Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"السويداء"... مدينة التأييد والحياد والاحتجاج بسوريا

تبنت التظاهرات الأخيرة على رغم دعمها لنظام الأسد وعدم الانحياز مع روسيا وتركيا و"داعش"

ملخص

لماذا السويداء؟ وما سر توقيت الحراك الشعبي؟

خطفت مدينة السويداء جنوب سوريا الأنظار خلال الأيام السابقة، حين تعالت أصوات أهلها مطالبين بتحسين واقع حياتهم المعيشية والاقتصادية، وسرعان ما تحولت إلى احتجاجات سياسية مع إضراب عام وعصيان مدني امتد لمختلف أرجاء المدينة والريف.

في المقابل باتت الساحات العامة في المدينة أشبه بمسرح يعتليه الناس للتعبير عن رأيهم بصوت مرتفع حيال واقعهم الاقتصادي والسياسي بمنتهى الحرية دونما اعتراض من الأجهزة الأمنية، إذ خلت السويداء من أي مظهر مسلح، وأغلقت مقار حزب البعث الحاكم.

يبدو للوهلة الأولى مع انقضاء كل هذا الوقت حرص السلطات تجنبها الاصطدام مع المتظاهرين ما دامت الاحتجاجات تحمل طابعاً سلمياً، على خلاف ما كان متوقعاً بزج أفراد الجيش والأمن، وسط تزايد نقاط الاحتجاجات واتساع رقعتها، وهذا مؤشر على كونها مستمرة حتى تحقيق هدفها وليست مجرد حال "تنفيس" أو شغب كرد فعل على القرار الحكومي الأخير برفع الدعم عن المشتقات النفطية، التي ضاعفت أسعار المنتجات وزادت من قيمة المواصلات بين المدن والمحافظات.

وليس بالغريب أن تحمل السويداء خصوصية جعلتها بمنأى عن الصراع المسلح أو الحراك الشعبي منذ 2011، إذ اعتبرت من المدن المؤيدة للسلطة، ولهذا لم تدخلها القوات النظامية أو أجهزة الأمن ولا حتى قوات فض الشغب أو شرطة حفظ النظام، بل أطلقت تسويات عدة أهلية وشعبية عبر وسطاء باتفاق أتاح تأدية أبناء المحافظة للخدمة بالجيش النظامي في مدينتهم، وترافق ذلك مع ولادة فصائل مسلحة بالتزامن مع تزايد هجمات "داعش" منذ 2015 وحتى نهايته في عام 2019 وتعرضت خلال هذه الفترة لتفجيرات، كما ردت المدينة عديداً من الهجمات.

تعد احتجاجات الكرامة أو ما أطلق عليها ثورة الجوع بأكتوبر (تشرين الأول) عام 2022 في السويداء تحركاً يعد الأول من نوعه من حيث الحجم والتحرك وحمل مفاجأة لكل الفرقاء من معارضين وموالين أو فريق ثالث محايد يطلق عليه (الرمادي) بعد انفجار الوضع في المدينة بسبب الجوع والفقر وتردي الأوضاع الاقتصادية، وقتها هاجم المتظاهرون دار الحكومة وأحرقت السرايا.

تفاوض الوجهاء

وتعود اليوم مخاوف السوريين أن تتجه الأمور إلى التصعيد هذا العام قبل التوصل إلى اتفاق أو تفاوض بين وجهاء المدينة والفريق الحكومي، أو كما اعتاد فريق روسي أن يتصدى بدبلوماسية لعديد من القضايا الشائكة كهذه.

المدينة الوديعة المشهورة بزراعة العنب والتفاح وتمتد على مساحة 6 آلاف كيلومتر مربع ناهز عدد سكانها 375 ألف نسمة، وفقاً لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في عام 2010، وهو العام الأخير الذي تتوفر فيه أرقام إحصائية موثوقة، شكل الموحدون الدروز نحو 90 في المئة، والمسيحيون ما يقرب من سبعة في المئة من السكان، مع وجود ثلاثة في المئة من العرب السنة، في حين تموضع على أطراف سلاسل جبال بركانية خامدة وكهوف عناصر تنظيم "داعش" التي تحصنت بها لشن هجمات متلاحقة طوال الفترة الماضية قبل سقوطها.

ووصفت دار الطائفة الدرزية القرارات الحكومية الأخيرة بأنها "أضرت بالمواطن الذي لا يجد قوت يومه لتضع استمرار فشلها على أكتافه وتحمله مسؤوليتها، وهذا ما استدعى مواجهة هذه السياسات الاقتصادية غير المسؤولة التي تستهتر بقوت الشعب ومقدراته".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وطالبت الطائفة الدرزية في بيان لها في الـ23 من أغسطس (آب) الجاري "بتغيير حكومي وتشكيل حكومة جديدة قادرة على إدارة الأزمة وتحسين الواقع وإيجاد الحلول وعدم ترحيل المسؤوليات والتراجع عن كل القرارات الاقتصادية الأخيرة التي لم تبق ولم تذر، والعمل على تحسين الواقع المعيشي للمواطنين وتحقيق الحياة الكريمة وإزالة كل العوائق والمظاهر التي تسبب إهانة المواطنين".

وشدد البيان على أهمية "محاربة الفساد والضرب على أيدي المفسدين بكل صدقية وتقديمهم للعدالة، وأن تمارس المؤسسة الأمنية والشرطية دورها في الحفاظ على الأمن وأن تكون عوناً للمواطن والمحافظة على وحدة الأراضي العربية السورية وتحقيق السيادة الوطنية، وإعداد دراسة تشغيل معبر حدودي لمحافظة السويداء لإنعاشها اقتصادياً، داعياً إلى عدم قطع الطرقات لأنها تتسبب في قطع معاشهم وسبل أرزاقهم.

فصائل مسلحة

وشكلت القيادات الدرزية فصائل مسلحة لحماية المدينة حين اشتداد خطر تدفق "داعش" من طرف البادية وتسلل عناصر إليها بغية تنفيذ هجمات إرهابية وتفجير سيارات ودراجات نارية مفخخة، ولهذا أطلق وحيد البلعوس حركة "رجال الكرامة" عام 2013 واكتسح شعبية واسعة من أبناء السويداء على خلفية مطالبته بعدم إرسال الشبان إلى جبهات القتال، وأسفر اغتيال البلعوس عن انقسام الحركة إلى فرق وفصائل متعددة منها ما أخذ طريق المعارضة للحكم وآخر نأى بنفسه عن الانخراط بمعترك الصراع المسلح، فيما قاد نجله ليث البلعوس فصيلاً مسلحاً سمي بـ"قوات شيخ الكرامة" وعرف عنه معارضته للسلطة.

هذا الحراك يأتي بتوقيت حساس يطرح معه مجموعة تساؤلات عن جدية التظاهرات وسرعة تحولها من مطالب اقتصادية إلى سياسية وصلت إلى حدود إسقاط السلطة، وذلك ما أعاد السوريين للمربع الأول قبل اندلاع الصراع المسلح بين المعارضة والحكومة.

وبكثير من الترحيب تستقبل المعارضة السورية هذا التطور الجديد بعد كل الخسارات المتلاحقة التي تكبدتها بعد حديث عن تقارب بين دمشق وأنقرة وعودة العاصمة السورية لمقعدها بالجامعة العربية وحضور اجتماعات جدة في الـ19 من مايو (أيار)، مع الانفتاح العربي على سوريا بعد حصار طويل وعقوبات شديدة ومن أكثرها شدة قانون قيصر أو "سيزر".

 ومع كل هذه التطورات تجد المعارضة السياسية والمسلحة ما يحدث فرصة لإرسال ما يشبه قبلة حياة يتجدد معها الحراك الشعبي من بوابة صعوبة المعيشة المتردية التي أفقدت الموالين ثقتهم بحكومتهم من جديد، لكن حراك جبل العرب أعاد الأمل لإحياء معارضة الداخل بعد فقدان الحاضنة الشعبية التي هاجرت إلى الشمال الغربي في إدلب أو تركيا.

وتتزايد هواجس السوريين بالداخل من تفجر الأوضاع، وحمام دم في حال لم تتوصل الأطراف إلى اتفاق سلمي سيشعل المدن السورية مجدداً بأزمات واضطرابات لاحقة وفق ما يتوقعه مراقبون، بينما تبادل ناشطون مؤيدون للسلطة بنود وثيقة لا تخلو في فحواها من شيطنة الحراك الشعبي في السويداء ودرعا، وشككت بالمطلب المعيشي بما فيه الانتقال إلى السياسي وصولاً لإسقاط السلطة قد يكون جراء مؤامرة أجنبية ودعم خفي، بحسب وصفهم.

مشاركة قبلية

في مقابل هذا من اللافت مشاركة رجال الدين من طائفة الموحدين الدروز بالتظاهرات إذ أصدر الرئيس الروحي للطائفة حكمت الهجري بياناً وصف به الصمت أنه لا يعني الرضا، وآن الآوان بحسب رأيه لقمع مسببي هذه الفتن والمحن ومصدري القرارات الجائرة والمجحفة الهدامة.

وإلى جانب مشاركة رجال الدين وشيوخ العقل بالاحتجاجات وتأييدها من باب الضغط على الحكومة للاستجابة للمطالب المعيشية المحقة، إذ نبهوا بالوقت ذاته إلى عدم الانجرار إلى الفتنة ونادى الهجري "بالحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة".

في هذه الأثناء يعتقد متابعون أن سوريا تعيش أصعب ظروفها الاقتصادية فهي بلا ثروات أو موارد مالية مع توقف شبه توقف للإنتاج المحلي وتحول السوق إلى مستهلك مع انخفاض ميزان التصدير على حساب المستوردات، ومن جهة ثانية يأتي هذا التحرك مع حراك عسكري وطبول حرب تقرع وتحشيد عسكري أميركي بغية قطع الطريق الواصل بين دمشق وبغداد الذي يمر بالبوكمال بريف دير الزور شرق البلاد.

ويشكل هذا الحراك قوة ضغط بالإقليم الجنوبي، في وقت عاد الإقليم الشمالي للتخبط بعدما أدارت تركيا ظهرها للعاصمة السورية بعد نجاح رجب طيب أردوغان في الانتخابات الأخيرة، وبالتالي ابتعد عن فكرة التقارب مع دمشق وأخذ يطرح فكرة إيجاد منطقة آمنة ونموذج حلب، علاوة على ازدياد قوة قوات سوريا الديمقراطية مع التحالف الدولي المسيطرة على آبار النفط والثروات الزراعية، ويعتبر الفريق الموالي ما يحدث من حراك داخلي سيعزز لدى الفصائل الكردية الآمال بانفصال الشمال الشرقي.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير