Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تجفف الانقلابات منابع الديمقراطيات الوليدة غرب أفريقيا؟

تستخدم نظم بعض الدول مثل مالي وبوركينا فاسو مجموعة "فاغنر" بذريعة حل المشكلات الأمنية

لا تمر هذه الانقلابات من غير أن يبرر قادتها استيلاءهم على السلطة إما بسبب استشراء الفساد أو تجاهل حقوق الإنسان أو تردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية (غيتي)

ملخص

الإطاحة العسكرية أعادت التوتر الدائم بين الدمقرطة وعسكرة السياسة التي يبدو أنها اكتسبت أرضية في غرب أفريقيا

خلال السنوات الثلاث الماضية، وقعت انقلابات متتالية في بعض دول غرب أفريقيا أبرزها مالي وغينيا وبوركينا فاسو وأخيراً النيجر في 26 يوليو (تموز)، وبعضها شهد أكثر من انقلاب خلال فترة وجيزة، إضافة إلى المحاولات الانقلابية الفاشلة، أما تشاد، وهي إحدى دول الساحل الخمس، فعلى رغم أنها جمهورية شبه رئاسية، إلا أن استيلاء الجيش على السلطة وتسليمها إلى محمد إدريس ديبي بعد مقتل والده، وصف بأنه تغيير غير دستوري، لم تعترض عليه فرنسا نظراً للتحالف المشترك بينهما في عمليات مكافحة الإرهاب.

وتثير هذه الأحداث تساؤلات عن مدى فعالية التحولات الديمقراطية في غرب أفريقيا، وما إذا كانت دول أخرى مثل جمهورية بنين ونظام حكمها جمهورية رئاسية، وتوغو والغابون وساحل العاج وهي جمهوريات شبه رئاسية، وغينيا بيساو جمهورية فيدرالية، وغيرها من الدول الفرنكوفونية يمكن أن تحذو حذو هذه الدول التي حدثت بها انقلابات، مع قصور الظل الفرنسي وعجز باريس عن توفير الحماية الأمنية بعدم تمكنها من القضاء على الجماعات الإرهابية المسلحة على رغم أن عودتها إلى مستعمراتها السابقة كانت بغرض "محاربة الإرهاب"، وتبدو الآن في طريقها إلى الانسحاب من كونها حليفاً سياسياً تاريخياً لهذه الدول، تحت محاولات الضباط الجدد التحرر من الحماية الفرنسية وميلهم الواضح نحو تمكين النفوذ الروسي، إذ تستخدم نظم بعض الدول مثل مالي وبوركينا فاسو مجموعة "فاغنر" بذريعة حل المشكلات الأمنية.

 

مناورات دستورية

في مالي، قاد الانقلاب على الرئيس المدني إبراهيم بوبكر كيتا الذي وقع في 18 أغسطس (آب) 2020، الضابطان مالك دياو وساديو كامارا، وبزعامة العقيد أسيمي غويتا قائد "اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب"، وهي مجموعة من المتمردين من أفراد الجيش، انقضت على السلطة ولكن تعهدت بإجراء انتخابات جديدة بعد خلع كيتا، وفي 21 سبتمبر (أيلول)، عين الجنرال باه نداو رئيساً مع تعيين أسيمي غويتا نائباً له، وكان من المقرر أن يترأس فترة انتقالية تنتهي بعد 18 شهراً، لكن أطاح غويتا بالرئيس الانتقالي نداو ورئيس الوزراء مختار عوين، في 24 مايو (أيار) 2021، وعين نفسه رئيساً.

وفي تشاد، قاد الجنرال محمد إدريس ديبي كاكا، تغييراً غير دستوري للحكومة بعد مقتل والده، في 20 أبريل (نيسان) 2021، في معركة الحكومة مع قوات معارضة تشادية مسلحة تطلق على نفسها اسم "جبهة التغيير والوفاق في تشاد"، وشن المتمردون هجوماً من معقلهم في جبال تيبستي جنوب ليبيا على نقطة حدودية تشادية على إثر حصول ديبي على 80 في المئة من الأصوات، وكان في طريقه للفوز بفترة رئاسة سادسة.

 

أما في غينيا كوناكري فقد نفذ العقيد مامادي دومبويا انقلاباً بعد أن قاد كتيبة من الجنود للاستيلاء على السلطة، في الخامس من سبتمبر 2021، على نظام الرئيس المدني ألفا كوندي الذي تولى الرئاسة، في ديسمبر (كانون الأول) 2010، وظل يجري مناورات دستورية تسمح له بالترشح، ومارس قمعاً سياسياً على الغينيين الذين احتجوا على ترشحه لولاية ثالثة، أعقبتها انتخابات في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، وعلى رغم تقديم المعارضة أدلة موثوقة على تزويرها، لكن المجتمع الإقليمي والدولي غض الطرف عن هذه المخالفات الانتخابية، ما سمح لكوندي بالاحتفاظ بالسلطة عن طريق العنف.

مصير التحالفات

وتواصلت الانقلابات في العام التالي، إذ تعرضت بوركينا فاسو لانقلابين، عام 2022، فقد أعلن النقيب إبراهيم تراوري رئيس وحدة مدفعية في القوات المسلحة نفسه رئيساً للدولة في 30 سبتمبر، بعد أن أطاح بزعيم المجلس العسكري السابق المقدم بول هنري سانوغو داميبا، الذي قاد انقلاباً سابقاً، في يناير (كانون الثاني) 2022، وقد زعم قائدا الانقلابين أنهما يتعاملان مع الأزمة الأمنية في البلاد، لكن الانقلابين أديا إلى أزمات أمنية طاولت الموارد الطبيعية الثمينة في البلاد، وتفاقمت حالات العنف التي أدت بدورها إلى النزوح قسراً لما يقرب من مليوني شخص من مجموع السكان الذي قدر بحوالى 22 مليون نسمة.

أما انقلاب النيجر، فقد فتحت الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد بازوم الذي وصل إلى السلطة في الثاني من أبريل (نيسان) 2021، الأسئلة حول مصير التحالفات بين النيجر ودول إقليمية وغربية، التي ترتبط بمصير الدولة نفسها بعد فشل الوساطة الإقليمية ورفض زعماء الانقلاب الوساطة الدولية التي تبعها قطع المساعدات، ومضت "إيكواس" في التهديد بالتدخل العسكري لإعادة بازوم بوضعها مهلة تبعتها بوصول وفدها إلى نيامي للوساطة لإيجاد مخرج من الأزمة ورجوعه خالي الوفاض، بينما أنهى قادة الانقلاب مهام سفراء بلادهم مع الولايات المتحدة وفرنسا ونيجيريا وتوغو. كما أعلن الانقلابيون إلغاء اتفاقيات عسكرية مع فرنسا، وتعهدوا بالرد فوراً على أي تدخل عسكري خارجي، وحذرت حكومتا بوركينا فاسو ومالي العسكريتين، في بيانين مشتركين، من أن أي تدخل عسكري ضد قادة الانقلاب في النيجر سيعد "إعلان حرب" ضد بلديهما.

مبررات الانقلاب

لا تمر هذه الانقلابات من غير أن يبرر قادتها استيلاءهم على السلطة إما بسبب استشراء الفساد أو تجاهل حقوق الإنسان أو تردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية أو تشبث الرئيس بالسلطة، أو كل هذه الأسباب مجتمعة، وفي كل مرة تدين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، الانقلابات في أفريقيا وتدين تشكيل المجلس العسكري وتهدد بإيقاع عقوبات، وتدعو إلى انتقال السلطة إلى حكم مدني وفقاً لدساتير البلدان المختلفة، لكن لا تلبث إلا أن تضعف مطالباتها، ويصير شكل الحكم العسكري أمراً واقعاً، وتشترك الحكومات الانقلابية في عدم الالتزام بجدول زمني للعودة إلى الحكم المدني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال المدير الأول للشؤون الأفريقية في مجلس الأمن القومي جود ديفيرمونت "في حين أن الدوافع الشخصية لمنفذي الانقلابات تكون غير واضحة، فإن المبررات التي يسوقونها وتمهد الطريق للانقلاب العسكري هي سوء الإدارة السياسية والاقتصادية وفساد النظام، ولكن معظم الضباط الذين نفذوا الانقلابات الأخيرة قيموا الوضع في المنطقة فوجدوا أن المجتمع الدولي، الذي يحتج على الانقلابات بشكل ضعيف لن يفعل شيئاً جوهرياً لمعارضة الانقلاب"، وأضاف "استناداً إلى ردود فعل المجتمع الدولي على التحركات غير الدستورية في مالي وتشاد وغيرهما، فقد كان الاتحاد الأفريقي و"إيكواس" وفرنسا والولايات المتحدة مترددة في فرض عقوبات كبيرة في السنوات الأخيرة، على عكس العقود الماضية من الاستجابات المبدئية لعمليات الاستحواذ غير الدستورية"، وذكر ديفيرمونت أن "الهيئات الإقليمية في أفريقيا والشركاء الدوليين يحتاجون إلى العمل بشكل أكثر حسماً لتوقع هذا الاتجاه المثير للقلق والاستجابة له وفقاً لتطور قواعد اللعبة للانقلاب ومواجهة التراجع الديمقراطي".

وتابع المدير الأول للشؤون الأفريقية في مجلس الأمن القومي "كان المجتمع الدولي متواضعاً في الاستجابة للانتخابات الشكلية في بنين، ومتضارباً في معالجة الفساد في مالي، وغير متكافئ بشأن حدود الولاية في غينيا وساحل العاج، وبينما عانت منطقة غرب أفريقيا أسرع تراجع في الحقوق السياسية والحريات المدنية، أعطى شركاؤها الأولوية لمكافحة الإرهاب، كما أتاح ذلك الفرصة لخلق المنافسة الاستراتيجية مع الصين وروسيا، هذا التراجع وضع الشروط للضباط للاستيلاء على السلطة أو على الأقل استخدامها كذريعة لعمل عسكري".

عسكرة السياسة

وقال المتخصص في الجماعات المسلحة في فريق خبراء الأمم المتحدة ديفيد زونمينو "النقص في المساءلة هو مشكلة رئيسة تعيق انتقال دول غرب أفريقيا إلى الديمقراطية والاستقرار، ولإزالة الانقلابات من الثقافة السياسية لهذه الدول، يحتاج القادة إلى تعزيز العدالة ودعمها وإنهاء الإفلات من العقاب بشكل منهجي"، وأوضح زونمينو أن "الإطاحة العسكرية أعادت التوتر الدائم بين الدمقرطة وعسكرة السياسة التي يبدو أنها اكتسبت أرضية في غرب أفريقيا، وتظهر التجارب في ظل الحكومات العسكرية المختلفة منذ العقد الأول من القرن الـ  21 أنه، مع استثناءات قليلة، لم يعد الجنرالات هم من ينظمون التمرد، فقد جاء معظم قادة الانقلاب الأخير من المستويات العسكرية الدنيا، معظمهم من النقباء وأحياناً العقداء، وهذا يفضح الضعف في جهاز الأمن القومي"، ونوه المتخصص في الجماعات المسلحة في فريق خبراء الأمم المتحدة إلى أنه "خلافاً للمشاعر الشعبية، فإن الانقلابات الأخيرة ينبغي ألا تثير تساؤلات حول إمكان تطبيق الديمقراطية في أفريقيا، وبدلاً من ذلك، يجب إدراك أن المشكلة تنبع من أنظمة الحكم الخاطئة التي تزدهر مع الفساد والافتقار إلى المساءلة وعقود من الخدمة الضعيفة".

ديمقراطية شكلية

ورجحت مجلة "نيو أفريكان" أن "موجة الانقلابات في غرب أفريقيا آخذة في التصاعد، وإن كانت قد شملت دولاً عدة في السنوات الأخيرة، فإنها قد تشمل أخرى"، وأرجعت ذلك إلى عوامل عدة "أولاً، الديمقراطية ضعيفة نسبياً في معظم البلدان التي وقعت فيها الانقلابات، وبعض السمات العامة التي يمكن ملاحظتها تشمل، التسامح المحدود للمعارضة السياسية، والقيود على حرية التعبير ووسائل الإعلام المستقلة، والسلطة القضائية متأثرة بشدة بالسلطة التنفيذية"، وأضافت "العامل الثاني، أن الوعود التي يقطعها عادة قادة الانقلاب بأن تدخلهم سيكون قصير الأجل، لا يوفون بها، ما لم تتم إزالتهم من السلطة بتدخل عسكري آخر"، وزادت "العامل الثالث، يبدو أن هناك نقصاً في الاهتمام الدولي بالبلدان المعنية، بينما يبدو أن المنظمات الإقليمية لديها سلطة محدودة للقيام بالكثير حيال الانقلابات. وكمثال لذلك، فقد فرضت "إيكواس" عقوبات على مالي في أعقاب الانقلاب، لكنها لم تكن حازمة بالقدر نفسه في موقفها تجاه الدول الأخرى المتضررة من الانقلابات، كما أن الاتحاد الأفريقي اتخذ موقفاً حازماً لكنه يفتقر إلى القوة لفرض العقوبات اللازمة".

من جهة أخرى، فقد أوضح أستاذ العلاقات الدولية في جامعة "كيرتن بيرث" بأستراليا محمد دان سليمان، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة "النيل" بنيجيريا حكيم أوناباجو في مقالهما بصحيفة "ذا كونفيرسيشن" أنه "لكي تكون هناك [عودة] للانقلابات، يجب أن تكون الديمقراطية في أفريقيا قد اتخذت خطوة إلى الأمام بما يكفي لمنع أو تقليل الانقلابات، إن القول إن الديمقراطيات الأفريقية تحتضر، فذلك يعني أنها كانت على قيد الحياة، وفي كلتا الحالتين، فنادراً ما تكون الانقلابات حلاً للحكم السيئ، الذي يجب أن يتوقف الاتجاه في مساراتها"، وشدد الكاتبان على الدعوة إلى "إعادة تقييم المشروع الديمقراطي النيو ليبرالي في أفريقيا، فالتاريخ السياسي للمنطقة يثبت أن الديمقراطية في المنطقة تميل إلى أن تكون سطحية، وعلى رغم بعض المكاسب، تظل الديمقراطية شكلية إلى حد كبير، ولا تزال الظروف التي أدت إلى الانقلابات قائمة".

المزيد من تحلیل