Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سبحة انتهاك الحريات تكرّ في لبنان

وزير الثقافة أقام حملة لمنع فيلم "باربي" لكن الأمن العام خيب أمله وسمح به

لوحة للرسام ديمتري ستسفيكاس (صفحة الرسام- فيسبوك)

ملخص

وزير الثقافة أقام حملة لمنع فيلم "باربي" لكن الأمن العام خيب أمله وسمح به

ليست قضية اعتقال الممثل الكوميدي نور حجار أول التعديات على حرية التعبير في لبنان. هي قضية أثارت موجة من الاعتراضات في الشارع وعلى وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام، إنما في الواقع تكررت الانتهاكات بحق الفنانين والمثقفين والإعلاميين أخيراً لدواعٍ منها سياسية ومنها أمنية أو دينية واجتماعية، وتحت شعارات مثل "إثارة النعرات الطائفية" و"المس بالشعائر الدينية" و"المس بالأمن".

ومن مظاهر قمع الحريات التي سجّلت بشكل متكرر أخيراً، منع عرض أفلام في صالات السينما، وآخرها فيلم "باربي" بعد أن أوصى وزير الثقافة اللبناني محمد المرتضى الجهات الأمنية بمنع عرضه لاعتباره "يسيء إلى القيم الأخلاقية" و"يروّج لأنماط اجتماعية تتنافى مع الدين والقيم" مما أثار جدلاً واسعاً في المجتمع اللبناني.

بين اعتقال حجار من أجل مقطع فيديو كوميدي يعود إلى عام 2019، والدعوة إلى منع فيلم "باربي"، وما سبقته من توجهات قمعية متعددة مثل قرار السلطات اللبنانية بمنع عرض فيلم "مينيونر: رايز أوف غرو" لاعتباره يمس بالقيم الاجتماعية والدينية، ومنع عرض فيلم Lightyear من إنتاج شركة بيكسار أيضاً في موسم الصيف الماضي، وغيرها من التعديات على حق التعبير لإعلاميين ومثقفين وفنانين، لا يمكن إلا أن نتساءل حول واقع الحريات في لبنان، وما إذا كان لبنان لا يزال يعتبر فعلاً "بلد الحريات" كما في ستينيات القرن الماضي عندما كانت المقارنة بين الممارسات فيه في هذا المجال وتلك التي في مجتمعات البلاد المحيطة، تأتي لمصلحته لصونه الحريات وعلى رأسها حرية الرأي والتعبير.

من نكتة إلى "خطر داهم"

من أجل نكتة أو مقطع كوميدي يعود إلى عام 2019، أحيل الكوميدي نور حجار إلى المباحث الجنائية المركزية في قصر عدل بيروت تنفيذاً لإشارة قضائية من المدعي العام التمييزي غسان عويدات، بعد استدعائه لدى الشرطة العسكرية. فبعد الانتهاء من التحقيق معه في موضوع مقطع الفيديو القديم الذي تناول فيه الجيش اللبناني، أوقفته المباحث الجنائية وفُتح تحقيق معه في ظروف قدمت مشهداً جديداً في سلسلة قمع الكلمة والصورة وتقييد حرية التعبير التي تتكرر فصولها، وقد تسارعت وتيرتها في السنوات الأخيرة. حتى أن الأمور بلغت حد التحريض على قتل حجار.

وبعد تداول مقطع الفيديو الذي يعود إلى حوالى خمس سنوات مضت على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد تناول فيه حجار مسائل دينية، انطلقت حملة في مواجهته لاتهامه بـ"إثارة النعرات الطائفية والمس بالشعائر الدينية وازدراء الأديان"، واعتبرت دار الفتوى أن أقواله تمس بمقدسات المسلمين والدين الإسلامي. فإذا بحياته تنقلب رأساً على عقب بين ليلة وضحاها من أجل نكتة قديمة في عرض كوميدي له، وإن كان قد أوضح أن المقطع الذي كان متداولاً أولاً على منصة "إكس" مجتزأ، وهو لم يقصد أبداً التعرض للدين الإسلامي في المحتوى الذي قدمه.

في مواجهة هذه الحملة التي شنّت ضده، انطلقت حملات احتجاجية على هذا التعدي على الحريات، مع مطالبات بعدم التعرض لحريات الرأي والتعبير التي من المفترض أن تكون مصونة في لبنان. ورُفعت شعارات في وقفة احتجاجية لحشد من الناشطين أمام قصر العدل للمطالبة بالإفراج عنه، حملت عبارات أبرزها "لا للسلطات الدينية، لا للسلطات الأمنية"، اعتراضاً على اعتقاله، فيما اعتبر كثيرون أن مثل هذه الخطوات لا تهدف إلا إلى إلهاء الرأي العام عن قضايا أكثر أهمية.

بعد التحقيق مع حجار لساعات، أُطلق سراحه بسند إقامة مساء الثلاثاء الماضي في 29 أغسطس (آب) 2023. لكن، كانت قد سبقت قضية حجار، سلسلة من الحملات التي تشنها أخيراً مجموعات دينية بداعي "حماية قيم المجتمع والأسرة".

في حماية القيم الاجتماعية والدينية

من أحدث القضايا التي شغلت الرأي العام أخيراً، قضية منع عرض فيلم "باربي" التي أثارت جدلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام وفي المجتمع. فكان وزير الثقافة اللبناني قد أوصى بمنع عرضه في صالات السينما لاعتباره يروّج للمثلية الجنسية، ويتعارض مع "القيم الأخلاقية والإيمانية ومع المبادئ الراسخة في لبنان". كما اعتبر أنه يسوّق لفكرة رفض وصاية الأب وتوهين دور الأم ويهدد وحدة الأسرة، وذلك في كتاب توجه فيه إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية، مطالباً باتخاذ كل الإجراءات اللازمة لمنع عرض الفيلم في البلاد. علماً أن مصلحة المراقبة في المديرية العامة للأمن العام اللبناني هي الجهاز المسؤول عن الرقابة المسبقة على الأعمال الفنية المعدة للعرض في لبنان، سواء كانت محلية أو مستوردة، وتخضع لها كافة الأشرطة السينمائية، فلا تُعرض إلا بإجازة منها بحسب القانون الصادر في تاريخ 27/11/1947. فإما أن تجيز عرض الفيلم كاملاً أو أن تقرر اقتطاع بعض أجزائه.

وكانت اللجنة التي تعود إليها مراقبة الأفلام قد رفعت توصية أولاً بعرض فيلم "باربي" وتصنيفه ضمن فئة 13 سنة وما فوق، قبل صدور القرار الأخير بالموافقة على عرض الفيلم في صالات السينما لعدم وجود دواعٍ للمنع. إلا أن دعوة وزير الثقافة لمنع عرض الفيلم أثارت موجة من الاعتراضات في لبنان، مع انطلاق حملات تسخر من فكرة اعتبار فيلم "باربي" بمثابة تهديد للقيم الاجتماعية.

وكانت الدعوة إلى منع الفيلم قد أتت بعد حملة واسعة شُنت ضد المثليين وفي ظل خطاب معادي لهم، خصوصاً من قبل الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله الذي دعا إلى إقامة حد للمثليين معتبراً أنهم يشكلون "خطراً داهماً" في البلاد. كما دعا إلى مقاطعة كافة البضائع التي يمكن أن تروّج لهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما فيلم "باربي" الذي تجاوزت إيراداته حاجز المليار دولار على شباك التذاكر العالمي، فلم يُطرح في دول عربية عدة لعدم توافقه مع العادات والتقاليد وفق ما أعلنت الأجهزة المعنية، ومنها الكويت حيث مُنع عرضه لحماية الأخلاق العامة والتقاليد الاجتماعية ولاعتباره يروّج لأفكار دخيلة على المجتمع.

وقبل فيلم "باربي"، كانت أفلام كثيرة وأعمال فنية لم تسلّط الأضواء عليها بهذا الشكل منها أفلام "مينيونز" و"لايت يير" و"ذا نان" والفيلم اللبناني القصير "طلعت الشمس" وفيلم "كليماكس"، قد مُنعت من العرض، بحجة حماية القيم الاجتماعية والدينية، مع ازدياد الضغوطات من قبل السلطات الدينية على اختلاف طوائفها. لذلك، تحوّلت مسألة الحريات إلى محط جدل مع المساعي المتكررة للنيل من الأنشطة الثقافية والفنية في البلاد، وبوجود ضوابط معينة لا يمكن خرقها، والأمثلة على ذلك كثيرة. هذا، فيما من المفترض أن يتخطى العمل الفني المحظور والأفكار السائدة ليقدّم رؤيا جديدة ومختلفة.

وأخيراً، دخلت المجموعات المتطرفة على الخط وساهمت في زيادة الضغوط وتسارع وتيرة انتهاكات حرية التعبير والرأي وقمع الحريات عامةً في البلاد، ما أسهم في تشويه صورة لبنان الذي يصون الحريات والذي لطالما اعتُبرت فيه حرية التعبير والرأي من المقدسات التي يكفلها الدستور.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير