Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عشرات الآلاف اسرى الخوف على الحدود المكسيكية -الأميركية يأملون في اللجوء الى العم سام

وجد مراسل إندبندنت في سيوداد هواريس أن اجتياز المدينتين المتجاورتين أمر سريع وسهل - ولكن فقط للأثرياء الذين بوسعهم الحصول على جواز السفر "الصحيح"

من تظاهرة احتجاج في ولاية إنديانا على سياسة الادارة الاميركية في مسألة الهجرة (أ.ب.)

تتدفّق معاناتهم كالشلال.

وصلت أمّ وابنتاها بالحافلة من السلفادور بعد أن تمّ زجّ زوجها، وهو رجل عصابة، في السجن لقتله شابة مراهقة. لدى زيارتها له في السجن، حذّرها بأنّه سيقتلها إذا فكّرت ببدء حياة جديدة مع رجلٍ آخر.

وفي حالةٍ منفصلة، تلقّى مصارع كوبي انضمّ إلى بعثة رياضية إلى فنزويلا خلال حكم هوغو تشافيز تهديداتٍ من السلطات بعد رفضه دفع رشوة. يقول أنّ ليس بإمكانه العودة إلى أيّ من البلدين. وكذلك يتساءل منفيّ كوبيّ آخر، سبق أن عاش في الولايات المتحدة، لماذا يقوم دونالد ترمب بالتبجّح أنّه يساند الشعب الكوبي ولكنّه لا يفعل شيئاً لمساعدته.

الواقع أنّ عشرات الآلاف من المهاجرين يعانون حالياً في مدنٍ قذرة وغير آمنة على الحدود الأميركية-المكسيكية وأنظارهم معلّقة على ما يعتقدون أنّه الأرض الموعودة على بعد مئات الياردات امامهم. وفي ما شكّل الجهد الأخير الذي بذله ترمب لمحاولة ردع طالبي اللجوء، فإنّه منذ يناير (كانون الثاني)، يتحتّم على سكّان الدول التي تتحدّث الاسبانية - والذين قدّموا طلباتهم أمام السلطات الأميركية- انتظار استكمالها ليس في الولايات المتحدة ولكن في المدن المكسيكية التي تشكّل معظمها أماكن خطيرة توازي بخطورتها المدن التي غادروها.

وفي حين أنّ الظروف التي يعيشها المهاجرون المحتملون المحتجزون داخل الأراضي الأميركية، وخصوصاً الأطفال منهم، اثارت نقاشاً سياسياً واسع النطاق، لم تلقَ الظروف التي يقاسيها طالبو اللجوء خارج البلاد في ظلّ النموذج الجديد سوى القليل من الاهتمام.

وكان محامون من الاتحاد الأميركي للحريات المدنية ACLU كتبوا في مطلع العام الجاري: "تطلق الإدارة الأميركية على هذه السياسة الجديدة إسم "بروتوكولات حماية المهاجرين" MPP ولكنّ ذلك لا ينمّ سوى عن الخطاب المزدوج على الطريقة الأورويلية (نسبة إلى مؤلف رواية "1984"). بالفعل، ليس لهذه السياسة أيّ علاقة بحماية الناس ولكنّها تحمل كلّ ما هو مستحيل بالنسبة للمهاجرين للحصول على الحماية الإنسانية التي يستحقّونها في إطار القانون المحلّي والدولي."

أمّا أولى المدن التي قامت بتجربة السياسة الجديدة التي وافقت عليها المكسيك تحت ضغطٍ شديد فهي مكسيكالي وتيخوانا اللتان تجاوران كاليفورنيا. وتمّت إضافة كلّ من نويفو لاريدو الواقعة في ولاية تاموليباس الشمالية التي تجاور تكساس وسان لويس ريو كولورادو التي تقع على الحدود مع أريزونا إلى اللائحة. علماً أنّ رويترز كانت أوردت أنّ تاموليباس شكّلت موطناً لعصابتي غالف وسيتا اللتين انخرطتا في تهريب المهاجرين والمخدرات.

وفي هذا السياق أيضاً، برزت مدينة حدودية أخرى استُخدمت كأداة اختبار لسياسة إدارة ترمب المزعومة التي أُطلق عليها إسم "إبقوا في المكسيك" Stay in Mexico وهي سيوداد هواريس، المدينة المجاورة لإل باسو في تكساس والتي وجدت نفسها تتصدر الأخبار العالمية في مطلع هذا الشهر بعد أن شهدت عملية إطلاق نار ضخمة في متجر ولمارت أسفرت عن مقتل 22 شخصاً وجرح العديد.

وتضمّ المدينة التي تأسست مع توسّع الأراضي المكسيكية شمالاً 1,5 مليون نسمة مع 700 ألف في إل باسو. وتتّحد المدينتان اللتين يفصلهما نهر ريو غراندي لتشكّلا أكبر مجتمعين ثتائيي اللغة والقومية في نصف الكرة الأرضية.

ويمرّ آلاف الأشخاص يومياً بشكلٍ قانوني ذهاباً وإياباً مستخدمين أحد المعابر الدولية الأربعة للذهاب إلى المدارس والعمل وزيارة الاقارب والتسوّق. ويُزعم أنّ المشتبه فيه في شنّ هجوم ولمارت استهدف إل باسو عمداً بسبب غالبيّة سكّانها الناطقين بالإسبانية (هسباني). لقي ثمانية مواطنين مكسيكيين حتفهم في ذلك الهجوم.

وفي هذا الإطار، عقب حادثة إطلاق النار ووسط ادعاءاتٍ أنّ ترمب يغذّي التعصّب الأعمى العنيف من خلال تصريحاته العنصريّة بشأن المهاجرين، قالت مارثا بارسينا سفيرة المكسيك في واشنطن: "إنّ الخطاب العنصري والمعادي للأجانب يغذّي جرائم الكراهية. تساهم المجتمعات الهسبانيّة بشكلٍ كبير في رفاه المجتمع الأميركي. يتوجّب علينا العمل في سبيل حوارٍ محترم ومتعاطف بين بلداننا ومجتمعاتنا."

ميدانياً، رافقت الاندبندنت في صباح أحد الأيام الأخيرة مجموعة من المحامين والمتطوّعين من إل باسو ممّن يعملون مجاناً لمساعدة بعض المهاجرين العالقين في هواريس. أكثر ما فاجئنا بشأن النزهة القصيرة عبر جسر باسو ديل نورتي لم يكن صدمة ثقافية مفاجئة - فلم نشعر بذلك سوى قليلاً- بل مدى سرعة وسهولة الرحلة في حال كنتم تملكون جواز السفر أو التأشيرة "الصحيحين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول نوكولاس بالاسو، المحامي في مركز لاس اميريكاس للدفاع عن المهاجرين Las Americas Immigrant Advocacy Centre: "عدد الأشخاص الذين ينتظرون في هواريس كبير جداً - لقد تخطّى الأعداد في تيخوانا. تكمن إحدى المشاكل في وجود أربعة قضاة هجرة فقط في إل باسو للاستماع إلى كلّ تلك القضايا."

وشرح بالاسو أنّ سياسة بروتوكولات حماية المهاجرين تنطبق على المهاجرين الذين يتحدّثون الإسبانية وحسب. ويتحدّر العدد الأكبر من غواتيمالا وهندوراس والسلفادور وكوبا. ويقول إنّ عدداً من الأطباء الكوبيين موجودون في سيوداد هواريس ينتظرون الدعوة للتجمّع على المعبر عند الساعة الرابعة والنصف فجراً ويجتازون إل باسو لحضور جلسات الاستماع الخاصة بهم. ومعتمداً على تقارير تشير إلى أنّ أكثر من 4 ملايين شخص هربوا منذ العام 2015، أضاف قائلاً: "شهدت الأعداد تزايداً في المواطنين الفنزويليين، ولكن مع تفاقم الأزمة، صعّبت العديد من الدول (كالبرازيل وكولومبيا والبيرو) الوضع بالنسبة للآتين من فنزويلا."

تجدر الإشارة إلى أنّ الاندبندنت آثرت التعريف عن الأشخاص الذين تحدّث معهم المحامون بأوّل حرفٍ من أسمائهم واسم بلدهم بهدف حمايتهم أو حماية عائلاتهم من أيّ عملياتٍ انتقامية في بلدانهم. ولكن، على مقربة من المكاتب المستأجرة في مبنى بلدي مكسيكي حيث عمل المحامون والمتطوّعون، عبّر الكثير من المهاجرين عن غضبهم واستيائهم وكانوا سعداء بتزويدنا بأسمائهم الكاملة.

ومن بين هؤلاء، أورلندو ألفاريس، 54 عاماً، الذي غادر كوبا عام 1994 وعاش في الولايات المتحدة والباراغواي. انتهت صلاحية بطاقته الخضراء أو "جرين كارد" (بطاقة الإقامة في الأراضي الاميركية) وهو ينتظر منذ أربعة أشهر لجلسة الاستماع. "الأمر جنونيّ هنا. هواريس مدينة مجنونة - هنالك الكثير من الجرائم التي تحدث هنا"، على حدّ قوله.

رونالدو ديلودال، وهو كوبي آخر، غادر البلاد مؤخراً وأمضى ثلاثة اشهر في خواريز. يقول أنّ الوضع في كوبا أصبح أسوأ منذ وفاة فيدل كاسترو وانتقال الحكم إلى الجيل التالي من قيادة الحزب الشيوعي الكوبي. "لا نملك حرية التعبير هناك"، قال ديلودال الذي عمل لصالح وزارة الثقافة في الحكومة.

ومن بين المتطوّعين الذين يتحرّون عن قضايا محتملة لمركز لاس أميريكاس قبل اتخاذ قرار بشأن امتلاكهم مسوّغاً ممكناً أم لا للحصول على طلب اللجوء، التقينا جون بريسلين هو محامي هجرة يعيش في جنوب شيكاغو. "أحاول أن أعرف إذا كانت وقائع قضيّتهم -أي الأسباب التي غادروا بلادهم من أجلها- تدخل ضمن طلب اللجوء القانوني." وكان بريسلين يعمل مع أوكتافيا مارش، مدرّسة الأدب الانكليزي السابقة التي ترعرعت في لاس كروسس في نيو مكسيكو، على بعد 40 ميلاً شمالي غرب إل باسو. "لدى هؤلاء الأشخاص كلّ أنواع القصص التي بوسعكم تخيّلها"، قالت لنا. "اجتاز بعضهم تسعة أو عشرة بلدانٍ للوصول إلى هنا. أتمنى أن تتمكن الولايات المتحدة من تنظيم هذه العملية ليتمكن هؤلاء الأشخاص من الحصول على فرصة إنقاذ حياتهم- وأعني ذلك حرفياً".

ومن بين القضايا التي عملوا عليها، رجل كوبي عُرّف عنه بحرف "ج"، ذهب إلى فنزويلا كفردٍ من بعثة أُنشئت بين البلدين وتزوّج من امرأة فنزويلية. وبعد أن اُجبر على حضور مناسباتٍ سياسية لدعم الحكومة الفنزويلية، غادر البعثة. وتلقّى مؤخراً تهديداً من قبل السلطات بعد رفضه دفع رشوة. وبعد أن وصل إلى هواريس، يقول إنّه تعرّض للسرقة على جهاز صرّاف آلي واجتاز ريو غراندي ليتمّ اعتقاله آملاً أن يسرّع ذلك في طلب لجوئه.

وفي مكتبٍ منزوع النوافذ وبالكاد يضيئه مصباح متألق، سُئل إن كان بوسعه العودة إلى كوبا وإلّا فنزويلا. فأجاب: "لا. سأتعرّض للاضطهاد بسبب آرائي السياسية ولأنني غادرت."

لم تُجب وزارة الأمن القومي فوراً على الأسئلة المرتبطة بعدد الأشخاص الذين تمّ التعامل معهم في إطار عملية بروتوكولات حماية المهاجرين، وهي تزعم أنّه تمّ إجبار المهاجرين عمداً على الانتظار في ظروفٍ خطيرة بمثابة عامل ردعٍ متعمّد. وفي هذا السياق، مع إقرار السياسة في يناير (كانون الثاني)، أعلنت وزيرة الأمن القومي السابقة كريستين نيلسن أنّ "بروتوكول حماية المهاجرين سيساعد على إرساء عملية هجرة آمنة ومنظّمة وستحدّ من عدد الذين يستغلون نظام الهجرة وكذلك قدرة المهرّبين على اغتنام ضعاف الناس."

وفي حالةٍ أخرى، التقينا "س"، امرأة شابة من السلفادور برفقة ابنتيها البالغتين عامين وثمانية أعوام. قالت أنّها غادرت بلدها في مايو (أيار) بعد أن هددها زوجها، الذي قالت إنه فرد في عصابة أم أس 13 MS-13 والذي زُجّ في السجن لقتله شابة.

تمّ إخراج ابنتيها من الغرفة من قبل متطوّع آخر بينما أجهشت "س" بالبكاء قائلةً إنّ زوجها هددها بالقتل وحرمانها من ابنتيها في حال فكّرت بدء حياة جديدة من دونه. وتمّ سؤالها إذا ما طلب منها والداها المغادرة، فأجابت: "لم يودّ والداي أن أغادر، ولكنني أخبرتهما بأنني راحلة"، مضيفةً أنّ الشرطة في السلفادور لديها علاقات مع أفراد العصابات. "أنا خائفة من العودة إلى السلفادور".

ولدى سؤالها عمّا تودّ القيام به في حال فشل طلبها للجوء، أجابت فوراً: "لم أفكّر في ذلك. أدعو الله أن يجعل ذلك ممكناً. أعرف أنّه سيحقق لي ذلك."     

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات