Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المثلية في لبنان... هواجس ومواجهات واتهامات لا تفنى

تعبر فئات عدة في المجتمع عن مخاوف من ممارسات المثليين والمدافعين عنهم وتأثيرها على الأطفال

حاول نشطاء مثليون تنظيم أول مسيرة لهم في لبنان عام 2017 لكنها ألغيت (أ ف ب)

ملخص

أصبحت ممارسات المثليين في لبنان علنية فزادت حدة المواجهات بين المدافعين والرافضين لثقافة مخالفة للمعتقدات الدينية والقوانين والتقاليد.

"الجميع يتفق على مبدأ احترام الحريات الشخصية وأهمية قبول الاختلاف، إنما الشرط الأساس هنا ألا تتعدى هذه الحرية الحدود وتصل إلى حد المساس بحرية الآخرين".

تبدو العبارة السابقة تلخيصاً لمجمل نقاشات المجتمع اللبناني حول قضية المثلية الجنسية، فبينما يطالب المثليون بما يعتبرونه حقوقهم الطبيعية، يواجههم المجتمع بشرائحه المتمسكة بخصوصيته والقيم الأخلاقية والدينية وآدابه وصورة العائلة.

وفيما تستمر المواجهات بين المدافعين عن المثلية الجنسية ووجودها والرافضين لممارساتها، يبدو لكثيرين في المجتمع أن مخططات أجنبية تقف وراءها، ولا تقتصر التحديات التي تواجه المثليين على نظرة المجتمع وحسب، بل إن هناك ضغوطاً مادية وقانونية وسياسية، خصوصاً أن المادة (534) من قانون العقوبات اللبناني تحظر إقامة علاقات جنسية بما يخالف نظام الطبيعة"، ويعاقب من يخالفها بالسجن لمدة عام، ولذلك ففي مقابل تزايد التحركات الخاصة بالمثليين وممارساتهم التي أصبحت علنية أكثر خلال الأعوام الأخيرة احتدم الصراع بينهم وبين الفئات المعارضة.

أنشطة ومواجهات

وفي عام 2017 سعى نشطاء من المثليين إلى تنظيم أول مسيرة لهم في لبنان وأطلق عليها اسم "فخر بيروت" إلا أنها ألغيت، وتكررت بعدها محاولات إقامة مسيرات مطالبة بحقوق المثليين وباءت بالفشل، وإن كانت أثارت ردود فعل متباينة بين معارضين لها ومدافعين عنها، وتسببت في جدل على وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي عام 2022 أصدر وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام المولوي قراراً يمنع فيه أي لقاء أو تجمع يتصل بالمثلية الجنسية، لاعتبارها تتعارض مع التقاليد الاجتماعية ومبادئ الأديان السماوية، وعلى رغم أن مجلس شورى الدولة قضى بوقف تنفيذ القرار بعد الطعن المقدم من منظمتي "حلم" و"المفكرة القانونية"، إلا أن المولوي عاد وأكد قراره استباقاً لنشاط مرتقب للمثليين، فاستمرت تداعيات قرار المنع هذا وتركت أثرها في مجتمع الميم، وفق ما يؤكده أحد أفرادها.

وفي الوقت نفسه برزت مواجهات متكررة بين مواقف مؤيدة وأخرى معارضة، وكانت الإعلامية ديما صادق ممن عبروا بصراحة عن رفض التمييز والتفرقة ورهاب المثلية، وعادت وردت على حديث الأمين العام لـ "حزب الله" حسن نصرالله الرافض للمثلية المنافية لطبيعة البشر بتغريدة جريئة عبرت فيها عن موقفها الداعم للمثليين وحقوقهم.

أيضاً عبر النائب مارك ضو في تغريدة له على منصة "إكس" عن دعمه لحقوق المثليين بقوله إن "قوس قزح حال تظهر في الطبيعة، وإنكار الطبيعة وتجريمها ليس طبيعياً"، فأتاه الرد سريعاً من النائب جميل السيد أن "قوس قزح لا يمكن مقارنته بالمثلية كونه ظاهرة موقتة واستثنائية تظهر في السماء وتختفي كلياً، أما المثلية أو ما كان يسمى في الماضي بالشذوذ الجنسي فهو حال مخالفة للطبيعة البشرية والحيوانية المحددة حصراً بالذكر والأنثى اللذين منهما تستمر الحياة البشرية، وكل ما هو خارجهما شاذ أو شواذ يريدون اليوم فرضه على المجتمعات كأمر واقع ودائم وطبيعي ومعترف به شئت أم أبيت، وإلا فأنت متخلف وعنصري".

وكان حسن نصرالله فتح الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي حول موضوع المثلية الجنسية حين تطرق إليه في خطابه الأخير لإحياء ذكرى عاشوراء بالقول، "لا نخترع معركة ولا نخترع خطراً بل هو خطر حقيقي وداهم وبدأ"، مضيفاً "في لبنان بدأ هذا الخطر من خلال بعض المؤسسات التربوية ومن خلال المنظمات غير الحكومية"، مشيراً إلى أخبار عن نشر كتب للأطفال تروج لـ"الثقافة المنحرفة"، وطالب وزارة التربية بالمراقبة والتحرك.

وتكررت الأنشطة التي ترعاها منظمات دولية لدعم حقوق المثليين، وأخيراً وصلت منحة من الكتب الخاصة بالأطفال من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) تتضمن رسائل واضحة ومباشرة لنشر هذا الفكر، فعمدت وزارة التربية إلى التخلص منها لاعتبارها تتعارض مع القيم الدينية والقانون اللبناني، كما أكد المدير العام للتربية والتعليم عماد الأشقر.

نشر الوعي ضروري

وتشير أستاذة علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية الدكتورة جنات شامل الخوري إلى أن "ما يحصل حالياً في قضية المثلية هو استعمار من نوع آخر، فثمة هجمة ومساع إلى نشر هذا الفكر أو فرضه من خلال كتب توزع على الأطفال وأنشطة وبرامج، ويتطلب احتواء هذا الخطر الوعي، فالمثلية ليست بيد الطفل وقد لا يمكن تغيير الهوية الجندرية فيعيش الطفل معاناة نفسية في مواجهة التنمر والضغوط".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقالت الخوري إن "المثلي لا يشكل خطراً بذاته على المجتمع، لكن الخطر يتمثل في مساعي فرض هذه الثقافة بطريقة مدروسة لتتغلغل بين الطلاب وتصبح مقبولة وأكثر انتشاراً، ويتطلب ذلك حملات توعية واسعة في المدارس وبين العائلات لتلعب دورها إلى جانب الإعلام وأصحاب القرار من وزارات متخصصة، كما أن الوعي ينقص في كثير من المدارس في مثل هذه المواضيع، وكذلك على وزارة التربية أن تتحمل هذه المسؤولية"، مشيدة بخطوة التخلص من كتب تسعى إلى نشر هذه الثقافة.

وأضافت، "مشكلتنا الأساس أننا نتأثر عشوائياً بالغرب، ويعيش جيل الشباب صراعاً في ظل عادات وتقاليد ينقلها إليه الأهل في مقابل الثقافات الغربية التي تصل إليهم من الكتب ووسائل التواصل الاجتماعي، وهو صراع بين ما هو تقليدي ويبدو بالياً من تقاليد وعادات، وما يعتبرونه تطوراً واحتراماً للحرية والاختلاف، ولذلك فلا بد من التشديد على التمسك بالقيم الاجتماعية والأخلاقية المنبثقة من القيم الدينية، ومن المهم تعزيز وجود التعليم الديني في المدارس، وبشكل عام تعتبر العائلة التي تؤمن التربية السليمة أساساً، كونها الوسيط الأول في التنشئة".

دفاع

وإذا كان التيار الأقوى في المجتمع اللبناني يحذر من المثلية وانتشارها فإن مجتمع المثليين في المقابل يعبر أفراده عن معاناتهم ويدافعون عن مواقفهم، فيقول ورد مغربل من "حلم"، وهي أول مؤسسة حقوقية للدفاع عن المثليين في لبنان، إن "حقوقهم ليست موضع نقاش وهي لا تزال مسلوبة مما يجعلهم يعيشون في دوامة من العذاب والعزلة على مختلف الصعد، في المدرسة أولاً والمجتمع وأماكن العمل والجامعات، خصوصاً بالنسبة إلى من يبدو واضحاً على مظهره أنه ينتمي إلى هذه الفئة، فيضطر كثيرون إلى ترك المدرسة في سن باكرة والعيش في عزلة بسبب المظهر، إذ يدمر المجتمع مستقبلهم من دون تردد".

ويضيف، "إقصاء المثليين موجود في الكتب المدرسية ومقابلات التوظيف وأماكن العمل، إذ لا قبول للاختلاف الجندري، وقد سمحت الأوضاع المادية لبعضهم بالتعلم في مدارس خاصة معينة تتقبل الاختلاف، فيما لم تسمح ظروف آخرين بالتعليم، إذ إن الوضع أكثر صعوبة في المدارس الرسمية مما يؤكد أن الصراع الطبقي موجود هناك أيضاً".

 

ويدعو مغربل إلى تأمين محيط لا يواجه فيه المثلي التنمر، مشيراً إلى أنه لا يمكن القضاء على مستقبله وطموحاته وإقصائه من مختلف الخدمات، فثمة أشخاص من المثليين يتعرضون إلى أخطار ويعجزون عن تأمين الاستقرار المادي بسبب وضعهم هذا لأنهم مستبعدون، ولذلك يطالب بتأمين حقوقهم في المجتمع ومراعاة وجودهم في المناهج التربوية لحمايتهم، على حد قوله.

ويشير إلى أن "الخطاب السياسي العنيف والحاد الموجه ضد المثليين حالياً يؤكد أنه نوع من الحصار لهم بسبب ميولهم الجنسية ويهددهم بالخطر وكأنهم في حال من الموت البطيء، خصوصاً إذا كانوا من عائلات غير ميسورة"، موضحاً أنه "ما من أحد يختار أن يكون مثلياً وأن يكون على هامش المجتمع فيتعرض للإقصاء".

واعتبر مغربل أن "قرار وزير الداخلية بمنع التجمعات للمثليين يشكل ضربة لهذه الفئة التي كانت تجد متنفساً في أماكن معينة"، مضيفاً "لخطاب رجال الدين أثر سلبي خطر أيضاً لأنه زاد عزلة المثليين وهواجسهم مع ازدياد الأخطار، فهم غير محميين لا قانوناً ولا ديناً، وهذا ما يدعونا إلى دق ناقوس الخطر مع استمرار هذا الخطاب التحريضي الذي ولد مجتمعات عنيفة ضد مجتمع الميم، لكن لا بد من الإشارة إلى أن ثمة رجال دين حالياً يشجعون على الحوار مع المثليين، لأنهم وجدوا فيه طريقة آمنة لقبول الاختلاف حتى لا نصل إلى أماكن خطرة".

رفض ديني

وللمعتقدات الدينية أثر كبير في نظرة المجتمع إلى المثليين، خصوصاً في ظل تمسك معظم الفئات بها في لبنان، وحول نظرة الدين الإسلامي إلى المثلية الجنسية يقول رئيس دائرة الفتاوى في دار الفتوى الشيخ وسيم المزوق، "قيد الله عز وجل الزواج بطرفين هما الذكر والأنثى، أي بما يوافق الفطرة السليمة التي خلق الناس عليها، فقال سبحانه وتعالى (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)] الروم:[21، وقد جعل الله تعالى الشذوذ الجنسي كاللواط بين رجلين ومثله السحاق بين امرأتين من كبائر الذنوب، وتوعد صاحبه بالعقاب الشديد يوم القيامة، ولنا في قصة سيدنا لوط عليه السلام مع قومه خير عبرة حول مخالفة الفطرة والوقوع في الشذوذ الجنسي".

ويضيف المزوق، "تنظر الشريعة الإسلامية إلى ما يسمى الجنس الثالث نظرة متسقة مع الإيمان بالقضاء والقدر، فلا تجيز انتقاص أحد لوصف خلقه الله عليه، كما لا يجوز تمييز أحد على أحد بجنس أو لون أو عرق أو نسب لأن الناس بين يدي الله سواء، ولذلك فكل من ابتلي بنقص أو خلل عن الخلق السوي للإنسان منحته الشريعة الحقوق التامة التي منحتها لجميع البشر، ورفعت منزلته بحسب ما يقدمه لدينه وأمته وبحسب منزلته عند ربه، وثبت وجود أفراد من الجنس الثالث في عصر النبي مثل أنجشة وهيت، وثبت أنهم عاشوا بين الصحابة الكرام حياة الكرماء يؤدون واجباتهم وينالون حقوقهم، ولم يرد في الأخبار شيء يدل على احتقارهم أو اضطهادهم".

ويدعو الشيخ المزوق الناس إلى أن يتقوا الله في التعامل مع أمثال هؤلاء، وأن يكونوا عوناً لهم على العلاج وتجاوز المحنة، وأن تخصص لهم المؤسسات التي تعينهم على استيفاء كامل حقوقهم والعيش بكامل كرامتهم، وقد صدر عن المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي قرار في شأنهم، "أما من اجتمع في أعضائه علامات النساء والرجال فينظر فيه إلى الغالب من حاله، فإن غلبت عليه الذكورة جاز علاجه طبياً بما يزيل الاشتباه في ذكورته، ومن غلبت عليه علامات الأنوثة جاز علاجه طبياً بما يزيل الاشتباه في أنوثته، سواء كان العلاج بالجراحة أو الهرمونات، لأن هذا مرض والعلاج يقصد به الشفاء منه وليس تغييراً لخلق الله عز وجل".

أما حول نظرة الدين المسيحي إلى المثلية الجنسية فيشير الأب طوني غانم إلى أن الكنيسة تأخذ بأقوال الرب "أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكراً وأنثى؟"(متّى 4:19)، وكما في جميع الكائنات فهناك اختلاف في الجنس لخلق الحياة، وكل ما هو غير ذلك مخالف للطبيعة، ومن الأسس في الكنيسة الزواج والتكامل والانسجام حتى تكون ثمرة الزواج الإنجاب، ولا مفهوم آخر للزواج في الكنيسة، وتظهر أهمية الزواج في الكتاب المقدس عندما ذكرت مباركة السيد المسيح لعرس قانا".

ويشير الأب غانم إلى أن "كثيراً من المثليين في لبنان يأتون وهم يعانون ضغوطاً كثيرة بسبب وضعهم الشاذ هذا ويكونون في حال نفسية سيئة، فلا ترفضهم الكنيسة لأنها تنظر إليهم بعين الأم، بل تساعدهم وتعالجهم روحياً وترافقهم بالصلاة، وتوجههم ليتلقوا الدعم النفسي عندما تكون الحال بيولوجية جينية، أما من خالف الطبيعة عمداً أو سعياً وراء اللذة، كما قد يحصل حالياً في مساعي لنشر هذا الاتجاه، فمرفوض تماماً، وإلا فهو تشريع للخطأ وتبرير للخطيئة ومخالفة للطبيعة".

السبب جيني حتى اللحظة

وحول الجدل الحاصل في شأن تأثير ممارسات المثليين والمجموعات المدافعة عنها، يؤكد رئيس قسم الأمراض النفسية في مستشفى "أوتيل ديو دو فرانس" رامي بو خليل أنه "حتى اللحظة تعتبر المثلية مشكلة جينية بحتة بالاستناد إلى الجمعية الأميركية للطب النفسي، وما من تخوف من أن تفيد محاولات التأثير في الطفل وتغيير هويته الجندرية ما لم يكن لديه استعداد لذلك، وبالتالي فلا خطر في ذلك من وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام والتحركات لنشر المثلية، فسببها بيولوجي مرتبط بالهرمونات ولا علاقة للمحيط أو التربية في التأثير على الطفل، أما التحرش الجنسي أو التربية فليست أسباباً مباشرة".

ويوضح بو خليل أن "هناك حالاً من عدم الانتظام في الهوية الجندرية، وهي عبارة عن سلوكات معينة تظهر في نحو سن تسع سنوات عند الأطفال، كأن يلعب صبي بألعاب الفتيات والعكس، ولم تحدد الدراسات بعد إذا كان ذلك ناتجاً من المثلية الجنسية أو ما إذا كان له تأثير في بلوغها، بحيث يمكن العمل على التوجيه والتوعية لتغيير سلوكات الطفل وميله هذا، وحتى اليوم تبقى المثلية مرتبطة بالعامل الجيني حصراً، أما الآراء المخالفة لذلك فتستند إلى مشاهدات وليس إلى دراسات وهي ليست مثبتة علمياً".

المزيد من تحقيقات ومطولات