Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

متى ينجو المعلم المصري من براثن العوز؟

يعد "الأفقر عالمياً" والغلاء وضعف الدخل يدفعانه إلى العمل في مهن شاقة

يبحث المدرس المصري عن مصادر دخل إضافية بسبب قلة الراتب (مواقع التواصل)

ملخص

خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، ومع الغلاء الشديد في أسعار السلع والخدمات، لجأ عدد من المعلمين إلى البحث عن عمل إضافي لتحسين ظروفهم المعيشية، واتجه بعضهم لشراء "توكتوك" أو العمل كسائق أجرة بعد انتهاء اليوم الدراسي.

كمن يطارد خيوطاً من دخان، تأتي جهود الحكومة المصرية لاحتواء أزمات منظومة التعليم كسباق لا ينتهي في دائرة مفرغة، ففيما تقول وزارة التعليم المصرية إن هدفها تحسين أحوال التعليم ورفع المستوى المعيشي للمعلم المصري بزيادة راتبه، تأتي القرارات المتعاقبة، خصوصاً المتعلقة بفرض ضرائب على دخول المعلمين، لتأكل الأخضر واليابس تاركة المعلم فريسة للغلاء.

ومع قرب بدء عام دراسي جديد في سبتمبر (أيلول) المقبل، عقد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اجتماعاً مع رئيس الحكومة مصطفى مدبولي ووزير التربية والتعليم رضا حجازي لمتابعة تطوير منظومة التعليم وجهود دعم الكوادر البشرية من المعلمين وحسن انتقائهم وتوفير الأعداد المناسبة منهم بما يتوافق مع أعداد الطلاب، إلى جانب تدريبهم ورفع قدراتهم المهنية.

وإذ تعاني مصر عجزاً في أعداد المعلمين، زاد قرار رئيس الوزراء الأسبق كمال الجنزوري الصادر في 1998 بوقف "التكليف" (نظام تعيين ألزمت الحكومة المصرية نفسها به لعقود طويلة وبموجبه يتم توظيف جميع خريجي كليات التربية في وظيفة معلم عقب التخرج) بدعوى أن موازنة الدولة لا تتحمل عبء تكليف خريجي كليات التربية، مما أدى إلى تفاقم أزمة نقص الكوادر التربوية في المدارس المصرية ليصل العجز في أعداد المعلمين بحلول عام 2022 جراء هذا القرار إلى 323 ألف معلم.

ووفق إحصاءات صادرة عن وزارة التربية والتعليم، يبلغ عدد المعلمين المزاولين للمهنة نحو 992969 معلماً في العام الدراسي 2021/2022 مقارنة بـ1015700 معلم في 2020/2021.

"اندبندنت عربية" استطلعت آراء متخصصين حول سبل الارتقاء بالعملية التعليمية بعدما تدهورت أوضاع المعلم المصري ووضعته بين شقي رحى، إما بمخالفة القانون والعمل في مجال "الدروس الخصوصية" أو الولوج في أي حرفة أخرى مثل البناء أو العمل كسائق أو في أحد المحال التجارية لمواجهة أعباء الحياة.

ظروف صعبة

تقول جيلان أحمد، معلمة، إن أوضاع المدرس المصري في تدهور مستمر بسبب تراجع مستواه المادي، مشيرة إلى أن الزيادات التي تتحدث عنها الحكومة في رواتب المعلمين تستقطع غالبيتها تحت بند الضرائب.

وأضافت لـ"اندبندنت عربية" أن الزيادة التي تقر في رواتب المعلمين كغيرهم من موظفي الدولة يجب أن ترفع من الراتب الأساسي للمعلم، ليصعد بمرور الوقت أساس الراتب إلى جانب زيادة قيمة الراتب الشامل، وتابعت أن "الزيادة السنوية التي تعلنها الحكومة تقدر كنسبة من الراتب الأساسي للموظف، بينما تم تثبيت أساس رواتب المعلمين عام 2014، بالتالي لو أقرت الحكومة 10 في المئة مثلاً كزيادة في راتب المعلم يتم احتسابها من أساس الراتب الذي كان يتقاضاه في 2014 وليس 2023 ليجد أنها زيادة هزيلة جداً لا تناسب حجم الغلاء والتضخم طوال تلك السنين".

واستكملت حديثها "مدة خدمتي في التعليم 30 عاماً وعلى درجة وكيل وزارة وأساس راتبي يحسب على عام 2014 بقيمة 550 جنيهاً تقريباً، وراتبي الشامل هذا العام هو 6000 جنيه (193.5 دولار أميركي) فلو أقرت الحكومة زيادة 10 في المئة على الأساسي أصبحت قيمة الزيادة السنوية 55 جنيهاً (1.8 دولار) في حين يتم استقطاع ضريبة على هذه الزيادة وفقاً للضرائب المفروضة في 2023، فنجد أنفسنا لم نحصل على زيادة ولكن تم خفض الراتب لسداد ضريبة الزيادة التي أقرتها الحكومة".

ووفقاً لوزارة التربية والتعليم المصرية، بلغت المخصصات المالية للتعليم في الموازنة العامة للدولة لعام 2022-2023 نحو 131 مليار جنيه (42.5 مليون دولار تقريباً)، تستحوذ أجور المعلمين والتسويات الخاصة بهم على 84 في المئة منها، وفق تصريحات وزير التعليم السابق طارق شوقي.

غضب برلماني

في يناير (كانون الثاني) 2022 شن أعضاء في مجلس النواب هجوماً حاداً على وزير التعليم المصري وقتها طارق شوقي بسبب تدني رواتب المعلمين وتدهور وضع المدارس والعملية التعليمية.

وقال النائب سامح حبيب إن مرفق التعليم تراجع بشكل حاد ووصل الأمر إلى عجز الحكومة عن تعيين المعلمين أو حتى عمال نظافة في المدارس، مشيراً إلى أن هناك معلمين يضطرون إلى تولي مهمة تنظيف الفصول ودورات المياه بسبب عجز العمالة المعاونة بالمدارس، وطالب بسد العجز الصارخ في المدرسين عن طريق تحرير عقود رسمية لخريجي كليات التربية.

النائب محمد الصمودي انتقد أيضاً توجه وزارة التعليم لفتح الباب أمام التطوع للتدريس في المدارس مقابل 20 جنيهاً (أقل من دولار)، لافتاً إلى أن هناك 36 ألف معلم نجحوا في اختبارات التعيين التي عقدتها الوزارة قبل ثلاثة أعوام ووقعوا عقود عمل موقتة، ثم مارسوا العمل لمدة شهرين ليتم بعد ذلك إنهاء تعاقداتهم بشكل مفاجئ.

وكان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أعلن العام الماضي وضع خطة تنفيذية يتم تطبيقها على مدى خمس سنوات لسد العجز في أعداد المعلمين.

وعلى رغم الإشادة بالقرار الذي حدد آلية اختيار المعلمين من خلال اختبارات ومعايير محددة، فإنه لقي أيضاً انتقادات خاصة بشكل العلاقة التعاقدية بين الطرفين، وهل سيتم التعيين بعقود دائمة تشمل أجراً شهرياً مع علاوات وحوافز، أو بعقود موقتة أو بنظام المكافأة "التدريس بالحصة".

مهن بديلة

خلال الأعوام الخمسة الأخيرة ومع الغلاء الشديد في أسعار السلع والخدمات، لجأ عدد من المعلمين إلى البحث عن عمل إضافي لتحسين ظروفهم المعيشية، واتجه بعضهم إلى شراء "توكتوك" أو العمل كسائق أجرة بعد انتهاء اليوم الدراسي.

يقول معلم في مدرسة للتعليم الأساسي بمحافظة أسيوط (طلب عدم نشر اسمه) إن الغلاء الشديد في الأسعار ورغبته في البعد من مجال "الدروس الخصوصية" بما له أو عليه، كان وراء بيعه "المنظفات" في السوق التجارية القريبة من مقر عمله.

ويضيف، "تدهورت أوضاع المعلمين خلال الأعوام الماضية ولم نجد سبيلاً سوى رفع دعاوى قضائية لتعديل أساس الراتب المتوقف عند 2014، ومن حصل على حكم قضائي بصرف متجمد فروق الراتب والحوافز لم يتمكن من تنفيذه حتى الآن، وعلى مستوى خدمات النظافة في المدارس أو سداد اشتراك الإنترنت يتم ذلك من جيوب المدرسين، إذ إننا نتكفل بتجميع رواتب العمال شهرياً لعجز الحكومة عن تعيين عمال خدمات في المدارس".

وأشار إلى أن المعلم المعين حالياً يعاني بشدة بسبب وقف التعيينات الجديدة وبلوغ عدد كبير من المعلمين السن القانونية للتقاعد، مما يتسبب في تحميلهم أعباء تدريس أكبر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتشن وزارتا التعليم والداخلية المصرية حملات متتالية لضبط مراكز الدروس الخصوصية، كما شرعت الدولة في إقرار مشروع قانون يجرم نشاط الدروس الخصوصية و"يعاقب بالغرامة التي لا تقل عن 5 آلاف جنيه ولا تجاوز 50 ألف جنيه (1500 دولار أميركي) كل من أعطى درساً خصوصياً في مركز أو في مكان مفتوح للجمهور بصفة عامة، وتشدد العقوبة في حال العودة لتكرار الجرم ذاته بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات ومصادرة الأغراض المضبوطة محل الجريمة".

وفي مارس (آذار) الماضي قال مستشار رئيس مصلحة الضرائب سعيد فؤاد إن أصحاب الدخل الأعلى من 36000 جنيه سنوياً (1161 دولاراً) سيخضعون للشرائح الضريبية التصاعدية بدءاً من 2.5 في المئة، وإذا بلغ صافي الدخل مليون جنيه (31 ألف دولار) سيخضعون لشريحة ضريبية 25 في المئة.

وعام 2019 ألقت قوات الأمن في القاهرة القبض على المتهم بقتل مدرس في العقد الثاني من العمر بمنطقة النهضة لسرقة "التوكتوك" الخاص به والذي يعمل عليه بعد انتهاء اليوم الدراسي.

محمود صقر مدرس مادة الجغرافيا في معهد النخيلة الأزهري بمطروح، أحد النماذج التي سعت إلى تحسين دخلها من خلال حرف أخرى بعد مواعيد العمل الرسمية، إذ يعمل سائقاً ينقل المصطافين داخل أرجاء محافظة مرسى مطروح، مؤكداً أن العمل لتحسين مستوى الشخص ليس عيباً، بينما يشير أسامة شيبة وهو معلم إلى أنه يعمل سائق "تاكسي" ضمن أحد تطبيقات نقل الركاب الشهيرة لتحسين دخله، إذ رفض إعطاء دروس خصوصية للتلاميذ.

منظومة "Payroll"

وشكا عدد كبير من المعلمين من استحداث نظام لصرف الرواتب يعرف بـ"باي رول" أعلنت عنه وزارة المالية المصرية نهاية العام الماضي ضمن خطة الحكومة للتحول الرقمي، مؤكدين أنه لا أحد منهم يعرف حجم الاستقطاعات الضريبية التي تخصم من الراتب منذ تطبيق هذا النظام.

ونظام "باي رول" تديره شركة حكومية تقدم الدعم الفني والتقني الكامل لإتمام المشروع القومي للتحكم في الرواتب ومستحقات العاملين المسجلين في الجهاز الإداري للدولة.

ووفقاً لبيانات وزارة المالية، فإن النظام يتيح للموظفين بيانات مطلوبة عدة يرغبون في معرفتها وأبرزها إمكان الاستعلام عن بيانات الراتب والإضافات والمكافآت وأن هذا النظام متفق مع قوانين الضرائب والتأمينات الاجتماعية.

خطة لسد العجز

من جهته أعلن وزير التربية والتعليم رضا حجازي عزم الوزارة تعيين 150 ألف معلم خلال ثلاثة أعوام بدلاً من خمسة لسد العجز في المعلمين، مشيراً إلى اعتماد 300 مليون جنيه للتعاقد مع معلمين متطوعين بالحصة لسد العجز هذا العام.

وكشف حجازي في تصريحات صحافية عن دراسة يتم الإعداد لها حالياً بالتنسيق مع وزير التعليم العالي والبحث العلمي للإسهام في حل مشكلة العجز في عدد المعلمين من خلال تقليل مدة الدراسة في كليات التربية لتصبح ثلاثة أعوام فقط بنظام الساعات المعتمدة وأن يكون العام الرابع بمثابة تدريب عملي لدى وزارة التربية والتعليم.

وفي يناير 2022 وجه الرئيس المصري بالإعلان عن تعيين 30 ألف مدرس سنوياً لمدة خمسة أعوام لتلبية حاجات تطوير قطاع التعليم، كما اعتمد حافزاً إضافياً جديداً لتطوير المعلمين بقيمة 3.1 مليار جنيه.

 

مدير المركز المصري للحق في التعليم عبدالحفيظ طايل أكد أن المعلم المصري من "أفقر معلمي العالم" من حيث الدخل المادي، مشيراً إلى أن تصنيف الدول الأكثر إنفاقاً على أجور المعلمين يضع حداً أدنى لأجر المعلم عالمياً بقيمة 500 دولار شهرياً، في حين يتقاضى المعلم المصري 150 دولاراً شهرياً وهو أقل من ثلث أقل أجر للمعلم عالمياً.

وأضاف لـ"اندبندنت عربية" أن "أجر المعلم المصري خارج أي تصنيف فهو في الشريحة الدنيا من الأجور غير المصنفة عالمياً، في وقت يتحمل أعباء عمل بزيادة 150 في المئة عن أقرانه من المعلمين في العالم بسبب الكثافة الطلابية المرتفعة داخل الفصول، إلى جانب نقص أعداد المعلمين".

ولفت إلى أن في مصر وعلى مستوى المعلمين المعينين بشكل دائم هناك معلماً واحداً لكل 32 تلميذاً في المرحلة الابتدائية وهو ضعف المعدل العالمي الذي يحدد معلماً واحداً لكل 18 تلميذاً، وفي المرحلة الإعدادية هناك معلم لكل 26 طالباً.

وينظم القانون 155 لعام 2007 علاقة العمل في وزارة التربية والتعليم لكنه لا يطبق فعلياً، فقد وضعت وزارة التعليم المصرية شروط العمل كمعلم وفقاً لقانون السوق، مما أدى إلى ظاهرة تتمثل في وجود عجز بوظائف التدريس تصل إلى 500 ألف معلم بسبب تقاعد 40 ألف معلم سنوياً، وفي الوقت نفسه هناك بطالة بين خريجي كليات التربية بسبب وقف التعيين وإلغاء قرار التكليف.

ويشير طايل إلى أن الحكومة تلجأ إلى أربعة طرق لسد العجز في أعداد المعلمين، الأولى بالاعتماد على المعلمين المتطوعين بعقد عمل من دون مقابل مادي وينحصر في فئة شباب المعلمين، والطريقة الثانية توقيع عقود "المشاركة المجتمعية" وهي عقود عمل من دون مقابل مادي متاحة لمن يرغب من دون التقيد بسن المتقدم للعمل.

أما الطريق الثالث، فهو العمل بعقود "الحصة" التي وصفها طايل بـ"عقود المحظوظين" وفيها يتقاضى المعلم أجراً عن الحصة قيمته نصف دولار ويتراوح إجمالي الأجر شهرياً ما بين 800 إلى 1000 جنيه (31 دولاراً).

وعن المسار الرابع لسد عجز المعلمين، أكد طايل سعي الحكومة إلى تقليص مدة الدراسة النظرية في كليات التربية لتصبح ثلاثة أعوام، على أن تكون السنة الرابعة بمثابة "تدريب عملي" في المدارس الحكومية ومن دون الحصول على أجر.

ويرجع طايل أزمة نقص أعداد المعلمين إلى تجاهل الحكومة تطبيق القانون 155 لعام 2007 المنظم للعلاقة بين المعلم ووزارة التعليم، إلى جانب وضع شروط مجحفة مالياً وقانونياً للمعلم الراغب في العمل، كذلك الغياب الكامل للنقابات في الدفاع عن حقوق المعلمين، مشدداً على أن الحل يبدأ بتنظيم المعلمين لصفوفهم للمطالبة بحقوقهم المهدرة، ومؤكداً أن أقل راتب للمعلم المصري المعين بعقد هو "صفر" فهو يعمل من دون أجر باعتبار ذلك خطوة تمكنه من انتهاج طريق "الدروس الخصوصية" أو أن يحدث متغير يدفع الحكومة إلى تعيينه على درجة دائمة، ولفت إلى أن أعلى راتب للمعلم المعين رسمياً في مصر بدرجة "معلم خبير" هو 3400 جنيه (120 دولاراً).

وقال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في المؤتمر الوطني السادس للشباب إن الدولة لا ترفض منح المعلمين رواتب تليق بقيمة المعلم ودوره، وإنما هي غير قادرة على ذلك.

من جهته، يرى الخبير في المركز القومي للبحوث التربوية كمال مغيث أن المعلم المصري يحصل على ما يعادل 50 دولاراً في الشهر، موضحاً أن هذا الرقم يتم التفاوض عليه بالساعة في النظم التعليمية المتطورة.

وتراجعت مصر عالمياً لتصبح في المرتبة 79 خلال عام 2022 في جودة التعليم وفقاً لمؤشر "المعرفة العالمي" (مؤشر يصدر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومؤسسة بن راشد آل مكتوم) وتعتمد عليه المؤسسات المصرية.

وتعاني مصر عجزاً في الفصول الدراسية بقرابة 275 ألف فصل دراسي، تمثل 25 ألف مدرسة، وكانت الحكومة أعلنت نيتها الانتهاء منها بحلول عام 2025 إلا أن ما تم تنفيذه فعلياً هو 27 ألف فصل تمثل 10 في المئة من نسبة الاحتياج المجتمعي للمدارس.

وتلزم المادتين 19 و23 من الدستور المصري، الدولة تخصيص أربعة في المئة من الناتج القومي الإجمالي للتعليم ما قبل الجامعي، إلا أن ذلك لم يتحقق على أرض الواقع، إذ لم تلتزم الحكومة تنفيذ هذه النصوص الدستورية.

المزيد من تحقيقات ومطولات