سجلت المرأة السودانية التي نالت شرف استحقاق لقب "الكنداكة" الذي يعني المرأة العظيمة، دوراً كبيراً في ما حدث من تغيير سياسي، أطاح بنظام الرئيس السابق عمر حسن البشير في 11 أبريل (نيسان) الماضي.
وشكلت في الوقت نفسه قلب الثورة النابض بإطلاقها "زغرودة" بدء انطلاق التظاهرات على رغم شدة درجات الحرارة التي وصلت في العاصمة الخرطوم آنذاك أكثر من 45 درجة مئوية، فضلاً عن العنف المفرط الذي مارسته الأجهزة الأمنية ضد المحتجين ما أدى إلى مقتل أكثر من 500 شخص وآلاف الجرحى منذ بداية هذه الاحتجاجات في أغسطس (آب) الماضي وحتى الآن.
وأكد سياسيون وناشطون لـ "اندبندنت عربية"، أن ما قامت به المرأة السودانية من دور بطولي في الثورة الشعبية ليس بمستغرب، فهو امتداد لنضالاتها عبر التاريخ ودورها في صناعة التغيير منذ فترة الاستعمار مروراً بثورتي أكتوبر (تشرين الأول) 1964 وأبريل 1985، مشددين على أن مشاركتها في فترة الحكم الانتقالي المقبل بنسبة لا تقل عن 40 في المئة من المناصب أمر طبيعي في ظل ما أثبتته من جدارة وكفاءة في إدارة شؤون الحياة اليومية.
وقود الثورة
تقول الأديبة والناشطة الأكاديمية والاجتماعية عائشة موسى "لعبت المرأة السودانية دوراً عظيماً في الحياة العامة منذ عهود ما قبل التاريخ، وبدأ وعيها السياسي في فترة مبكرة ما أهّلها المشاركة في البرلمان عام 1964 بعد ثورة أكتوبر التي أسقطت حكم الفريق إبراهيم عبود (1958-1964)".
وتضيف "كانت فاطمة محمد إبراهيم أول سودانية منتخبة في البرلمان السوداني آنذاك، في حين تدرجت المرأة في مختلف الوظائف العامة والقيادية، وأثبتت كفاءتها وقدراتها العالية في ظل القوانين والتشريعات والدساتير الخاصة بالعمل، التي تساوي بينها وبين الرجل من دون تمييز".
لكن، تراجع هذا الدور في فترة نظام الرئيس السابق عمر البشير (1989-2019) بعد أن عدلت حكومته الدساتير والقوانين لتكريس إقصاء المرأة عن منصبها، لذلك كانت المرأة هي وقود الثورة الشعبية وأطاحت بالرئيس السابق عمر البشير، وجاءت مشاركتها الفاعلة في هذه الثورة احتجاجاً على وضعها الذي واجه تدنياً عبر أنماط من السلوك التي تسعى إلى إقصاء المرأة عن دائرة العمل في مؤسسات الدولة وتوزيع الفرص في هذه المؤسسات بحسب الولاء السياسي وعبر الانتماء إلى الحزب الحاكم.
وأكدت عائشة موسى أن المرأة السودانية بمختلف الأعمار، خصوصاً الفتيات، شاركت في الثورة الشعبية التي انتظمت لأول مرة جميع مدن وأقاليم السودان المختلفة لترسيخ مفاهيم الحرية والعدالة والسلام في المجتمع، ما يثبت وعيها وحسها الوطني الرفيع.
فضلاً عن الحفاظ على مكتسباتها والتقدم بخطى ثابتة صوب الإسهام في ترسيخ دعائم مؤسسات المجتمع المدني ومفاهيم حقوق الإنسان.
ولفتت إلى أن مساهمتها الحماسية بإطلاق الأشعار الممجدة للحرية والديمقراطية والعيش الكريم للإنسان السوداني لم تأت من فراغ، فهو دور مؤصل في تاريخ نضال المرأة السودانية ودورها في صناعة التغيير.
ففي ثورة السودان ضد الحكم التركي (1825-1885)، شجعت الشاعرة السودانية مهيرة زعماء القبائل للوقوف ضد الجيش التركي ومحاربته، من خلال قصائدها التي استخدمتها لتشجيع قادة قبيلتها وجيشها للاستمرار في النضال.
في المقابل، شكلت زغاريد النساء شرارة بدء التظاهرات والهتافات في هذه الثورة، ما يزيد من الحماسة عند الشباب الثائر.
وبينت عائشة أن المرأة السودانية تستحق أن تكون في أرفع المناصب لأن نيلها هذا المكتسب جاء بعطائها ومجهوداتها المقدرة، مشيدة بتوجه قوى الحرية والتغيير الذي تضمنته الوثيقة الدستورية بأن حددت نسبتها بما لا يقل عن 40 في المئة من مشاركتها في هيئة الحكم خلال الفترة الانتقالية المقبلة، وهو حق انتزعته عن جدارة واستحقاق.
وأوضحت أهمية تأكيد دور وحقوق المرأة المسلوبة التي يجب انتزاعها مثل العدالة النوعية والمواطنة وتأصيل حق المرأة في الدفاع عن حقوقها ووجود قوانين حامية للقاصرات من الزواج المبكر، وغيرها من القوانين التي يجب أن تصدر لإزالة غبن ثلاثين عاماً من الظلم عانت فيها المرأة كل أنواع المعاناة.
لاعب أساسي في المجتمع
وفي سياق متصل، يضيف القيادي بقوى إعلان الحرية والتغيير محمد وداعة "سبقت المرأة السودانية بعض نظيراتها العربيات في المشاركة في الحياة السياسية، بدءاً من الممالك القديمة مروراً بالثورة المهدية 1885 والحركة الوطنية 1924، ومشاركتها في استقلال السودان 1956، وكذلك مشاركتها في ثورة 1964 ضد الرئيس السابق إبراهيم عبود، وثورة 1985 ضد الرئيس السابق جعفر نميري (1969-1985)".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول "لكن على الرغم من مشاركتها المشرقة في الحياة السياسية والاجتماعية إلا أن الصورة أصبحت مقلوبة بعض الشيء، ما دفعها لتكون رأس رمح الثورة الشعبية التي انتصرت بفضل جهودها الجبارة في مختلف المجالات ومتقدمة صفوف الاحتجاجات".
ويلفت إلى أن تجربة المرأة السودانية وما قبلها، أثبتت وجودها وفاعليتها في الحياة السياسية والاجتماعية بشكل واضح، لذلك أن وجودها خلال فترة الحكم الانتقالي المقبل في إدارة شؤون الدولة سواء في مجلس السيادة أو مجلس الوزراء أو المجلس التشريعي ليس مكافأة لدورها في هذه الثورة، بل تقدير لمكانتها وكفاءتها، كما يشارك الرجل أيضاً، وهو ما نصت عليه الوثيقة الدستورية بأن لا تقل نسبتها في المشاركة في المناصب ومؤسسات الدولة المختلفة عن 40 في المئة، وستخضع هذه المسائل لمعايير وزنها وجدارتها للمنصب الذي ستتولاه.
ويشير وداعة إلى أن التميز الإيجابي الذي نصت عليه الدساتير حول مشاركة المرأة في الحياة العامة أمر طبيعي لأنها أخذت دورها في المجتمع بعملها وعطائها، وأثبتت أنها تقوم بدور كبير من دون وجود فوارق بينها وبين الرجل، منوهاً إلى أن المرأة السودانية تقدمت كثيراً وأصبحت لاعباً أساسياً في المجتمع وتمثل الآن ما لا يقل عن 60 في المئة من إجمالي الوظائف في مجال الأعمال والخدمة المدنية، ما يبرز مكانتها المرموقة التي نالتها باستحقاق تام.