ملخص
تطورت أنظمة الإنذار المبكر عبر التاريخ لكنها لا تزال غير فعالة في بعض الدول... فما السر؟
منذ آلاف السنين، ابتكر البشر طرقاً متنوعة لحماية أنفسهم وممتلكاتهم من المخاطر، وقبل قرون عدة استعملت الحيوانات مثل الكلاب أو الإوز وبعض الماشية لتعمل على تنبيه الأشخاص إلى وجود متسللين لغايات السرقة وغيرها، أما اليوم فقد أصبح شائعاً استخدام أجهزة وأنظمة الإنذار الآلية المبكرة والحديثة، التي بدأ ابتكارها في منتصف عام 1700.
سجلت أول براءة اختراع لأول نظام إنذار كهرومغناطيسي في العالم في 21 يونيو (حزيران) عام 1853، باسم رجل يدعى أوغسطس راسل بوب، وهو مخترع من سومرفيل في بوسطن، ومنذ ذلك الوقت وحتى عام 2008 تطور جهاز إنذار السرقات في المنازل.
بالفعل نجح المهندسون في ابتكار أول أنظمة إنذار لا سلكية في السوق، وبحلول عام 2010 أصبح بمقدور أصحاب المنازل دمج أجهزة الإنذار بالهواتف الذكية، بينما تطورت أنظمة إنذار الحريق منذ حصول فرانسيس روبينز أبتون أحد شركاء توماس إديسون على براءة اختراع لأول نظام إنذار أوتوماتيكي في عام 1890، وبعد 12 عاماً طور جورج أندرو داربي في إنجلترا أول أنظمة للكشف عن الحرارة والدخان.
ومن أمثلة أجهزة الإنذار تلك التي تعنى بالتنبؤ بالزلازل، فعلى رغم التقدم الذي تحقق في مجال علم الزلازل، فإن الأجهزة العلمية الحديثة لا تستطيع التنبؤ بالحدث.
ولا يعدو التنبؤ في مجال الزلازل أن يكون تشخيصاً وليس تنبؤاً حقيقياً مضبوطاً، وهذه قناعة علماء الجيوفيزياء حتى الآن، ولكن يبدو أن لعلماء سلوك الحيوان وجهة نظر أخرى، فلديهم نظرية تقول إنه بإمكان اتخاذ الحيوانات كأجهزة إنذار مبكر للزلازل، استناداً إلى أن الطيور والزواحف والفئران والقطط والكلاب والأسماك وغيرها لديها من الحواس المرهفة الدقيقة، ما يمكنها من استشعار الزلازل قبل وقوعها.
نظام الإنذار المبكر
ومن نطاقات فردية واحدة لكل جهاز إنذار للحد من خطورة كل فعل إلى نظام عالمي سعى إليه المجتمع الدولي لحماية أشمل وأوسع وأطلق عليه اسم نظام الإنذار المبكر، شمل هذا النظام معظم ما قد يحل بأهل الأرض من أخطار وكوراث طبيعية أو من صنع الإنسان كالنزاعات المسلحة وانتشار الأوبئة وما يترتب عليها من ضريبة يدفعها في المقام الأول الإنسان نظراً إلى ما يصيبه من خسائر في الأرواح والممتلكات.
بات نظام الإنذار المبكر ضرورة ملحة ينبغي على المجتمع الدولي تفعيلها مع إلزام الدول بضرورة تبني أنظمة من هذا القبيل، في ما جرى تنظيمه عبر عدد من الاتفاقيات الدولية ومنها، اتفاقية التبليغ المبكر عن الحوادث النووية لعام 1986.
ومن أهم ما توصل إليه المجتمع الدولي من تطور في ميدان أعمال نظام الإنذار المبكر هو وضع إطار عمل "هيوجو" للفترة 2005- 2015، وإطار عمل "سينداي" للفترة 2015- 2030، اللذين تبنيا أولويات اعتبرت بمثابة مرتكزات يقوم عليها هذا النظام.
ويندرج نظام الإنذار المبكر في إطار العمل الوقائي الذي يهدف إلى تفادي ارتفاع كلفة التدخل في حال حصول الكارثة، وقد جاء استحداثه كآلية لرصد الإرهاصات الأولى المنذرة بانفجار وشيك لكارثة معينة، التي تنعكس آثارها في نهاية المطاف في الإنسان وحقوقه الأساسية.
حقوق الإنسان
يسهم الحد من أخطار الكوارث في حماية حقوق الإنسان، من طريق تقليل احتمال تأثير المخاطر الطبيعية سلباً في السكن والصحة والحقوق المتعلقة بالأرض وإمكانية الحصول على الغذاء، على سبيل الذكر لا الحصر.
ويتيح الحد من أخطار الكوارث بيئة مواتية من أجل تعزيز وحماية حقوق الإنسان، لا سيما ما ينطبق منها على الشعوب الأصلية التي تجعلها العلاقة الوثيقة التي تربطها ببيئتها الطبيعية قابلة للتأثر بشكل خاص بأخطار الكوارث.
وبحسب الأمم المتحدة تتطلب الاستراتيجيات الرامية إلى الحد من أخطار الكوارث التعاون والإسهام التقني من مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة لكي تكون فعالة، ويجب أن تشمل منظور الشعوب الأصلية التي صممت هذه الاستراتيجيات من أجل حماية حقوقها الإنسانية وحياتها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا يمكن لأي مؤسسة وحدها أو قطاع بمفرده تحقيق تغيير ذي مغزى، بالتالي فإن عملية وضع استراتيجيات الحد من الأخطار تتيح بحد ذاتها من طريق الشراكات التي تعمل فيها مع وكالات حقوق الإنسان، وخبراء الحد من أخطار الكوارث وممثلي مجتمعات الشعوب الأصلية فرصة فريدة لتحسين مشاركة الشعوب الأصلية في عمليات صنع القرار.
والمخاطر الطبيعية ليست كوارث في حد ذاتها، لكن يتوقف تحولها إلى كوارث على تعرض المجتمع المحلي لها وقابليته للتأثر بها وقدرته على مواجهتها، وهي جميعها عوامل يمكن التصدي لها من طريق العمل البشري بما فيه عمل الدولة والتقصير (من جانب الحكومات الوطنية والمحلية، ووكالات الحد من أخطار الكوارث، والشعوب الأصلية والجهات الفاعلة الأخرى) في اتخاذ إجراءات وقائية معقولة للحد من التعرض للكوارث وقابلية التأثر بها وتعزيز القدرة على مواجهتها، وكذلك في اتخاذ إجراءات تخفيف فعالة، وجميعها تعد مسألة من مسائل حقوق الإنسان.
مرتكزات الإنذار
من العناصر التي يقوم عليها نظام الإنذار المبكر، فهم المخاطر أولاً وذلك عبر تركيز السياسات والممارسات المتعلقة بإدارة أخطار الكوارث بجميع أبعادها المتمثلة في قابلية تضرر الأشخاص والممتلكات ومدى تعرضهما للمخاطر مع تسخير هذه المعارف لغرض إجراءات تقييمات سابقة على أخطار الكوارث، وذلك من أجل وضع وتنفيذ إجراءات مناسبة للتأهب والتصدي لها.
وتعزيز سبل إدارة أخطار الكوارث يساعد على تحسين التصدي لها ما من شأنه تعزيز التعاون والشراكة بين الآليات والمؤسسات التي تتولى تنفيذ الصكوك ذات الصلة بالحد منها، ويلزم في هذا الصدد وجود رؤية واضحة وخطط واختصاصات وإرشادات وتنسيق داخل القطاعات وفي ما بينها مع مشاركة الجهات المعنية.
ومن أجل تحقيق منعة اقتصادية واجتماعية وصحية للمجتمعات والدول، كان لا بد من وضع استثمارات عامة بخاصة في مجال الوقاية من الكوارث والحد منها، فهذه الاستثمارات ستسهم بقوة في إنقاذ الأرواح ومنع وقوع الخسائر وتقليلها وضمان فعالية التعافي وإعادة التأهيل.
وأخيراً فإن ضرورة مواصلة تعزيز الاستعداد لمواجهة الكوارث وتوفير القدرات اللازمة للتصدي لها والتعافي من آثارها، تمثل فرصة حاسمة لإعادة البناء بطريقة أفضل وبسبل منها إدماج الحد من أخطار الكوارث في تدابير التنمية ما يجعل الأمم والمجتمعات قادرة على المواجهة.
خسائر رغم المساعي
يهدف نظام الإنذار المبكر إلى إعطاء فرصة ووقت كافيين للمهددين بالخطر للوقاية منه قبل وقوعه، والعمل على زيادة الثقة بالأجهزة والمنظمات المعنية لقدرتها ودورها في الحد من المفاجآت، وإيجاد قنوات تنسيق واتصال بين هذه الجهات، علاوة على أن تحديد الموعد الدقيق لمواجهة الأزمات يساعد على تحديد نهايتها والسيطرة عليها والحد من آثارها.
وعلى رغم الاهتمام الكبير الذي حظي به نظام الإنذار المبكر من الكوارث على الصعيدين العالمي والإقليمي، إلا أن المجتمعات لا تزال تشهد عديداً من الكوارث التي تذهب ضحيتها أرواح لا تعد ولا تحصى ناهيك عن الخسائر الكبيرة في الممتلكات، فالواقع يعكس عدم جدوى هذه الآلية في الحد من أخطار الكوارث.
ولعل السبب الرئيس في ذلك يعود إلى عدم ممارسة هذا النظام لدوره بشكل فعال على مختلف الصعد، وذلك لوجود عديد من التحديات والمعوقات التي تحد فعالية هذا النظام على أرض الواقع، فالبعض يرجعها إلى ضعف الدعم المادي لهذا النظام وعدم التزام الدول تشريع قوانين خاصة به، فضلاً عن امتناع دول أخرى عن التبليغ بشكل استباقي عن مسببات الكوارث لأسباب متعددة.
ببساطة مهما كان نظام الإنذار المبكر جيداً، فإن نجاحه في منع الكوارث والنزاعات، بالتالي حماية الإنسان وحقوقه الأساسية يتوقف على لحظة اتخاذ القرارات، فالفرق بين تدخل ناجح وآخر مرشح للفشل يمكن قياسه بالمدة التي تفصل ما بين الإشارة الأولى المنذرة بمشكلة وبين الخطوات الأولى المتخذة لمعالجتها.