Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فؤاد شهاب والسيدة مريم العذراء

يوم قال إن عبدالناصر كان عقيداً في الجيش أما أنا فلواء

قامت سياسة شهاب على التناغم مع عبدالناصر مقابل عدم تدخل القاهرة ودمشق بشؤون لبنان الداخلية (صفحة مؤسسة فؤاد شهاب على فيسبوك)

ملخص

من يقف أمام تمثال شهاب في جونية يمكنه بسهولة مشاهدة تمثال العذراء على التلة المشرفة على المدينة، وكأن العذراء ترنو إليه.  

في الـ25 من أبريل (نيسان) الجاري يكون مضى 51 عاماً على رحيل الرئيس اللبناني فؤاد شهاب. لو يسمع الرجل ما يكال له من مديح، بعد نصف قرن من غيابه، لاعتقد أن المقصود فؤاد شهاب آخر. قائد الجيش الذي انتخب رئيساً للجمهورية على أثر "ثورة 58"، أخذ عليه تدخل "المكتب الثاني"، أي الاستخبارات، في كل شاردة وواردة. اليوم يتذكره اللبنانيون رجل المؤسسات وإنفاذ القانون. قامت "الشهابية" أو ما عرف بتيار "النهج" على مراعاة "المد الناصري" (نسبة إلى جمال عبدالناصر) الفاعل في النسيج السياسي المحلي مقابل إطلاق يده في بناء الدولة. وعلى رغم أن "النهج" كان آخر تجربة ناجحة لتيار وطني عابر للطوائف، ناصبته الخصومة قوى وأحزاب إسلامية أخذت عليه "تدخل العسكر" بالسياسة، بالتوازي مع أحزاب مسيحية كادت تطعن بانتمائه المسيحي.

في الانتخابات النيابية عام 1968 فعلت الخرافة السياسية فعلها، عندما خطب أحد المرشحين من "الحلف الثلاثي"، الذي ضم ثلاثة أحزاب مسيحية، وقال إن تمثال العذراء مريم الشهير على تلة بلدة حريصا (جبل لبنان)، واعتراضاً على مواقف شهاب، استدار لتشيح السيدة مريم بوجهها عن جونيه المدينة المارونية. في هذه المدينة، ذاتها يوجد اليوم تمثال لفؤاد شهاب وهو جالس على كرسي وبيده كتاب يرمز إلى الدستور، تكريماً لمقولته الشهيرة "افعلوا ما يقوله الكتاب".

بعد شهاب تغير "الكتاب" والرجال الذين توالوا على كرسي الحكم، وندرت المواقف المعبرة عن الكرامة الوطنية. أحد مساعدي شهاب اللواء والسفير أحمد الحاج يورد هذه الواقعة: "في عام 1962 زار لبنان نائب الرئيس الأميركي ليندون جونسون (قبل مقتل الرئيس جون كينيدي)، وبعد لقائه مع الرئيس شهاب نزل درج البيت ظناً منه أن شهاب سيتبعه، لكن الرئيس اللبناني بقي عند المدخل وقال له بالفرنسية ما معناه: مع السلامة حضرة نائب الرئيس، انتبه جونسون، فعاد وصعد الدرج ليودعه. بعد مغادرة جونسون قال شهاب لمساعده: يا ابن الحاج هذا صفته نائب رئيس وحدوده عتبة المنزل وأنا رئيس جمهورية لبنان، لو كان كينيدي الزائر لودعته إلى باب السيارة. رئاسة الجمهورية ليست ملكي هي ملك اللبنانيين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في كتاب مذكرات الوزير فؤاد بطرس، وهو من أركان "الشهابية"، تفاصيل لحدث مهم في تاريخ لبنان وهو اللقاء الذي جمع بين الرئيسين فؤاد شهاب وجمال عبدالناصر عند الحدود اللبنانية - السورية في الـ15 من مارس (آذار) 1959. كان عبدالناصر وقتها رئيس الجمهورية العربية المتحدة التي ضمت مصر وسوريا، وكان شهاب يحاول رأب الصدع الوطني الذي خلفته قبل سنة "ثورة 58"، التي اندلعت بصورة أساس بسبب "المد الناصري" في لبنان والذي أراد إسقاط الرئيس كميل شمعون المناصر للغرب.

قامت سياسة شهاب على التناغم مع عبدالناصر مقابل عدم تدخل القاهرة ودمشق بشؤون لبنان الداخلية، لذا تلقف شهاب فرصة وجود عبدالناصر في سوريا وطلب من المسؤولين السوريين لقاء الزائر المصري عند الحدود، لكن السوريين اشترطوا حصول اللقاء في دمشق. رفض شهاب وأرسل الطلب، هذه المرة، إلى المسؤولين المصريين الذين وافقوا فوراً على الاقتراح.

ويضيف فؤاد بطرس نقلاً عن فرانسوا جينادري الذي رافق شهاب "وصل الرئيس اللبناني قبل نظيره المصري وكان في استقباله رئيس الاستخبارات السورية عبدالحميد السراج. بعد نحو 10 دقائق، حطت الطوافة التي تقل الرئيس عبدالناصر على بعد 40 أو 50 متراً داخل الأراضي السورية. فنظر السراج إلى الرئيس شهاب وقال له: ألا تود أن تستقبله يا فخامة الرئيس؟ فأجابه: لقد حطت طوافة الرئيس عبدالناصر على أرضه فكيف لي أن أستقبله على أرضه؟ ثم لا تنسى أن سيادة الرئيس قبل وصوله إلى السلطة كان عقيداً أما أنا فلواء. تلك القمة المهمة حصلت في خيمة من صفيح نصفها في أرض سوريا والنصف الآخر في أرض لبنان.

مات شهاب بعد ثلاث سنوات من موت عبدالناصر وقبل سنتين من اندلاع الحرب الأهلية. وعلى رغم أنه ضمن إعادة انتخابه رئيساً بحسب الدستور عام 1970 رفض ذلك وأصدر بياناً لو تلقفته القوى السياسية لربما تجنب لبنان أتون الحرب التي حصلت بعد خمس سنوات. جاء في البيان الشهير "أن المؤسسات السياسية اللبنانية والأصول التقليدية المتبعة في العمل السياسي لم تعد في اعتقادي تشكل أداة صالحة للنهوض بلبنان، ذلك لأن مؤسساتنا التي تجاوزتها الأنظمة الحديثة في كثير من النواحي سعياً وراء فاعلية الحكم، وقوانيننا الانتخابية التي فرضتها أحداث عابرة وموقتة، ونظامنا الاقتصادي الذي يسهل سوء تطبيقه قيام الاحتكارات، كل ذلك لا يفسح في المجال للقيام بعمل جدي على الصعيد الوطني".

من يقف أمام تمثال شهاب في جونيه يمكنه بسهولة مشاهدة تمثال العذراء على التلة المشرفة على المدينة، وكأن العذراء ترنو إليه.  

المزيد من تحلیل