Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تظاهرات موسكو... هل ينجح الشيوعيون والليبراليون في الوصول إلى "انتخابات نزيهة"؟

روسيا تتهم المعارضين بتلقي "الدعم الأجنبي"... و4 سيناريوهات للخروج من الأزمة

قوات الأمن أثناء اعتقالها أحد الناشطين الروس وسط موسكو (أ.ب)

تستيقظُ العاصمة الروسيَّة (موسكو) على وقع تظاهرات جديدة ومتواصلة لكل من الشيوعيين والليبراليين على حدة، في فصل جديد من حركة احتجاج كبيرة تهزّ المدينة منذ شهر، بعد استبعاد مرشحين مستقلين من الانتخابات المحليَّة التي ستجرى في الثامن من سبتمبر (أيلول) المقبل.

كانت الشرطة الروسيَّة قمعت بعنف هذه المسيرات التي خرجت كل سبت منذ منتصف يوليو (تموز) بعد الحكم بإقصاء مرشحي المعارضة في يوليو (تموز) الفائت عن المشاركة في الانتخابات المحليَّة. وأوقفت نحو ثلاثة آلاف شخص لمشاركتهم في الاحتجاجات، أبرزهم المعارض البارز للكرملين أليكسي نافالني المدوّن الناشط في مكافحة الفساد، الذي يقضي عقوبة بالسجن ثلاثين يوماً تنتهي في نهاية أغسطس (آب) الحالي، كما صدرت أحكامٌ بالسجن فترات قصيرة طالت جميع حلفائه السياسيين تقريباً.

انتشارٌ أمنيٌّ مكثفٌ
وفي تظاهرات سابقة استخدمت الشرطة الهراوات لضرب المتظاهرين، كما اعتقلت الأفراد من الشوارع بشكل عشوائي. ومع أن اليوم السبت بدا أكثر هدوءاً من الأسابيع السابقة، وسط انتشار مئات من رجال شرطة مكافحة الشغب في شوارع موسكو، فإنه وعند الساعة 12:45 (09:45 ت غ) كان نحو 3900 شخص يشاركون في تجمُّع سمحت به السلطات للحزب الشيوعي، حسبما ذكرت منظمة "وايت كاونتر" غير الحكوميَّة المتخصصة في تعداد المتظاهرين.

ووصل كثيرٌ من المتظاهرين إلى التجمّع الشيوعي في شارع ساخاروف، حاملين أعلاماً سوفيياتية حمراء، وانضم الشيوعيون الذين تعتبرهم السلطات معارضة "مقبولة" إلى حركة الاحتجاج، ودعوا إلى التظاهر من أجل "انتخابات نزيهة"، رغم أن مرشحيهم لم يُستبعدوا من الاقتراع.

وفي المكان ذاته، تظاهر السبت الماضي أكثر من نحو خمسين ألف شخص بدعوة من المعارضة الليبرالية، في أكبر تجمع منذ التظاهرات الحاشدة في 2011 ضد عودة الرئيس فلاديمير بوتين إلى الكرملين في 2012 بعد توليه منصب رئيس الوزراء لولاية واحدة بين رئاستين.

 

في خطوة تهدف إلى الالتفاف على القيود التي فرضتها السلطات، ورفضها السماح لهم بالتظاهر، خطط ناشطون لتنظيم تظاهرات فرديَّة يقوم فيها الأفراد، كلٌّ على حدة، برفع لافتة احتجاج.

ويلجأ المتظاهرون في روسيا إلى هذا الأسلوب للتعبير عن مواقفهم، لأنه لا يحتاج إلى ترخيصٍ من السلطات، ويستطيعون القيام بذلك شرط احترام مسافة خمسين متراً بين كل متظاهر وآخر، حسب نص القانون.

ووجهت النيابة اتهامات جنائية إلى 12 شخصاً بتهمة إثارة "اضطرابات جماعية"، وهو ما يعرَّضهم إلى أحكام بالسجن تصل إلى ثماني سنوات. وتشمل الاتهامات التي وجهت إليهم "رشق عناصر الشرطة بزجاجات مياه بلاستيكية".

أسباب الاحتجاجات المتصاعدة
انطلقت الحركة الاحتجاجيَّة بعد رفض ترشيحات 60 مستقلاً للانتخابات المحلية المقررة في الثامن من سبتمبر (أيلول) في موسكو بذرائع اعتبروها "واهية"، في وقت يبدو المرشحون المؤيدون للسلطة في موقف صعب في ظل الاستياء من الأوضاع الاجتماعيَّة.

ورغم أن الانتخابات المحلية لا تتمتع بأهمية كبرى في الأجندة السياسية بروسيا، فإنها تعد فرصة نادرة للأصوات المعارضة للمشاركة في الحياة السياسية، إذ إنّ الأحزاب المعارضة للكرملين أُبعدت عن البرلمان خلال عهد بوتين المستمر منذ نحو 20 عاماً.

والثلاثاء الماضي، علَّق الكرملين للمرة الأولى على الاحتجاجات المستمرة منذ شهر، مقللاً من أهميتها. وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف "لسنا موافقين مع هؤلاء الذين يصفون ما يحصل بأنه أزمةٌ سياسيَّة"، كما دافع عن رد فعل الشرطة "المبرر تماماً".

وأثارت صور شابة تتعرض لضرب مبرح على بطنها من جانب شرطي من دون سبب ظاهر خلال هذه التظاهرة، الغضب إلى حدّ إعلان وزارة الداخلية، الاثنين الماضي، فتح تحقيق في القضية.

مؤامرة أجنبية
رغم قلة الحديث الرسمي الروسي عن التظاهرات، فإن موسكو اتهمت حكومات ووسائل إعلام أجنبية بدعم التظاهرات، وأعلن البرلمان الروسي عزمه عقد جلسة خاصة الأسبوع المقبل لمناقشة "التدخل" المزعوم.

وذكرت وسائل إعلام موالية للكرملين، أن تجمّع المعارضة لم يكن سوى "التئام لمجموعة من الشيوخ المتقاعدين، وبعض النشطاء المدافعين عن المثليين، إضافة إلى مجموعة هامشية من الأجانب الحاضرين لتقويض روسيا".

كما طالبت وكالة "روس كومنادور" الحكوميَّة، التي تراقب وسائل الإعلام الروسيَّة، شركة "غوغل" باتخاذ تدابير لمنع "يوتيوب" من السماح للمستخدمين بإرسال معلومات حول التظاهرات التي وصفتها بـ"غير المرخصة".

 

وكانت "روس كومنادور" قالت إنها "تقدمت بشكوى لـ(غوغل) بشأن كيانات غير محددة، يزعم أنها تستخدم قنوات يوتيوب لإرسال إشعارات حول التجمعات غير المرخصة"، بما في ذلك تلك التي "تهدف إلى تعطيل الانتخابات".

وأشارت الوكالة إلى أنه ما لم "تعالج (غوغل) المشكلة، فسيعتبر ردّها تدخلاً في شؤون روسيا، وسيكون لموسكو حق الرد".

وخلال الأيام الأخيرة، ضاعفت السلطات الروسيَّة من ضغطها على المعارضة، إذ باشرت عمليات دهم كثيرة استهدفت معارضين أو مجرد متظاهرين، وفتحت تحقيقاً بحق منظمة المعارض أليكسي نافالني بتهمة "تبييض أموال"، كما أصدرت المحكمة قراراً بتجميد أرصدتها المصرفيَّة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أي مستقبل للتظاهرات؟
حسب أستاذة العلوم السياسية الروسيَّة إيكاترينا شولمان فإن القضايا التي تتهم بها الدولة بحق المشاركين "تغضب الناس"، إذ ينظر إليها على نطاق واسع على أنها "غير عادلة وقاسية بشكل غير متناسب".

وأضافت، هذه القضايا لديها "تأثيرٌ ترهيبي"، بمعنى أن الناس قد يخافون من "الخروج إلى الشوارع"، إلا أنها في الوقت نفسه "تعزز مزاج الاحتجاج، لأنها غير عادلة في شكل صارخ".

وعلى الرغم من أن هذه التظاهرات ليست الأولى التي تشهدها روسيا في عهد بوتين، فإنها وحسب المحللين الروس مرشحة على ما يبدو "للاستمرار والتصاعد".

وعلى وقع استمرارها، طرح السياسي الروسي المعارض ليونيد غوزمان في صحيفة "نوفايا غازيتا" المستقلة والمعارضة لبوتين أربعة سيناريوهات لمستقبل التظاهرات في روسيا. وحسب غوزمان، فإن السيناريو الأول هو أن "تدرك السلطة في موسكو حجم الهاوية التي قادت البلاد إليها، وتقوم بناءً على ذلك بالانسحاب وتسليم السلطة"، إلا أن هذا الخيار، على حد وصفه "مستحيلٌ".

أمَّا السيناريو الثاني، وفق غوزمان، فيتمثل في أن "تقوم الحكومة الروسيَّة بالتفاوض مع قادة التظاهرات لتطويعهم، إما بموافقتهم وإما بترهيبهم"، لكن هذا الخيار، حسب كاتبه، "لن ينجح" نظراً إلى أن "التراجع بات غير وارد عند قادة التظاهرات".

ويتمثل السيناريو الثالث في أن تتبع "السلطات الروسيَّة سياسة النفس الطويل"، وهو "الحل المعتاد" وفق غوزمان، وتترك التظاهرات مع استمرار قوات الأمن والشرطة بالقمع والاعتقالات إلى أن يشعر المتظاهرون بالتعب، ومن ثمَّ الانصراف من حول قادة الاحتجاجات، موضحاً أن هذه الحالة هي "المثالية التي تفضلها السلطة في موسكو".

 

ويختم غوزمان سيناريوهاته، وهو ذلك الذي يرى فيه أن النظام الروسي ربما يلجأ إلى "حالة الطوارئ لمواجهة التظاهرات المتصاعدة"، إذ يعتقد بوتين أنه وعلى مدار العشرين عاماً الماضية سمح بمستوى متدنٍ من الحريات المدنيَّة والسياسيَّة، وهو ما بات يشكل خطراً على نظامه، مسترجعاً طوال الوقت ما حدث في تسعينيات القرن الماضي عند انهيار الاتحاد السوفييتي، وما تبعه من ثورات في جمهوريات الاتحاد، سُمّيت وقتها بـ"الثورات الملونة".

في المقابل، اتهمت صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" التابعة للكرملين المتظاهرين بالتبعية للغرب والتشكيك بوطنيتهم.

كما نشرت صحيفة "روسيسكايا غازيتا" الحكومية الرسميَّة، صوراً لمتظاهرين يحملون لافتات تطالب بالثورة، وآخرين يحملون أعلاماً ملونة بألوان قوس قزح تمثل الدعوة إلى المساواة في الحقوق للمثليين، واصفة المعارضين لبوتين وحكومته بـ"المعارضين للقيم الروسية والفوضويين"، و"الذين يريدون تسليم شبه جزيرة القرم لأوكرانيا".

إلى ذلك، ووفق ما نقلت الوكالة الفرنسية عن المحللة المستقلة ماشا ليبمان، فإن الاحتجاجات أصبحت "عاطفيَّة" أكثر منها "سياسية". موضحة أنّ "حركة الاحتجاج ضعيفة سياسياً، وليس هناك هدفٌ واضحٌ"، مضيفة أنّ الكثيرين "غاضبون" من الإجراءات القمعيَّة التي اتخذتها السلطات.

ورغم تضييق السلطات على قادة المعارضة، فإنه وخلال الأيام الأخيرة أعلن كثيرون من البعيدين عن السياسة "عزمهم على التظاهر"، بينهم أحد رواد يوتيوب يوري دود الذي تتخطى أحياناً مقاطع الفيديو التي ينشرها عشرين مليون مشاهدة، وأحد أشهر مغني الراب في روسيا أوكسيمورون، اللذان دعيا أنصارهما للمشاركة في التظاهرات المرخصة.

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات