ملخص
يقترح رئيس الوزراء البريطاني إرسال قوات لحفظ السلام في أوكرانيا، لكن إطلاق تصريحات عن دور قيادي بريطاني في ظل هذه الظروف، مع عدم وجود دعم كاف من واشنطن ونقص في القدرات والموارد، يجعل هذا الاقتراح محفوفاً بالأخطار ويشكل وصفة لكارثة محتملة.
التداعيات الفوضوية التي آل إليها "مؤتمر ميونيخ للأمن" دفعت برئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى أن يعيش حالة من إدارة الأزمات، إذ بات تركيزه منصباً على توجيه الاهتمام عبر الأطلسي نحو الحرب الروسية في أوكرانيا، بدلاً من التوترات الدبلوماسية المتصاعدة والسجال المحتدم بين واشنطن ودول أوروبا.
ومن خلال طرح ستارمر اقتراحاً حازماً بإرسال قوات بريطانية للمساعدة في تطبيق وقف إطلاق النار في أوكرانيا، يهدف رئيس الوزراء إلى تهدئة موقف الرئيس الأميركي دونالد ترمب المشكك في التزام بعض الأعضاء الأقل فاعلية داخل "حلف شمال الأطلسي" (ناتو)، ووضع المملكة المتحدة في صلب أية مهمة سلام يقودها الحلفاء. ومع ذلك، فإن التحدي الحقيقي يتمثل في ما إذا كانت قواتنا المسلحة لديها ما يكفي من عديد وموارد وتجهيزات لتشكيل قوة حفظ سلام ذات وزن حقيقي على خط التماس.
ربما يسعى كير ستارمر إلى إقناع دونالد ترمب بإعادة الولايات المتحدة إلى كنف "حلف شمال الأطلسي"، لكنه يفتقر لاستراتيجية واضحة تتعلق بطريقة التعامل مع فلاديمير بوتين، ما عدا ترديد شعارات الدعم البريطاني للجهود الحربية الأوكرانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، رسمت في الأعوام الأخيرة علامات استفهام كثيرة حول سجل بريطانيا كقوة حفظ سلام. فالتوقعات الواثقة في شأن قدرة الجيش البريطاني على تحقيق الاستقرار في إقليم هلمند الأفغاني، "من دون إطلاق رصاصة واحدة"، تبين في وقت لاحق أنها كانت مجرد وهم.
من هنا ينبغي للسيناريوهات الأسوأ ألا تؤدي إلى شل عملية اتخاذ القرار، لكن تجاهلها عند التخطيط، يشكل وصفة للفشل - أو في أفضل الأحوال - تمهيداً لانسحاب آخر مهين لبريطانيا، على غرار ما حدث في أفغانستان.
ويرى رئيس الوزراء البريطاني أن هذا الأمر "يشكل تحدياً طويل الأمد يتجاوز حدود أوكرانيا"، لكن حتى رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك "استبعد" نشر قوات من بلاده هناك، حتى لو تم التوصل إلى اتفاق سلام بين موسكو وكييف. وهذا يشير إلى أن وارسو - التي تعتبر في العادة إحدى العواصم الأكثر تشدداً في التعامل مع روسيا - تتوقع أن يكون أي وقف لإطلاق النار، مجرد استراحة موقتة، وليس حلاً دائماً، وهو ما يجعلها تحجم عن الزج بقواتها في خط المواجهة، قبيل اندلاع جولة جديدة من القتال.
من المهم أيضاً أن نأخذ في الاعتبار الموقف الاستباقي الحازم الذي تعتمده واشنطن لجهة رفض إرسال قوات أميركية إلى أوكرانيا.
وبينما تسعى العاصمة الأوكرانية إلى تأمين أكبر عدد من القوات الأوروبية للإشراف على أي اتفاق سلام تبرمه مع موسكو، لضمان الحماية من أي عدوان روسي محتمل، فإن الكرملين قد يرفض وجود قوات حفظ سلام تابعة لـ"حلف شمال الأطلسي"، لأنه ينظر إليها باعتبارها مقدمة لحرب غربية ضد روسيا في المستقبل.
وبالنسبة إلى الجانب الروسي، فإن إبعاد أي وجود عسكري أميركي عن أوكرانيا، وإبقاء دور الاتحاد الأوروبي هناك رمزياً في أفضل الأحوال، يشكلان هدفين حاسمين بالنسبة إليه. وفي الواقع، كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف واضحاً عندما قال للصحافيين في الرياض أخيراً إن أوروبا ينبغي ألا يكون لها دور على طاولة مفاوضات السلام.
الأخطر من ذلك أن القوات المسلحة الروسية في أوكرانيا، تتألف من مجموعة متنوعة من العناصر، فإلى جانب الجيش الروسي النظامي تشارك وحدات خاصة مختلفة، بما فيها تشكيلات مقاتلة من "مجموعة فاغنر" السابقة، وقوات من منطقة دونباس، وحتى آلاف المقاتلين الشيشان، الذين يواجهون متطوعين شيشانيين مناهضين لبوتين، يشاركون في القتال إلى جانب عسكر كييف. وفي حين أن الميليشيات القومية الأوكرانية جرى دمجها رسمياً في الجيش الأوكراني، إلا أنها لا تزال تحتفظ بهويتها الخاصة.
قد يسعى "المتشددون" هؤلاء إلى تقويض أي وقف لإطلاق النار، ففي الدعاية الروسية تصور بريطانيا باعتبارها ثاني أكبر عدو لموسكو بعد الولايات المتحدة. ومع اعتبار فلايمير بوتين أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب هو الآن عنصر "إيجابي"، أصبحت المملكة المتحدة الهدف الرئيس للعداء الروسي.
وعلى رغم أن هذا الموقف قد يكون بمثابة وسام شرف لبريطانيا، إلا أنه يعني في المقابل أن أية مهمة سلام تقودها بريطانيا في أوكرانيا، قد تواجه محاولات الإذلال نفسها التي مارسها صرب البوسنة بصورة روتينية ضد مراقبي وقف إطلاق النار في يوغوسلافيا السابقة قبل عام 1995، عندما تطلب الأمر تدخلاً بقيادة الولايات المتحدة لإجبار الصرب على الامتثال، كما حدث في كوسوفو عام 1999.
لا شك في أن غياب ضمانات أن وزارة الدفاع الأميركية ستدعم قوات حفظ السلام البريطانية والأوروبية، يعني أن الإغراء لدى مثيري الشغب لـ"محاولة" اختبار الموقف، سيكون هائلاً.
يبقى القول أخيراً إن إطلاق تصريحات عن دور قيادي بريطاني في وقت لا تستطيع فيه قواتنا أن تنشر سوى وحدة عسكرية صغيرة، تفتقر للدعم إذا ما ساءت الأمور، يشكل وصفة لكارثة. ولا بد من أن تكون عمليات حفظ السلام بمثابة امتداد لسياسة متينة وفعالة، وليس بديلاً منها.
مارك ألموند هو مدير "معهد أبحاث الأزمات في جامعة أكسفورد"
© The Independent