Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عائلة غالي "أطباء البيانو" في مصر

حسن تعلم على يد أرميني وامتهن الحرفة لنصف قرن واشتهر بمهمته الخاصة على  يخت الملك فاروق

لسنوات طويلة ظل الأثاث المرتبط بالعروسين لا يخلو من من البيانو (أ ف ب)

ملخص

دخل البيانو إلى مصر قبل عشرات الأعوام ومعه اشتهرت عائلة غالي بتخصص صيانته وإصلاحه

صالة استقبال واسعة تتزين بقطع أثاث كلاسيكي وفي أحد أركانها يقبع بيانو عريق كجزء رئيس من المكان تتهادى منه ألحان جميلة بأنامل أحد ساكني المنزل، كانت هذه حال كثير من البيوت المصرية في عصور سابقة عند العائلات الأرستقراطية، إضافة إلى منازل الجاليات الأجنبية المنتشرة في البلاد من جنسيات عدة.

احتفظ البيانو وقتها بأهمية كبيرة حتى إنه كان جزءاً من جهاز العروس عند كثير من العائلات المصرية الكبيرة لا يكتمل المنزل من دونه، وبالطبع ترتب على هذا الحضور الحاجة إلى من يتولى صيانة هذه الأجهزة لتستمر في إطلاق نغماتها وإصلاحها في حال حدوث أعطال.

من هنا ظهرت مهنة صيانة البيانو بين الأجانب المقيمين في مصر خلال النصف الأول من القرن الـ20 الذين تنوعوا بين اليونانيين والإيطاليين والأرمن وغيرهم من الجاليات الذين استوطنوا البلاد وبرعوا في كثير من الحرف، ثم تتلمذ على أيديهم جيل جديد من المصريين استمروا في هذه المهنة على مدى عشرات الأعوام.

وتعتبر عائلة غالي الأشهر عند الحديث عن إصلاح البيانو وصيانته ليصبحوا أطباء البيانو في مصر على مدى سنوات شهدت كثيراً من التغيرات سواء في ما يتعلق بهذه الآلة الموسيقية أو بالمجتمع المصري كله.

نصف قرن

عن بدايته مع البيانو منذ أكثر من 50 عاماً، يقول حسن غالي في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "خلال طفولتي وأثناء دراستي بالمدرسة الابتدائية بمحافظة الإسكندرية حيث أعيش كان لدي حب وشغف كبير بالموسيقى وبالبيانو تحديداً، لكن لم تشأ الظروف أن أكمل دراستي غير أن الاهتمام بالبيانو ظل يصاحبني فتوجهت إلى الخواجة الأرميني الذي كان له محل شهير في شارع طلعت حرب وطلبت منه أن يعلمني، وبالفعل تعلمت منه كل أسرار هذه المهنة بسرعة لاهتمامي الكبير بها وبدأت أساعده".

 

 

ويضيف "قبل أحداث حرب 1967 هاجر الخواجة الأرميني من مصر للخارج وبدأت من وقتها العمل بنفسي وأصلحت كثيراً من أجهزة البيانو في الإسكندرية والقاهرة عند أكبر العائلات من المصريين والأجانب وحققت نجاحاً كبيراً في هذا المجال حتى إنه في إحدى المرات تم استدعائي لصيانة البيانو الموجود على يخت ’المحروسة‘ الخاص بالملك فاروق".

توقيع سري

مفارقات عدة تعرض لها حسن غالي الذي تجاوز حالياً منتصف الـ70 من عمره خلال رحلته الممتدة ومن أبرزها أن يعود للمنزل نفسه بعد أعوام طويلة لإصلاح البيانو ذاته الذي مر عليه الزمن وهو في المكان ذاته ليجد الطفلة الصغيرة التي أصلح لها البيانو تستكمل دروس الموسيقى لكنها أصبحت شابة ولا يزال لديها الشغف نفسه وتنتظر بترقب أن يتم إصلاحه.

يروي غالي "تكرر هذا الموقف كثيراً فكنت أعود لأحد المنازل مرة أخرى وأجد الصغار قد كبروا ولا يزالون مهتمين بالبيانو، فبعض العائلات لديها اهتمام كبير به وتحرص عليه كجزء قيم من مقتنيات العائلة، وعلمني الخواجة الأرميني أن أحفر اسمي وتاريخ إصلاحي للبيانو عليه من الداخل كشكل من أشكال التوقيع وحتى يعرف من يأتي بعدي لإصلاحه متى تمت صيانته الأخيرة ومن الذي أجراها، وفي مرات عدة استخرجت توقيعي من داخل أجهزة بيانو، مما أثار دهشة أصحابها".

ويضيف، "على رغم استمرار وجود البيانو عند عائلات مصرية إلا أن الوضع حالياً بالطبع يختلف كثيراً عن السابق مع تغير الزمن والأحوال التي بدلت كل شيء وطاولت حال تلك الآلة الموسيقية، مما جعل من يحترف مهنة إصلاحه وصيانته شخصاً نادراً حالياً".

ويتابع، "أحياناً نصادف بيانو كان مهملاً لأعوام طويلة وأصابه كثير من الضرر ونعمل على إعادة إحيائه بالكامل ليعود للعمل بكفاءة ولكن تنتابني حال من الحزن لتعرض البيانو لهذا الإهمال ومن هنا أسعى إلى إعادته لرونقه".

الحرب العالمية

يشير حسن غالي إلى أن أجهزة البيانو الكلاسيكية العريقة كان يتم استيرادها من الخارج في النصف الأول من القرن الـ20، وكانت الأجهزة الألمانية منها عالية الجودة وتعد الأفضل إلا أن أحداث الحرب العالمية أدت إلى دمار كثير من المصانع المتخصصة في إنتاج البيانو، مما دفع بعض الصناع المتخصصين ذوي الكفاءة العالية من الألمان إلى العمل في بلدان أخرى بعد انتهاء الحرب مثل إيطاليا وأميركا لتبدأ أجهزة البيانو الخاصة بهذه البلاد بالتطور والانتشار حول العالم.

 

 

ويمكن للبيانو أن يبقى صالحاً بالجودة نفسها لأعوام طويلة فهناك أجهزة يصل عمرها إلى 150 سنة ولا تزال تعمل بكفاءة شرط أن تتم لها صيانة دورية منتظمة ويتم الحفاظ عليها من العوامل كافة التي يمكن أن تفسدها مثل الرطوبة والحشرات.

مسيرة مستمرة

وثبت أبناء عائلة غالي على نهج والدهم في العناية بأجهزة البيانو فيقول الابن محمود، "بعض العائلات لا تزال لديهم اهتمام بالبيانو وتحرص على صيانته باستمرار كما تهتم بتعليم الأطفال العزف عليه باعتباره تقليداً عائلياً ممتداً ومن هنا فإن هذه الصنعة تحتاج إلى استمرار ، خصوصاً أن عدداً قليلاً جداً يتقنها في الوقت الحالي وارتبطت بعائلتنا على مدى عشرات الأعوام".

وأردف، "نسعى إلى الحفاظ على الاسم الذي بنيناه بتقديم خدمة على أعلى مستوى في ما يتعلق بشد أجهزة البيانو أو صيانتها وإصلاحها، وسأحرص على تعليم ابني أصول الصنعة ليبقى اسم عائلتنا هو الأشهر في هذا المجال داخل مصر".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات