ملخص
الضمان الوحيد الذي يجب أن يكون في اليد هو ترتيب نوع من نظام أمني عربي تسنده قوة عسكرية ومالية واقتصادية وتكنولوجية ودبلوماسية، في انتظار أن تكتمل العوامل الضامنة لنظام أمني إقليمي.
ليس أكثر من الفوضى "غير الخلاقة" في الشرق الأوسط سوى الكلام عن الحاجة إلى نظام أمني إقليمي، ولا مجال لترتيب نظام كهذا من دون تحولات هائلة وشروط متعلقة بخمسة عوامل أساس، أولها قيام نظام عالمي متعدد الأقطاب يعيد الاعتبار إلى الأمم المتحدة والميثاق الدولي بلا حرب حارّة بين روسيا والغرب بالوكالة في أوكرانيا، ولا حرب باردة بين أميركا والصين وهواجس حرب ساخنة حول تايوان.
وثانيها قيام نظام أمني عربي تخدمه الجامعة العربية ومواثيقها، ويضع حداً للتنافس بين ثلاث قوى إقليمية على النفوذ والأدوار فوق المسرح العربي.
وثالثها تسوية شاملة للصراع العربي -الإسرائيلي تتجاوز معاهدات السلام بين إسرائيل وكل من مصر والأردن، و"اتفاق أوسلو" المجمد والمتعثر على طريق الدولة الفلسطينية، واتفاقات "أبراهام" بين إسرائيل وكل من الإمارات العربية والبحرين والمغرب والسودان.
ورابعها تفاهم استراتيجي عربي - إيراني يرسم خطاً على الرمل أمام مشروع الملالي الإمبراطوري خارج حدود إيران وأدواته من الميليشيات التي تمولها وتسلحها طهران في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
وخامسها عودة لنظام المصالح المشتركة مع تركيا التي أضعفتها سياسة "العثمانية الجديدة"، والمطلوب منها الانسحاب من شمال سوريا وقواعد في العراق وليبيا.
لكن الحياة لا تتوقف في انتظار أن تتحقق هذه الشروط، والسؤال هو من يضمن حالياً الحد الأدنى من الأمن في الشرق الأوسط عموماً والخليج خصوصاً؟ وما الذي يجب التأكد منه قبل الرهان على أية قوة؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الجواب ليس بسيطاً، فإيران كانت ولا تزال تتحدث عن ضمان الأمن من دون وجود قوات أجنبية وتحديداً أميركية، والمرشد الأعلى علي خامنئي قال أخيراً لضباط الحرس الثوري إن مهمة الغرب "صنع الأزمات" ومهمة الحرس "كسر الأزمات"، وروسيا تلعب دوراً مهماً في ضمان الأمن لسوريا، والصين تنخرط في المنطقة لكن في إطار الاقتصاد والتجارة والوساطات السياسية، وإسرائيل تهدد الأمن، ومن يتصور أن العلاقات معها تضمن له الأمن فسيكتشف خطأ الرهان.
كما أن تركيا توحي أن لديها الرغبة والقدرة على دور كبير في ضمان الأمن الإقليمي لكن سلوكها مقلق، وأميركا التي أوحت أنها تخفف وجودها والتزاماتها في الشرق الأوسط للانصراف إلى تحديات الشرق الأقصى، وبدأ حلفاؤها الشك في التزاماتها عند الضرورة، تعود لتأكيد أنها لن تترك المنطقة التي لها فيها 30 ألف جندي، فترسل 3 آلاف جندي وسفناً حربية وطائرات من طراز "F-35 " لضمان الأمن في باب المندب ومضيق هرمز، وتتحرك سياسياً وعسكرياً.
ولا أحد، حتى إشعار آخر، يستطيع أن يلعب دور البديل من أميركا في المسألة الأمنية، وليس قليلاً عدد الذين يتصورون أن دعوة إيران إلى خروج القوات الأميركية وضمان الأمن في الخليج بقواه الذاتية هي فرصة للاستفراد بالخليج وترتيب الهيمنة الإيرانية على العالم العربي، فهل يقود الاتفاق السعودي -الإيراني إلى العكس؟
كثيرون يتمنون ذلك، والامتحان العملي على الأرض، لا فقط في اليمن واستقرار الخليج بل أيضاً في العراق وسوريا ولبنان، هو عملياً في المشروع الإقليمي الإيراني، فهل تتخلى عنه طهران بعد كل ما استثمرت فيه؟ أم تصر عليه عبر مقاربة مختلفة لأنه عنصر أساس في نظام الثورة الخمينية؟
كذلك لا شيء يوحي أن إسرائيل مستعدة للانسحاب من الأرض العربية المحتلة، ولا شيء يمنع أردوغان الذي عاد للمصالحة مع السعودية والإمارات العربية ومصر وسياسة "صفر مشكلات" من العودة مرة أخرى لسياسة "100 في المئة مشكلات"، والضمان الوحيد الذي يجب أن يكون في اليد هو ترتيب نوع من نظام أمني عربي تسنده قوة عسكرية ومالية واقتصادية وتكنولوجية ودبلوماسية، في انتظار أن تكتمل العوامل الضامنة لنظام أمني إقليمي، إذ ليس من المعقول التكيف مع الفوضى وكأنها "نظام" موقت.