Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الظلام يفجر إبداعات المصريين

انقطاع الكهرباء يعيد الذكريات ويولّد النكات والجميع يراجع "إمساكية ركوب الأسانسير"

انقطاع التيار الكهربائي عن مدن وقرى المصريين دفعت لتناول الأزمة بحس ساخر معتاد (أ ف ب)

ملخص

بفضل تخفيف الأحمال والانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي تساوت الرؤوس وتوازنت الفروق ووقف الجميع على قلب رجل واحد يعاني انقطاع التيار في مصر

خمسة مخططات حملها المواطن المصري مع أزمة انقطاع الكهرباء هذه الأيام، تأتي للتعايش مع هذا "الغول":

مخطط رقم 1

الاستيقاظ ساعة قبل الموعد المحدد. الاستحمام بسرعة. ترك مكيف الهواء في الغرفة على وضع التشغيل. التأكد من أن كل الأجهزة القابلة للشحن الكهربائي موضوعة في شواحنها. التوجه إلى المطبخ بأقصى سرعة. ملء كل زجاجات المياه المتاحة بالماء، الزجاجات التي تحتفظ بالسخونة للقهوة والشاي، وتلك التي تحتفظ بالبرودة للشرب، وربما عصر ليمون، أو إضافة كمون لزوم تهدئة المعدة التي ستهيج أغشيتها المخاطية بعد دقائق نتيجة القيظ.

وفي حال تبقت دقائق قليلة قبل وقوع المحظور، استحم مرة أخرى، لا سيما لو كان تدفق المياه في البيت متصلاً بالكهرباء. إغلاق مفتاح الكهرباء الرئيس تحسباً لانقطاع التيار، ثم عودته فجأة، أو عودته وانقطاعه مراراً حفاظاً على ما تبقى من أجهزة لم تحترق محركاتها بعد أمس، أو أول من أمس.

مخطط رقم 2

راجع قائمة أقاربك ومعارفك ممن لم تتصل بهم منذ سنوات. تذكر أن صلة الرحم من القواعد الدينية المنصوص عليها في الكتب السماوية. وتذكر أيضاً أن الحفاظ على الصلة مع أصدقاء ومعارف من القواعد الأخلاقية والاجتماعية المنصوص عليها لضمان السلم النفسي والاجتماعي.

أثناء المراجعة انتقِ من القوائم أسماء الأهل والأصدقاء ممن يمتلكون وحدات شاطئية في ساحل مصر الشمالي، سواء الطيب أو الشرير. فوقت انقطاع الكهرباء، تتساوى الرؤوس جلوساً على الشاطئ المطل على البحر نفسه بحثاً عن نسمة هواء. اتصل بهم فوراً، تودد إليهم، اسألهم عن أحوالهم، أعرب عن رغبتك الجامحة في أن تلتقيهم، حتى ولو اضطرك الأمر للسفر إليهم في قواعدهم الساحلية.

مخطط رقم 3

في حال خلت قوائم أقاربك ومعارفك ممن يملكون وحدات ساحلية، تأكد من أن جواز سفرك ساري المفعول. جهز حقيبة صغيرة فيها أغراضك الشخصية. احجز في أول طائرة متوجهة إلى لبنان الشقيق، حيث لا تأشيرة أو يحزنون. ستحظى بإقامة شبيهة لإقامتك في بيتك، حيث التيار الكهربائي دائم الانقطاع، فلن تشعر بوحشة أو غربة.

أما الميزة المضافة، فهي إنك ستتناول اللحم بعجين والتبولة ومناقيش زعتر لبنانية، وليس تلك التي يعدها "مطعم ليالي لبنان" في الحلمية أو المطرية لصاحبه "عم أحمد" ابن محافظة قنا البار.

وأثناء وجودك في بلدك الثاني لبنان، أخبرهم أن رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس غرد عنهم وعنك وعن إديسون مخترع الكهرباء وهي التغريدة التي أوحت لك بالفكرة، "عندما توفي إديسون مخترع الكهرباء في 1945 تم إطفاء كهرباء العالم دقيقة تكريماً له، وما زالت مصر ولبنان تكرمان الرجل يومياً".

مخطط رقم 4

كرر الخطوات المنصوص عليها في مخطط رقم واحد مع إضافة بسيطة. ضع جهاز الكمبيوتر المحمول و"الآي باد" المحمول، والمحمول في حقيبة، وفي الأخرى رتب زجاجات المياه البارد والساخن وساندويتش وثمرة فاكهة وتوجه إلى أقرب مركز تجاري مغلق، أو صالون نادٍ رياضي مكيف، أو مقهى يحظى بمولد كهربائي، وذلك قبل انقطاع التيار بخمس دقائق في الأقل في حال كنت تستخدم المصعد، ولا تعد حتى تنتهي من إنجاز مهام عملك. وفي حال انقطع التيار أثناء وجودك في المصعد، يمكنك بدء العمل واحتساء قهوتك على أرضيته.

أرضية المخططات

أرضية المخططات والبدائل والأفكار التي خرج بها المصريون على مدار الأسابيع القليلة الماضية لمواجهة غول انقطاع الكهرباء المتكرر بالغة الثراء والإبداع. وإن عكست معنى أو رمزت إلى سمة، فهي تعكس قدرة رائعة على التعايش مع أصعب الظروف وأحلكها، وترمز إلى طبيعة هذا الشعب الصامدة على رغم الصعاب الضاحكة وعلى رغم المآسي.

مأساة الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي في شتى أرجاء مصر منذ بدأت الموجة شديدة الحرارة والرطوبة قبل نحو أسبوعين أعادت تفجير ينابيع الابتكار الذي يولد من رحم المعاناة وتصبب العرق، وهي الينابيع التي ظن البعض إنه نضبت منذ تم علاج معضلة انقطاع التيار التي ضربت البلاد في صيف العام الذي حكم فيه "الإخوان" مصر.

مر عقد كامل على سقوط حكم الجماعة، وكاد المصريون ينسون أحداث الجماعة وحوادثها، وفي القلب منها تكرار انقطاع التيار في أكثر الأيام حرارة، لولا عودة الانقطاع في أيام أكثر حرارة.

تنقيب عن مجريات

عمليات التنقيب عن مجريات وملابسات وقيل وقال انقطاع التيار، قبل عقد، تجري على قدم وساق على الأثير العنكبوتي. وأجواء الاستقطاب والتنابز بين إخواني أو متعاطف مع الجماعة من جهة وكارهي الجماعة وأعدائها من جهة أخرى بلغت أقصاها على أثير انقطاع التيار.

وكما هو متوقع تماماً، يعاير الفريق الأول الثاني بانقطاع التيار الذي طالما اعتبره أعداء الجماعة والمطالبون بإسقاط حكمها علامة فشل وأمارة ضياع الدولة، بينما الفريق الثاني يلجأ إما إلى سلاح المكايدة معلنين دعمهم لكل ما هو غير إخواني ولو عاشوا في ظلام دامس، أو إلى التزام الصمت عملاً بمبدأ "الصمت سمة العظماء" تارة، و"الصمت أبلغ للفتى من الكلام في غير حينه" تارة أخرى. ويساعدهم على الصمت انقطاع التيار، مما يعني بالضرورة انقطاع الإنترنت.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن انقطاع الإنترنت سويعات لا يعني انقطاع التدوين والتغريد والتصوير والتحميل والمتابعة والمشاهدة، وجميعها كفيل بصناعة "الترند" وتوليد الهاشتاغات. بعد أيام قليلة، بدت كثيرة في نظر ملايين المتضررين والمتضررات من الغارقين والغارقات في موجة "القبة الحرارية" الحالية، من انقطاع التيار لأوقات طويلة في شتى أرجاء البلاد، قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إن درجات الحرارة بالغة الارتفاع التي تشهدها بلاده أدت إلى زيادة استهلاك الكهرباء بمعدلات غير مسبوقة، وهو ما زاد من حجم استهلاك الغاز اللازم لإنتاج الكهرباء مسبباً ضغطاً كبيراً على الشبكات، وهذا بدوره نجم عنه انخفاض ضغط الغاز في الشبكات الموصلة لمحطات الكهرباء.

البعض أثنى على التفسير والمصارحة، لكن البعض الآخر انتقد "تأخر" الحكومة في شرح ما يجري والتنويه بالانقطاع، سواء كان بغرض التخفيف المدروس مسبقاً أو التعطل لأسباب فنية.

في كل الأحوال، انقطاع الكهرباء، حتى لو لثوانٍ معدودة، بات مرتبطاً في أذهان المصريين بأجواء عامي 2012 و2013، وهي الأجواء الملبدة بالسياسة والمتخمة بالاستقطاب والمفعمة بـ"نحمل الخير لمصر" شعار الجماعة و"يسقط يسقط حكم المرشد" شعار أعداء الجماعة.

تنويه هام

لكن ما يجمع الجميع حالياً هو "رأس الساعة"، وهي العبارة التي وردت في "تنويه هام" كما عنونته الشركة القابضة لكهرباء مصر والموجه لـ"السادة المواطنين". أخبرت الشركة السادة المواطنين أنه يتم الالتزام بتخفيف الأحمال مع بعض التفاصيل بدءاً من منتصف ليل السبت الماضي، على رغم أن تخفيف الأحمال، وفي أقوال أخرى قطع الكهرباء كان قد بدأ قبل ذلك بأيام.

كعادة المصريين تم تناول "التنويه الهام" بكثير من الدعابة وقليل من الجد، لكن ما لبثت أن تحولت عبارة "رأس الساعة" التي ما ورد في التنويه غير مرة إلى "ترند" متغلبة على الترند الأصلي، ألا وهو انقطاع الكهرباء.

عبارة "يتم البدء في الفصل بمدة زمنية 10 دقائق قبل رأس الساعة و10 دقائق بعدها" فجرت ينابيع السخرية، وكذلك الغيظ. فمن غموض طريقة حساب "رأس الساعة"، إلى معرفة إن كانت رأس الساعة واحدة في جميع أنحاء الجمهورية أم أن رأس الساعة في المنوفية يختلف عن رأسها في الدقهلية، إلى تحديد عدد الرؤوس في اليوم الواحد، غرق المصريون في ضرب أخماس انقطاع الكهرباء بأسداس رأس الساعة الخاصة بقطع التيار.

قطع التيار المتكرر على مدار الأسبوعين الماضيين نجم عنه عديد من المشكلات، بعضها متوقع ومعروف ومتطابق في جميع أنحاء العالم، حيث ينقطع التيار في أيام القيظ، والبعض الآخر لم يكن على البال أو في الأقل سقط بالتقادم في بئر النسيان.

بئر المصعد سبب لجيهان (28 سنة) "فوبيا" على حد وصفها. تقول إن مصاعد عمارتها السكنية ومقر عملها وطبيب الأسنان الذي تتردد عليه تعطلت بها أربع مرات في ثلاثة أيام مختلفة، "أحمد الله أن ثلاثتها مصاعد قديمة، حيث يتم فتح الباب يدوياً، لكن في كل مرة كنت أفتح الباب وأنظر إلى أسفل على ضوء المحمول كنت أشعر أنني سأفقد الوعي. حالياً أستخدم الدرج صعوداً وهبوطاً خوفاً من أن يأتي نصيبي في رأس الساعة".

"رأس الساعة" تحولت إلى "ميمز" كذلك، حيث مجموعة مقاتلين تلوح بعلامة النصر وهم يترجلون من المصعد وقد وصلوا عند باب شقتهم قبل رأس الساعة، ومجموعة أخرى من المواطنين تركض في محاولة للحاق بالباص ليعود المواطنون إلى بيوتهم قبل رأس الساعة"، ومجلس منعقد من كبار العلماء أسفل جسر وأمامهم لوحات ورقية وحاسبات رقمية في محاولة لفهم المقصود برأس الساعة وموعد بدئها، ناهيك بمجموعة نصائح لطريقة استخدام المصعد منها "تركب المصعد قبل أي ساعة و10 وتخرج منه إن شاء الله قبل أي ساعة و10"، وغيرها الكثير.

رب ضارة نافعة

لكن كثيراً مما يجري في الشارع في الضوء الخافت لانقطاع التيار لا يخلو من انعكاسات إيجابية من باب رب ضارة نافعة. يشير نصف الكوب المليء إلى خفوت حدة الاحتقانات الطبقية التي تدور رحاها عادة في مثل هذه الأيام من كل عام بين شاطئ طيب للفقراء وآخر شرير للأغنياء، أو صورة نمطية للبوركيني باعتباره دليل الانتماء للطبقات المتدنية وأخرى للبيكيني واعتباره حجة دامغة على الانتماء للطبقات الراقية وغيرها من المبارزات ذات البعد الطبقي.

في ضوء تخفيف الأحمال والانقطاع المتكرر للتيار تساوت الرؤوس وتوازنت الفروق ووقف الجميع على قلب رجل واحد يعاني انقطاع التيار. وبعد أيام من التكهن حول إذا ما كان "عظماء القوم" من أهل "الساحل الشرير" يشعرون بما تمر به القاعدة العريضة من المواطنين البسطاء في بقية أنحاء مصر، انقطع التيار عنهم. وبذلك، لم يترك انقطاع التيار بيتاً إلا طاله، ولم يدع تخفيف الأحمال شاليهاً أو فيلا إلا وأصابها.

وعلى رغم استحواذ القرى على النصيب الأكبر من عدد ساعات انقطاع التيار في مقابل المدن، فإن ظلام الانقطاع وعتمة التخفيف خلقا جواً من التلاحم الشعبي، هذا التلاحم الشعبي المتميز والانقطاع الكهربائي المتكرر وتخفيف الأحمال المبهم، أدت إلى ظواهر اجتماعية واقتصادية يسهل رصدها.

المقاهي باختلاف مستوياتها تشهد رواجاً واضحاً، لا سيما في ساعات المساء والليل، وبعضها يستمر حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي. فبعد أشهر من "تخفيف الأحمال" الشعبية في التردد على المقاهي، حيث ارتفعت أسعار الشاي والقهوة تزامناً وتوازياً، وأحياناً استباقاً لكل مراحل التعويم، عادت الجموع الغفيرة إلى مقاهيها المهجورة، ولكن بعد عمل الدراسات اللازمة للتأكد من مواعيد انقطاع التيار ورؤوس ساعات تخفيف الأحمال وسؤال العاملين عن توافر المولدات الكهربائية التي تضمن قدراً من التشغيل لمبردات الهواء حال حان دورها في انقطاع التيار.

نوايا التيار

انقطاع التيار المتكرر نجم عنه كذلك عودة – قد تكون موقتة بحسب نوايا التيار ومآل الأحمال - إلى المناقشات الشعبية الهادرة التي تغوص في السياسة وتبحر في مياه الاقتصاد الهائجة. تساؤلات كثيرة تدور حول حلم الاكتفاء الذاتي من الكهرباء وآمال تصدير الفائض ومصير المحطات الكبرى التي تم إنشاؤها في السنوات القليلة الماضية، لا سيما أن الملايين شعروا بالفرق الإيجابي الكبير، مما حول انقطاع التيار إلى فعل ماضٍ نادر التكرار.

طرح البعض أسئلة منطقية حول ما جرى لمصر التي كانت إحدى أكثر الدول التي تعاني أزمة في توفير الطاقة الكهربائية وعجزاً في الشبكة القومية وصل ستة آلاف ميغاواط في عام 2014، ثم أصبحت لديها ثاني أكبر شبكة كهربائية في المنطقة العربية بعد السعودية، لتزهو بثلاث محطات كبرى لتوليد الكهرباء بأحدث التقنيات.

تقنيات الانقطاع صارت هي الأخرى مثاراً للشد والجذب، وسبباً لاستحضار الماضي القريب وقت كان "الواد عاشور" بطل انقطاع التيار.

وزير الكهرباء محمد شاكر قال إن الوزارة "لا تؤلف في تخفيف الأحمال"، بمعنى أنها تتبع قواعد معمولاً بها في ظروف كهذه، لكن بعد أكثر من 10 سنوات من توجيه مسؤولية انقطاع التيار لـ"الواد عاشور"، عاد "عاشور" إلى بؤرة الأحداث، فقد ورد ذكر "الواد عاشور" في تفسير غريب طرحه الرئيس الإخواني السابق الراحل محمد مرسي لانقطاع التيار، وتحميله تهمة قطع التيار لـ"الواد عاشور الذي كان يأخذ 20 جنيهاً لينزل سكينة الكهرباء"، في إشارة إلى أن أحدهم يقدم رشوة لعمال في محطات الكهرباء لفصل التيار عن أحياء ومدن من أجل تهييج المواطنين وإثارتهم ضد نظام الإخوان. أسئلة تهكمية وإشارات ساخرة تزخر بها أحاديث المصريين عن دور "الواد عاشور" في الأزمة الحالية بعد أن ظن الجميع أنه اختفى.

اختفاء رئيس نادي الزمالك المثير للجدل مرتضى منصور من الصورة ليل الخميس الماضي وقت انعقاد المؤتمر الصحافي الذي دعا إليه لم يكن اختفاءً سياسياً أو أمنياً، بل كان بسبب انقطاع الكهرباء عن مقر نادي الزمالك وتحول القاعة إلى ظلام دامس. منصور داعب الحاضرين بقوله إن "الجن لا يظهر إلا في الظلام، ولذلك سنؤجل المؤتمر ليوم غد في التوقيت نفسه".

تصريحات مثيرة

توقيت ومحتوى بعض التصريحات الرسمية في شأن أزمة الكهرباء يسهمان في تأجيج غضب المواطنين، وهو ما يغفله بعض المسؤولين. وزير الكهرباء كرر في تصريحات صحافية عديدة أنه يفصل تكييف الهواء (المبرد) في بيته حتى يشعر بما يشعر به المواطن البسيط أتى بنتائج عكسية. فبدلاً من إعجاب المواطن البسيط بهذا التراحم والتكافل، تراوحت ردود الفعل بين الدعابة، حيث بيت الوزير يحتوي على أكثر من تكييف دون شك، وفصل تكييف واحد لن يؤثر في عمل بقية الأجهزة، أو أن أسرة الوزير في الساحل لذلك لا يحتاج إلى تشغيل أجهزة التكييف، "ثم إن المواطن البسيط لا يمتلك جهاز تكييف من الأصل"، على حد قول كثيرين، حيث الكلمة العليا للمروحة.

وبحسب غرفة الصناعات الهندسية في اتحاد الصناعات المصري، فإن مصر تنتج نحو 400 ألف جهاز تكييف، في مقابل بين سبعة وثمانية ملايين مروحة سنوياً، كما تشير نتائج بحث الدخل والإنفاق الأحدث في مصر إلى أن 12.2 في المئة فقط من الأسر المصرية تمتلك جهاز تكييف.

التكييف ليس للجميع

سواء امتلكت الأسرة جهاز تكييف أو مروحة "ستاند" أو "سقف"، تظل خطة البلاد لإعادة تصدير "الفائض" من الغاز الطبيعي والاستفادة بالعائد من العملة الصعبة ليتم ضخها في الموازنة حاكمة ومهيمنة.

تهيمن النكات والقفشات على رغم الحرارة وانقطاع التيار. ويتبادل مستخدمو منصات التواصل الاجتماعي "إمساكية فصل الكهرباء بحسب التوقيت المحلي لمدينة القاهرة، وعلى السادة المقيمين خارجها مراعاة فروق القطع". نصائح شعبية بأن "من فاته أسانسير عشرة إلا عشرة ينتظر أسانسير 11 وعشرة" مع إشارة إلى أن "حركة الأسانسيرات" نظمت حياة كثيرين الذين ربطوا مواعيد هبوطهم وصعودهم بحسب مواعيد تخفيف الأحمال.

ولا تتعارض الدعابات والتنكيت والنجاح المدوي في التعايش مع تخفيف الأحمال وانقطاع التيار مع جدية مرور دول عديدة بالأزمة ذاتها. آخرون ينقبون كذلك في أغوار الشبكة العنكبوتية في ساعات عودة التيار ويجدون أن دولاً مثل مالطا وفيتنام وبعض الولايات الجنوبية في أميركا والصين وغيرها تواجه إما انقطاعات متكررة في التيار بسبب الموجة شديدة الحرارة أو خطر انقطاع يلوح في الأفق حال طالت الموجة أو تعثرت الشبكة.

يشار إلى أن بريطانيا تعرضت لخطر انقطاع كهرباء غير مسبوق في مثل هذه الأيام من العام الماضي، وذلك بعد ما قفزت معدلات استهلاك الكهرباء في موجة حارة وصلت إلى ذروتها فيما عرف بـ"أسخن يوم في تاريخها"، وذلك يوم 19 يوليو (تموز) عام 2022 حين وصلت درجة الحرارة 40 درجة مئوية. ولولا قرار استيراد الطاقة من بلجيكا بأسعار "هي الأعلى التي دفعتها بريطانيا في تاريخها"، لغرقت في ظلام دامس.

مصر لم تغرق في ظلام دامس، وذلك بفعل أو بفضل "رأس الساعة" التي ينكب المواطنون على محاولات فك لوغاريتماتها، لكن تنقطع الكهرباء في شارع هنا وتبقى مضاءة في شارع هناك فينتقل السكان من هنا إلى هناك، وهلم جراً.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات