Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما انعكاسات تباطؤ اقتصاد الصين على القارة السمراء؟

من شأنه أن يفتح الباب أمام دول أخرى خصوصاً الأفريقية لجذب حصة أكبر من استثمارات الأسواق الناشئة

يبدو أن معاناة الاقتصاد الصيني وتأرجحه بين إعادة الانتعاش والانهيار تحتاج إلى معجزة (أ ف ب)

ملخص

مع أن حجم المخاطر على الاقتصاد الأفريقي يشكله حجم الشراكة التجارية الكبيرة مع الصين، غير أنه في طي هذه الخسائر، تكمن مكاسب أخرى لكنها تعتمد على شروط لتتجاوز أفريقيا هذه الأزمة.

بدأت الصين الانفتاح على العالم في نهاية سبعينيات القرن الماضي على يد دينغ شياو بينغ، وكانت محادثات مستشار الأمن القومي آنذاك للرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، هنري كيسنجر، قد أنهت حقبة من العداء بين البلدين ومهدت الطريق إلى انفتاح الصين على العالم.

تلك الفترة أعقبت "الثورة الثقافية" بقيادة ماو تسي تونغ التي تسببت في كارثة كبرى على البلاد استلزمت التعافي من تبعات تنفيذ شعار "القفزة العظيمة للأمام"، وذلك في إطار سعي ماو إلى امتلاك القوة الاقتصادية والعسكرية، وقيادة الشيوعية العالمية منافساً للزعماء السوفيات قبل أن يكون منافساً للدول الرأسمالية.

وبدأت الصين الانخراط في تحسين اقتصادها، ثم بعد 10 أعوام أصبحت محركاً موثوقاً لتعزيز النمو العالمي حتى وصلت إلى كونها ثاني أكبر اقتصاد في العالم لمدة ثلاثة عقود، وقطعت هذا التواصل أعوام الإغلاق الصارمة بسبب تفشي جائحة كورونا والمعروفة باسم "صفر كوفيد".

وكان يعتقد أن انفتاح الصين الثاني على العالم باستئناف اقتصادها وفتح الحدود أمام المسافرين سينال حظ الانفتاح الأول نفسه، غير أن نتيجة التوقعات جاءت مخيبة للآمال، ويبدو أن معاناة الاقتصاد الصيني وتأرجحه بين إعادة الانتعاش والانهيار تحتاج إلى معجزة أخرى.

ونسبة للنجاح الذي حققه الاقتصاد الصيني أثناء فترة مضيه نحو التربع في المرتبة الأولى، فإن النكوص الحالي ستكون له تداعيات على العالم من دون استثناء، وسيقع العبء الأكبر على أفريقيا التي يتوزع بها شركاؤها التجاريون، كونها مصدر النمو الأول للصين لأنها تضم أكبر عدد من الدول النامية والناشئة اقتصادياً، ولأن بكين ربطت اقتصاد القارة السمراء ومواردها بها بطريقة لا فكاك منها على مدى العقد الماضي، ودخلت العلاقات مساراً سريعاً نحو حقبة جديدة من مجتمع صيني - أفريقي أقوى وذا مستقبل مشترك، لكن بعد أن أقرت بكين بأن تعافي اقتصادها في مرحلة ما بعد الجائحة سيكون صعباً وحددت النمو المستهدف لاقتصاد البلاد هذا العام بنحو خمسة في المئة.

إنقاذ الإمكانات

منذ خمسينيات القرن الماضي استمرت العلاقات الأفريقية - الصينية حتى وصلت إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية القائمة على تحقيق المكاسب للطرفين، ومنذ تأسيس منتدى التعاون الصيني - الأفريقي (فوكاك) في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2000 استثمرت الشركات الصينية مبالغ ضخمة في أفريقيا نتج منها بناء وتحديث أكثر من 10 آلاف كيلومتر من السكك الحديد، وما يقارب 100 ألف كيلومتر من الطرق، إضافة إلى عدد من الجسور والموانئ والمستشفيات والمدارس، وكذلك الاستثمار في التنقيب واستكشاف النفط.

وحقق التعاون الصيني - الأفريقي المتنامي نتائج ملموسة وأسهم في جهود الدول الأفريقية للحد من الفقر وتحسين بيئة الاستثمار ورفع مستوى التصنيع وتعزيز التنمية الاقتصادية، وعلى مدى العقدين الماضيين تمكنت أفريقيا من تسجيل نمو اقتصادي قوي، ووفقاً لتقرير الأمم المتحدة فإن "هذا النمو يعزى بصورة أساس إلى عوامل خارجية، إضافة إلى الدعم النشط من الصين وانتشار أسواق الصادرات الأفريقية".

وبالنسبة إلى الصين، بحسب التقرير نفسه، فقد "عادت هذه الاستثمارات على بكين بإنشاء سلسلة صناعية عالمية أسهمت في حركة النمو داخل الصين، فنما مخزونها من الاستثمار المباشر في أفريقيا بصورة مطردة خلال الأعوام الأخيرة ليصل إلى 49 مليار دولار عام 2019، بزيادة تقارب 100 مرة منذ عام 2000، ووصل إجمال التجارة الثنائية بين الصين وأفريقيا عام 2021 إلى 254 مليار دولار بزيادة 35 في المئة على أساس سنوي، كما صدرت أفريقيا بضائع بقيمة 106 مليارات دولار إلى الصين بزيادة 44 في المئة على أساس سنوي".

كما لعبت مبادرة "الحزام والطريق" التي أعلنها الرئيس الصيني شي جينبينغ عام 2013 وأطلقتها الحكومة الصينية رسمياً في مارس (آذار) 2015 باسم "الرؤية" دوراً رئيساً في تعزيز وتقوية التعاون الصيني - الأفريقي.

والآن مع وجود 1.5 مليار نسمة في القارة السمراء، حيث يمثل سكان أفريقيا نحو 18 في المئة من سكان العالم مع ناتج محلي إجمالي يبلغ 2.5 تريليون دولار، فإن الصين كانت بانتظار تحقق بعض الاستقرار في الدول الأفريقية الشريكة ذات الاقتصادات الناشئة حتى يتسنى لشركاتها اغتنام فرص اقتصاد آخذ في النمو، وبما أن ذلك لم يحدث ثم أضيفت إليه أزمة تباطؤ النمو في اقتصاد بكين، فإن الحجة الاقتصادية تذهب باتجاه تدهور هذه العلاقة إذا لم تتحقق بعض الشروط التي يمكنها إنقاذ الإمكانات الهائلة في القارة السمراء.

فرص جديدة

ووفقاً للإدارة العامة للجمارك الصينية فقد "ظلت الصين أكبر شريك تجاري لأفريقيا لمدة 14 عاماً على التوالي، وخلال النصف الأول من هذا العام وصلت تجارة الصين مع أفريقيا إلى نحو 160 مليار دولار، مسجلة زيادة على أساس سنوي بنسبة سبعة في المئة، كما تعمل الصين كذلك على إنشاء قناة خضراء لاستيراد المنتجات الزراعية الأفريقية".

 وخلال حوار عقده الرئيس الصيني شي جينبينغ ورئيس دولة جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا مع القادة الأفارقة والصينيين في جوهانسبورغ على هامش قمة "بريكس" الأخيرة، تعهد شي بأن تطلق "بكين مبادرة دعم التصنيع في أفريقيا وخطة لدعم التحديث الزراعي وخطة لتنمية المواهب، وسترسم هذه المبادرات مسار التعاون العملي الثنائي خلال المرحلة المقبلة وتساعد أفريقيا في تسريع عملية التكامل والتحديث، كما ستخصص مزيداً من الموارد للمساعدة والاستثمار والتمويل لبرامج التصنيع".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما ساعدت الصين دول القارة الأفريقية في إعادة بناء البنية التحتية حيث إن كثيراً منها ظلت على حالها منذ أن أسسها المستعمر الذي لم يستهدف سوى المراكز التي كان يدير منها حكم البلاد، كما نفذت تعاوناً مع المنظمات الإقليمية وأعلنت في أغسطس (آب) 2022 إلغاء بعض مستحقاتها من الديون على 17 دولة أفريقية، لكنها لم توضح حجم الديون التي سيتم شطبها ولا أسماء الدول المعنية بالقرار، وهو ما وصفه كثيرون بأنه يوقع دول القارة في "فخ الديون".

وفي هذا يرى الكاتب في شبكة تلفزيون الصين الدولية بركات سيساي أنه "على رغم مزاعم فخ الديون إلا أن بكين تظل حافزاً مهماً للتنمية الأفريقية، إذ ساعدت بلدان القارة السمراء في معالجة عجز البنية التحتية لديها من خلال تمويل التنمية والمساعدة الفنية، وقد تمكنت المساعدة العملية التي قدمتها الصين من تبديد مثل هذه الاتهامات".

كما تدعم الصين أيضاً وتحيط بمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية "أفكفتا" التي دخلت حيز التنفيذ في السابع من يوليو (تموز) 2019، ووقعت 44 دولة اتفاق إنشاء منطقة التجارة الحرة البينية الأفريقية في مارس 2018 خلال قمة الاتحاد الأفريقي في رواندا التي شملت عضوية الاتحاد الأفريقي.

ومع أن هدف المشروع كان إنشاء سوق واحدة مع اتحاد جمركي، مما يسمح بحرية حركة البضائع ورؤوس الأموال ورجال الأعمال، إلا أن نشاط هذه الدول مع الصين يعد أكبر من نشاطها مع بعضها، لأنها تحتاج إلى مشاريع ضخمة مثل شبكة السكك الحديد القارية عالية السرعة وسوق النقل الجوية الأفريقية الموحدة.

تجاوز التوقعات

نشأ تباطؤ اقتصاد الصين لعوامل عدة، منها الأزمة العقارية جراء رفع أسعار شراء العقارات لشح السيولة والفائدة المرتفعة على الرهون العقارية، وتقليص القروض للمطورين العقاريين، وأزمة البطالة بين الشباب الصينيين، وسياسة التشدد النقدي للفيدرالي الأميركي ورفعه المتكرر للفائدة، وتغير المناخ وتزايد الانبعاثات الكربونية، لكن هناك عوامل أخرى تؤثر مباشرة في القارة الأفريقية ومنها تصاعد دور الحزب الشيوعي الصيني، وقد كتب وزير الخزانة الأميركي الأسبق هانك بولسون أنه "في عهد الرئيس شي جينبينغ ضاعفت الصين دور الحزب الشيوعي كوسيلة للإشراف على الاقتصاد"، وأضاف "لقد أثر ذلك بصورة كبيرة في روح ريادة الأعمال لدى الشعب الصيني التي كانت القوة الدافعة خلال العقود الماضية من النمو"، وبالطبع ألقى ذلك بظلاله على مشاريع شركاتها مع الدول الأفريقية.

كما تراجع الطلب العالمي منذ بدايات عام 2023، وسجلت الصين باعتبارها أول اقتصاد في "مجموعة الـ 20" انخفاضاً على أساس سنوي في أسعار المستهلكين، مما يهدد بدخول مرحلة الانكماش المالي ويزيد المخاوف إزاء تضرر الأعمال بين الشركاء التجاريين الرئيسين، وأكثرهم يتمركزون في القارة الأفريقية، كما قد يضعف تباطؤ الاقتصاد الصيني الطلب على المنتجات الأفريقية التي قادت تعافيه في مرحلة ما بعد الجائحة وساعدت اقتصادها في تجاوز التوقعات خلال العام الحالي.

ومن العوامل كذلك تعزيز بكين تدويل اليوان الصيني بدلاً من الدولار الأميركي خلال التعاملات التجارية عام 2018، فقد أنشأت بورصة السلع بالصين "بورصة شنغهاي" لتسليم النفط من دول مثل إيران وفنزويلا وروسيا باليوان فقط، كما أن دولاً أخرى بصدد التداول باليوان والعملات المحلية، وبالنسبة إلى أفريقيا فإن عدم وجود عملة موحدة قوية سيضعف العملات المحلية أمام اليوان.

أداة حاسمة

يشار إلى أن أفريقيا تأثرت بتباطؤ الاقتصاد الصيني ضمن مؤثرات أخرى، فبحسب مؤشرات صندوق النقد الدولي فقد تباطأ النمو الاقتصادي في الدول الأفريقية جنوب الصحراء بنحو أربعة في المئة، وهو الأبطأ منذ عام 1999، ويقول صندوق النقد الدولي إن "الدول الأفريقية المصدرة للنفط ومن بينها نيجيريا وأنغولا تواجه تراجعاً في النمو هذا العام، كما ستتأثر الصادرات من باقي البضائع التي تمثل نحو 40 في المئة من نشاط سكان جنوب الصحراء، وستتأثر هذه الصناعات أيضاً بتراجع الأسعار".

لكن صندوق النقد الدولي يقول إن "التأثير سيكون أقل منه على الدول المصدرة للنفط، كما ستستفيد الأنشطة غير المتعلقة بالنفط من تراجع أسعاره".

وذكرت مجلة "أفريكا بريفينغ" أن "بنك التنمية الصيني قام أخيراً بتعزيز تسهيلات القرض لأجل بتخصيص 400 مليون دولار لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة الأفريقية من خلال تشكيل شراكة وتوقيع اتفاق بالخصوص مع بنك التصدير والاستيراد الأفريقي"، وأوردت المجلة أن "الاتفاق ينص على أن بنك التنمية الأفريقي سيستخدم التسهيلات بهذا المبلغ لدعم الشركات الأفريقية الصغيرة والمتوسطة المشاركة في التجارة داخل أفريقيا وخارجها"، مضيفة أن "هذه الخطوة الاستراتيجية تهدف إلى تعزيز النشاط الاقتصادي وتحفيز خلق فرص العمل والإسهام في مسار النمو في أفريقيا".

وذكرت "أفريكا بريفينغ" أن رئيس مجلس إدارة بنك التنمية الأفريقي بينديكت أوراما أشار إلى التحديات المالية التي تواجهها الشركات الأفريقية الصغيرة والمتوسطة أثناء محاولتها تأمين تمويل ميسور الكلفة لتوسيع أعمالها، مشدداً على أن "تسهيلات بنك التنمية الصيني ستكون بمثابة أداة حاسمة لزيادة توافر التمويل لهذه الشركات".

الرهان الأفريقي

وتضع دول القارة الأفريقية الصين في محور محاولاتها لتعزيز النهضة الصناعية والاقتصادية منذ تسعينيات القرن الماضي، لكن تباطؤ الاقتصاد الصيني يمثل تهديداً أكبر على أفريقيا التي رمت بثقل طموحاتها على الصين باعتبارها رائدة نمو الاقتصادات الناشئة.

ومع أن حجم الأخطار على الاقتصاد الأفريقي يشكله حجم الشراكة التجارية الكبيرة مع الصين، غير أنه في طي هذه الخسائر تكمن مكاسب أخرى لكنها تعتمد على شروط إن تحققت فستتجاوز أفريقيا هذه الأزمة.

ووفقاً لـ "بلومبيرغ" فقد توقع سيم تشابالا الرئيس التنفيذي لمجموعة "ستاندرد بنك غروب" أكبر بنك في أفريقيا والمملوك بنسبة 20 في المئة للبنك الصناعي والتجاري الصيني، أن "تؤدي التحولات في اقتصاد الصين إلى صدمة في سلاسل التوريد العالمية"، لكنه أشار إلى أنه "من الواضح أن الاقتصاد الصيني يتغير ويركز بصورة متزايدة على الاستهلاك، وبدرجة أقل على الاستثمار، وهذه فرصة لجلب التصنيع ونهاية سلاسل القيمة إلى أفريقيا، لأن إنتاجها في الصين يصبح أكثر كلفة".

وبحسب وكالة الأنباء الإثيوبية "إنا" فقد تحدث سفير بكين لدى أديس أبابا تشاو تشي يوان عن أهمية زيادة توسيع الأنشطة الاقتصادية التي تمارسها الحكومة الصينية والشركات الخاصة في إثيوبيا، والفائدة العائدة على أفريقيا بصورة عامة في ظل بحث الشركات الصينية عن فرص استثمار إضافية.

وبينما كان الرئيس الصيني شي جينبينغ ووزير التجارة وانغ وينتاو يتحدثان خلال "قمة بريكس" عن "مرونة الاقتصاد الصيني وإمكاناته الهائلة والحيوية"، نوه مراقبون إلى أن "التباطؤ الاقتصادي الذي تشهده بكين من شأنه أن يفتح الباب أمام دول أخرى، وخصوصاً أفريقية، لجذب حصة أكبر من الاستثمارات التي تستهدف الأسواق الناشئة".