Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مسألة دعم أوكرانيا قد تطيح وحدة الاتحاد الأوروبي

الانقسامات بدأت تدب بين الدول التي تبدي استعدادها لتقديم العون بعد وحدة نادرة

يعتقد  الأوكرانيون أنهم أثبتوا مؤهلات بلادهم في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي  (رويترز)

ملخص

هناك احتمال أن تظهر انشقاقات إلى العلن بين الدول الأوروبية بسبب اختلاف مقارباتها لطريقة إدارة الحرب مع روسيا

ربما كنت على خطأ، لكنني لطالما اعتبرت أورسولا فون دير لاين شخصاً ينتهج سياسة واقعية وبعيدة من التكلف، بشكل يشبه [المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا] ميركل. لكن هذا الأسبوع، قامت فون دير لاين، بتحدي تلك الصورة من خلال توجيه كلمة هي الخامسة وربما الأخيرة لها عن "حال الاتحاد" (الأوروبي)، بشكل غير اعتيادي عالي النبرة مستخدمة مصطلحات مستقبلية.

وشمل خطابها عدداً من القضايا المختلفة، وكان منظماً وخطاباً جيداً ولكنه حمل قليلاً للأسف عن حقبة "حال الاتحاد" ما بعد خروج المملكة المتحدة. وكان أحد أبرز العناوين التي تطرقت إليها وكيف يمكن تجاهلها متعلقاً بأوكرانيا ومكانها في أوروبا؟ "التاريخ" كما قالت، "يدعونا اليوم إلى العمل على الانتهاء من تشكيل اتحادنا"، وهي قامت بالتموضع بشكل لا لبس فيه إلى جانب تأييد عملية توسعة الاتحاد الأوروبي، ليضم دولة مولدوفا ودول البلقان الغربية، إضافة إلى أوكرانيا طبعاً.

إن الحرب التي مر على بدايتها حتى الآن 18 شهراً، هي أحد الأسباب التي جعلت خطاب فون دير لاين منتظراً بشدة. وبما أن الخطاب هذا يأتي في السنة الخامسة لتوليها منصبها، تمنى بعضهم أن يحمل بعض الإشارات إلى ما يمكن أن يدلل على سعيها إلى الترشح لولاية ثانية (وهو أمر غير واضح). لكن رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي قد قامت بالفعل بالإعلان عن التزامها مسألة توسعة الاتحاد، من خلال هذا المنطق.

وفي إشارة واضحة إلى روسيا وربما إلى الصين أيضاً، قالت فون دير لاين في خطابها: "في عالم حيث يسعى بعضهم إلى السيطرة على بعض الدول الواحدة تلو الأخرى، لا يمكننا أن نتخلى عن جيراننا الأوروبيين"، مضيفة "في عالم حيث تكون للحجم والوزن أهمية، فإنه يصب في مصالح أوروبا وأمنها الاستراتيجي إكمال عملية بناء الاتحاد".

لم يكن الوضع بهذا الشكل سابقاً. فبعد عمليات التوسعة الكبيرة التي جرت عامي 2004 و2007 والتي شهدت ضم معظم دول الكتلة الشرقية إلى الاتحاد الأوروبي، لم تكن هناك أي شهية إلى القيام بتوسعة إضافية للاتحاد، مع اعتبار بعضهم أنه جرى تسريع عضوية بلغاريا ورومانيا لأسباب سياسية، قبل أن تكونا جاهزتين للانضمام. منذ تلك الفترة إلى يومنا هذا، وحدها دولة كرواتيا نجحت في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي (عام 2013).

وبسبب كل ذلك، يمكن أن يقال إن توسعة الاتحاد الأوروبي هي على رغم كل ذلك، غيرت التاريخ في الأقل بطريقيتن كبيرتين. إن التوسعة وحق حرية الحركة الذي نتج منها، كانا على أقل تقدير، عاملين مساعدين في تصويت المملكة المتحدة للخروج من الاتحاد. والضغوط، بشكل خاص، من جانب بولندا، لإضافة أوكرانيا إلى طابور قائمة الدول المرشحة، هو حلقة مبكرة في سلسلة الأحداث التي أدت إلى النزاع اليوم.

عام 2013، قدم الاتحاد الأوروبي إلى أوكرانيا ما يمكن تسميته "اتفاق شراكة"، وهو مصطلح ومفهوم، صمم كجزرة دبلوماسية. بالنسبة إلى بعضهم، مثل دولتي بولندا والسويد، كان ينظر إلى تلك الشراكة على أنها خطوة على طريق العضوية، أما بالنسبة إلى الآخرين، فكان ينظر إلى مسألة الشراكة على أنها بديل دائم أو طريقة لإبقاء أوكرانيا (وربما دول أخرى) خارج الاتحاد. 

في كل الأحوال، تعرض الرئيس الأوكراني آنذاك، فيكتور يانوكوفيتش، لضغوط قوية للغاية للتوقيع [على اتفاق الشراكة]، مع اعتقاد الولايات المتحدة بأن ذلك كان طريقة لربط أوكرانيا بالغرب والعمل على الضغط من الأطراف بحماسة. وعندما رفض يانوكوفيتش الأمر في اللحظة الأخيرة، بسبب الضغوط التي مارستها موسكو عليه، أدى ذلك إلى ما بات يعرف بـ"انتفاضة الميدان". وهرب يانوكوفيتش، وثارت أجزاء من شرق أوكرانيا ضد حكومة كييف، وقامت روسيا بضم شبه جزيرة القرم.

لكن أحد العوامل الأساسية في انتفاضة "الميدان" التي كانت وثيقة الصلة بالقضية تماماً كما هي اليوم، كانت عملية رفع العلم الأوروبي بحماسة قوية من قبل الشباب الأوكراني في ساحة الاستقلال في العاصمة الأوكرانية كييف. ومنذ ذلك الوقت، أصبح النزاع بين أوكرانيا وروسيا – كان مقتصراً في الأول على نطاق الشرق الأوكراني منذ 2014، وبعدها بشكل حرب شاملة منذ اجتياح روسيا لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022 – مرتبطاً ليس فقط بالعلم الأوكراني ولونه الأزرق والأصفر الواسع الانتشار اليوم، ولكن أيضاً من خلال علم الاتحاد الأوروبي أيضاً، الذي، ومن خلال الصدفة البحتة، يتشارك الألوان نفسها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتماماً كما كان عليه الوضع مع احتجاجات الشباب في ساحة "الميدان" عام 2014، تقدم حكومة كييف اليوم الحرب ضد روسيا ليس فقط على أنها حرب أوكرانية- روسية، بل أيضاً على أنها نزاع بين الغرب والشرق، أو بين أوروبا وآسيا، وحيث النزاع يقوم بين ما هو متحضر وما هو بربري. ولقد جاء الرد الأوروبي على الاجتياح الروسي وعلى غير المعتاد بوحدة وثبات، إذ إنه لم يكن نظرياً فقط، ولكنه تضمن تحويلات كبيرة على الصعيدين المالي والمساعدات العسكرية، وتضمن أيضاً إعادة توجيه كامل للاقتصاد الألماني، إضافة إلى الترتيبات الخاصة لما أصبح لاحقاً ملايين اللاجئين. وكان فقط منطقياً، أن يطالب الرئيس الأوكراني بأن يصار إلى ضم أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، وأن يقوم الاتحاد بمنحها صفة الدولة المرشحة.

ومع ذلك، فإن حصول دولة ما على وضع مرشح بهذه السرعة، على أسس أخلاقية وسياسية بالتأكيد، قبل أن تقترب من الوفاء بكل متطلبات العضوية القانونية والاقتصادية، كان أمراً غير عادي إلى درجة كبيرة، وربما يهدد باستياءات مستقبلية، إذا لم تنجح عملية الانضمام في المحافظة على وتيرتها المتسارعة. 

ويمكننا ربما أن نضيف، بأن تزاحم الأوكرانيين في ساحة الميدان وثورتهم على ما اعتبروه رفض الرئيس يانوكوفيتش لـ"اتفاق الشراكة"، كانا قد عكسا تصوراً عن الاتحاد الأوروبي بأنه منبع لمستويات معيشية مرتفعة وعدالة نزيهة ونزاهة مؤسساتية، والذي من شأنه أن يتوافر مباشرة لأي دولة تنضم إلى الاتحاد الأوروبي، وهو ما قد لا يكون متوافقاً مع الواقع.

ليس من الواضح إذا ما قامت أوكرانيا بتطوير أي أفكار واقعية بخصوص العضوية في الاتحاد الأوروبي منذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا. وفيما أن الفجوة بين أوكرانيا وبقية الدول الأوروبية ربما قد ضاقت في بعض النواحي، مثل [التزام] الديمقراطية، الا أنها قد اتسعت في نواحٍ أخرى. ويظهر أيضاً أن هناك اعتقاداً واسع الانتشار بين الأوكرانيين، بأنه ومن خلال دفاعهم عن الحضارة الأوروبية - كما يرونها هم - بقوة السلاح، فقد أثبتوا مؤهلات بلادهم في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ويستحقون أن تسرع عملية انضمامهم مباشرة بعد انتهاء الحرب.

ولا بد من أن نعترف هنا لفون دير لاين لأنها قد حذرت في خطابها من أنه لن يكون هناك طريق معبد بالورد للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وذلك من خلال إضافة كل من دولة مولدوفا ودول غرب البلقان إلى لائحتها بالمقارنة مع الدول التي تقف في مقدمة الطابور، فإنها قد أرسلت من خلال ذلك رسالة إلى أوكرانيا بأنها لا يمكنها أن تعتبر نفسها دولة فريدة مقارنة بالدول الأخرى التي تنتظر عملية قبول ضمها، وبأن أوكرانيا لا يمكنها أن تمنح حق انضمام مجاني. إن الشروط العادية المتعلقة بالحوكمة والاقتصاد والقضاء، وهذه فقط بعض تلك الشروط، ما زالت تنطبق على أي عملية ترشيح للانضمام.

لكن في الإمكان أيضاً أن يصبح الوضع أكثر تعقيداً. بداية، هناك اعتبارات عملية. فأوكرانيا هي دولة كبيرة من وجهة النظر الأوروبية. وهي ضخمة على صعيد المساحة، وكبيرة لناحية عدد سكانها، حتى إن، ولنقل هنا، خمس عدد سكانها في زمن السلم، من أصل 44 مليون مواطن من أبنائها، يعيشون اليوم خارجها، وكثير منهم يعيشون في دول الاتحاد الأوروبي. وحتى في فترة ما قبل الحرب، كانت أوكرانيا دولة فقيرة - أفقر من روسيا من ناحية مستوى معدل دخل الفرد من إجمال الناتج المحلي ومعدلات القدرة الشرائية. ستكون أوكرانيا أفقر أيضاً حتى في فترة ما بعد وضع الحرب أوزارها، كما ستكون معتمدة إلى حد كبير على المساعدات، في وقت تكون حتى أقوى الاقتصادات الأوروبية أي ألمانيا، متراجعة. إضافة إلى ذلك، إن قوة أوكرانيا الاقتصادية تكمن في القطاع الزراعي، ما من شأنه أن يجعل منها دولة منافسة للحصول على حصة من المساعدات الأوروبية والأسواق من الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد، خصوصاً بولندا.

لا بد من الملاحظة هنا أنه، وفيما كانت بولندا والمجر ودول أخرى أسخياء في عملية استقبالهم للاجئين الأوكرانيين، فإن ذلك الاستقبال بدأ يبرد. إن العلاقات الاقتصادية تبرز تحدياً خاصاً حالياً. إن جيران أوكرانيا طالبوا بدعم مالي خاص يدفع من الاتحاد الأوروبي لمصلحة المزارعين، قبل السماح بدخول الحبوب الأوكرانية إلى أراضيهم على رغم أن أوكرانيا بحاجة ماسة لأسواق جديدة لحبوبها، طالما أن طرقات تصديرها البحرية نحو الجنوب مقفلة من قبل روسيا. وهذا يهيمن على الصعوبات التي قد تواجهها أوكرانيا عندما تطرح مناقشات القضايا العملية لانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي بشكل جدي.

وليس واضحاً أيضاً، إلى متى سيستمر الإجماع الأوروبي بخصوص المسألة الأوكرانية. إن الاجتياح الروسي لأوكرانيا دفع أولئك الأعضاء في الأسرة الأوروبية الذين كانوا يعتبرون حمائم بخصوص مسألة العلاقات مع موسكو، إلى التحول لمعسكر الصقور ومن بينهم بولندا ودول البلطيق، وعلى أرض الواقع إن دول الاتحاد الأوروبي أصبحت منذ اندلاع الحرب أكثر وحدة من أي وقت مضى. ولكن تبقى هناك انقسامات، وبعضها يظهر إلى العلن في السياسة المحلية لبعض الدول مثلما يجري في الحملات الانتخابية في البرلمان البولندي الحالي، مثلاً، وفي ألمانيا أيضاً. ولكن مزيداً من شأنه أن يطفو إلى السطح، مثلاً، إذا قامت الولايات المتحدة الأميركية بتخفيف دعمها لأوكرانيا، وأن تعمل على دعم مسار [جديد] لعملية سلام ما.

لذلك فهناك احتمال أن تظهر انشقاقات إلى العلن بين الدول التي تصر على مواصلة دعمها العسكري لأوكرانيا، "طوال الفترة التي يكون فيها ذلك مطلوباً" - ربما حتى إلى درجة إرسال الجنود - وتلك الدول التي تجهد في مطالبة كييف بضرورة قطع نسبة خسائرها وحتى مبادلة الأرض مقابل السلام. وهذا يمكنه أن يصبح انقساماً بين الغرب والشرق، أو أن يتحول إلى انقسام بين أوروبي "قديم"، "جديد"، من النوع الذي كان نشأ بين بولندا والمجر من ناحية، وبروكسل من ناحية أخرى، ويتعلق بأمور الاستقلال القضائي.

إن التوترات بين دول أوروبا القديمة ودول أوروبا الجديدة لطالما كانت تتمظهر من خلال اختلافات حول النوايا الروسية. ولكنها جميعها، لطالما كانت أيضاً متجذرة بشيء على الدرجة نفسها من العمق: فحيث تنظر "دول أوروبا القديمة" عموماً إلى الاتحاد الأوروبي بوصفه ضمانة للسلام في فترة ما بعد 1945، وأنه تجمع يستحق بعض التضحيات على مستوى السيادة الوطنية، تميل "دول أوروبا الحديثة" إلى رؤية الأمور من منظار مختلف إلى حد ما، بوصف الاتحاد ضمانة ومدافع عن استقلالها وسيادة دولها.

وهذا هو التصدع في المواقف الذي ابتلي به الاتحاد الأوروبي منذ توسعه شرقا، ولا يمكن أن نستبعد أن يؤدي انضمام أوكرانيا - بأي شروط ومتى - إلى فتح انقسام لم يعد من الممكن رأبه.

© The Independent

المزيد من آراء