Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انتحاريات متعلمات في صفوف "جيش تحرير البلوش"

باكستان تسجل هجومين انتحاريين نفذتهما شابتان في مقتبل العمر

شاري بلوش (يمين) وسمعية قلندراني بلوش (يسار) متعلمتان نفذتا هجومين دامين في باكستان (مواقع التواصل)

ملخص

أول هجوم انتحاري في بلوشستان نفذته امرأة يعود إلى عام 2013 لكن مع تصاعد الهجمات النسائية أخيراً تزايدت المطالب للحكومة الباكستانية بضرورة تقديم الحلول السلمية

خيوط متشابكة وآلام متزايد لظاهرة توظيف النساء من قبل تنظيم "جيش تحرير البلوش" الإرهابي في العمليات الانتحارية بباكستان... تفاصيل كشف عنها تحقيق استقصائي لـ"اندبندنت أوردو"، لكن تظل أخطرها تزايد انضمام المتعلمات إلى التنظيمات المتطرفة في هذا البلد الآسيوي.

في غضون 14 شهراً تقريباً شهدت باكستان هجومين انتحاريين تبناهما "جيش تحرير البلوش"، ونفذته شابتان متعلمتان يتراوح عمرهما بين 25 و30 سنة، إذ نفذت الهجوم الأول شاري بلوش في أبريل (نيسان) من العام الماضي بمدينة كراتشي، بينما استهدفت سمعية قلندراني بلوش منطقة توربت في بلوشستان يونيو (حزيران) الماضي، لكن يظل أول هجوم انتحاري نفذته امرأة في بلوشستان يعود إلى عام 2013 حينما فجرت انتحارية نفسها قرب حافلة نقل الطالبات التابعة لجامعة سردار خان بهادر، منتصف يونيو من العام نفسه، وراح ضحيته 14 طالبة.

من الانتحاريتان البلوش؟

شاري بلوش وسمعية قلندراني بلوش كانتا تنتميان إلى التنظيم المحظور باكستانياً "جيش تحرير البلوش"، الشابة الأولى كانت تعمل في مجال التدريس، بينما الثانية بالجناح الإعلامي للتنظيم.

تاريخياً، صنفت "شاري" كأول امرأة بلوشية تنفذ عملية انتحارية، حيث استهدفت المرأة البالغة من العمر 30 سنة صينيين في جامعة كراتشي والتي راح ضحيتها أربعة أشخاص بينهم ثلاثة صينيين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تنحدر "شاري" من منطقة توربت في بلوشستان، وهي متزوجة ولديها طفلان، ماه روش (ثماني سنوات) ومير حسن (أربع سنوات)، وحاصلة على درجة الماجستير، وكانت تنوي إكمال تعليمها في علم الحيوان بجامعة كراتشي.

امتهنت التعليم حيث كانت تدرس لطلاب الثانوية العامة في منطقة كالاتاك، علاوة على كونها فاعلة في الأنشطة السياسية ذات الطابع القومي من منصة منظمة الطلاب البلوش منذ أن كانت طالبة، وعائلتها أيضاً تحظى بسمعة تعليمية طيبة، لذا أبدت استغرابها في أول الأمر عندما نفذت ابنتها الهجوم الانتحاري.

أما سمعية قلندراني بلوش (25 سنة) فتنتمي إلى منطقة توتاك التابعة لناحية خوزدار في بلوشستان، وهي زوجة ابن أسلم بلوش، مؤسس "جيش تحرير البلوش"، وتردد أن جدها وعمها وعدداً من أقاربها تم خطفهم وتغييبهم أثناء العملية العسكرية في منطقتهم عام 2011.

كانت سمعية متعلمة ومرتبطة بمجال الصحافة وعملت في وسائل الإعلام الخاصة بالتنظيم العسكري، واستهدفت عناصر من قوات الأمن في هجوم انتحاري في توربت أواخر يونيو من العام الحالي.

شاري وسمعية كانتا في مقتبل العمر وأصبح اسمهما محل نقاش على منصة "تويتر" بعد الهجومين، وسجلت الانتحاريتان رسائلهما الأخيرة بشكل منفصل، لكن كل منهما تحدثت عن الشعور بالحرمان في إقليم بلوشستان وأظهرتا عزمهما للقتال بجانب العسكريين البلوش.

قد يكون الدافع وراء انضمام سمعية للعسكريين التضييق الذي تعرضت له عائلتها وتغييب أقاربها أثناء عمليات مختلفة لعناصر الأمن ضد المسلحين الباكستاني في بلوشستان، لكن لم يتم اعتقال أو تغييب أي من أفراد عائلة شاري بلوش.

لماذا النساء تحديداً؟

يعود تشكيل "جيش تحرير البلوش" إلى عام 1970، فيما يقول الجناح العسكري للتنظيم إنه سيواصل عملياته من أجل الحصول على حكم ذاتي في إقليم بلوشستان. من جانبها، حاولت الحكومة الباكستانية مراراً عقد محادثات مع جيش تحرير البلوش والتنظيمات الانفصالية الأخرى من أجل إشراكهم في المسار الوطني، لكن لم تنل إسلام آباد النجاح الكبير المنتظر.

أما عن استخدام التنظيم النساء في العمليات الانتحارية، فيرد التنظيم "الرجال والنساء يتمتعون بالمساواة في حركة البلوش، لذا السؤال عن سبب استخدام النساء خطأ من الأساس ومبني على الأفكار الرجعية للتمييز بين الجنسين". ووفقاً لـ"جيش تحرير البلوش" فإن التنظيم لا يستخدم النساء، بل إن البلوشيات مشاركات في نضال التنظيم مثل الرجال، من القيادة العليا إلى الجنود المقاتلين.

ما مشكلات إقليم بلوشستان؟

تشكو الأحزاب القومية في إقليم بلوشستان الجنوبية الغربية في باكستان والغنية بالموارد الطبيعية من أن الدولة لم تتخذ خطوات حقيقية لمعالجة التخلف في الإقليم، مما زاد من الشعور بالحرمان بين سكانه، كما أن الحالة الأمنية كانت دائماً محط تساؤلات في بلوشستان.

على الجانب الآخر، تقول الحكومات المركزية في إسلام آباد، إنه يتم اتخاذ إجراءات لإزالة الشعور بالحرمان عند الشعب البلوشي.

وبرهنت الحكومة الباكستانية على صدقية كلامها بأنه تم تشكيل لجان برلمانية رفعت بدورها توصيات لحل مشكلات الإقليم، وتم العمل أيضاً على بعض هذه التوصيات، لكن هذا لم يكن كافياً لإزالة مخاوف وشكاوى الأحزاب البلوشية القومية.

أسرار الانتحاريات

المتخصص في الشأن الباكستاني زاهد حسين قال بدوره إن مشكلة بلوشستان قديمة جداً وتزداد تعقيداً مع مرور الوقت، مضيفاً "يمكن أن تكون هناك أسباباً عديدة لتصاعد عمليات التنظيمات المسلحة، ومن أهمها شعور الشباب بالعزلة عن الدولة أو الإحساس بالإحباط والغضب، ومشاركة النساء في مثل هذه العمليات تبدو لي علامة على اليأس، وهذه الظاهرة خطرة أيضاً لأن البلوش لم يلجأوا للعمليات الانتحارية في السابق، هذا الأمر مقلق فعلاً". وتابع "عدد الأشخاص الذين تم تغييبهم آخذ في الازدياد، وهو ما يبدو أنه محاولة من قبل الدولة لحل المشكلة باستخدام القوة، ولكن ما هو مفهوم حتى الآن هو أنه لم يتم التركيز على الأسباب السياسية وراء العمليات الإرهابية".

ومضى في تحذيره من أن الأطفال والنساء البلوش يحتجون منذ سنوات ضد التغييب والاختفاء القسري في المدن الرئيسة مثل كراتشي وإسلام آباد، مضيفاً "هذه الزيادة في العمليات الانتحارية تشير إلى أن السبب الأساس هو حالة اليأس القائمة، فالناس لا يعرفون شيئاً عن أقاربهم الذين تم تغييبهم منذ سنوات، ولا يعلمون إذا كانوا أحياء أو أمواتاً، بعض الأحيان يجدون جثثهم، هذه الأسباب أعمق من غيرها".

ونبه إلى أن دولاً أخرى تحاول الاستفادة من مثل هذه الحركات، لكن على كل حال إذا كان هناك شكوى ضد أحد، فالأفضل أن يتم اتخاذ الإجراءات ضده في نطاق القانون.

بدوره، ذكر مدير المعهد الباكستاني لدراسات السلام (غير حكومي)، محمد عامر رانا، أن "النساء أصبحن الآن جزءاً من الكفاح المسلح في بلوشستان نظراً إلى ارتفاع المشاعر المناهضة للدولة في الإقليم".

ووفقاً لرانا فإن "الهجمات الانتحارية من قبل النساء ليست جديدة لأن الحركات القومية في العالم عادة تميل نحو اليسار، والوضع في بلوشستان ليس مختلفاً عن هذا وميول المقاتلين هنا أيضاً في نفس الجانب".

وأضاف أن النساء لا يتم فحصهن في نقاط التفتيش مثل الرجال، لذا تحدث أحياناً عمليات مثلما تلك التي وقعت في "توربت"، معرباً عن قلقه إزاء ادعاء "جيش تحرير البلوش" بوجود مزيد من المقاتلات، وذلك عبر مقطع فيديو نشره التنظيم عقب الهجوم الانتحاري في توربت، والذي احتوى صورة وتفاصيل الانتحارية.

أين يكمن الحل؟

يطالب المتخصص في الشأن الباكستاني زاهد حسين بضرورة وقف العمليات غير القانونية فوراً من قبل الحكومة، وإعادة النظر في حل المسائل السياسية، قائلاً "البلوش يواجهوا مشكلات كثيرة، فالحركات المتطرفة تكتسب زخماً حتى في المناطق التي لم تكن لها مثل هذا التوجه. غالبية المتأثرين بهذه الحركات هم من الطبقة المتعلمة، البعض غلبتهم العاطفة، والبعض الآخر يتم استخدامهم من الخارج، لكن ينبغي التركيز على الأسباب الأساسية من خلال استخدام الطريق السياسية لإنهاء فكرة الانعزال عن الدولة، وخلق مناخ يساعد على إعادة ثقة البلوش بالدولة". وأضاف "خلق الثقة وإبلاغ أهالي المختفين قسراً عن ذويهم ضروري لعقد مباحثات مع البلوش الغاضبين، كما يجب التركيز على المشكلات الاقتصادية. سيزيد القلق بين البلوش على سبيل المثال إذا تم العمل على مشروع الممر الاقتصادي في بلوشستان، بينما لم يحصل أهالي الإقليم على حقوقهم".

ويرى أن الحكومة الباكستانية بإمكانها السيطرة على العمليات الإرهابية والهجمات الانتحارية التي تنفذها النساء إذا حاولت حل المشكلات سياسياً.

بدوره، اعتبر وزير داخلية إقليم بلوشستان، مير ضيا لانغو، أن "انخراط النساء في مثل هذه العمليات هجوم على تقاليدنا وهي مشكلة كبيرة"، مضيفاً في تصريح خاص أن "المشكلة الأكثر خطورة هي أنه يتم انتهاك تقاليدنا بزج النساء في العمليات الانتحارية، واستغلال الساذجات والبريئات في هذا الغرض".

ورداً على سؤال حول تصاعد موجة العمليات الإرهابية في بلوشستان، قال مير ضيا إن هذه المشكلة ليست فرض الأمن على المستوى المحلي، بل عالمية. ونوه بأن "العمليات العسكرية مسؤولية الحكومة من أجل حماية المواطنين، ولن نفرط في هذه المسؤولية، والعمليات المبنية على المعلومات الاستخباراتية ضد المسلحين ما زالت جارية، ولا ينبغي ذكر التقاليد البلوشية عندما نعتقل النساء، هذه الإجراءات نأخذها لحماية أرواح الناس".

وفيما يتعلق بإجراءات منع الحركة المحتملة للمسلحين، قال وزير داخلية الإقليم إنه تم نصب سياج على الحدود مع إيران وأفغانستان لمنع الحركة غير الشرعية.

وكان وزير داخلية بلوشستان مير ضياء لانغو قد صرح في مؤتمر صحافي الشهر الماضي بأن الدولة الباكستانية تؤمن بحل المشكلات من خلال الحوار، مضيفاً "الحوار هو الخيار الأخير، يجب على أولئك الذين لا يحصلون على حقوقهم أن يطالبوا بحقوقهم بالطريقة القانونية ووفق الدستور، نحن جاهزون إذا أراد أي شخص التحدث معنا، لكن لن يتم تقديم أي تنازلات لمن يهزل بأسس الدولة ولا يحترم الدستور".

عن "اندبندنت أوردو"

المزيد من تقارير