Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تنتظر أميركا حلا دبلوماسيا في النيجر؟

تتخوف واشنطن من مرارة الخيارات البديلة وتداعياتها على مصالحها الاستراتيجية

لا يزال الرئيس محمد بازوم معزولاً والمجلس العسكري في السلطة (رويترز)

ملخص

تتخوف واشنطن من مرارة الخيارات البديلة وتداعياتها على مصالحها الاستراتيجية

انتهى الأحد الماضي من دون أي تغيير في الوضع السياسي بالنيجر، إذ انقضى الموعد النهائي للتدخل باستخدام القوة من مجموعة دول "إيكواس" في غرب أفريقيا، ولا يزال الرئيس محمد بازوم معزولاً والمجلس العسكري في السلطة، وفيما يتوقع انعقاد اجتماع لدول "إيكواس" الخميس المقبل بدا أن المواقف الأميركية أقرب إلى انتظار حل دبلوماسي محتمل مع الانقلابيين، فما الذي يجعل الولايات المتحدة راغبة في استبعاد الخيارات الأخرى؟

 

مصالح استراتيجية

على رغم أن الولايات المتحدة أعادت توجيه تركيزها نحو القارة الأوروبية لدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا وكذلك لحماية مصالحها، إلا أن أحداث النيجر وفشلها في التنبؤ بها تظهر أن المصالح الاستراتيجية الأميركية لا تزال تمر عبر أفريقيا، ومن دون وجود القوات الأميركية في النيجر (1100 جندي) لتسيير طائرات "درون" متطورة تعمل في أجواء المنطقة من ليبيا شمالاً إلى نيجيريا جنوباً ومن السودان شرقاً إلى مالي غرباً، ستكون المصالح الأميركية في خطر.  

وهذا ما يفسر جزئياً السبب وراء رفض تسمية الخارجية الأميركية عزل الرئيس بازوم بأنه انقلاب تجنباً لوقف المساعدات العسكرية الأميركية للنيجر وفقاً للقانون الأميركي، كما كان وقف المساعدات الأميركية الأخرى للنيجر موقتاً، بينما قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية إن نافذة الفرصة ما زالت مفتوحة لإنهاء أحداث النيجر دبلوماسياً، على رغم إصرار الولايات المتحدة في الوقت ذاته على استئناف الرئيس محمد بازوم مهماته، وتأكيد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس"، وهو تجمع تنموي وأمني يحظى بدعم واشنطن الكامل لمقاربتها تجاه الأزمة في النيجر، وأن الدبلوماسية الطريقة المفضلة لحل هذا الوضع واستعادة النظام الدستوري.

 

عمل كالمعتاد

وفي حين وجهت صحيفة "وول ستريت جورنال" انتقادات للإدارة الأميركية وأعضاء الكونغرس بسبب الفشل في توقع الانقلاب وعدم وجود سفراء أو مبعوثين أميركيين لدى نيامي عاصمة النيجر خلال الأشهر الماضية، استمرت إدارة الرئيس جو بايدن في العمل كالمعتاد على حد وصف مجلة "فورين بوليسي"، إذ أرسل بايدن الخميس الماضي ما بدا أنه بيان تم إعداده مسبقاً هنأ فيه النيجر بالذكرى الـ63 لاستقلالها عن فرنسا، لكنه خشي من التحدي الخطر لديمقراطيتها، داعياً القادة العسكريين في النيجر، وبعضهم دربه الجيش الأميركي، إلى الإفراج عن الرئيس المنتخب ديمقراطياً محمد بازوم، حتى عندما اتخذ هؤلاء القادة خطوات لتعزيز الانقلاب عبر إرسال الجنرال ساليفو مودي، وهو نائب رئيس المجلس الوطني لحماية الوطن (المجلس العسكري للنيجر) إلى مالي المجاورة.

وقد تكون زيارة مودي إلى مالي، وهي الدولة التي رفضت صراحة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، ورحبت بحضور كبير للمرتزقة مع مجموعة "فاغنر" الروسية، علامة على أن نيامي التي كان يعتقد في يوم من الأيام أنها الركيزة الأساسية لاستراتيجية الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب في غرب أفريقيا ضد الإسلاميين المتطرفين مثل تنظيمي "داعش" و"القاعدة" و"بوكو حرام"، يمكن أن تقع في أحضان موسكو.

مخاوف من تداعيات سلبية

ومع ذلك يرى عديد من الخبراء أن ما يدفع إدارة بايدن إلى تشجيع مجموعة دول "إيكواس" على بذل مزيد من الجهود المنسقة معاً من أجل التوصل إلى حل دبلوماسي يعود لمخاوف الولايات المتحدة من مزيد من التداعيات السلبية المحتملة حال استخدام القوة العسكرية من هذه الدول، وعلى رأس هذه التداعيات أن العلاقة المتدهورة بين الغرب والمجلس العسكري في النيجر ستؤدي إلى جعل الوجود العسكري الأميركي الحالي في البلاد غير مقبول.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب ما رصده مشروع التهديدات الحرجة التابع لمعهد "أميركان إنتربرايز"، ضاعف المجلس العسكري قوته منذ الانقلاب من خلال إبرام صفقة مع المجالس العسكرية المجاورة للدفاع المشترك ضد تدخل دول "إيكواس" واعتقال المسؤولين المدنيين، وتعيين ضباط عسكريين في مناصب حكومية قيادية وتقليل التعاون مع الشركاء الغربيين.

مرارة الخيارات البديلة

ومع رفض المجلس العسكري التنازل عن السلطة للمدنيين، من المرجح أن تدفع عزلته الدولية إلى البحث عن قوات مساعدة، بخاصة بعدما علق الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بالفعل التعاون العسكري مع النيجر، مما سيجعل جيش النيجر في حاجة إلى تعويض خسارة القوات الغربية والإمدادات والتمويل.

وتتمثل الخيارات الأكثر احتمالاً للمجلس العسكري في تعزيز الميليشيات المدنية مثلما فعلت بوركينا فاسو، أو التعاقد مع مجموعة "فاغنر" الممولة من الكرملين مثلما فعلت مالي، وبحسب مشروع التهديدات الحرجة الأميركي سافر وفد من النيجر إلى باماكو عاصمة مالي في الثاني من أغسطس (آب)، لطلب الانتشار السريع لقوات "فاغنر" في النيجر، ومع ذلك تفتقر المجموعة في مالي وقوامها 1000 فرد إلى القدرة على الانتشار في النيجر في المستقبل القريب ما لم تعد نشر القوات بالفعل في سائر أفريقيا، وهو ما أكده سفير روسيا لدى نيجيريا بأن موسكو ليست لديها خطط لاستخدام قواتها في النيجر.

ومن شبه المؤكد أن دعم الميليشيات المدنية أو نشر مجموعة "فاغنر" سيزيد من انتهاكات حقوق الإنسان ويؤدي إلى تفاقم التوترات الطائفية، التي ستستخدمها الجماعات المتطرفة للتوسع، إذ زادت الميليشيات المدنية في كل من بوركينا فاسو ومالي ومجموعة "فاغنر" في مالي من معدل وشدة انتهاكات حقوق الإنسان ضد المدنيين، في حين أدت المبادرات التي أقيمت في النيجر خلال السنوات الماضية إلى إعطاء الأولوية لجهود المصالحة المجتمعية، إلى عديد من اتفاقات السلام المحلية التي ساعدت في إبطاء انتشار وتمدد هذه الجماعات المتطرفة في النيجر.

أخطار التدخل العسكري

وسيكون تدخل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" في النيجر هو السيناريو الأكثر خطورة، إذ تضع القيود المفروضة على جيوش الدول المجاورة للنيجر "إيكواس" في موقف ضعيف لدعم التدخل طويل الأمد أو إنشاء قوة حفظ السلام، إذ إن نيجيريا التي تملك أقوى جيش في المجموعة تواجه أزمة أمنية كبيرة متعددة الأوجه، بينما أدت الحرب الأهلية السودانية إلى زيادة الانقسام في الجيش التشادي الحاكم، كما أن تكاليف التدخل في النيجر أكبر أيضاً من تدخلات "إيكواس" السابقة، كما حدث في غامبيا عام 2017.

وعلاوة على ذلك تعد النيجر أكبر جغرافياً (تعادل ضعف مساحة ولاية تكساس الأميركية) ولدى المجلس العسكري للنيجر حلفاء إقليميون إضافيون هددوا بالتدخل دعماً له، ومن شأن التدخل العسكري لـ"إيكواس" أن يخلق فرصاً فورية لتقوية الجماعات المتطرفة من خلال الحد من ضغط مكافحة الإرهاب في غرب أفريقيا.

انتشار التطرف والإرهاب

وينشط المسلحون المرتبطون بـ"القاعدة" وتنظيم "داعش" في المناطق المحيطة بالنيجر التي لن تكون من أولويات قوات الأمن لمجموعة دول "إيكواس" ما لم تتضمن قوة التدخل محاربة المتمردين في تخطيطها العملياتي، ولهذا من المرجح أن يتزايد نفوذ هذه الجماعات في أرجاء واسعة، وعلى سبيل المثال أخلت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" المرتبطة بتنظيم "القاعدة" قرى عدة في جنوب غربي النيجر قبل أسابيع من الانقلاب، وستكون قادرة على ترسيخ موطئ قدم لها في المنطقة يمكن أن تستخدمه كقاعدة خلفية للعمليات في شرق بوركينا فاسو أو بنين أو شمال غربي نيجيريا.

وستستفيد دول الساحل أيضاً من تراجع ضغوط مكافحة الإرهاب في شمال غربي النيجر للتعافي من النكسات التي أحدثها القتال بين جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" وقوات النيجر المدعومة من فرنسا في يوليو (تموز) الماضي، كما يمكن لهذه الدول أيضاً استغلال أية ثغرات تنشأ من بوركينا فاسو ومالي ونيجيريا لتحويل الموارد بعيداً من عمليات مكافحة الإرهاب في بلدانهم.

تأثيرات عكسية

ومن المرجح أن يؤدي التدخل العسكري لـ"إيكواس" إلى تفاقم الوضع الأمني في النيجر والمنطقة على المدى الطويل، بغض النظر عن نتائج هذا التدخل، ذلك أن إعادة الرئيس بازوم قسراً من شأنه أن يقوض صدقيته ويزيد من حجم وتأثير الروايات الضارة بأن فرنسا والغرب يدعمان إدارته التي يؤمن بها عديد من الشباب في النيجر، كما تفتقر القوات الإقليمية لدول "إيكواس" إلى القدرة على إدارة مهمة حفظ سلام ناجحة.

ومن شأن دخول بوركينا فاسو ومالي في القتال إلى جانب المجلس العسكري في النيجر، أن يضعف قدرتهما على إبطاء انتشار الجماعات المتطرفة على أراضيها، فضلاً عن أن التدخل الإقليمي لـ"إيكواس" يهدد بزعزعة استقرار البلدان المساهمة المحتملة مثل نيجيريا أو تشاد، مما ستكون له عواقب وخيمة بسبب جيوشها الكبيرة وأدوارها المهمة في الشؤون الإقليمية.

هل من حل وسط؟

يمكن للنيجر والقوى الإقليمية في "إيكواس" أن تتوصل إلى حل وسط يتضمن الإفراج عن الرئيس محمد بازوم والتوصل إلى خريطة طريق لاستعادة الحكم المدني، إذ استمرت جهود الوساطة الإقليمية على رغم التوتر المتزايد بين الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والمجلس العسكري، فقد التقى الرئيس التشادي بشكل منفصل مع زعماء المجلس العسكري والرئيس بازوم في الـ30 من يوليو، وسافر وفد من "إيكواس" يضم رئيساً نيجيرياً سابقاً وسلطان سوكوتو، وهو شخصية دينية مهمة إلى النيجر في الثاني من أغسطس (آب)، بهدف وضع المجلس العسكري خارج الطريق المنحدر لتجنب العنف أملاً في حماية سمعتهم.

وخلال الأيام الماضية تسببت العقوبات الدولية أيضاً في انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع في النيجر مما سيضعف اقتصاد البلاد بشدة، ويزيد من احتمال التوصل إلى تسوية تفاوضية من خلال التسبب في اضطرابات مدنية أو يضعف الدعم للانقلاب بين قوات الأمن في النيجر.

أمل ضعيف

غير أن الأمل في التوصل إلى حل وسط ينهي الأزمة يبدو ضعيفاً قياساً بفشل خريطة طريق مماثلة في مالي، بسبب نفوذ الجيش الثقيل في العملية الانتقالية، مما أدى إلى انقلاب ثان أدى إلى تنصيب المجلس العسكري الحالي للبلاد.

ومن غير المرجح أن يخفف اتفاق تسوية من التداعيات بين النيجر وشركائها الغربيين، إذ شجع الانقلاب المؤيدين المناهضين للغرب، كما يتضح من المتظاهرين الذين هاجموا السفارة الفرنسية وحزب النيجر المعارض المؤيد للانقلاب الذي دعا إلى احتجاز المدنيين الأوروبيين حتى تغادر جميع القوات الأجنبية النيجر.

ولهذا تجد الولايات المتحدة نفسها من دون تقديم جزرة أو الإمساك بالعصا عاجزة عن ممارسة نفوذ قوى على الانقلابيين، بينما ينصح بعض المراقبين في واشنطن، أن تتحرك إدارة بايدن لقطع جميع المساعدات الأمنية عن النيجر حتى تستعيد حكومة منتخبة ديمقراطياً السلطة على رغم جميع الأخطار والتداعيات، بينما يدعو فريق آخر إلى التريث انتظاراً لما يمكن أن تسفر عنه الجهود الدبلوماسية التي يمكن أن تجنب أميركا مصاعب كثيرة محتملة في المستقبل ستكون لها تداعيات على الوجود الأميركي في غرب أفريقيا.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل