Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

زلزال المغرب يترك تأثيرات نفسية لدى الكبار والصغار

الكوابيس والأشباح تطارد الأطفال في أحلامهم والهواجس تلازم من فقدوا ذويهم وأقاربهم

الصدمات النفسية طاولت ليس فقط الكبار بل أيضاً الأطفال الصغار (أ ف ب)

ملخص

ضحايا زلزال المغرب يواجهون "صدمة ما بعد الكارثة"

لا أرغب في الحياة بعد وفاة أولادي" و"الحياة لا معنى لها الآن" عبارات يأس ترددت بكثرة على لسان عدد كبير من المنكوبين والناجين من الزلزال المدمر الذي ضرب مناطق قروية عدة في جبال الأطلس الكبير بالمغرب مساء الجمعة الماضي.

وفي خضم حملات التضامن الكثيفة والهائلة التي وصلت إلى المناطق المنكوبة من مواد غذائية وغطاء ومستلزمات حياتية أخرى، دق فاعلون ناقوس الخطر في شأن ضرورة الاهتمام أيضاً بالجانب النفسي لضحايا هذا الزلزال بسبب الصدمة القوية التي عاشوها.

هيستيريا ووجوم

وقفت السيدة "يامنة" أمام كاميرات القنوات التلفزيونية لتصرخ بأعلى صوتها في هيستيرية بالغة "فقدت 10 من أفراد أسرتي، توفي والدي وزوجي وأبنائي وأعمامي"، قبل أن تصيح منتقدة ما رأته تقاعساً في إنقاذ الضحايا تحت الأنقاض.

كانت أوداج هذه السيدة منتفخة وهي تصرخ بأعلى صوتها وجسدها يتحرك بقوة، بينما يداها ترتجفان بشكل لافت، لتشكل بذلك أحد أكثر المشاهد تأثيراً في الزلزال الذي ضرب إقليم الحوز ونواحيه بالمغرب.

وظهرت معالم الصدمة النفسية على محيا هذه السيدة التي لم تتمالك أعصابها بعد وفاة ذلك العدد الكبير من أفراد أسرتها دفعة واحدة، بين من توفي مباشرة تحت ركام البيت، ومن قضى بعد ذلك اختناقاً تحت الأنقاض جراء عدم انتشاله مبكراً.

وفي قرية غير بعيدة من قرية "يامنة"، كان السيد لحسن يقف على أطلال بيته الطيني وهو يتذكر كيف كان عاجزاً عن إنقاذ ابنته الصغيرة ووالده المسن، وكانت الدموع تنهمر من عينيه وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة من جراء الصدمة النفسية التي داهمته فجأة.

وعندما سأل بعض الشباب امرأة توفي زوجها وبعض أولادها بسبب الزلزال العنيف عن مطالبها وأمنياتها، أجابتهم أنها لا تريد شيئاً لأن الحياة بالنسبة إليها انتهت مع انتهاء حياة أحبائها وأسرتها الذين كانت تعيش معهم سنوات تحت سقف واحد.

نوبة صراخ

الصدمات النفسية طاولت ليس فقط الكبار بل أيضاً الأطفال الصغار، وهم أكثر الفئات المتضررة نفسياً من الزلزال، فلم يسبق لهم أن عاشوه كحدث، ولا عاشوا أجواءه الرهيبة وتداعياته الأليمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتقف الطفلة الصغيرة "سعيدة" واجمة صامتة لا تكاد تنطق ببنت شفة أمام ما تبقى من بيت والديها من أحجار طينية، وعندما كان يسألها الشباب المتطوعون عن حالها لم تكن تقدر على النطق بأي كلمة من هول ما عاشته.

فيما كانت عينا طفل آخر تائهتين، فالنوم لا يلامس جفونه منذ الزلزال بسبب الأحلام المزعجة التي تراوده، خصوصاً أنه فقد خمسة من أفراد أسرته، وهم والداه وجدته وأخوان، بل إنه كان أحد من انتشلوا جثة جدته التي كان يحبها كثيراً.

ولم يتعرض الأطفال الذين يعيشون في المناطق المنكوبة للصدمات النفسية فقط، بل حتى الأطفال الصغار في مناطق أخرى من المغرب شعروا بالهزة الأرضية في تلك الليلة الرهيبة، منهم "مروة" طفلة في ربيعها الـ10 تعرضت لصدمة نفسية قوية عندما شعرت بالأرض تهتز من تحتها، ولم تعرف حينها ما الذي يحدث، فانطلقت في نوبة من الصراخ والعويل لساعات طويلة بعد الزلزال.

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) كشفت قبل أيام قليلة عن أن زهاء 100 ألف طفل مغربي تأثروا بالزلزال الذي ضرب البلاد وأدى إلى وفاة وإصابة آلاف الأشخاص.

 مبادرات نفسية

وأمام الوضعية النفسية المزرية التي يعيشها كثيرون في القرى والمناطق التي ضربها الزلزال المدمر، تنامت مبادرات متخصصين في سبيل تخفيف الأعباء والأضرار النفسية عن المنكوبين والناجين على السواء.

ووصلت إلى المناطق والقرى المتضررة في كل من أقاليم الحوز وأزيلال وشيشاوة وتارودانت، قافلة مكونة من اختصاصيين في علم النفس وعلم النفس التربوي من كلية علوم التربية بالعاصمة الرباط، بهدف مساعدة المصابين والمنكوبين في استرجاع طاقاتهم النفسية إلى ما قبل الزلزال.

وتروم القافلة النفسية مساعدة المنكوبين والناجين أيضاً في التخلص من الصور والمشاهد المأسوية التي خزنتها ذاكرتهم ومن الاضطرابات النفسية التي عادة ما تعقب وقوع الكوارث المفاجئة، علاوة على تحرير الأطفال من الهواجس والكوابيس التي تؤرق يومهم ونومهم بتفريغ شحناتهم السلبية عبر طرق تربوية عدة وتقنيات نفسية.

من جهتها عمدت الجمعية المغربية للرعاية والمواكبة النفسية إلى دعم المصابين والمتضررين من الزلزال عبر تقديم العلاج مجاناً بالحديث هاتفياً إلى أطباء واختصاصيين للإنصات إليهم ومواكبتهم على الصعيد النفسي.

وفي هذا السياق ترى عضو الجمعية المغربية للرعاية والمواكبة النفسية هند نفيعة أن الضرر النفسي ينال من عاشوا وتألموا لفقدان إما عزيز أو ممتلكات شخصية.

ووفق نفيعة، فإن أحد أسباب هول الصدمة النفسية التي طاولت كثيرين في هذا الزلزال هو أنهم لم يعيشوا من قبل أجواء زلازل سابقة عرفتها المغرب، لا سيما الأجيال الناشئة التي لم تعِش مثلاً زلزال أغادير.

وكان زلزال مدينة أغادير أحد أعنف الزلازل في تاريخ المغرب، عندما دمر المدينة في الـ26 من فبراير (شباط) 1960، وأدى إلى وفاة أكثر من 15 ألف شخص وإصابة وتشريد عشرات الآلاف.

تكيف مع المأساة

من جهته يقول متخصص علم النفس الاجتماعي بجامعة القاضي عياض في مراكش المصطفى السعليتي إن "لفاجعة الزلزال تأثيرات سلبية، إلى جانب الخسائر البشرية والأضرار المادية الفادحة، فذهب ضحيته أطفال ونساء وشيوخ يستحقون كل التضامن النفسي والمعنوي".

وأردف "تختلف الصدمة النفسية من فرد إلى آخر بحسب طبيعة ونوعية وحجم هذا الفقدان، مثل المنازل والممتلكات الذي يكون أقل وطأة نفسياً من الفقدان الأصعب للأولاد والأزواج والوالدين وأفراد العائلة.

وشدد السعليتي على أن الدعم النفسي لمنكوبي الزلزال والناجين من أهواله أمر ضروري، فهناك متخصصون نفسيون يمتلكون إمكانات معرفية للتعامل مع الأشخاص الذين يعانون حالات الصدمة النفسية.

وأضاف أن "صدمة الزلزال يجب التعامل معها بتخصص علمي دقيق حتى يتمكن الأفراد من التعاطي مع ما حدث وتجاوز الكارثة بأقل الخسائر، وكذلك يتكيفون مع هذه الوضعية المأسوية في أفق أن يعود تدريجاً لحياته الطبيعية".

واستدرك السعليتي أنه بموازاة الدعم النفسي للمصابين والمنكوبين والناجين من الزلزال يتعين أيضاً أن يكون هناك دعم معنوي لهؤلاء من أقاربهم، إذ غالباً ما يثمر الدعم العائلي نتائج إيجابية".

وخلص إلى أن "هناك حاجة لدعم اقتصادي ومالي واجتماعي يحفظ لضحايا الزلزال كرامتهم في إطار مقاربة شاملة تتكامل لإنقاذ هؤلاء الأشخاص"، معتبراً أن "التضامن لا يكون ظرفياً بل يجب أن يكون هناك دعم وتتبع لأوضاع المتضررين وتلبية حاجاتهم".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي