Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قتل الأطفال خلال "انتفاضة مهسا" وصمة عار في جبين النظام الإيراني

عداوة النظام للمراهقين والأطفال سلوك مستمر حتى بعد مقتلهم

شابتان إيرانيتان تتجولان في أحد شوارع طهران، في 5 أغسطس الحالي (أ ب)

ملخص

مع اقتراب شهري سبتمبر وأكتوبر ستواجه الحكومة الإيرانية بعض التحديات في مواجهتها للمراهقين وطلاب المدارس

في الذكرى السنوية الأولى لقتل مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق والاحتجاجات الشعبية التي اندلعت على إثرها في إيران، لا بد من إلقاء الضوء على جرائم وقمع النظام للمواطنين الإيرانيين.

كل مشهد من مشاهد عام 2022 يذكرنا بأولئك الذين قتلوا في الاحتجاجات، حين كان المراهقون والشباب في مقدمة المحتجين والمتظاهرين. كما تبين للرأي العام في الداخل والخارج على أنه نظام قاتل للأطفال.

وحسب إحصاءات منظمات حقوق الإنسان، فإنه فقط خلال الأشهر الثلاثة الأولى من حراك "المرأة والحياة والحرية" تم توثيق أسماء 71 طفلاً وشاباً في قائمة ضحايا الجرائم المنظمة التي يمارسها النظام بحق المواطنين الإيرانيين.  

ومن الأطفال الذين قتلوا في هذه الاحتجاجات، مير شكار البالغ من العمر سنتين، وهستي نارويي البالغة من العمر ثمان سنوات، إذ قتلا في يوم الجمعة الدامي في مدينة زاهدان، وديانا محمودي البالغة من العمر سبع سنوات في مدينة بيرانشهر، ومونا نقيب البالغة من العمر ثمان سنوات في مدينة سراوان في محافظة بلوشستان، وكيان بيرفلك البالغ من العمر تسع سنوات من مدينة إيذج (إيذه) جنوب غربي البلاد.

وخلال هذه الاحتجاجات، أريقت دماء الشباب في محافظات بلوشستان، وأذربيجان الغربية، وزنجان، وكهليلوية، وبوير أحمد، وطهران، وكوردستان، وكرمانشاه، وجيلان، والبرز، وأردبيل، والأحواز وغيرها من المحافظات والمدن الإيرانية. وشهدت شوارع المدن إراقة دماء المراهقين الذين تعرضوا للضرب بالهراوات أو بالرصاص الحي، وانضم إلى لائحة من قتلوا على أيدي القوات الأمنية كل من، نيكا شاكرمي، وسارينا إسماعيل زادة، وأبو الفضل آدينة زادة، وآرنيكا قائم مقامي، وأميد نارويي، وكارون قادري، ونيما شفق دوست، وكيان بيرفلك، رموز نضال الشباب الإيراني من أجل نيل الحرية.

لم تختصر مواجهة النظام مع الأطفال والمراهقين خلال الاحتجاجات الشعبية في الشارع فقط، ومع اتساع رقعة الاحتجاجات ووصولها إلى المدراس، بخاصة مدراس البنات، أرسل النظام قواته القمعية لاحتجاز الطلاب في عمل غير إنساني، وهذا ما أدى إلى تهديد الطلاب وخطفهم وضربهم وإيذائهم، وأظهرت مقاطع الفيديو هجوم قوات النظام القمعية على مدارس البنات بسبب عدم التزامهن الحجاب الإجباري ولرفعهن شعارات مناوئة للنظام، ومن أجل ترهيبهن أقدم النظام في عملية جديدة على تسميم طالبات المدارس في إيران.
وعلى رغم أن النظام الإيراني لم يعترف بعد بأن عمليات التسمم التي طالت طالبات المدارس عمليات ممنهجة، إلا أنه بالنظر لكثرة الأدلة التي نشرت في وسائل الإعلام، فإن أصابع الاتهام اتجهت إلى أنصار ولاية الفقيه وهم من قام بهذه الأفعال.


وفي نهاية العام الماضي، تعرضت 800 طالبة تقريباً لحالات تسمم، لكن رد النظام هو اتهام الطالبات أنفسهن وبعض أولياء أمورهن بالتورط. بالطبع، تحدث بعض النواب والمطلعين داخل أروقة النظام عن احتمال تورط مجموعات دينية متشددة في عمليات التسمم الممنهجة التي طالت عديداً من مدارس البنات في عموم البلاد، وكان موقع "قم نيوز" قد كشف في مقابلة له عن هذا الموضوع. 

وما يزيد من احتمالية علاقة هذا التسمم باحتجاجات الطلاب عام 2022 هو وجود بعض المدارس التي كانت في مقدمة المدارس التي خرج طلابها في الاحتجاجات المناوئة للنظام في طهران.

استمرت عداوة النظام للمراهقين والأطفال حتى بعد مقتلهم، وخلال الأشهر الـخمسة الأولى من عام 2023، حاولت الأجهزة الأمنية التستر على جرائمها التي حدثت العام الماضي، بمنع إقامة الذكرى السنوية لمن قتلوا ودمرت قبورهم، وضغطت على أسرهم من خلال اعتقالهم.

وكان الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي قد أعلن في الأيام الأولى للاحتجاجات الشعبية، بحضور عدد من المسؤولين في وزارة التربية والتعليم، أن مسؤولي هذه الوزارة لن يسمحوا أبداً للعدو أن يستخدم قدرات المراكز التعليمية لتحقيق أهدافه.

الاعتقالات الواسعة للمراهقين الشباب الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة أثناء الاحتجاجات هو شكل من أشكال قمع أصوات المعترضين من بين الجيل الذي اعتقد النظام أنه تربى بما يتماشى مع مصالح النظام، وذلك من خلال الدعاية الحكومية من نوع "سلام فرمانده".

وفي هذا السياق، كان وزير التربية والتعليم السابق، يوسف نوري، أعلن عن احتجاز المراهقين في إحدى المعتقلات المخصصة للتربية والتوجيه، لكنه رفض ذكر أعداد المراهقين والشباب الذين اعتقلوا أثناء الاحتجاجات التي عمت البلاد.

ونظراً للتكتم الحكومي فإنه من المستحيل الحصول على إحصاءات دقيقة عن أعداد المعتقلين دون 18 سنة. إلا أن صحيفة "آرمان اليوم" في تقرير لها نشر بتاريخ 21 أكتوبر (تشرين الأول) 2022، أعلنت أن 41.8 في المئة من المعتقلين هم دون 20 سنة.

وأظهرت نسبة الاعتقالات المتزايدة حتى نهاية عام 2022، أن مركز ثقل الاحتجاجات كان من جيل الشباب الذين وصفوا بـ"جيل الثمانينيات". كما تحدث بعض ممن اعتقلوا عن أنهم تعرضوا للتعذيب والاعتداء وأجبروا على تناول أدوية غير معروفة في السجون، ويبدو أن المراهقين والشباب هم الأكثر عرضة للضغوط النفسية والجسدية في السجون، بحيث أكدت التقارير أن معظم حالات الانتحار كانت من بين هذه الشريحة من السجناء.

"عرشيا إمام قلي زاده علمداري"، مراهق يبلغ من العمر 16 سنة، من مدينة جلفا في أذربيجان الغربية، انتحر بعد يومين فقط من إطلاق سراحه من السجن، وبحسب المجلس التنسيقي لنقابة المعلمين في إيران، فإن تهمة اعتقال عرشيا كانت بسبب مشاركته في إسقاط العمائم عن رؤوس رجال الدين. كما أثار بعض المتخصصين في علم الاجتماع وعلم النفس تساؤلات عدة عما حدث مع هذا المراهق خلال 10 أيام من اعتقاله وأدى إلى إنهاء حياته بهذا الشكل.

وفي قائمة المعتقلين الذين انتحروا بعد إطلاق سراحهم، شوهدت أسماء لمراهقين وشباب ومنهم هستي حسين بناهي، ويلدا أفضلي، وميناء يعقوبي، وعباس منصوري. 

وبناءً على الإحصاءات والأحداث التي وثقت في العام الماضي، ظهرت الحقيقة التالية أن النظام يعتقد أن خط المواجهة الجديد مع نظام الجمهورية الإسلامية يتشكل من جيل المراهقين الذين كان النظام يروج لهم من خلال ماكينته الإعلامية على أنهم حماة النظام وداعموه، ونشيد "سلام فرمانده" كان يصف المراهقين والشباب الإيرانيين على أنهم جنود المرشد علي خامنئي!

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأدت مشاركة المراهقين في الاحتجاجات منذ بدايتها إلى رد فعل كبار المسؤولين الحكوميين. وفي هذا الإطار، كان قد حذر إمام جمعة مدينة رفسنجان، العائلات وطالبها بمراقبة أبنائها. التحذيرات المستمرة لقوات الشرطة والأمنية واحتمالية حدوث احتجاجات في ذكرى سنوية احتجاجات مهسا أميني، لا تقتصر على الشخصيات السياسية والصحافيين والمعارضين المدنيين والطلاب وحسب، بل شملت جميع فئات الشعب الإيراني. وما يخيف النظام أكثر فهو اقتراب بدء العام الدراسي.
لهذا السبب، وعلى رغم فترة العطلة المدرسية، إلا أن النظام لم ينس سلوكه القمعي الذي طال المراهقين والشباب، وأما مشروع قانون العفة والحجاب الذي أصبح هذه الأيام السلاح الرئيس للنظام لمحاربة المرأة الإيرانية، فهو خير دليل على قلق المسؤولين الحكوميين من العصيان المدني للطلاب في مقبل الأيام.

وفي المادة الـ12 من مشروع قانون العفة والحجاب الإلزامي، بصورة محددة يطلب من وزارة التربية والتعليم أن تعزز "أسلوب حياة صحي وموجه للأسرة الإيرانية عنوانه العفة والحجاب" في "جميع المستويات التعليمة على أساس العمر والجنس". وذلك من خلال "البرامج والكتب المدرسية وإنتاج الأفلام، وإقامة المهرجانات، والمعسكرات الثقافية ،والتعليمية. وكذلك الاستفادة من التكنولوجيا والفضاء الافتراضي".   

كما يطالب هذا القانون وزارة التربية والتعليم أن تمكن القائمين على المساجد والمراكز التربوية من العمل مع المدراس والمعاهد التعليمية والرياضية في غير أوقات الدوام والعطلات التعليمية لإقامة الأنشطة الثقافية والتعليمية. 

وورد في البند الخامس من المادة 46، أنه "إذا ما ارتدى طلاب المراكز التعليمية لباساً غير محتشم أو لم تراع فيه شروط الحجاب، وإذا ما تكررت هذه الحالة لثلاث مرات، فإنه من حق اللجنة التأديبية بالمركز التعليمي أن تقوم بالتحقيق وتطبيق اللوائح التأديبية، وفي المرة الرابعة ستحال المخلة بشروط الحجاب إلى لجنة الانضباط أو إلى الأمن الموجود في المركز لتطبيق أحكام القانون".

ويمكن القول إن هذه الأساليب الأمنية هي أساليب جديدة لقمع الطلاب والمراهقين عشية العام الدراسي الجديد من خلال إقامة هذه المعسكرات التعليمية.

ومع اقتراب شهري سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول)، ستواجه الحكومة بعض التحديات في مواجهتها للمراهقين وطلاب المدارس، لأنها ستواجه لأشهر عدة كل يوم، ذكرى سنوية للطلاب الذين قتلوا. وأيضاً، إذا ما أخذنا في الاعتبار أن الحكومة في نهاية العام الدراسي الماضي لم تكن قادرة على التعامل مع تزايد أعداد الفتيات الرافضات للحجاب والمشاركات في الاحتجاجات، فإن المدارس ستكون ساحة المواجهة بين الحكومة والطلاب.

وأخيرا وليس آخراً، صحيح أن النظام في عام 2022 أمعن في قتل وتعذيب المراهقين وأنه لم يعد يخجل بعد من أفعاله القمعية، إلا أن رد فعل المجتمع الإيراني ومنظمات حقوق الإنسان على هذه الجرائم، وكذلك الانشقاق الحاصل في صفوف أنصار النظام، أضر كثيراً بسمعته وشرعيته داخلياً وخارجياً، بالتالي، فإن الفشل أو الانتصار لا يعني شيئاً بالنسبة إليه إلا العار.

نقلاً عن "اندبندنت فارسية"

المزيد من تحلیل