Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجزائر تقاضي "اللصوص الثمانية والأربعين"... عيون بوتفليقة في المحافظات

يوصف الوالي بـ "رئيس حكومة" نظراً إلى الصلاحيات التي يتمتع بها

أحد الأسواق التجارية في العاصمة الجزائرية (أ.ف.ب)

عند الحدود الفاصلة بين محافظة عنابة وسكيكدة، في أقصى شرق الجزائر، يمكن مشاهدة سياج يمتد إلى آلاف الأمتار التي تشكل حدود مشروع استثماري في مجال الحديد والصلب، كانت قد ألغته العدالة الجزائرية بعدما استفاد منه رجل الأعمال (المسجون) علي حداد، في ظاهرة تتكرر عبر المحافظات الجزائرية الثماني والأربعين، بشكل كشف مدى علاقة ولاة الجمهورية بملف الفساد.

يوصف الوالي في المحافظة التي يشرف عليها بـ "رئيس حكومة" نظراً إلى الصلاحيات التي يتمتع بها على مستوى الولاية، بدءاً من تعيينه بمرسوم رئاسي وصولا إلى علاقته بالمجالس المنتخبة. والتجربة الجزائرية خاصة إلى حد كبير بما أن سلطة الوالي المعين من جانب رئيس الجمهورية أعلى من مجلس الولاية المنتخب. والأمر نفسه مع المجالس البلدية المنتخبة. وتتوسع سلطة الوالي لتشمل القضاء والقطاع العسكري والشرطة والمصالح الاقتصادية.

وكان لافتاً منذ 2012، تاريخ أول حكومة ترأسها عبد المالك سلال (في السجن المؤقت)، ظهور وزراء أتوا من مناصب الولاة. وسلال نفسه جاء إلى الحكومة عبر الولايات، وهو من أسس لصعود "وزراء ولاة" على حساب الوزراء المتحزبين، بل إن سلال هو من استقدم الوزير الأول الحالي، نور الدين بدوي، والأخير كان والياً على محافظة قسنطينة.

ظاهرة

وبتزايد عدد الولاة الذين تحوّلوا إلى وزراء "اختلط الحابل بالنابل" على مستوى المحافظات التي مروا بها. فالمثير للانتباه في قضايا الفساد، أن جزءاً كبيراً من وزراء سابقين استدعوا إلى القضاء لا بصفتهم الحكومية إنما بصفتهم ولاة سابقين.

وتنطبق هذه الظاهرة على الوزراء السابقين عبد المالك بوضياف، عبد الغني زعلان، عمار تو، عبد القادر بن مسعود، عبد الوهاب نوري، بوجمعة طلعي، محمد الغازي، فيما تم الاستماع إلى عشرة ولاة على الأقل في ملفات فساد مختلفة، آخرهم والي تلمسان السابق صبان زوبير، الذي مثل أمام المحكمة العليا في قضية تتصل باللواء المتقاعد عبد الغني هامل.

ومثلما ألغي مشروع رجل الأعمال علي حداد غرب بلدة برحال بين محافظتي عنابة وسكيكدة، ألغيت مشاريع كثيرة لرجال أعمال في محافظات تيارت، سعيدة، المسيلة ووهران والعاصمة، وعشرات المشاريع الأخرى ما زالت قيد التحقيق القضائي، وجميعها من توقيع ولاة، لكن بتعليمات فوقية في الغالب.

وتشترك غالبية الولاة الذين مثلوا أمام المحققين في القضاء، في متابعات تتصل بتهم استغلال الوظائف ومنح امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية لعدد من رجال الأعمال، استغلال النفوذ ونهب المال العام والحصول على عقارات من دون وجه حق.

اللاعقاب

في التركيبة السلطوية السابقة، تحول التعيين في منصب والي المحافظة، إلى نوع من المكافأة، قبل أن تمر العملية إلى ما هو أخطر من ذلك، بتحكم رجال أعمال في صناعة القرار السياسي، وبات اختيار والي المحافظة يمر عبر مجالس ضيقة لرجال أعمال لهم مصالح استثمارية في المحافظات البعيدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول الصحافي والناشط الحقوقي حفناوي بن عامر غول عن ظاهرة الفساد في الولايات "كثير من الولاة تخلوا عن مهماتهم الدستورية ووقعوا في فخ النعرات والمحسوبية والفوضى، واختاروا الأرذال والغوغاء والرويبضة وقربوهم ليكونوا هم الأعوان والأعيان، ويجعلونهم الصاحب والمستشار ويرفعون بعضهم درجات ليصبحوا منتخبين (معينين) في المجالس البلدية الولائية وفي البرلمان".

ولا يخضع منصب الوالي إلى أي قانون خاص في فترة حكم عبد العزيز بوتفليقة، ولا يوجد أي نص يحدد معايير الوصول إلى هذا المنصب وإن كان سياسياً أو إدارياً، بل لا يوجد أي تصنيف يحدد فترة وجود أي والٍ في المحافظة ومتى يغادرها.

يضيف "لقد وقع تلاحم قوي وانسجام بين الأمية السياسية والجهالة الفكرية والغباء بالفطرة وارتباط السارق بالفاسد وأصبح هذا الوالي أو ذاك طرفاً في صراع مع المواطن وفشل في تحقيق متطلباته وتوفير احتياجاته، والمصيبة الكبرى في عمل كثير من الولاة وأباطرة الإدارة أن لا رقيب ولا حسيب على أعمالهم، ولا حتى تقييماً لما يقومون به باسم الدولة".

ولاة الجنرالات وولاة رجال الأعمال

في كتابه "الولاة في خدمة من؟" يروي والي محافظة وهران السابق، بشير فريك، تفاصيل علاقة الولاة بالفساد من قرب، ومعلوم أن فريك قضى سبع سنوات سجناً بسبب قضية يقول إن جنرالاً سابقاً "لفّقها له". فيكتب عن تجربته الخاصة "الفساد متفشٍ في الولايات والبلديات والوالي مجرد آلة في يد السلطة، يطبق تعليمات لا أخلاقية وغير حضارية تحت غطاء خدمة المصلحة العليا للبلاد".

ويذكر فريك أن "المجتمع لا يعرف إلا الظاهر من عمل الولاة في ما يتعلق بالخدمة العمومية كتوزيع السكنات، لكنهم لا يعرفون الجوانب الخفية في وظيفتهم، خصوصاً الوالي كيف يعين وكيف يعزل وكيف هي علاقته مع الرئاسة والوزراء والعسكر وجهاز العدالة وعلى المستوى المحلي مع وجود الضغط الكبير الممارس عليهم من طرف السلطة التي تتحكم في مآلهم".

ويؤكد فريك أن ما نسبته 70 في المئة من الاستثمارات تمر من طريق الولاية باعتبارها في خدمة الدولة والمجتمع "أما العشرية الأخيرة فقد عرفت ظهور ما يسمى ولاة الجنرالات وولاة رجال المصالح والأعمال، ففي تجربتي الشخصية مررت بممارسات عدة من دون اقتناعه وهي كالوجبات اليومية، فالوالي ممثل للحكومة، لكنه في الواقع يتلقى تعليمات من الوزراء النافذين في الحكم كوزير الداخلية".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي