أنه كانت هناك كثير من الفرص للتدخل، لكن السهولة التي تمكن من خلالها ابنه من الوصول إلى المواد السامة عبر الإنترنت قضت على أي فرصة لمثل تلك التدخلات، ويختم "أنا متأكد تماماً من أنه لو لم يكن أشخاص مثل كينيث لو موجودين لكان طوم لا يزال بيننا".

إذا كنت تعاني من أي ضيق، أو تصارع من أجل التأقلم مع ظروفك، يمكنك التحدث بثقة مع جمعية "السامريين" البريطانية Samaritans، عبر الاتصال على الرقم116 123  (في المملكة المتحدة أو في جمهورية إيرلندا)، أو التواصل عبر البريد الإلكتروني [email protected]، أو زيارة موقع Samaritans الإلكتروني، للبحث عن أقرب فرع إليك. وإذا كنت مقيماً في الولايات المتحدة الأميركية، وتحتاج أنت أو أي شخص تعرفه لمساعدة في مجال الصحة العقلية الآن، فيُرجى الاتصال بخط المساعدة الوطني المخصص لدعم الأفراد على تفادي الانتحار وهو: 1-800-273-TALK (8255). إنه خطٌ ساخن مجاني وسري للأزمات، وهو مُتاح للجميع على مدار الساعة طيلة أيام الأسبوع. وإذا كنت في دولة أخرى، فيمكنك زيارة الموقع www.befrienders.org للعثور على خط مساعدة قريب منك.

© The Independent

المزيد من متابعات