ملخص
احتمالات مفتوحة لعودة البرغوثي إلى مقعد السياسة على الطريق الذي سبقه فيه كاسترو ومانديلا ودا سيلفا وأنور إبراهيم
هل هي لعبة القدر التي تخرج البعض من السجون إلى القصور الرئاسية ومواقع السلطة، أو كما يقال باللهجة المصرية، "من البرش إلى العرش" (البرش هو الفراش البائس الذي ينام عليه المساجين في زنانزينهم الضيقة المعتمة)؟
مثير أمر هذا التساؤل، ذلك أن هناك قصصاً عديدة في هذا السياق، وجميعها تكاد تتشابه، إذ تبدأ من عند شخوص فاعلين ونشطاء سياسيين، لا ينفكون يضحون معارضين أول الأمر للنظم السياسية الحاكمة في بلادهم، سيما إذا كانت تحت وطأة الاستعمار أو الاحتلال.
المشهد يتكرر، إذ يتم إلقاء القبض على هؤلاء وأولئك، ويودعون السجون، لكن ذلك لا يفت في عضدهم، أو عضد أي ممن يدعمونهم خارج الأسوار، لتبدأ جولة جديدة من النضال السياسي، يلتحم فيها من هم في الداخل، مع أولئك الذين في الخارج.
يتساءل المتابع، ما الذي يستدعي الحديث عن تجربة السياسيين الذين انتقلوا من وضع المهانة ومزالق الهاوية، إلى منعرجات النجاحات والأمل التي تتكلل بالقبض على زمام الوضع السياسي في دولهم؟
المؤكد أن الأمر مرتبط بما يجري من حول المسؤول الفلسطيني، مروان البرغوثي الذي طال وجوده في السجون الإسرائيلية، واحتمالات أن يكون هو المرشح الرئاسي الفلسطيني المقبل.
البرغوثي وتوجه لقيادة الملف الفلسطيني
شهدت الأيام القليلة الماضية، تحركاً واضحاً ومرصوداً من قبل السيدة فدوى البرغوثي، زوجة مروان البرغوثي، ومنه لقاؤها مع أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، الذي وصف نضال البرغوثي بأنه وسام على صدر كل فلسطيني.
لم يكن هذا هو اللقاء الوحيد، إذ التقت كذلك وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، الذي سلمته رسالة من البرغوثي للملك عبدالله الثاني أكد فيها أن "أمن واستقرار وازدهار الأردن الشقيق مصلحة وطنية فلسطينية عليا".
والشاهد أن لقاءات السيدة البرغوثي باتت تتجاوز العالم العربي على أهميته والتصاقه الشديد والوثيق بالقضية الفلسطينية، إلى دوائر أوروبية وأميركية وآسيوية وأفريقية، والهدف هو الإفراج عن البرغوثي الذي طال به المقام في سجون الاحتلال، وإتاحة الفرصة له للترشح لرئاسة فلسطين بعد انتهاء فترة ولاية الرئيس محمود عباس الذي يبلغ الـ88 من عمره.
يعد البرغوثي من القيادات التي قادت الجماهير الفلسطينية في انتفاضتها الأولى عام 1987، وتعرض للاعتقال والمطاردة طوال سنوات حياته، لا سيما خلال دراسته في جامعة بيرزيت.
انتخب البرغوثي عام 1989 في المؤتمر الخامس لحركة "فتح" عضواً في مجلسها الثوري من بين 50 عضواً، وفي أبريل (نيسان) من عام 1994 عاد البرغوثي على رأس أول مجموعة من المبعدين إلى الأراضي المحتلة.
تعرض البرغوثي إلى أكثر من محاولة اغتيال ونجا منها، وفي إحداها أطلقت عليه وعلى مساعديه صواريخ موجهة، كما أرسلت سيارة ملغومة إليه، وعند اختطافه قال آرييل شارون "إنه يتأسف لإلقاء القبض عليه حياً وكان يفضل أن يكون رماداً في جرة".
بتاريخ 20 مايو (أيار) 2004، عقدت المحكمة المركزية في تل أبيب جلستها لإدانة البرغوثي، حيث كان القرار بإدانته بخمس تهم بالمسؤولية العامة لكونه أمين سر حركة "فتح" في الضفة، وبكون "كتائب شهداء الأقصى" تابعة لـ"فتح".
حكمت المحكمة الإسرائيلية على البرغوثي بخمسة مؤبدات وأربعين عاماً كما طالب المدعي العام الإسرائيلي، ورد البرغوثي في جلسة المحكمة مخاطباً القضاة، "إنكم في إصداركم هذا الحكم غير القانوني ترتكبون جريمة حرب تماماً مثل طياري الجيش الإسرائيلي الذين يلقون القنابل على المواطنين الفلسطينيين".
في أوائل أغسطس (آب) الجاري، كتبت صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية متسائلة عن مصير البرغوثي، وهل يمكن أن يكون هو رجل السلطة الوطنية المقبل إن تم الإفراج عنه كما تسعى في ذلك زوجته؟
تبقى الاحتمالات مفتوحة على كل السيناريوهات، سيما في ضوء تصاعد الأزمات في الداخل الإسرائيلي من جهة، وتوقف مسار السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين من جانب آخر... من سبق البرغوثي في هذا الإطار؟
مانديلا أيقونة الليبرالية الجنوب أفريقية
"حينما خرجت من السجن كانت مهمتي هي تحرير الظالم والمظلوم، وقد يقول البعض إنه تم إنجاز ذلك، ولكني أعلم أن هذا غير صحيح، فقد خطونا الخطوة الأولى فقط، على طريق أطول وأصعب، فلئن تكون حراً لا يعني فقط أن تلقي بقيدك، لكن أيضاً أن تعيش بطريقة تحترم وتعلي من حياة الآخرين".
كانت هذه هي الكلمات التي فاه بها السجين (الرئيس لاحقاً) الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا، غداة خروجه من السجن الذي ظل فيه لمدة 27 عاماً.
ناضل مانديلا شاباً في جنوب أفريقيا، وتسبب في قلق بالغ للنظام العنصري هناك، ما أدى إلى إلقاء القبض عليه في منتصف عام 1962.
ذات مرة تحدث مانديلا عن رحلته بقوله "لا أستطيع تحديد اللحظة التي سيست فيها والتي عرفت فيها أنني سأمضي حياتي في الكفاح من أجل الحرية"، وأردف "أن تكون أفريقياً يعني أن تسيس منذ الميلاد".
كان الثاني عشر من يونيو (حزيران) من عام 1964، يوماً فاصلاً في حياة مانديلا، فقد كانت نية نظام جنوب أفريقيا العنصري استصدار حكم بالإعدام عليه بتهمة الخيانة العظمى، نتيجة لأدوار رآها النظام تكاثرت وتعالت وازدادت طوال نحو اثنتي عشرة سنة.
أصدر القضاة البيض حكماً بالسجن مدى الحياة.
عام 1990، كان العالم قد تغير، سقط جدار برلين، وتهاوى في الوقت عينه الاتحاد السوفياتي، وبدا أن هناك نظاماً عالمياً جديداً في طريقه للانبلاج، وشمس جديدة تشرق على الأرض.
في ذلك الوقت كانت جنوب أفريقيا على موعد مع الرئيس "دي كلارك"، الذي بدأ في هدم نظام الأبارتهيد العنصري.
في التاسع من فبراير (شباط) أبلغ مانديلا أنه سيقابل دي كلارك، الذي وجده مبتسماً في مكتبه، تصافحا وأبلغه أنه سيفرج عنه في اليوم التالي.
مضى مانديلا بعد الإفراج عنه في طريق التفاوض مع البيض لتحرير شعبه من عبودية طالت قروناً، وفي مساء الثاني من مايو (أيار) من عام 1950، ألقى دي كلارك خطاب تنازل لبق... فبعد أكثر من ثلاثة قرون تقبلت الأقلية البيضاء الهزيمة وسلمت السلطة للأغلبية السوداء.
بعد نحو عامين من الإفراج عنه، وبالتحديد في 10 مايو من عام 1994، انتخب مانديلا رئيساً لجنوب أفريقيا، وتابع المراسيم عبر التلفزة نحو مليار مشاهد حول العالم، وقرابة 4000 ضيف من كبار الشخصيات العالمية.
كأول رئيس أسود لجنوب أفريقيا، أصبح مانديلا رئيساً لحكومة الوحدة الوطنية التي هيمن عليها حزب المؤتمر الوطني الأفريقي - ولم تكن له أي تجربة في الحكم - وضمت الحكومة أيضاً نواباً من الحزب الوطني وإنكاثا.
تماشياً مع الاتفاقات السابقة، أصبح دي كليرك نائباً أولاً للرئيس، في حين تم اختيار ثابو مبيكي نائباً ثانياً.
وعلى رغم أن مبيكي لم يكن الاختيار الأول لهذا المنصب، إلا أن مانديلا أراده لكي يعتمد عليه بشكل كبير خلال فترة رئاسته، والسماح له بتنظيم تفاصيل السياسة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في حفل التنصيب تحدث مانديلا قائلاً، "يجتاحني إحساس بالتاريخ، ففي العقد الأول من القرن العشرين رتقت شعوب جنوب أفريقيا البيضاء خلافاتها وأسست نظاماً للتمييز العنصري ضد البشرة السمراء في أرضهم وكان النظام الذي أسسوه أساساً لمجتمع من أكثر المجتمعات التي عرفها العالم شراسة ولا إنسانية".
وأكمل "الآن في العقد الأخير من القرن العشرين، وعقدي الثامن أقتلع هذا النظام إلى الأبد، وأستبدله بآخر يعترف بحقوق جميع الشعوب وحرياتهم بغض النظر عن لون بشرتهم، وقد أتى ذلك اليوم عن طريق تضحيات لا يمكن تصورها من جانب الآلاف من شعبي، ذلك الشعب الذي لا يمكن تقدير مكافأة شجاعته"...
شيء شبيه في السياق وليس في التفاصيل جرى إلى أميركا اللاتينية، فما هو؟
فيديل كاسترو رمز التحرر الوطني اللاتيني
نهار وفاته في السادس والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن تعازيه العميقة لشعب وسلطات كوبا، وقال في برقية بعث بها إلى راؤول كاسترو، الزعيم الحالي لكوبا "إن فيديل يعد بحق رمزاً لحقبة زمنية كاملة في التاريخ العالمي الحديث". وأشار إلى أن كوبا الحرة والمستقلة التي قامت بفضل جهود فيديل كاسترو ورفاقه أصبحت من الأعضاء الفعالين والمؤثرين في المجتمع الدولي.
أما الرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف فقال، "إن فيديل كاسترو بذل كل الجهود الممكنة لكي يحطم النظام الاستعماري، وكرس حياته كلها في سبيل ذلك وترك الأثر العميق في تاريخ كل البشرية". وأشار إلى أن كاسترو بنى الدولة الحديثة في كوبا وصمد أمام الحصار الأميركي القاسي جداً وجعلها دولة مستقلة حرة تعتمد على ذاتها.
هل كانت هذه هي وجهة نظر روسيا فقط كونها محور العالم الاشتراكي الشيوعي السابق في كاسترو، أم أن هناك آخرين حول العالم، وربما في قلب أوروبا وأميركا الشمالية، من نظروا لكاسترو نظرة احترام وتقدير لمناضل عاش بعمق وإخلاص في خدمة قضية التحرر لا في كوبا فحسب، بل في أرجاء أميركا اللاتينية كافة، لينتقل من السجون إلى قيادة البلاد.
ولد "فيديل أليخاندرو كاسترو" في 13 أغسطس (آب) من عام 1926، من أبوين مهاجرين من إسبانيا يعملان في عالم الزراعة وفلاحة الأرض.
غير أن المدرسة الأولية التي تلقى علومه فيها، وكانت تخص الآباء الجيزويت "اليسوعيين" في هافانا، تركت في نفسه بالغ الأثر لجهة حق الشعوب في الحرية والتحرر من ربقة الاستعباد والاحتلال، وإن كان لاحقاً سيميل إلى الفكر الشيوعي لا الكاثوليكي، لكن الحقيقة هي أن ما زرع في جنبات نفسه منذ الصغر لم يفارق عقله وروحه إلى أن فارق الحياة، وإن ظل مختبئاً بين حنايا أضلعه.
درس كاسترو القانون في جامعة هافانا التي التحق بها عام 1945، وتخرج فيها عام 1950، ليشق طريقه في عالم المحاماة عبر مكتب صغير.
بدا واضحاً أن التربية الفكرية الروحية والذهنية، ثم صقل موهبته الشخصية بالعلوم القانونية، أفرزا شخصية نضالية ذات أهداف أعلى من مجرد القناعة بدور المحامي.
كان لدى المحامي الشاب كاسترو أحلاماً في أن يصل إلى البرلمان الكوبي، إلا أن الانقلاب الذي قاده "فولغينسو باتيستا "، ذهب بأحلامه أدراج الرياح، بعدما عمل باتيستا على إلغاء الانتخابات البرلمانية.
لم يرق الأمر لكاسترو المعترض عبر طريق العنف المسلح، وكرد فعل احتجاجي، شكل قوة قتالية وهاجم إحدى الثكنات العسكرية.
أسفر الهجوم عن سقوط 80 من أتباعه وإلقاء القبض عليه.
بدا أن طريق السجن مؤكد ومضمون، فقد حكم بالسجن لمدة 15 عاماً.
لعبت المقادير دورها بعد خمس سنوات، إذ أفرج عن كاسترو، غير أن الأمر صاحبه نفي إلى المكسيك، وهناك كان أخوه راؤول ورفاقه يجمعون شملهم للثورة، وعما قليل سوف يتعرف إليهم علم آخر من أعلام النضال في أميركا اللاتينية، أرنستو تشي غيفارا، الذي سيدفع حياته لاحقاً ثمناً بسبب راعي أغنام لم يقدر قيمته، فأبلغ السلطات عنه.
بدأت مسيرة كفاح كاسترو ورفاقه على متن قارب شراعي، أقلهم من المكسيك إلى كوبا، وقد سميت زمرته بحركة 26 يوليو.
فارق كبير بين ثوري غير متعلم أو مثقف، وآخر قادر على فهم أحاجي الزمان وأسرار الإنسان، وقد كان كاسترو من النوع الثاني.
لم يعرب كاسترو عن رؤية سياسية بعينها، سيما أنه في تلك الفترة كانت المكارثية الأميركية، مطاردة فلول الشيوعيين، تجري بشكل غير عقلاني في الداخل الأميركي.
وعلى رغم قيامه بتأميم الأراضي في المناطق التي سيطرعليها الثوار، إلا أنه لم يمط اللثام عن توجهاته السياسية، ويقول كثير من مؤرخي حياة كاسترو أن هذا النهج قد لاح له وهو وراء جدران سجنه لمدة خمس سنوات.
لاحقاً بعد أن استقرت الأحوال ووطدت الثورة الكوبية نجاحاتها بدأ بتأميم كل الصناعات المحلية والمصارف وتوزيع ما تبقى من الأراضي على الفلاحين.
لم يكن كاسترو وحده من سيقدر له في أميركا اللاتينية الخروج من السجن إلى القصر...
لولا دا سيلفا... رئاسة فسجن فرئاسة
تبدو قصة الرئيس البرازيلي دا سيلفا مثيرة للدهشة، ففي مدينة "سيتيس" شمال شرقي البرازيل، ولد لويس إنياسو دا سيلفا، لأسرة فقيرة يبلغ عددها ثمانية أفراد، وقد جاء ترتيبه السابع بينهم.
عرف دا سيلفا الظروف الحياتية القاسية منذ نعومة أظفاره، غير أن الصبر والكفاح كانا رفيقيه في رحلته عبر الحياة، وربما ما دفعاه للإيمان بالروح الثورية والتغيير، ولهذا تعد نشأته مختلفة عن نشأة كثير من الزعماء والرؤساء حول العالم، وفي أميركا اللاتينية بصورة خاصة.
في التاسعة عشرة من عمره، أثناء عمله في أحد مصانع قطع غيار السيارات، تعرض لفقد إصبعه الخنصر في يده اليسرى، وكان السبب إهمال صاحب المصنع في اتخاذ إجراءات الأمان لعماله.
بدأت مسيرة دا سيلفا مع نقابة العمال البرازيليين التي ترأسها في عام 1978، ويمكننا القول إن العمل النقابي كان بداية درب دا سيلفا إلى الحكم، حتى وإن لم يكن طريقاً مفروشاً بالورود، بل بالسجن والاعتقال كما حدث في عام 1980، وذلك حين احتجز لمدة ثلاثين يوماً، بعد أن ألقى خطاباً في نقابات العمال الصناعية ضد الحكومة، وخلال إضراب لعمال المصانع في مدينة ساوبولو، في فترة سيطرة الجيش على الحكومة.
مرة ثانية ومن جراء فعالياته السياسية يقبض عليه عام 1981 ليحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات، غير أنه يفرج عنه بعدها بعام واحد.
داعبت خيالات دا سيلفا أحلام رئاسة البلاد طويلاً، وقد حاول في نهاية الثمانينيات غير أن الحظ أخلفه، لكن الحلم ظل واضحاً أمام عينيه حتى تحقق في عام 2002.
حقق داسيلفا نوعاً من أنواع المعجزات الاقتصادية، فقد قدر له أن يرفع ملايين البرازيليين من تحت خط الفقر إلى درجة من العيش المقبول، عيش يصون كرمة الإنسان في مواجهة الرأسمالية التي تحاصرهم.
لم يخل حكم دا سيلفا عند البعض من علامات استفهام أول الأمر حول الترويج لمشاريع عامة مكلفة مشكوك في جدواها وارتباط بعض الأسماء في تلك الفترة بفضائح فساد كبرى.
في إطار هذه الاتهامات حكم عليه بالسجن عام 2018 باثني عشر عاماً.
غير أنه بعد أن أمضى في السجن نحو 19 شهراً، ألغي الحكم وأطلق سراحه من قبل المحكمة الفيدرالية العليا عام 2021، وتم التشكيك في نزاهة القاضي مورو، سيما أنه لم تكن هناك أدلة كافية واعتبر حكمه متحيزاً.
تالياً وسط أوضاع الاقتصاد العالمي المتردية، بخاصة بعد ثلاثة أعوام من جائحة كورونا، ومن الحرب الروسية الأوكرانية، بدت البرازيل أخيراً وكأنها خسرت كثيراً مما قدمه دا سيلفا من قبل.
تساءل الجميع في البرازيل: هل يمكن لدا سيلفا أن يكون المنقذ من جديد؟
بعد معركة انتخابية قاسية، تمكن دا سيلفا من الانتصار في جولة من ثانية جرت في 30 أكتوبر (تشرين الأول) 2022، في مواجهة الرئيس صاحب التوجهات اليمينية، جايير بولسونارو، وحصل على 50.9 في المئة من الأصوات مقابل 49.1 في المئة لمنافسه متقدماً عليه بأكثر من مليوني صوت.
هل كانت القارة الآسيوية أقل حظاً، من الأفريقية واللاتينية، بمعنى هل عرفت بدورها شخصية مماثلة من السجن إلى القصر الرئاسي؟
أنور إبراهيم وطريق السجن والرئاسة
لنحو عقدين من الزمن، علا نجم السياسي الماليزي أنور إبراهيم، وقد بدا صاحب رحلة مثيرة وخطيرة ما بين السجون والقصور في بلاده.
من مواليد أغسطس 1947، سياسي ماليزي شهير تلقى تعليمه في الكلية الماليزيه في كوالا لكانغسار.
لمع نجم أنور إبراهيم في مطلع تسعينيات القرن الماضي، واعتبر من أهم السياسيين في هذا البلد بخاصة في عموم القارة الآسيوية.
شغل منصب نائب رئيس وزراء ماليزيا ووزير المالية في عهد الرئيس مهاتير محمد، وكان متوقعاً له أن يخلف مهاتير في قيادة التحالف الوطني الحاكم لولا الخلاف الذي وقع بينه وبين الرجلين في عام 1998.
هل كان هذا الخلاف هو سبب الاتهاما ت التي وجهت إليه لاحقاً؟
الثابت أنه في ذلك العام أقيل أنور من جميع مناصبه السياسية واقتيد إلى السجن عقب اتهامه بتهم عدة من بينها تهمة "الفساد المالي والإدراي"، وتهمة "الشذوذ الجنسي"، كما حكم عليه القاضي بست سنوات سجن في سبتمبر (أيلول) 1999 بتهم الفساد.
شككت كثير من المؤسسات والحكومات بنزاهة المحكمة، غير أن ذلك لم يمنع الحكومة الماليزية آنذاك من المضي في الحكم.
لم توقف سنوات السجن طموحات أنور إبراهيم، فبعد أشهر من العلاج في ألمانيا عاد لينضم إلى صفوف المعارضة الماليزية عبر حزبه الجديد "حزب عدالة الشعب".
في مارس (آذار) 2008 فاز حزب أنور بواحد وثلاثين مقعداً من أصل 222 مقعداً في البرلمان الماليزي، غير أنه لم يستطع خوض الانتخابات بسبب الحظر المفروض عليه الذي انتهى في 15 أبريل من عام 2008.
عام 2018 عاد ثانية إلى رئاسة الوزارة بعد أن كان قد حصل على البراءة في 2013 بعد التشكيك في عينات الحمض النووي المقدمة من الشرطة.
جاء عفو ملك ماليزيا محمد الخامس عن أنور ليفتح الطريق أمامه لمباشرة الحياة الساسية مرة أخرى.
خلال الأزمة المالية الآسيوية عام 1997، دعم أنور خطة صندوق النقد الدولي كوزير للمالية، كما وضع حزمة تقشفية خفضت الإنفاق الحكومي بنسبة 18 في المئة، وخفضت رواتب الوزراء وأجلت المشاريع الكبرى، على رغم كونها حجر زاوية في استراتيجية التنمية لمهاتير، ومن هنا اعتقد البعض أن الأخير هو من تسبب في تشويه سمعته والاتهامات التي وجهت إليه.
ما هي الخلاصة من تلك السير لمسجونين أصبحوا مسؤولين؟ يقولون عادة "دخل السجن وخرج أصلب طولاً وأشد عوداً"، وهناك كثير من الحكايا في هذا السياق، بعضها له دلالات إيمانية قديمة كما الحال في قصة سيدنا يوسف، وبعضها حديث مؤلم ذو شجون، كما في أزمة باتريس لومومبا أول رئيس وزراء لجمهورية الكونغو الديمقراطية، الذي دخل السجن ثم عاد زعيماً بين قومه، قبل أن يغتال من قبل سلطات الاحتلال .
إنها قصص عن قوة الإرادة التي تلازم أصحاب القضايا المؤمنين بها، لا الشعاراتيين منهم.
