ملخص
بعض المحللين اعتبر أن فتح المجال الجوي في بورتسودان دليل على استقرار الأوضاع الأمنية وسيطرة المؤسسات السودانية من جديد
في خطوة لا تخلو من دلالات إنسانية وسياسية أيضاً، بحسب مراقبين، وصلت الأسبوع الماضي أول رحلة جوية من القاهرة إلى السودان منذ اندلاع الاشتباكات بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في منتصف أبريل (نيسان)، تنفيذاً لاتفاق بين قيادتي البلدين.
الرحلة التي سيرتها الشركة الوطنية "مصر للطيران" انطلقت من مطار القاهرة إلى بورتسودان المدينة السودانية الواقعة على ساحل البحر الأحمر، التي انتقلت إليها الحكومة ومجلس السيادة أخيراً على وقع اشتداد المعارك في العاصمة الخرطوم.
وعلى رغم انتقال الصراع إلى عديد من مناطق البلاد ظلت بورتسودان التي تبعد عن الخرطوم 675 كيلومتراً منطقة آمنة نزح إليها آلاف المتضررين من الحرب.
كانت وزارة الطيران المدني المصرية أعلنت عن تسيير رحلة أسبوعياً من مطار القاهرة إلى بورتسودان، تزامناً مع زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان إلى مصر في 29 أغسطس (آب) الماضي، في ما بدا أنه استجابة من القاهرة للطلب السوداني، بخاصة أن البرهان أشاد خلال القمة التي عقدت في العلمين "بالمساندة المصرية الصادقة للحفاظ على سلامة واستقرار السودان في ظل المنعطف التاريخي الذي يمر به، خصوصاً من خلال حسن استقبال المواطنين السودانيين بمصر".
ومنذ اندلاع الصراع لجأ 287 ألف سوداني إلى مصر، بحسب منظمة الهجرة الدولية، ويتخطى تعداد الجالية السودانية منذ ما قبل الحرب أربعة ملايين شخص.
تلبية لطلب البرهان
أمين عام الحزب الاتحادي الديمقراطي السوداني معتز الفحل قال إن تسيير رحلات مباشرة للخطوط المصرية إلى بورتسودان كان "أمنية سودانية وأملاً في شقيقتها مصر".
وأعرب الفحل في تصريح إلى "اندبندنت عربية" عن اعتقاده أن القرار المصري جاء بطلب من الفريق البرهان إبان مقابلته للرئيس السيسي نهاية أغسطس الماضي، مما يؤكد الدعم السياسي من جانب القاهرة للسلطات الشرعية السودانية في مواجهة "التمرد".
وأشار القيادي بالكتلة الديمقراطية للحرية والتغيير إلى الدور المصري الكبير والداعم لاستقرار الأوضاع في السودان، "مصر منذ اندلاع الأزمة لديها موقف إيجابي مقدر بداية من استقبال السودانيين وتسهيل إجراءات دخولهم عبر معبري قسطل وأرقين إلى تقديم مساعدات بأوجه مختلفة للمواطنين السودانيين".
واعتبر أن فتح المجال الجوي في بورتسودان دليل على استقرار الأوضاع الأمنية إلى حد كبير، وسيطرة المؤسسات السودانية من جديد، بجانب كونها إضافة للحركة الاقتصادية في السودان وإجراء سيسهل توفير المواد الغذائية وتسهل وصول المساعدات الإنسانية بأشكالها المختلفة.
وفتحت الحكومة السودانية المجال الجوي في المنطقة الشرقية من البلاد، في يوليو (تموز) الماضي، بعد إغلاق المجال الجوي بالكامل منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل الماضي.
سيناريو الحكومتين
حول إمكانية تحول السودان إلى سيناريو الانقسام بين عاصمتين إحداهما في الشرق يسيطر عليها الجيش، والأخرى الخرطوم تسيطر عليها قوات "الدعم السريع"، قال أمين الحزب الاتحادي الديمقراطي إنه كان لا بد من التحلي بالواقعية ومباشرة الحكومة مهامها من مكان آخر في ظل استمرار القتال بالخرطوم، نظراً لأن الحفاظ على حياة المواطنين أهم من التزمت في الأفكار، بحسب تعبيره، خصوصاً مع إصرار قوات "الدعم السريع" على الاعتداء على المدنيين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولدى وصول أولى الرحلات إلى بورتسودان، قال قنصل مصر في المدينة سامح فاروق في تصريحات تلفزيونية، إن ذلك يعكس عمق العلاقات بين مصر والسودان.
وأشار فاروق إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد انتظاماً للرحلات بين البلدين، لافتاً الانتباه إلى أن الرحلة مثلت أول طيران منتظم بين العالم كله والسودان منذ بدء الأزمة. وأكد أنه سيكون هناك أكثر من رحلة أسبوعية حتى تساعد على التواصل الشعبي والأسري بين شعبي مصر والسودان.
الإعلامي السوداني مجدي عبدالعزيز يرى أن لقاء الفريق البرهان بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في العلمين كان سبباً وراء قرار تسيير الرحلات. واعتبر أن عودة رحلات "مصر للطيران" إلى بورتسودان هو ترجمة عملية لحرص القاهرة على الاستقرار في السودان، وبه دلالة على عودة الحياة بجميع أشكالها إلى طبيعتها واستقرار الأوضاع الأمنية بشكل كبير.
بعد إنساني
وأضاف عبدالعزيز في تصريح خاص أن هناك بعداً إنسانياً في القرار المصري، من خلال المساهمة الكبيرة التي ستنفذها الرحلات المصرية في نقل المصابين للعلاج بشكل سريع لضمان تلقيهم الرعاية اللازمة، موضحاً أن رحلات مصر للطيران تعتبر بوابة للسودان نحو العالم.
كان البرهان قد اختار مصر أول وجهة خارجية منذ اندلاع الصراع، حيث التقى السيسي في العلمين بشمال مصر وبحثا تطورات الأوضاع في السودان، وجهود تسوية الأزمة حفاظاً على سلامة وأمن السودان، على النحو الذي يحافظ على سيادة ووحدة وتماسك الدولة، ويصون مصالح الشعب الشقيق وتطلعاته نحو المستقبل، بحسب بيان للرئاسة المصرية، وكذلك سبل دعم الشعب السوداني من طريق المساعدات الإنسانية والإغاثة حتى يتجاوز السودان الأزمة الراهنة بسلام.
وشدد السيسي خلال الاجتماع على "موقف مصر الثابت والراسخ بالوقوف بجانب السودان، ودعم أمنه واستقراره ووحدة وسلامة أراضيه، خصوصاً خلال الظروف الدقيقة الراهنة التي يمر بها، أخذاً في الاعتبار الروابط الأزلية والمصلحة الاستراتيجية المشتركة التي تجمع بين البلدين الشقيقين"، بحسب البيان.
تسهيلات لوجيستية
شرعت السلطات المصرية، الخميس الماضي، في تسهيلات لحل أزمة تكدس الشاحنات على الحدود مع السودان، عبر إنشاء مناطق لوجيستية مصغرة على ميناءي أرقين وقسطل البريين، وتقديم الدعم اللازم للسائقين من مياه ومواد غذائية ودعم طبي على مدار الساعة في المنطقة ما بين كركر وأبو سمبل وأرقين، وأبو سمبل وقسطل، لحين العبور إلى الجانب السوداني، والعمل على تسريع الإجراءات والسماح بعبور العربات المنتهية إجراءاتها في الجانب المصري حتى يمكن إدخال عربات أخرى.
وتتواصل المعارك بين الجيش وقوات "الدعم السريع" منذ 15 أبريل الماضي، مما أسفر عن مقتل الآلاف ونزوح ولجوء أكثر من أربعة ملايين سوداني داخل البلاد أو إلى بلدان مجاورة.
وتسيطر قوات "الدعم السريع" على أجزاء كبيرة من ولاية الخرطوم، بينما يسعى الجيش إلى قطع طرق الإمداد عبر الجسور التي تربط مناطق أم درمان وبحري والخرطوم التي تشكل العاصمة على جانبي نهر النيل، فيما حافظ الجيش الذي يمتلك طائرات حربية ومدفعية ثقيلة، على سيطرته على قواعده الرئيسة بالعاصمة، وفي الأجزاء الوسطى والشرقية من البلاد.