Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مكاسب الدول العربية من عدم الاستقرار في إسرائيل

تكبد تل أبيب خسائر اقتصادية ووقف خطط تهويد الأرض والشعب وتجميد علاقات التعاون

تشهد إسرائيل منذ أكثر من 28 أسبوعاً تظاهرات احتجاجاً على مشروع الإصلاح القضائي (أ ف ب)

ملخص

كيف تستفيد الدول العربية من حالة عدم الاستقرار في إسرائيل؟

ظلت إسرائيل لسنوات طويلة تراقب ما يجري في العالم العربي من تحولات بدءاً من 2011، وإلى الفترة الأخيرة سواء في دول مثل سوريا وليبيا واليمن، ومن قبل مصر والعراق، ودول أخرى انطلاقاً من أن ما يجري مرتبط بحالة من عدم القبول الشعبي لأنظمة الحكم وغياب الديمقراطية والليبرالية والتعددية، وهيمنة حكم الفرد، وغيرها من المترادفات التي أطلقتها إسرائيل سواء على المستوي الرسمي أو الأكاديمي.

في الوقت الراهن تتغير قواعد اللعبة السياسية بالكامل وتشهد إسرائيل منذ أكثر من 28 أسبوعاً تظاهرات احتجاجاً على مشروع الإصلاح القضائي الذي سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير القضاء ياريف ليفين لتمريره على رغم حالة رفض الشرائح المجتمعية لها، والتأكيد على أنها ستكرس حكم الفرد وستنهي استقلالية القضاء في الدولة.

تأثير الاحتجاجات

يمكن التأكيد وللوهلة الأولي على أن ما يجري في إسرائيل من حالة عدم استقرار سياسي وأمني يخدم بديهياً الموقف العربي عامة والفلسطيني على وجه الخصوص، وأن استمرار المشهد الراهن من دون حلول جدية، أو سيناريوهات قد تؤدي إلى نزع حالة عدم الاستقرار مما قد يعطل بالفعل مشروعات الاستيطان، ويؤجل المخططات التي تم الاتفاق بشأنها في برنامج الائتلاف الذي جمع الأحزاب اليمينية بقيادة نتنياهو.

بالتالي فإن السلطة الفلسطينية قد تربح مما يجري ولكن الواقع يشير إلى عكس ذلك تماماً، إذ عمل الوزراء مثيرو الجدل مثل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش على الانتقال إلى خطوات تنفيذية متعلقة بعمل الأجهزة الأمنية والشرطية، وأعيد ترتيب المهام والصلاحيات داخل أجهزة الأمن، ومضى الوزيران في خطهما على رغم دعوة الرئيس الإسرائيلي نفسه إسحاق هرتسوغ لتأجيل بعض الخطوات إلى حين اتضاح الرؤية بشأن الحوار القومي الذي دعا إليه وفشل، والمعنى أن هذه الحكومة الإسرائيلية مضت في مسارها ولم تتوقف بل وتزايدت معدلات اقتحام المسجد الأقصى في إشارة لضرورة تحقيق مكاسب على الأرض لقوى المستوطنين، كما تم سن قوانين أخرى على هامش قانون الإصلاح القضائي عرفت بقوانين سيئة السمعة، والمعنى أن ما يجري في مسار معركة الاحتجاجات على تمرير قانون الإصلاح القضائي لم يؤثر بل ولم يوقف، ولو تكتيكياً ما يجرى من مخططات.

من أسباب عدم تأثير الاحتجاجات على المخططات أن تهديد مكونات الائتلاف لرئيس الوزراء نتنياهو شخصياً بفك الائتلاف الحاكم في حال رضوخه لما يجري، والذهاب إلى انتخابات تشريعية جديدة، وهو ما كان محل جدال كبير بين الأحزاب اليمينية كلها، كما أن تربص المعارضة الإسرائيلية بما يجري والرغبة في إعادة جس نبض الجمهور الإسرائيلي، ومزاجه العام في حال إجراء انتخابات جديدة.

 

 

وعلى رغم أن استطلاعات الرأي في إسرائيل في الفترة الأخيرة باتت ملونة وموجهه، إلا أن إجراء الانتخابات في الوقت الراهن في ظل حالة الاحتقان قد يكون لها تأثيرها، في ظل أن المعارضة ضعيفة وهشة، ولا تملك حلولاً وبدائل حقيقية للتعامل، كما أن رئيس الحكومة السابق يائير لابيد أو وزير الدفاع بيني غانتس ليست لهما إمكانية منافسة رئيس الوزراء الحالي على رغم استمرار محاكمات نتنياهو في قضاياه الشهيرة، وكذلك مرضه، ما يشير إلى عدم وجود بدائل على أرض الواقع.

مواقف متباينة

قد تربح السلطة الفلسطينية والدول العربية مما يجري في ظل معطيات مختلفة أن تخرج الأحزاب اليمينية من الواجهة السياسية الراهنة، ويتم استبدالها حال أجريت بانتخابات جديدة، وهو أمر مستبعد تماماً في ظل انحسار هذه الفرضية مع سيطرة اليمين على دفة الحكم داخل الائتلاف وخارجه، مما يعني أنه لا توجد فرص للوسط أو اليسار، وأن ما يجري في شوارع إسرائيل من احتجاجات متعلق في المقام الأول بمطالب محددة تتعلق بالقضاء، والتخوف من التغول على صلاحيات المحكمة العليا، والمساس بالقضاء بل والنموذج الإسرائيلي للحكم، وهو مكمن الخلاف مع الإدارة الأميركية التي لا تريد المساس بالديمقراطية والتعددية التي تعرفها تل أبيب وتعمل عليها كدولة نموذج في الشرق الأوسط.

ومن ثم فلن تكسب السلطة الفلسطينية أو الدول العربية من تغيير الحكومة الراهنة بخاصة وأن الجانبين المعارضة قبل السلطة الفلسطينية توافقتا تماماً في المواجهات الأخيرة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل بل وانضمت المعارضة في المطالبة باستخدام مزيد من الضربات على القطاع، والمعنى أنه لا يوجد أي تربح عربي أو فلسطيني من الوضع الراهن، بل بالعكس قد يكون هناك تشدد وهو ما يفسر الاقتحامات الجارية في مدن الضفة، والتركيز على ملاحقة خلايا المقاومة الفلسطينية في جنين ونابلس وطولكرم، وعدم الالتزام ولو شكلاً بحدود اتفاق أوسلو، وما يعني استمرار هذه الحكومة في مخططها، وعدم رغبتها للتهدئة، أو الانتباه للأخطار المحتملة المقبلة من قطاع غزة أو شمال إسرائيل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولهذا خرجت إسرائيل لتؤكد على خياراتها العسكرية وفصل ما هو سياسي مع ما هو أمني أو استراتيجي، ما يشير إلى أن الحكومة الإسرائيلية نجحت بمهارة في التعامل مع مشهد الاحتجاجات في ظل التصميم على تمرير تشريع الإصلاح القضائي عبر قراءة أولى وثانية وعدم التوقف، ولو تكتيكياً في مواجهة ما يجري وانتظار خطوة المعارضة، والجمهور الرافض بالذهاب إلى المحكمة العليا للإقرار بما سيجري من تطورات حقيقية، وهو أمر يؤكد أن الحكومة لن تتراجع، وأن المعروض من خيارات متعلقة، إما بتوقيف مرحلي أو تأخير الالتزام بمقررات التشريع لدورة جديدة للكنيست للضغط على الجمهور الإسرائيلي لإيقاف التظاهرات الأسبوعية مع التوقع بسيناريوهات لن تخرج عما جرى في الأسابيع الماضية من هذه الاحتجاجات.

ومن ثم فإن منه من الواضح أنه لن تحقق الدول العربية والسلطة الفلسطينية أية مكاسب والتي تبقي في إطارها المحدد إلى حين أن تتضح الأمور بخاصة وأنه وفي المقابل هناك رهانات على ما يمكن أن تخسره إسرائيل.

الرهان الأول يتعلق بتعطل مسارات التعاون الإقليمي بين الدول العربية وإسرائيل وتجمد واقعي لبعض مجالات التعاون العربي – الإسرائيلي، فقد توقفت اللقاءات والاتصالات العلنية بين الحكومة الإسرائيلية والدول التي أبرمت معها تل أبيب اتفاقيات سلام، واقتصرت في مجالات محدودة بخاصة في مجال الأمن والاستخبارات، ولم تتطور في أطر مجالات التعاون الإقليمي مثل الغاز والنقل اللوجستي، وذلك على رغم إعلان الولايات المتحدة عن سلسلة من الإجراءات والتدابير لدفع مسار التعاون الإقليمي، وتشجيع الدول العربية على الانخراط مع إسرائيل في مشروعات إقليمية مشتركة.

أضف إلى ذلك توتراً في مسارات العلاقات مع الدول الأوروبية بل والولايات المتحدة الأمر الذي دفع الأخيرة لعدم دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى واشنطن ودعوة الرئيس الإسرائيلي هرتسوغ بديلاً عنه في إشارة إلى أن خسارة الحكومة الإسرائيلية ونتنياهو شخصياً الدعم الأميركي في الوقت الراهن ومعاناة إسرائيل الحقيقية من حالة العزلة الدولية، وهو ما حذرت من تبعاته واشنطن مبكراً، وأدى لاستمرار حالة التأزم في العلاقات، وبما سينعكس على مستوى العلاقات في ملف إيران النووي، ورغبة إسرائيل في دفع الإدارة الأميركية لتبني إجراءات محددة، وتدابير خاصة بعملية التفاوض في ظل مخاوف توصل طهران لمرحلة العتبة النووية بما سيؤثر في الأمن القومي الإسرائيلي.

 

 

يرتبط الرهان الثالث بوضع الداخل الأمني في مستواه الطويل الأجل، فالقضية ليست رفض الخدمة العسكرية لبعض الجنود أو الاحتياطي في بعض الأسلحة بخاصة الجو، ولكن المخاوف من استمرار حالة الإحباط والفشل في إدارة الدولة، واحتمال أن ينعكس ذلك على الموقف الاقتصادي، وتأثر الاقتصاد الإسرائيلي مما قد يؤدي لتداعيات مكلفة متعلقة بسمعة إسرائيل كدولة جاذبة في مجالات التكنولوجيا متعددة القطاعات وريادة الأعمال، أي أن التأثير الراهن مرتبط بوضعية إسرائيل ومكانتها بين الأمم والدول، وهو ما يثير كثيراً من التساؤلات حول مستقبل الدولة ومصيرها في الشرق الأوسط، ولم تكتمل بعد الـ 100 عام، الأمر الذي قد يكون مكلفاً في حال التصميم على المضي في نفس المسار من دون تغيير أي أن خسارة محتملة ستكون متعلقة بالملف الاقتصادي الاجتماعي، وليس السياسي أو الاستراتيجي بل في هذا المجال تحديداً قد تندفع إسرائيل وللخروج من المأزق لسلسلة مواجهات جديدة في القطاع، وتكرار الاقتحامات في مدن الضفة، وتنفيذ مخططات الاستيطان، وإعادة تكرار فكرة يهودية الدولة ونقائها العبري، وأنه لا وجود للأغيار في محيطها الداخلي بما في ذلك عرب إسرائيل.

مكاسب وخسائر

بحسابات المكسب والخسارة التي تواجه إسرائيل في وضعها الراهن فإن الحكومة الراهنة ستستمر في مخططها، على رغم كل الخسائر الاقتصادية الكبيرة، ومحاولة تغيير الواقع السياسي الداخلي ليس عبر قانون الإصلاح القضائي فقط وإنما في إعادة تمركز السلطة السياسية في مواجهة صلاحيات المحكمة العليا، وفي إشارة مهمة إلى أن الحكومة الإسرائيلية ستتعايش مع بقاء الأوضاع مع الدول العربية التي أبرمت معها اتفاقيات سلام لبعض الوضع.

ولن تخرج لإبرام معاهدات جديدة والتركيز على الخيارات البديلة في منطقة جنوب الساحل والصحراء وفي اتجاهات الجنوب مع التركيز على تعزيز وتنشيط علاقاتها مع الصين بل وروسيا في إشارات مهمة بوجود البديل مناكفة للسياسة الأميركية، وانتظاراً لقرب البدء في إجراء الانتخابات التمهيدية الرئاسية ليلعب اللوبي اليهودي دوراً من خلال منظمة "أيباك" مع الاستمرار في تنفيذ اتفاق الشراكة بالكامل ولو مرحلياً تخوفاً من ردود بعض الأحزاب اليمينية خارج الائتلاف، وترقبها إضافة لمحاولة المعارضة كسب حضور شعبي في ظل ما يجري مع الدفع بيائير لابيد وبيني غانتس للواجهة السياسية مجدداً، لكن ستبقى الكلمة الأخيرة للمؤسسة العسكرية لحسم ما يجري استناداً إلى دعم قيادات المؤسسة الدينية للخروج من المأزق الراهن، ولو من خلال إجراءات استثنائية يجري تداولها في الوقت الراهن.

وتبقى الإشكالية ليست مكسباً أو خسارة لطرف عربي أو إسرائيلي وإنما في ما يمكن أن تحدث هذه التطورات المفصلية في إسرائيل على مسارات واتجاهات العلاقات الفلسطينية - العربية مع هذه الحكومة في ظل برنامجها الراهن.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل