Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البيوت المصرية "لم تعد أسراراً" في زمن السوشيال ميديا

متخصصون نفسيون يحذرون من اللجوء إلى صفحات حل المشكلات الأسرية

بات كثير من المصريين يلجأون إلى صفحات على مواقع التواصل بحثا عن حل لمشكلاتهم الأسرية (أ ف ب)

مئات التدوينات وآلاف التعليقات تتناول يومياً مواضيع لم يتصور أحد أن تخرج عن نطاق "أسرار البيوت" خلال سنوات سابقة، إذ انتشرت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" في مصر تختص بحل المشكلات الاجتماعية، خصوصاً ما يتعلق بالأزمات الأسرية، إذ يرسل أحدهم إلى المسؤول عن الصفحة مشكلته طالباً استشارة المتابعين عبر تعليقاتهم.

وبينما يحتفظ صاحب المشكلة بسرية هويته فكثيراً ما تكون تفاصيل ما يسرده صادمة، مثل الخيانات الزوجية والانحرافات، كما أن التعليقات التي يتركها رواد الموقع على المشكلة غالباً ما تغيب عنها آليات للحل.

وعلى مدى عقود ظلت ثقافة البوح أو "الفضفضة" كما يسميها المصريون خارج الإطار العائلي مقتصرة على بعض الأبواب في الصحف التي يراسلها القراء، وينتظرون رأي أو تعقيب الصحافي المشرف على الصفحة، مثل "بريد الجمعة" الذي تخصص له صفحة في عدد يوم الجمعة من "جريدة الأهرام"، لكن في ظل تداخل الـ "سوشيال ميديا" مع جميع مناحي الحياة ظهرت صفحات متخصصة على مواقع التواصل الاجتماعي. وخلال السنوات الأخيرة انتشرت صفحات طلب الرأي تحت تسميات عدة مثل "مشكلات المجتمع" و"الدعم النفسي" و"اعترافات المتزوجين"، وغيرها.

فرصة للبوح

أحمد سمير مؤسس صفحة (حل مشكلتك في سرية) قال إن مجموعات وصفحات حل المشكلات الأسرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي "خلقت متنفساً للمجتمع المصري للحديث في المواضيع المسكوت عنها، التي تظل في الغرف المغلقة حيث غلفتها العادات والتقاليد بالقلق من البوح بها لآخرين". لافتاً إلى أن الإنترنت "منح كثيرين الفرصة في الحديث عن حياتهم من دون الإفصاح عن هويتهم الحقيقية، بما يساعدهم في حل مشكلاتهم الشخصية من دون تعقيدات".

الصفحة التي بدأت قبل سنوات عدة وصل عدد متابعيها إلى 375 ألف شخص، ويوضح سمير لـ "اندبندنت عربية" أنها لم تكن فكرة جديدة حينما أنشأها، لكن كانت لديه رؤية وقواعد خاصة لإحكام طرق التحدث في الحياة الشخصية عبر الإنترنت دفعته إلى تنفيذ أفكاره، أهمها رفض فكرة التجاوز في حق أصحاب المشكلات وخلق مناخ من الاحترام المتبادل بين الأعضاء.

وأكد أنه لا يلتفت للمشكلات غير العقلانية المرسلة له من حسابات يبدو أنها مزيفة، فربما يكون مرسلها يبحث عن الإثارة بتأليف قصة وهمية، مؤكداً أنه يتحقق من عدم زيف الحساب مرسل المشكلة، وأن جميع ما ينشر عبر المجموعة هي "روايات أصلية لأشخاص خاضوا تجارب صعبة ومؤلمة أو يبحثون عن حل لمشكلات لا يمتلكون الشجاعة أو المساحة للحديث عنها علناً".

تمييز الحلول

وكثيراً ما تحمل التعليقات على المشكلات الأسرية عبارات قد تؤجج الأمور، فعلى سبيل المثال قد تكون معظم التعليقات تدعو سيدة تطرح مشكلتها مع زوجها إلى الطلاق بغض النظر عن تفاصيل المشكلة وظروف أطرافها أو إمكان الحل، ويرى سمير أن كل من يعرض مشكلته عبر الإنترنت لديه العقل والوعي الكافي ليختار ما يناسبه بين الإجابات والحلول التي يجدها في التعليقات وتأثير تنفيذه إحداها على حياته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكشف سمير أن قصص الخيانات الزوجية هي أكثر ما تصدمه من المشكلات المطلوب عرضها بمجموعته، وفي بعض الأحيان تكون تلك الروايات مصحوبة بمبرر عن تقصير الطرف الآخر، لافتاً إلى أنه ضمن عيوب الـ "سوشيال ميديا" تسهيل العلاقات بين الجنسين في ظل غياب الرقابة الأسرية.

واللافت أن بعض أصحاب المشكلات يعودون بتدوينات جديدة بعد الأخذ بآراء المتابعين، ويطالبون بحلول جديدة وفق مستجدات أزمته، مما يجعله دائماً في حيرة بين تعليقات أشخاص لا يعرفهم ولا يعلم ما إن كانوا مؤهلين لإبداء رأيهم في قضايا أسرية كثيراً ما تكون مصيرية.

مرآة للمجتمع

ويرى أستاذ علم الاجتماع المساعد بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية وليد رشاد زكي أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت "مرآة تعكس أزمات المجتمع، كما أنها تتسبب في كثير من الأزمات بحياة مستخدميها". لافتاً إلى أن ظهور المشكلات الأسرية والزوجية وعرضها في العالم الافتراضي بمجموعات خاصة "تمثل خطورة كبيرة على المجتمع".

وقال زكي لـ "اندبندنت عربية" إن طرح "حكايات البيوت وأسرارها" على الملأ يؤدي إلى تعقيد المشكلات لا حلها، مؤكداً أن ترويج بعض الأفكار أو التجارب الخاصة من جانب أصحاب التعليقات ومحاولة تنفيذها على حال بعينها يسبب كارثة مجتمعية.

وأرجع زيادة نسب الطلاق داخل المجتمع المصري وارتفاع معدل التفكك والعنف الأسري إلى "خروج قضايا الأسرة من الشأن الخاص إلى تداولها على العام، الأمر الذي انعكس على الأسرة إجمالاً بالسلب".

وبلغ عدد حالات الطلاق في مصر العام الماضي نحو 255 ألف حالة بزيادة قدرها 14.7 في المئة عن عام 2020، وفق أرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

غياب الأسرة

وفي شأن أسباب اللجوء إلى متابعي الـ "سوشيال ميديا" بدلاً من الاستعانة برأي الأب أو الأم وكبار الأسرة، أشار أستاذ علم الاجتماع إلى دراسة أجراها عن الأسرة المصرية واستخدامها لمواقع التواصل الاجتماعي، بعنوان "الزواج عبر الإنترنت"، واكتشف خلالها أن سلطة الأسرة المصرية على أبنائها "أصبحت أقل من ذي قبل في ظل تلك المواقع التي منحت الأجيال الجديدة الفرصة للخروج من قيود الأسرة، مع تراجع دور السلطة الأبوية وغيابها عن حل أزمات أبنائها حتى بعد زواجهم، مما يضطرهم إلى (الفضفضة) عن حياتهم الخاصة عبر الإنترنت".

وأشار زكي إلى ضرورة تجديد الخطاب الديني وتطويره ليرتبط بالمشكلات الحياتية والمستقبلية بدلاً من ترك المصريين لأفكار غريبة خارجة عن الدين والعقل، مطالباً الجهات المعنية بتنظيم مؤتمرات وندوات للحث على خصوصية الأسرة وعدم فضحها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

تعليقات ساخرة

أما المعلقون على المشكلات فيشير زكي إلى أن بعضهم يشارك للسخرية أو التحريض، وكذلك الدعم في اتجاه سلبي أو التوجيه لتقليد تجربته الشخصية، وإجمالاً فجميعهم غير متخصصين ولا يهمهم حل المشكلة من عدمه.

وبحسب أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، هاشم بحري، فإن بعض الأشخاص "يكتبون تعليقات كارثية أو ذات غرض بغيض على المشكلات الأسرية، لأنهم في الأساس شخصيات دونية تحاول امتلاك الإحساس بالعظمة، ومرضى نفسيون ليس لديهم أي طموحات أو قيمة ليمارس هوايته المفضلة في (الإفتاء) أو الإدلاء بآراء لا جدوى منها". بحسب تعبيره.

ووصف بحري استباحة الحياة الشخصية وكتابة تفاصيلها عبر مواقع التواصل الاجتماعي بأنها كارثة بكل المقاييس على المجتمع، لافتاً إلى أن كتابة بعض الأشخاص لتفاصيل حياتهم الدقيقة أحياناً يكون "نوعاً من جذب الانتباه"، ومن الممكن أن لا تكون هناك مشكلة من الأساس، بل هي مجرد قصة من تأليفه لصناعة ما يسمى "التريند" أو الدعاية الشخصية، وليس هناك عقل يصدق بعض ما يكتب من مشكلات عبر الإنترنت.

وقال بحري لـ "اندبندنت عربية" إن اللجوء إلى أشخاص غير معروفين ومحاولة التعرف على رأيهم في المشكلات الأسرية الخاصة هو "نوع من العبث". مضيفاً "كيف يمكن أن أصدق كل من يكتب تعليقاً عبر الإنترنت وأنه إنسان عاقل وواع وغير مغرض وبالفعل يريد مساعدتي".

المزيد من العالم العربي